رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هناك أنواع كثيرة من الراحة راحة الجسد، وراحة النفس، وراحة الفكر، وراحة الضمير، وراحة الروح.. والراحة من المشاكل وهناك راحة حقيقية، وراحة زائفة، أو خاطئة.. وقد يوجد إنسان، راحته في هواية معينة، في لون من الرياضة مثلا، أو في أحد الفنون كالرسم أو الموسيقى أو الشعر، أو يجد راحته في القراءة، أوفى تسلية ما محل الألغاز.. وليس في هذا كله شيء خاطئ، مادامت وسيلة سليمة. ولكنه مع ذلك ليس هو الراحة الحقيقية. والبعض قد يجد راحته في المتعة مع الأصدقاء والصحاب والمعارف، بروح الأسرة الواحدة، بأسلوب اجتماعي، يتسامرون ويتسلون، أو يتعاونون معًا في العمل عام. وهذا لون سليم من الراحة، مادام لا خطأ فيه. ولكنه مستوى معين من الراحة، يوجد ما هو أعلى منه. وهناك راحة زائفة، وراحة خاطئه لقد استراح آخاب الملك حينما استطاع أن يدبر مؤامرة ظالمة استولى بها على حقل نابوت اليزرعيلى، وساعدته في ذلك زوجته إيزابل، إذ أرادت أن تحقق له رغبته، ولو بجملة من الخطايا ولم يسترح الاثنان، إذ أرسل الله إيليا النبى إلى آخاب ليقول له "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلى، تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1مل 21: 19). وهكذا حدث لزوجته أيضًا (2مل 9: 36). وقد يظن إنسان أنه يريح نفسه بالتدخين أو الخمر: أو بتعاطي بعض المخدرات. وقد يصل الأمر به في كل ذلك إلى الإدمان. وهو لا يدرى أن السجاير أو الخمر لا تحل له مشكلة، بل هي مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكله. والمخدرات إنما تتيهه عن نفسه فينسى مشاكله إلى حين. ولكن هذه المشاكل تظل باقية بلا حل، تضاف إليها مشكلة أخطر وهى تعاطى المخدرات.. وإنسان آخر قد يرى راحته في تحقيق شهوة معينة: كأن ينتقم لنفسه ممن أهانه أو أساء غليه، ويرد الكلمة بكلمتين، وعندئذ يستريح!! كذلك إن استطاع أن يهزم منافسه.. وكلها راحة زائفة وخاطئة.. ذلك قد يشعر براحة داخلية، من يحقق لنفسه شهوة في العظمة، أو القنية والامتلاك، أو شهوة جسدية، أو قضاء الوقت في الهو وعبث..!! أو ممارسة باقى عاداته الخاطئة.. ويكون في كل ذلك قد أهلك نفسه.. مادام الأمر هكذا، فلنبحث عن الراحة الحقيقية وكيف تكون: أول ذكر للراحة في الكتاب المقدس هو الآية التي تقول: "فاستراح الله في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من كل عمله الذي عمل الله خالقًا" (تك 2: 2، 3).. وهنا نجد راحة مصحوبة بالبركة والتقديس، وتقدم لنا مبدأ هاما وهو: الراحة المقدسة في إتمام عمل صالح: لأن الله نظر إلى نظر إلى كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا (تك 1: 21)، فاستراح لذلك.. وبنفس الوضع نجد راحة أخرى في إتمام عمل الفداء، حينما قال وهو على الصليب "قد أكمل" (يو 19: 30). وأيضًا وجد راحته في قوله للآب: "العمل الذي أعط يتنى لأعمل، قد أكملته" (يو 17: 4). والإنسان الروحي يستريح في أعماقه من الداخل، حينما يمكنه أن يكمل كل عمل صالح يعهد به إليه، وحينما يكمل خدمته. مثلما قال القديس بولس الرسول: "إنى الآن اسكب سكيبًا، ووقت انحلالى قد حضر. جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيرا قد