رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفضيلة، ما هي؟ كيف تكون؟ وما مصادرها؟ تعريفات ما هي الفضيلة؟ وما معني عبارة "إنسان فاضل"؟ + ربما عبارة "إنسان فاضل "تعني أنه إنسان خير، يحب الخير ويعمله. ويحب البر. + والفضيلة قد تعني النقاوة، أو السير في طريق الله. + وقد تعني قوة في النفس، تمكنها من انتصار علي كل نوازع الشر وإغراءاته. وتمارس الحياة البارة. * وربما تعني الفضيلة الارتفاع فوق مستوي الذات. * بحيث يخرج الإنسان عن دائرة ذاته، ويعيش لغيره. يخرج من الاهتمام بنفسه، أو التركيز علي نفسه، للاهتمام بالآخرين.. من محبته لنفسه إلي محبته لله والناس. نقول هذا الآن الخطية كثيرًا ما تكون إنحصارًا حول الذات. إنسان يريد أن يرفع ذاته، يمتع ذاته، يشبع رغبات ذاته. * الفضيلة أيضًا هي ارتفاع فوق مستوي اللذة: * لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية، أو لذة نفسية. فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس، وتصبح لونًا من إشباع الذات، وبطريقة خاطئة. فالذي يحب المال أو المقتنيات، إنما يجد لذة في المال وفي المقتنيات. وكذلك من يحب الزينة، ومن يحب الطعام. ومن يحب المناصب أو الشهرة، إنما يجد لذة في كل هذا. ومن يحب الجسد يجد لذته في الجسد، ومن يحب الانتقام لنفسه، يجد لذة في ذلك. الخطية إذن هي سعي وراء اللذة. والفضيلة هي ارتفاع فوق مستوي اللذة، ألي أن تجد إشباعًا لها في السعادة الروحية. والسعادة غير اللذة، والفرح غير اللذة. اللذة غالبًا مرتبطة بالحس، بالسجد والمادة، أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح.. ولذلك الفضيلة إذن تكون إرتفاعًا فوق مستوي المادة أيضًا.. مصادر الفضيلة 1- أول مصدر هو الحكمة والإفراز والمعرفة: وهكذا علمنا أبونا القديس الأنبا أنطونيوس. والعلماء والفلاسفة يركزون علي كلمة (المعرفة). والمقصود بها المعرفة الحقيقية. وهي المعرفة التي تميز بين الخير والشر، ويسميها البعض Gnosticism (الغنوسية). وهكذا يقول الكتاب: "الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا14:2). وهكذا نري في مثل العذراى الحكيمات والجاهلات (مت25)، أن الحكيمات كن يرمزن إلي حياة البر، بعكس الجاهلات. لأن الحكيم الحقيقي بالضرورة يسلك في حياة الفضيلة. بينما لأبد أن نصف الخاطئ بأنه جاهل، مهما كان من العلماء! إنه جاها بطبيعة الأشياء، جاهل بطبيعة الخير والشر، جاهل بمصيره الأبدي، جاهل بما تجلبه الخطية من نتائج. جاهل لا يعرف خيره من شره، ولا نفعه من ضره! ولا يقصد المعني السطحي من كلمة (جاهل)، التي تعني أنه لم يتعلم في مدارس أو علي أساتذة.. إنما هو جاهل من جهة الحكمة الإلهية، وجاهل من جهة المعرفة الحقيقية.. ومثل هذا الأنسان يحتاج إلي نوعية وإلي إرشاد.. وقد قال السيد المسيح عن الذين صلبوه، إنهم "لا يدرون ماذا يفعلون" (لو34:23). وهكذا وصفهم بالجهل.. وقال الرسول عنهم.. "لأنهم لو عرفوا، لما صلبوا رب المجد" (1كو7:2). حتي الإلحاد، يصفه الكتاب بالجهل، فيقول: قال الجاهل في قلبه ليس إله (مز1:14). حتي لو كان هذا الإنسان من فلاسفة عصره. إنه جاهل! الحكمة تدعو الإنسان إلي السر في الطريق السوي.. فتاة مثلًا تحب شابًا من غير دينها، محبة تؤدي إلي (الزواج) منه.. فيأتي مرشد ليقول لها: أنت