رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عاصفة جدل حول تأجيل الدراسة وأنباء عن إلغاء الترم الثاني
يكاد لا يخلو بيت في مصر من الحديث عن موعد العودة للدراسة بالترم الثاني، على خلفية انتشار "أنفلونزا الخنازير" بمعدلات كبيرة، فرغم تأكيدات د. محمود أبو النصر التي خرج بها الاثنين 10 فبراير وهو يقسم بأغلظ الأيمان أنه لا نية لتأجيل الدراسة مرة أخرة وأن قرار العودة يوم 22 فبراير نهائي ولا رجعة فيه إلا أن أغلب أولياء الأمور لديهم شكوك في هذا "القسم الغليظ". ومما يدعم حالة الارتباك والقيل والقال هذه أن الوزير كان قد أقسم منذ نحو 10 أيام بأن الدراسة في موعدها وليس هناك احتمال "البتة" للتأجيل، إلا أنهم فوجئوا في اليوم الثاني مباشرة بل قبل مرور 24 ساعة بقرار تأجيل الدراسة ليس لأسبوع واحد بل أسبوعين "لوكشة واحدة" بحسب التعبير المصري الدارج. كما أن الحيثيات الطريفة التي أبدتها دوائر صنع القرار حول سبب تأجيل الدراسة كانت أكثر دفعاً للشك في تصريحات الوزير، حيث قيل إن قرار تمديد الإجازة لا علاقة له بالمرة بالحرب التي تخوضها مصر منذ شهور ضد الإرهاب، كما حلف المسئولون "برأس أبيهم" أن قرار التأجيل لا علاقة له بانتشار "أنفلونزا الخنازير" بل أنها منحة حكومية لـ"لم شمل الأسرة". ويتزامن كل هذا مع الذعر الذي ينتاب أولياء الأمور حالياً من تضاعف أعداد ضحايا الأنفلونزا.. حيث تضاعف أعداد الوفيات من 24 و165 مصابا خلال 4 شهور إلى 38 وفاة بخلاف 319 مصابا في غضون عدة أيام مما يطرح تساؤلات خطيرة حول أسباب هذه الزيادة الكبيرة إلى جانب المخاوف من تحولها إلى وباء في ظل اختلاط الأطفال بالأعداد الكبيرة التي تشهدها أغلب الفصول بالمدارس. في هذه الأثناء انتشرت أنباء حول أن وزارة التربية والتعليم ستقوم بتأجيل الدراسة مرة أخرى إلى بداية شهر مارس المقبل، وذلك بسبب مرض أنفلونزا الخنازير وهناك من نسب تصريحات للمتحدث الرسمي باسم وزارة الإعلام قال فيها إن د. محمود أبو النصر وزير التعليم سيقرر تأجيل الدراسة إلى بداية شهر مارس 2014، وذلك في حال زيادة معدلات الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير. أكثر من ذلك تدور أحاديث في الكواليس عن أن وزارة التعليم ربما تلجأ إلى إلغاء الترم الثاني برمته إذا زادت حالات الإصابة عن حدود السيطرة حرصا على صحة وسلامة التلاميذ خصوصاً بالصفوف الدراسية الأولى حيث تكون معدلات انتشار المرض أكبر والمضاعفات أخطر. المثير في هذه الأزمة ما لاحظناه على كثير من الأسر التي تتمنى من كل قلبها تأجيل الدراسة ليس خوفاً على أبنائهم من الأنفلونزا أو الإرهاب بل تخفيفاً للأعباء التي تواجههم من متطلبات ونفقات الدراسة وما يتعلق بها من أول "السندويتشات" والمصروف وانتهاء بـ"بعبع" الدروس الخصوصية. ويرتبط تفسير هذه الإشكالية بالأوضاع المزرية التي تعيشها ملايين الأسر، تحت وطأة الفقر والجهل، فهذا يجعل مسألة تعليم أبنائهم أمرا شاقا للغاية لما يتكبدونه من نفقات على الدروس الخصوصية و"مصروف" الأبناء ذهاباً وإياباً وإفطاراً، وإن أمكن "حاجة ساقعة" أو حتى "3 سجاير فرط" كما يحدث في أغلب الأحياء الشعبية. فالواقع يشير إلى أننا مجتمع يكره العلم في كثير من أوجه حياته، وهذا ليس كراهية للعلم في حد ذاته بل في المؤسسات التي تديره والمدرسون الذين يجهلونه لدرجة دفعت الكثيرين لترديد مقولة "يقطع العلم على اللي بيعلموه واللي بيتعلموه والكل كليلة". فنحن نتلقى الطلاب لا يعرفون شيئاً ويدخلون شتى أنواع المدارس وأنواع التعليم ويخرجون منها لا يعرفون شيئاً أيضاً، كل الذى على صلة بالعملية التعليمية في كل مراحلها وصنوفها يعرف هذه الحقيقة المرة، وإن أنكرها أبناء مصر الآخرون، مصر المترفة المدللة التي تستأثر بالسلطة والثروة ومباهج الفساد. وقد ناقش المفكر الأستاذ السيد ياسين هذه الظاهرة على صفحات الأهرام في مقال له بعنوان "هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟" حاول من خلاله رصد التحديات التي تقف حجر عثرة في وجه مسيرة التقدم العربي، وذهب كما ذهب عدد من مفكري الغرب إلى أن التخلف حالة عقلية. وقد سبق للأستاذ السيد ياسين في كتابه "أزمة المجتمع العربي المعاصر" أن رد التخلف العلمي إلى سببين رئيسيين، الأول عدم إيمان القيادات السياسية بأن العلم ركيزة التقدم الأولى وثانيا تقاعس كبار العلماء عن محاولة إقناع الحكام بأهمية العلم في دفع قوى الأمة نحو مستقبل أفضل. ويميل بعض الباحثين مثل د. سمير أبو زيد إلى تفنيد الأسباب التي أدت إلى كراهة العرب لكل ما هو علمي، وإلصاق تهمتها في الدين الذي يدعي أنه قيد حركة التفكير العلمي وكبح التوجه نحو اكتشاف المجهول وأن فقهاء ومفكري الدين الإسلامي رسخوا الاعتقاد بأن الدين هو كل شيء في حياة المسلمين وهو الدنيا والآخرة، وهى رؤى مخالفة للواقع حيث يبالغ كاتبها في تقدير هيمنتها ويعول عليها كثيرا، وقد لاحظ ذلك الأستاذ السيد ياسين وتحفظ عليه متسائلا عن السر في النهضة العلمية الإسلامية الكبرى في القرون الوسطى إذا كان الدين له تأثير سلبي يحول دون الإقبال على العلم. في الواقع فإن المصاب جلل والرسالة التي وصلتنا من فرحة الناس بتأجيل الدراسة إلى هذه الدرجة تحتاج وقفة حاسمة، فلا يمكن السكوت عليها بأية حال إلا إذا كنا نصر على أن نبقى دولة "نايمة". |
|