وضع لي أكيل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل" (2تى 4: 6 – 8). لقد استراح السيد المسيح، حينما اكمل عمل الفداء، وأصعد من الجحيم الراقدين على رجاء، وفتح لهم باب الفردوس. ثم هزم الموت بقيامته في فجر الأحد. لهذا نقدس يوم الأحد، ونعتبره يوم الرب، يوم الراحة الحقيقية. لأن فيه اراح الرب البشرية من عقوبة الخطية، ومن الموت. واصبح بقيامته باكورة الراقدين (1كو 15: 20، 23).. وهناك نستريح في يوم الأحد.. كان يوم السبت هو اليوم الذي استراح فيه الله خالقا. ويوم الأحد هو الذي استراح فيه فاديا ومخلصا.. والراحة فيه ليست مجرد راحة الجسد، إنما راحة الروح أيضًا. فالإنسان الروحي يجد راحته في هذا اليوم، في بيت الله، في القداس الإلهي بألحانه وبركاته، وفي الاستماع إلى القراءات المقدسة والعظة، وفي التناول من الأسرار الإلهية. ويجد راحته فيما يقوم به من خدمة في يوم الرب هذا. وبهذا كله ترتاح روحه، ولا يشعر بتعب فيما يبذله من مجهود ويذكر ما قاله القديس يوحنا الرسول في مقدمة سفر الرؤيا: "كنت في الروح في يوم الرب" (رؤ 1: 10). لاشك أنه حينما كان في الروح، كان يجد راحة قلبية، تنسيه الضيقة، والنفى في جزيرة بطمس، وترشحه لتلك الرؤيا الإلهية العجيبة التي رآها.. الراحة في يوم الرب، ليس معناها الكسل أو الخمول، وليس معناها أن الإنسان لا يعمل أي عمل على الإطلاق، كما كان بفهم الفريسيون من وصية الرب (تث 5: 13، 14). فوصية الرب كانت خاصة بالامتناع عن العمل العالمى، وليس عن العمل الروحي.. إذن كان يحل عمل الخير في السبوت (مت 12: 12). أرواحنا تستريح في الله. والله يستريح في ارواحنا. كما قال في المزمور "ههنا موضع راحتى إلى أبد الآبد. ههنا أسكن لأنى اشتهيته" (مز 132: 14). الله حقا يستريح في القلب الطاهر. يستريح في قديسيه، وأيضًا يتمجد فيهم (2تس 1: 10). والإنسان الروحي كما يرتاح الله فيه، كذلك: الإنسان الروحي يجد راحته في إراحة الآخرين: إنه يشعر بلذة وراحه، كلما أراح غيره. يستريح قلبه وتستريح روحه في كل عمل محبة يقوم به نحو الآخرين. يجد راحة قلبية، حينما ينقذ مسكينا، أو يحسن إلى فقير، أو يعطف على يتيم، أو يحل مشكلة إنسان في ضيقة، أو يعزى حزينًا.. ويجد راحة في الخدمة الروحية التي يقوم بها، مهما كلفته من مجهود.. راحة الروح تجعله لا يشعر بتعب الجسد. عامل الإطفاء مثلا يخاطر بالقاء نفسه وسط النار والدخان، ويشعر براحة كبيرة كلما أنقذ إنسان من الحريق. وكذلك من يتعب لينقذ شخصًا من الغرق. كذلك من يبذل كل جهده، ليرد خاطئا عن طريق ضلاله، فينقذ نفسا من الموت، ويستر كثرة من خطايا" (يع 5: 20). كل تعبه في الافتقاد، وفي الحوار والإقناع، وفي احتمال هذا الخاطئ، كل هذا التعب لا يشعر به، بل بالحرى يجد فيه لذة إن أمكنه أن يخلص نفسه. وبهذا يشعر براحة كبيرة. لاشك أن أكبر راحة شعر بها المسيح، كانت على الصليب. وسط آلام الصلب المبرحة، كان يشعر براحة لا يعبر عنها، في تخليص البشرية من حكم الموت، وفي إرضاء العدل الإلهى، وفي بذل نفسه كمحرقة وذبيحة خطية لفداء البشر جميعا.. راحة مؤسسة على الألم، الذي احتمله بسبب الحب.. ولعل نفس الراحة، شعر بها الشهداء، والقياس مع الفارق. وسط عذاباتهم وآلامهم، كانوا