تسيرين في طريق مسدود، لا تعرفين إلي أين ينتهي بك.. إنك تضيعين نفسك، وعائلتك، وأخواتك البنات، وربما الأولاد أيضًا!! المسألة تحتاج إلي معرفة بنوع الحياة، وبالنتائج.. وكلما يتعمق الإنسان في الحكمة، علي هذا القدر يتعمق في فهم الأمور. ويعرف ما ينبغي أن يكون. غير أن مصادر الفضيلة، ليست هي مجرد الحكمة والمعرفة. قد يعرف الإنسان الخير ولا يسلك فيه! هنا نتعرض للمصدر الثاني من الفضيلة، وهو: 2- قوة الإرادة والعزيمة: قد لا يستطيع إنسان أن يسلك في طريق الفضيلة، لأنه مغلوب من نفسه، لأنه ضعيف الإرادة. وكما يقول الكتاب: "لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده، إياه أفعل" (رو19:7). ولهذا فإن كثيرين -لكي يحيوا في الفضيلة- يسلكون في تداريب روحية لتقوية إرادتهم. إن الضعف يسبب الوقوع في الخطية. والوقوع في الخطية يؤدي إلي مزيد من الضعف. كل منهما يكون سببًا ونتيجة للآخر.. ولذلك نقول عن الإنسان الفاضل، إنه إنسان قوي.. قوي في الروح، وفي الفكر، وفي العزيمة، وفي التنفيذ، وفي التدريب،إنه قوي في الانتصار علي الحروب الخارجية، وفي الانتصار علي النزعات الداخلية. الذي تستعبده عادة رديئة، هو إنسان ضعيف. والذي لا يستطيع التحكم في لسانه، ولا التحكم في أعصابه. ولا التحكم في فكره، هو إنسان ضعيف. وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيلة.. حتى إن تاب عن الخطية، يعود إليها مرة أخري. 3- من مصادر الفضيلة أيضًا: المبادئ والقيم: الإنسان الروحي المتمسك بالمبادئ والقيم يحيا حياة الفضيلة. لأن القيم التي يؤمن بها تحصنه، فلا يستطيع أن يخطئ، مهما حورب بالخطية. يقول لك: لا أستطيع أن أفعل هذا الشيء، ولو كان السيف علي رقبتي. لا أستطيع أن أكسر مبادئي. أما الإنسان الخاطئ، فلا قيم عنده. أي أن الفضائل لا قيمة حقيقية لها في نظره، حتى يحافظ عليها!! إنه يكذب لأن الصدق لا قيمة له في نظره. ويزني لأن العفة لا قيمة لها في نظره. ويخون لأن الأمانة لا قيمة لها في نظره.. وهكذا مع باقي الفضائل. وبسبب ضياع القيم، يقع في الاستهتار واللامبالاة.. لا الوقت له قيمة، ولا المواعيد لها قيمة، ولا الواجبات لها قيمة، ولا النظام العام، ولا القانون، ولا التقاليد.. ولا شيء علي الإطلاق...! 4- من مصادر الفضيلة أيضًا مخافة الله: الإنسان الذي توجد مخافة الله في قلبه، ولا يخطئ.. ولهذا قال الكتاب "بدء الحكمة مخافة الرب" (أم10:9). ونجد في هذه الآية الحكمة والمخافة معًا.. الإنسان الروحي، يخاف أن يكسر وصايا الله. ويخاف اليوم الذي يقف فيه أمام الديان العادل (عب31:10). ويخاف العقوبة: بل يخاف أن يفقد طهارته وأن يفقد الصورة الإلهية. ويخاف أيضًا علي سمعته. ويخاف أن يكون عثرة لغيره. وبالمخافة، يسلك في طريق الفضيلة وبممارسة الفضيلة وحبها. وهكذا يسلك فيها حبًا لا خوفًا. غير أن البعض من الذين لا يفهمون الترتيب الطبيعي للفضائل، يبعدون عن المخافة بفهم خاطئ للآية التي تقول: "لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي الخارج" (1يو 18:4). فمن الناس قد وصل إلي هذا المحبة الكاملة لله، التي تطرح الخوف ألي الخارج؟! علينا أن نبدأ بالمخافة أولًا. والكتاب يقول "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط17:1). (ويقول أيضًا تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (في12:2). ولنثق أن هذه المخافة هي التي ستوصلنا إلي المحبة. 