الأخوة الأوائل
وهكذا كانت مشكلة هابيل، أن قربانه كان مقبولًا أمام الله، فتضايق أخوه، ويقول الكتاب في ذلك:
" فإغتاظ قايين جدًا، وسقط على وجهه" (تك 4: 5).
إذن قايين لم يكن يسعى إلى محبة الله، وإلى إرضاء قلب الله، إنما كان يبحث عن كرامته الشخصية ورضاه عن نفسه وعن مركزه.
لو كان يبحث عن محبة الله، لكان في حالة رفض الله لقربانه، يفتش كيف يرضى الرب، ولا مانع من أن يغير قربانه، ويقدم ذبيحة كهابيل، ويحسن تصرفه. ولعل هذا ما قصده الرب بقوله: " إن أحسنت، أفلا رفع" (ع 7) أي أفلا يرتفع وجهك، إن أحسنت التصرف، وإن أحسنت التقدمة، وإن أحسنت التفكير والشعور..
كانت أمامه فرصة لتحسين موقفه، ولكنه لم يستغلها، ولم يستفد من توجيه الرب، الذي تنازل وكلمه
كان أمامه أن يتضع، ويشعر أن قربانه " من ثمار الأرض " ليس هو حسب مشيئة الرب، وإنما مشيئة الرب هي أن يقدم ذبيحة، محرقة سرور للرب، كما فعل أخوه البار هابيل. ولكن قايين لم يشأ أن يعترف بينه وبين نفسه أنه مخطئ في تقدمته، وأنه يجب أن يسلك كأخيه. إنما ركز على كرامته.
كانت ذاته تتعبه. وليته كان يحب ذاته محبة سليمة!
إن الذي يحب ذاته محبة حقيقية طاهرة من الكبرياء والعناد، لا مانع مطلقًا من أن يصحح لهذه الذات أخطاءها، ويعمل على تطهيرها من نجاساتها. أما محبة الذات الممتزجة بالكبرياء، فإن كبرياءها تعميها عن رؤية أخطائها، فتظل كما هي، وتصر على سلوكها..!
وهكذا كان قايين، محبته لذاته، حطمت هذه الذات..
محبة جاهلة، غير حكيمة، لا تعرف النافع لها من الضار.. وقديمًا فكر الشيطان في ذاته، فقال " أصعد إلى السموات، وأرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلى" (أش 14: 13، 14) . وبهذه المحبة الخاطئة لنفسه، ضيع نفسه..
وبالمثل أحب الإنسان الأول ذاته محبة خاطئة. وإذ أراد أن يصير مثل الله عارفًا الخير والشر، أضاع هذا الإنسان نفسه، وطرد من الجنة، ودخل في حكم الموت.
قايين أيضًا ركز كل تفكيره في ذاته، كيف يتفوق على أخوه ويحظى برضى الرب؟!.. فرأى أن يتخلص من أخيه..
يتخلص من هذا البار، الذي كلما يراه تصغر نفسه ويشعر أنه أقل.. ورأى أنه إذا تخلص منه، لا يبقى أمامه شخص أفضل، يثير حسده.
كانت كبرياء الذات، أهم عنده من نقاء الذات.
لقد نبهه الرب إلى أن هناك "خطية رابضة". وقال له بكل وضوح " وإن لم تحسن، فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، أنت تسود عليها". مازال في متناول يدك أن تتخلص منها..
إن الخطية مازالت على باب فكرك، وعلى باب قلبك، وعلى باب إرادتك. ومازالت إرادتك في يدك، وأنت تسود عليها.. فاحذر لنفسك قبل أن تتورط..