يشعرون براحة، إذ هم على وشك الالتقاء بالرب في الفردوس، والتخلص من رباط الجسد والمادة، والانطلاق إلى كورة الأحياء ومجمع القديسين... وهكذا أيضًا، وكل من احتمل آلاما لأجل المسيح،وهكذا قيل عن الآباء الرسل القديسين، بعد جلدهم "وأما هم فذهبوا فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41). وهكذا الأب والأم يشعران براحة من كل تعبهما من أجل تربية أولادهما. مهما بذلا من جهد جسدى في العناية بهؤلاء الأطفال، مهما احتملا من تعب في سهر الليل، وفي العناية بصحة هؤلاء الأطفال ونظافتهم، وفي الاهتمام بتعليمهم والإنفاق عليهم. في كل ذلك يشعران براحة. كما تشعر الأم براحة وهى تحمل جنينا في أحشائها، لأن الله وهبها ابنا، مهما كانت متاعب الحبل والولادة.. إن الراحة ليست هي مجرد راحة الجسد، إنما هي راحة الضمير ايضًا.. والضمير يرتاح حينما يؤدى رسالته، وحينما يقوم بواجبه، ويكلمه على أحسن وجه، ولا يهتم اطلاقا بتعب جسده في سبيل إكمال عمله، وتحقيق هدفه الصالح. وكلما كانت آماله عالية، كلما تعب بالأكثر، ووجد راحة في تعبه. وكما قال الشاعر: كلما كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد بعكس ذلك الذي يستريح جسديا، ويتعب ضميره. كالإنسان الذي يكسل ولا يذهب إلى الكنيسة أو إلى الخدمة، بحجة حاجة جسده إلى الراحة. هذا الإنسان يستريح جسده، ولكن ضميره يتعب. أو الخادم الذي يكسل في افتقاد مخدوميه، أو بحجة تعب الجسد يقصر في زيارة مريض، أو في الذهاب لتعزية حزين، هذا يريح جسده بينما يتعب ضميره. كذلك التلميذ الذي لا يذاكر، ويمتع جسده باللهو والراحة، تتعب نفسيته فيما بعد حينما يفشل في امتحاناته، ويتعب ضميره لتقصيره في واجباته. وبالمثل كل إنسان يهمل عمله، ويركن إلى الرحة، فيفشل أولا يخطى برضى رؤسائه.. تعب الإحتمال أيضًا فيه راحة للروح. تعب النفس في تحويل الخد الآخر، وفي مشى الميل الثانى، وفي الصبر على من يخاصمك، ويأخذ ثوبك فتترك له الرداء ايضًا. وفي عدم مقاومة الشر (مت 5: 39 – 41)0 كل هذه الألوان من الاحتمال، حتى إن تعبت فيها النفس، ولو في أول الطريق، إلا أن الضمير يرتاح لأنه نفذ الوصية. كذلك الذي يسهر الليل في الصلاة. ويقوم في نصف الليل، ليسبح الله على أحكام عدله. وتسبق عيناه وقت السحر، ليتلو في جميع أقواله (مز 119).. هذا تجد روحه راحة بكل تعب الجسد. وكذلك تجد راحة في جهاده ومصارعته لقوى الروحية (أف 6)، والصبر إلى المنتهى حتى يخلص (مت 24: 13). ومع كل ذلك، لم يحرمنا الله من راحة الجسد. فمنحنا يوم السبت (الأحد حاليا) لنستريح فيه، جسديا وروحيا. لأن الله الذي خلق أجسادنا، يعرف أن هذا الجسد يحتاج إلى راحة يوم كل أسبوع. ولذلك قال الرب: "ليست إنما جعل لأجل الإنسان. وليس الإنسان لأجل السبت" (مر 2: 27). من حقك إذن، بل من واجبك، أن تريح جسدك من الإرهاق، ومن المرض. وتعطيه حاجته من النوم. ولا تسبب له أمراضًا بإهمالك في القواعد الصحية. وأيضًا تعطيه كفافه من الغذاء. ولكن... ولكن لا تكون راحة جسدك على حساب تعب روحك. أنت "تقيت جسدك وتربيه" (أف 5: 29). ولكن في نفس الوقت "تقمع جسدك وتستعبده" (1كو 9: 27)، ولا تجعله يتمرد على الروح.. تعطى الجسد غذاءه، ولا تعطيه شهواته. تعطية النوم