5- مصدر أخر للفضيلة هو الموهبة الإلهية. فالفضيلة علي نوعين، نوع يولد الإنسان به، بطبع هادئ طيب: ونوع يجاهد الإنسان لكي يصل إليه. أما عن النوع الذي يولد الإنسان به، فهو كمثال يوحنا المعمدان، الذي قيل عنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو15:1). ومثال أرميا النبي الذي قال له الله "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خلقت من الرحم قدستك. جعلتك نبينًا للشعوب" (أر5:1). وكما يوق المثل العامي "مالك متربي؟ قال من عند ربي".. ومن الذين جاهدوا حتى يصلوا إلي الفضيلة، القديس موسى الأسود الذي يجاهد..، ينال بلا شك أجرًا سماويًا عن جهاده. وانتصاره. وهؤلاء وضعهم السيد الرب في سفر الرؤيا تحي عنوان "من يغلب" (رؤ3:2). حتى الذي يولد بالفضيلة، يحتاج أيضًا إلي جهاد، لكي يغلب.. لأن عدو الخير لا يشاء أن يتركه في راحة. بل يحاربه محاولًا أن يفقده فضائله. فالذي ولد بفضيلة، يلزمه أن يثبت فيها، ويصمد أمام حروب العدو وكما قال الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا "تمسك بما عندك، لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ11:3).. وأيضًا يجاهد حتى يصل ألي الكمال في فضيلته. أنه جاهد للنمو. وجهاد يدخل به من الباب الضيق حسب وصية الرب (مت13:7). 6- من مصادر الفضيلة، النعمة: نعمة الله التي تساعد الإنسان وتقوية، لكي يسلك ويثبت في طريق الله. كما قال بولس الرسول "بنعمة الله أنا ما أنا. وبنعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15). ولأهمية هذه النعمة، فإن الكنيسة المقدسة تطلبها لنا في كل اجتماع قائلة "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله وشركة الروح القدس، تكون مع جميعكم آمين" (2كو14:13). علي أننا يجب أن نتجاوب مع عمل النعمة. ونشترك مع الروح القدس في العمل. ذلك لأن نعمة الله العاملة معنا، لا تهبنا الفضيلة إلا باشتراكنا معها، وقبولنا لها. ولذلك يقول الرسول "النعمة العاملة معي". وليست العاملة وحدها. الروح القدس يعمل فينا، ونحن نعمل معه. نشترك معه في العمل. 7- قال بعض الآباء: الفضيلة بطبيعتها مغروسة في النفس: وهكذا تكون الخطية مجرد مقاومة لهذا الغرس الإلهي.. ولهذا تجد ضمير أي إنسان أيا كان، من أي دين من الأديان، بوذي، براهمى، كنفوشيوسى.. من أي دين، تجد الفضيلة مغروسة فيه.. إنها الشريعة الطبيعية غير المكتوبة، التي وضعها الله فينا. توضح لنا الخير، وتدفعنا إليه، وتبكتنا إن لم نسلك في طريق الفضيلة.. لذلك نجد أن الذي يخطئ، يشعر بالخجل والخزف والارتباك.. هذا هو الذي يحدث للطفل، حينما يخطف شيئًا ليس له، أو حينما يرتكب خطأ لا توافق عليه القيم المغروسة فيه بالفطرة.. وهذا ما يحدث للكبار أيضًا. لهذا يحبون أن يرتكبوا الخطية في الخفاء، في الظلمة، دون أن يلاحظهم أحد.. لأنهم يقاومون شيئًا مغروسًا في أعماقهم، وذلك قيل عنهم: "أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3). بقي أن أحدثك عن نوعية الفضائل: السلبية والإيجابية، الداخلية والخارجية، وكذلك تكامل الفضائل وأمور أخري. تحدثنا عن تعريف الفضيلة، وعن مصادرها ونضيف هنا: فنقول عنها إنها: شركة الروح القدس الروح القدس يسكن فينا (1كو16:3). وهو يعمل فينا. وفي نفس الوقت يعمل بنا. ولذلك لابد أن نشترك معه في العمل. ولا يمكن أن نأخذ من عمل الروح فينا موقفًا سلبيًا. ذلك فالفضيلة هي شركة مع الروح القدس. هي نتيجة لقوة عمل الله. الذي يقابله تجاوب من إرادة الإنسان. لأنه إن كان الإنسان لا يريد، فلا يمكن أن تتم الفضيلة. وهكذا وبخ الرب مرة شعب أورشليم، وقال لهم "كم مرة أردت.. ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا "ً (مت23: 37،38). محبة الخير الفضيلة ليست مجرد عمل الخير، إنما هي بالأكثر محبة الخير. لأن بعض الناس قد يعملون الخير خوفًا من العقوبة، أو من أجل السمعة وتجنبًا لكلام الناس. أو يعلمون الخير حبًا في المديح، أو رغبة في نوال مكافأة، أو مجاراة لجو معين.. ولكن ليس في كل ذلك فضيلة.. إنما الفضيلة هي حب الخير، حتى إن لم تفعله لسبب خارج عن إرادتك. ولذلك نقول في أوشية القرابين، ضمن من نطلب لهم بركة العطاء "والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم". ولكن إن مجدت إمكانية لعمل الخير، لأبد أن تعمله. وهكذا تجتمع نية القلب، مع الإرادة مع العمل. لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين. والعمل هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة. الفضيلة لا تقف عن حد، إنما هي سعي نحو الكمال. سعى نحو الكمال فالذي يعمل الفضيلة يود أن ينمو فيها. ويستمر في النمو حتى يصل إلي الكمال الممكن له كإنسان، أعني الكمال النسبي. ولذلك كما قال الرب في العظة علي الجبل "فكونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). والسعي إلي الكمال، قد يحتاج إلي التدرج. والآباء الروحيون كثيرًا ما يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج. لأن الطفرات السريعة كثيرًا ما تؤدي إلي المجد الباطل والافتخار، وأحيانًا تكون لها نتائج عكسية. لكن الآباء الروحيين يحبون أن يثبت أولادهم جدًا في كل خطوة يخطونها، حتى إذا ما صارت طبيعية عندهم، يتدرجون منها إلي خطوة أخري، ولا يصبحون في خطر من نكسة ترجعهم إلي الوراء. أما إذا أرادت النعمة أن ترفع الإنسان مرة واحدة إلي فوق، فهذه هبة إلهية غير عادية. وتأتي هذه الفضيلة بالممارسة في الحياة. وإنما يتحدث الكتاب عن السلوك فيقول "لا دينونة علي الذين هم في المسيح، الساكن ليس حسب الجسد، إنما حسب الروح" (رو1:8). وأيضًا" من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2).. إذن الفضيلة هي سلوك بالروح. قد يبدأ بالحب. وقد يبدأ بالمخافة، ويتحول إلي الحب. ولكنه في كلتا الحالتين. حب لله، وحب للخير، وحب للغير، يظهر في سلوك الإنسان وفي حياته العملية. والحياة في الفضيلة هي حياة جهاد: حياة جهاد لأنه كما أن النعمة تحب أن ترفعك إلي فوق، كذلك قوي الشر لا تريد أن تتركك في راحة، إنما تحاول أن تجذبك إلي أسفل. وكما قال الرسول إن "إبليس خصمكم كأسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 8،9). من هنا كانت الفضيلة صراعًا ضد الخطية. ولذلك قال القديس بولس الرسول "البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية.." (أف6: 10-12). وبمناسبة هذا الصراع، يمكن أن نقسم الفضيلة إلي نوعين: نوعان من الفضيلة وذلك من الناحية السلبية، ومن الناحية الإيجابية: فمن الناحية السلبية مقاومة الخطية ورفضها، ومن الناحية الإيجابية السلوك الطيب في عمل الخير، فليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطية، إنما أيضًا حياة البر. لا يكفي فقط إنك لا تكره إنسانًا، إنما يجب أن تحب الكل. لا يكفي أنك لا تقول كلمة شريرة، إنما يجب أن تقول كلامًا للبنيان ينفع الآخرين. ليست الفضيلة هي إنك لا تضر الناس، بل هي بالأكثر أن تخدمهم وتعينهم وتتعب لأجلهم. يعرف البض الفضيلة بأنها وضع متوسط بين رذيلتين: فالشجاعة مثلًا هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور. والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين القسوة والتدليل. والتدبير الحكيم في مالك هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذير. ويمكننا أن نضرب أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط. الفضيلة لها مستويات في حياة الإنسان: مستويات في الحس، والفكر، والقلب، والعمل.. مستويات المستوي الجسدي للفضيلة، والمستوي النفسي، والمستوي الروحي. وعلي الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوي، ويحترس من السقوط في غيره. فمثلًا الحواس هي أبواب الفكر. فما تراه وتسمعه وتلمسه، قد يجلب لك أفكارًا. فلكي تحفظ فكرك احفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس، لا تجعل الخطأ يتطور بك إلي فكرك. فإن وصل إلي الفكر أطرده بسرعة. وإن وصل الخطأ إلي الفكر، لا تجعله يتحول إلي مشاعر في قلبك. وإن تحول إلي مشاعر لا تجعله يتطور إلي الفكر والعمل؟ واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض. وربما يصير البعض منها سببًا ونتيجة.. فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. وخطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما يدفعان إلي العمل. والعمل يسبب خطورة للحواس، وكذلك الحواس تقود إلي العمل. وإنها دائرة أية نقطة تدور فيها، توصل إلي باقي النقاط. وكما في الشر، كذلك في الخير. تتعاون المستويات معًا. وكما تحدثنا عن هذه النوعيات، نتحدث عن نوعيات أخري وهي: من الداخل والخارج في الداخل، في القلب والروح والفكر. وفي الخارج في الجسد والممارسة. الحب مثلًا فضيلة في القلب. ولكن لابد أن يتحول إلي عمل محبة من الخارج. وفي ذلك يقول القديس يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو18:3).. وهنا تظهر المحبة التي فيها عطاء وبذل وتضحية. فضيلتك التي في فكرك، لا يشعر بها أحد. فيجب أن تعبر عنها بعملك. محبتك لابنك التي في داخل قلبك، تعبر عنها بالعطايا، والاهتمام، بالحنو.. وهنا نتذكر عبارة جميلة في نشيد الأناشيد وهي: "اجعلني كخاتم علي قلبك، كخاتم علي ساعدك" (نش6:8). كخاتم فلي قلبك بالمشاعر الداخلية. كخاتم علي ساعدك بالعمل. يدك تمتد وتعمل وتساعد.. كخاتم علي قلبك بالإيمان، وعلي ساعدك بالإعمال. بطرس الرسول جعل الرب خاتمًا علي قلبه، حينما قال "لو أنكرك الجميع فأنا لا أنكرك"، "أنا مستعد أن أمضي معك حتى إلي السجن وإلي الموت" (لو23:22). ولكنه مع ذلك لم يجعل الرب خاتمًا علي ساعده، حينما أنكره ثلاث مرات، وحينما سب ولعن وقال لا أعرف هذا الرجل" (مت26: 70-75). ولذلك بعد القيامة، سأله الرب ثلاث مرات "أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" (يو21: 