نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ
في نهاية المطاف ، بعد سنوات طوال قضاها نبي الله موسى في مصر وارض مديان والتيه في البرية . 120 عاما ً عاشاها موسى كليم الله ، يخدم الله ويعاين مجده ويقود شعبه . وها هو بعد كل السنوات يجلس وحيدا ً على الجبل بعد ان رأى ارض الموعد من بعيد . جلس يسترجع الاحداث العظيمة التي مرت به والعجائب التي صنعها الله بيده ِ وبعصاه . سرح بنظره ِ الى اول لقاء مع الله في جبل حوريب ، تذكر العليقة المحترقة بالنار . ومر شريط الذكريات ، مصر ، مذلة الشعب ، فرعون ، قسوته ، الضربات ثم الخروج . الخروج المتعجل والزحام والصراخ والجري والسقوط والقيام وعفار الصحراء يغطي الارض والسماء وقعقعة المركبات وصهيل الخيل وصياح جند فرعون خلفهم وانحباسهم بين البحر وجيش المصريين . الفزع على وجوه الجميع ، والبكاء ولطم الخدود ثم خلاص الرب . بضربة ٍ واحدة من عصاه انشق البحر ، وعبر الشعب وغرق جيش فرعون ، وتوالت معجزات الرب ، طعام المن والسلوى من السماء ، الماء الرطب يخرج من بطن الصخرة ، وها هو الله حتى هذه اللحظة معه كل الوقت وحتى نهاية الوقت . وقد جائت نهاية وقته . هو الآن على الجبل يرى غروب حياته وبداية انطلاقه ِ الى الابدية لينضم الى الله الابدي . سوف يتبع رفاق ايام شبابه ، وايام كفاحه الذين دُفنوا في رمال الصحراء فيرقد بجوارهم . طال عمره عنهم بعض الوقت ، لكن لكل عمر ٍ نهاية ولكل وقت ٍ زوال . حضر وقت الرحيل ، فيمضي موسى وتبقى الصحراء ، ويمضي موسى وتبقى الجبال ، فيمضي موسى وتبقى الانهار ، فيمضي موسى ويُدفن في التراب وتختلط ذراته ُ بذراته ِ ، ويبقى الله الازلي الأبدي . في تأملاته تلك رفع موسى صلاته ُ في المزمور التسعين : " إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ." حكمة ان نعرف ان للوقت نهاية ، حكمة ان نعرف ان للانسان نهاية . ومن الحكمة ان نفتدي الوقت ونستفيد بساعاته ِ ودقائقه ِ وحتى ثوانيه . وبعد ذلك كله تأتي النهاية ، نهاية الوقت ونهايتنا لنسمع الصوت : " نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. " (متى 25: 21 ) ونخطو الى الخلد مع الله الخالد ، نحو الابد مع الله الابدي ، آمين .