للراحة، ولكن توقظه للصلاة، لكي تستريح الروح أيضا. وهكذا فإن الإنسان الروحي يحفظ ميزان الراحة بين الجسد والروح. كثير من الناس يرهقون أجسادهم أزيد من احتمالهم، فترهق أعصابهم أيضًا. وقد يخطئون بسبب أعصابهم المرهقة، وتتعب أرواحهم بذلك. والأمر يحتاج إلى حكمة وافراز. وفى إراحة جسدك، ابعد عنه الخطاء النفسية التي تتعبه. فالغضب والنزفزة من أمراض النفس، ويتعب الجسد أيضًا. وكذلك الاضطراب والقلب وحمل الهم والكآبة الزائدة، كلها متاعب في النفس، تسبب تعبا للجسد أيضًا وقد قال الرب في علاج ذلك "لا تهتموا بما للغد يهتم بما لنفسه" (مت 16: 34).. لذلك فالإنسان الروحي، الذي يكون قلبه مرتاحا ونفسه في سلام، بحياة الإيمان والتسليم.. هذا أيضًا براحة روحه يريح جسده أيضًا من أمراض كثيرة.. والإنسان الروحي، كما يريح نفسه وجسده، كذلك بالأكثر يريح روحه. يريحها من الخطايا، ومن العادات السيئة والطباع الرديئة. ويريحها من الشهوات ومن الاستسلام للإغراءات، ويريحها من مقاومة الجسد لها، الجسد الذي يشتهى ضد الروح (غل 5: 16، 17). ويريحها بالانتصار على حروب الشياطين، ومقاومتهم راسخًا في الإيمان راسخا في الإيمان (1بط 5: 9). ويريح روحه أيضًا بمنحها الغذاء الروحي الذي يقويها ويقربها إلى الله ويعمق محبته فيها.. ويريح روحه، بأن لا يعمل شيئا يتعب ضميره. وتستريح روحه في طاعة الله. ويستريح الله بطاعته. إن الله يستريح في القلوب المؤمنة به، المحبة له، التي تصنع مشيئته، وتتمم ارادته، كالملائكة "الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20). الإنسان الروحي، تستريح روحه في شركة الروح القدس (2كو 13: 14). فلا يعمل عملًا إلا إذا كان روح الله يشترك معه فيه. الروح تستريح حينما تقول لله في كل عمل "لتكن مشيئتك". فهذا تريح وتستريح. ما أجمل ما قيل عن موسى النبي إنه صنع كل شيء حسب المثال الذي أراه الرب على الجبل (عب 8: 5). ننتقل إلى النقطة الأخيرة، وهى كيف يستريح الإنسان: إذا استراح الإنسان من الداخل، يستريح من الخارج أيضًا. وإن تعب داخله، لابد أن يظهر عليه هذا التعب من الخارج.. نظرته إلى الأمور هي التي تتعبه. لذلك قال القديس بولس الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 2) يجب أن يقتنع الإنسان بفعل الخير، فتصير تصرفاته خيرة. يجب أن يستريح قلبه تمامًا للسلوك بالروح. ولا توجد شهوة خاطئة تتعب الإرادة. وكما قال القديس ذهبي الفم "لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسان، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه". الإنسان المستريح في الداخل لا يتعبه أي سبب من الخارج. وهو أيضًا لا يتعب أحدًا. بعكس الإنسان غير الروحي، الذي طبعه النكد، ونفسيته غير مستريحة، فأقل الأسباب تتعبه، ويستقبلها هو بتعب. التعب في داخله، وليس بسبب الأسباب الخارجية. لأن الروحيين أحاطت بهم من الخارج أسباب متعبة كثيرة، ومع ذلك لم يتعبوا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الراحة الكتير تقلق واخرتها خطية كبيرة |
فتكون لنا الراحة هنا والحياة الأبدية هناك |
هناك أنواع كثيرة من الأبوة والأمومة يجب إكرامها |
أنواع كثيرة من الراحة ( قداسة البابا شنودة ) |
أنواع من الراحة |