15-17).. إن كنت تحبني، لا يكفي بالقلب، بل بالعمل "ارع خرافي، ارع غنمي. والله نفسه عبر مشاعر القلب بالعمل. فقيل "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل إبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3).. أحب العالم "هذا من جهة القلب.. "وبذل إبنه الوحيد" هذا من جهة العمل. والله يعبر عن محبته لنا برعايته وعنايته وحفظه لنا. ومن هنا كان الحب فضيلة القلب. والفداء هو العمل والتعبير. إذن لا نكتفي بأن نقول محبة الله في قلوبنا، إنما ينبغي أن نعبر عن هذه المحبة، وأن نبذل لأجله، ونتألم لأجله.. ولا نكتفي بإيمان بغير أعمال، لأن الإيمان بغير أعمال ميت (يع2: 17،20). خشوع القلب من الداخل، نعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. وهكذا نجد في الصلاة: الوقوف والركوع والسجود، ورفع الأيدي والنظر إلي فوق وثبات النظر بلا تشتت، والجسد بلا حركة، والفكر بلا طياشة.. ولا تقل في كل ذلك "الله إله قلوب! ويكفي أن قلبي مع الله"!! مثال ذلك من يصلي علي المائدة وهو جالس!! وفي كل ذلك نذكر قول المرتل في المزمور "أما أنا فبكثرة رجمتك أدخل إلي بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5). نعبر عن المخافة والخشوع بالسجود. وما أجمل قول الرسول: "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). لا يكفي إذن التمجيد بالروح، إنما بالجسد أيضًا. والمشاعر الداخلية تحتاج إلي التعبير الخارجي. فيشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل ومن الخارج أيضًا. ما يجري في عروقك من مشاعر، يكون له ثمر من الخارج. "ومن ثمارهم تعرفونهم" (مت20:7). حياة الشجرة في داخلها، تعبر عن وجودها من الخارج، بالخضرة، بالزهر، وبالثمر. "وكل شجرة لا تصنع ثمرًا، تقطع وتلقي في النار" (مت10:3). نريد إذن الفضيلة المثمرة. بالعمل الطيب، بالكلمة الطيبة، والسلوك الحسن، بالقدوة، بالنور الذي يضئ للآخرين، بالمحبة العملية. نقطة أخري أقولها وهي تكامل الفضائل: تكامل الفضائل الفضائل تتكامل معًا، ولا تتعارض. وإن سلكت في فضيلة ما، فلابد ستقودك إلي فضائل أخري كثيرة. وإن فقدت إحدي الفضائل، فما اسهل أن يجرك هذا السقوط إلي فقد فضائل أخري عديدة.. إنها سلسلة مترابطة. إن إنفك عقد أحدها، انفرط الباقي.. فاحترس من الاهتمام بفضيلة واحدة، تفقد معها باقي الفضائل. وهنا سهل أن نتكلم عن خطورة الفضيلة الواحدة. محبتك لابنك مثلًا، ينبغي ألا تنفصل عن تربيتك لابنك. وينبغي أن لا تنفصل عن الحكمة في هذه التربية. والحكمة ترتبط أيضًا بالمعرفة. واهتمامك بجسد ابنك وصحته، لا يمنعك من الاهتمام بعقله، وبتثقيفه. وأيضًا يجب أن تهتم بروحيات إبنك وبأبديته.. وهكذا في باقي الفضائل.. كوني أحب الناس، هذا حسن. ولكن ليست محبتهم معناها مجاملتهم في كل شيء، ولو علي حساب الحق. ولكن أحب الله، وأحب الناس في نفس الوقت. وليس الحب معناه العطف الجسدي أو المادي فقط إنما معناه أولًا الحب الروحي. الراعي يحب رعيته. ولكن ليس معني هذا أنه يعطف عليها عطفًا، يجعلها تستمر في الخطأ ولا تخاف. محبة الله يجب أن ترتبط أيضًا بمخافته، أي بمهابته. كيف نتكامل إذن في الفضائل؟ وكيف نصل إلي الوحدة التي ترتبط بها كل الفضائل؟ هذا ما أود أن أحدثكم عنه في الصفحات التالية. |
|