حاجتنا إلى الغفران
علمنا الرب أن نقول في الصلاة الربية "اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" (مت 5: 12). والواقع أن هذه الطلبة تحوي الكثير من التأملات، منها:
عبارة " اغفر لنا خطايانا "" تحوي اعترافا بأننا خطاة.
وفي بعض الترجمات " اترك لنا ما علينا " أو اترك لنا ديوننا " والقديس أوغسطينوس يقول:" إننا نطلب أن يغفر لنا ما علينا لأننا مديونون".. كان القديس أوغسطينوس أسقفًا، ولكنه أيضًا كان يصلي هذه الصلاة. والقديس يوحنا الرسول يؤكد علي هذا المعني ويقول:
" أن قلنا إننا بلا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 1:8).
كذلك القديس يعقوب الرسول يقول بالمثل "أننا في أشياء كثيرة نعثر جميعًا" (يع 3: 2). والقديس بولس يدعو نفسه "أول الخطاة " والكنيسة تعلمنا في صلواتها، أنه ليس أحد بلا خطية، وإن كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض.. لذلك نحن نقف للصلاة نقول للرب " اغفر لنا".. فهكذا علمنا..
إن كان أحد بلا خطية فلا داعي لأن يقول هذه الطلبة!
ولكن الكتاب المقدس سجل لنا خطايا وقع فيها الآباء والأنبياء، قال إن الخطية طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء " هذه الطلبة إذن، تعطينا فكرة أننا محتاجون إلي الخلاص كل يوم.. ولعل البعض يسأل هنا:
ما معني الخلاص إذن والتجديد اللذين نلناهما في المعمودية؟
ما معني عبارة " من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16). وما معني " جدة الحياة " وصلب الإنسان العتيق!" (رو 6: 4، 6)؟
وما معني قول الرسول " لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27)؟ حقًا إننا نلنا كل هذا في المعمودية، ولكن هناك ملاحظة هامة وهي:
لقد اخذنا في المعمودية تجديدًا ولكن لم نأخذ فيها عصمة.
فلا يوجد إنسان معصوم، بل ما اعجب قول يعقوب الرسول عن القديس العظيم إيليا النبي " إيليا كان إنسانًا تحت الألام مثلنا" (يع 5: 17). بعدم العصمة قد نسقط، وبالنعمة وعمل التوبة نقوم، ونقول للرب عن سقطاتنا " أغفر لنا " أننا تعمدنا، ولكننا ما زلنا مديونين. ليس لأن شيئًا قد بقي ولم يغفر لنا في المعمودية! ولكن لأننا في حياتنا نعمل كل ما يحتاج إلي غفران يومي.. حقًا إنه في المعمودية قد غفرت لنا خطايانا ولكننا في كل يوم نخطئ خطايا جديدة تحتاج إلي مغفرة.
أن الذين اعتمدوا، وفي الحال فارقوا هذه الحياة، هؤلاء قد صعدوا من جرن المعمودية بلا دين عليهم.
أما الذين اعتمدوا، ومازالوا موجودين في هذه الحياة، فإنهم يرتكبون نجاسات بسبب ضعفهم المائل. نعم في كل يوم نخطئ إلي الله، مهما كنا ومهما ارتفعنا. لذلك فإننا نقول لله في كل يوم: اغفر لنا ما علينا.. نعم بسبب الخطايا اليومية، ومن الضروري أن نقول في هذه الصلاة: أغفر لنا
أن الذي ترتفع نفسه فوق هذه الطلبة، يكون محاربًا بالبر الذاتي.
وذلك لأننا مديونان أمام الله. وفي قصة المرأة التي غسلت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، قال الرب لسمعان الفريسي. " إنسان كان له مديونان، علي الواحد خمسمائة دينار، وعلي الأخر خمسون، وإذا لم يكن لهما ما يوفيان، سامحهما جميعًا" (لو 7: 41). وبنفس المعني، ذكر السيد المسيح مثل العبد المديون المدان الذي سامحه سيده إذ لم يكن له ما يوفيه (مت 18: 27). كل منا يقف أمام الله مديونًا، عاجزًا عن وفاء ديونه، لأن أجرة الخطية هي موت، ولا وفاء إلا بتلك الفدية التي قدمت عنا علي الصليب.إذن في قولنا " اغفر لنا " نعني طلبنا بأن تمحي هذه الخطايا بالدم الكريم، ويحملها الرب عنا..