(4) الجيش في الايام الاولى للملوك:
حتى ذلك الحين، كانت القوات الاسرائيلية المقاتلة على صورة المليشيات، فقد كان رجال الأسباط يهرعون للتجمع تحت قيادة القائد الذي يقيمه الله لمواجهة الأعداء، ثم لا يلبثون ان ينفضوا بمجرد انتهاء الازمة. ولكن تغير هذا النظام في عهد الملوك، فقد كانت الذريعة التي تذرع بها بنو اسرائيل عندما طلبوا ان يكون لهم ملك، هو أن يخرج هذا الملك أمامهم ويحارب حروبهم (1 صم 8: 20). وقد حذر صموئيل الشعب من أن هذا الامر سيستلزم وجود جنود محترفين: "ياخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه، لمراكبه وفرسانه فيركضون امام مراكبه. ويجعل لنفسه رؤساء الوف وروساء خماسين فيحزنون خزانه ويحصدون حصاده ويعملون عدة حربه وادوات مراكبه" (1 صم 8: 11 و12). والارجح ان هذا هو التغيير الذي طرا على الجيش مع بداية عهد الملوك. فما ان اعتلى شاول العرش حتى كان عليه ان يوقف زحف الفلسطينيين ويحرر شعبه من نيرهم الذي قد ثقلت وطاته على بعض اجزاء البلاد. وزحف الفلسطينييون الذين كانوا رجال حرب متمرسين وذوي تسليح قوي، إلى مخماس بقوة مكونة من 30.000 مركبة، 6.000 فارس (1 صم 13: 5)، فلا عجب ان يختبيء الشعب في المغاير والغياض والصخور والصروح والابار (1 صم 13: 6 ) فماذا يفعل جنود عزل، من الكرامين والرعاة، في مواجهة مثل هذا الخصم ! ذكر المؤرخ مثالا عما وصل اليه حال الشعب من الانحطاط، من ان الاسرائيليين كانوا ينزلون إلى الفلسطينيين " لكي يحدد كل واحد سكته ومنجله وفاسه ومعوله" (ا صم 13: 20)، بعد ان اخذ الفلسطينيون الحدادين الاسرائيليين ليحرموهم من عمل الرماح والسيوف.
في هذه الظروف القاسية كان على شاول أن يبدا كفاحه من أجل تحرير الإسرائليين وجمع شملهم. وقد برهن ما حققوه من نصر في مخماس ووادي البطم، من جانب، واستبسالهم في جلبوع رغم هزيمتهم هناك على نمو الروح العسكرية عندهم، وتقدمهم الواضح في فنون الحرب. ولم يسرح شاول كل جنده بعد انقاذ يابيش جلعاد، بل استبقي 3.000 رجل، كانوا على الارجح نواة جيش اسرائيل العامل (1 صم 13: 2). ومنذ ذلك الوقت كان " اذا راى شاول رجلا جبارا أو ذا باس، ضمه إلى نفسه" (1 صم 14: 52). وكان يوناثان وداود من ابرز رجال البواسل الذين أحاط بهم شاول نفسه، فكان يوناثان على راس 1.000 رجل في جبعة (1 صم 13: 2)، وكان داود على راس حرس الملك (1 صم 18: 13.5). وعندما اشتدت غيرة شاول من داود، هرب داود من وجه شاول ليعيش طريدا، ولجا إلى جبال يهوذا، حيث اختبا في مغارة عدلام، وجمع من حوله 400رجل (1 صم 22: 1 و2)، زاد عددهم فيما بعد إلى 600 رجل (1 صم 23: 13). ومن قصة نابال (1 صم 25). (
ندرك كيف كان داود يستطيع الاحتفاظ بجماعة مترابطة من حوله، وكيف كان داود يستطيع الاحتفاظ بجماعة مترابطة من حوله، وكيف كان ينتظر من ملاك الاراضي التي تدافع عنها هذه الجماعة من المحاربين مرتبط بداود حتى بعد اعتلائه العرش، حيث اصبحت العمود الفقري لجيشه. وكان هؤلاء الرجال هم الجبابرة الذين اصبح بناياهو راسا لهم فيما بعد (2 صم 23: 22 و23، 1 مل 1: 8) كما كان السعاة والجلادين (2 صم 8: 18)، وهما في العبرية: "الكريتيين والفلطين " (أي الفلسطينيين). ونعلم انه كان في جيش داود جنود من غير اليهود، فنقرا مثلا عن " اوريا الحثي " (2 صم 23: 39)، و" اناي الجتي" (2صم 18: 1). وكان هؤلاء الرجال لداود مثل الحرس الامبراطوري عند الرومان، أو الانكشارية لسلاطين تركيا، أو الحرس السويسرى لملوك فرنسا. وكان يواب القائد الاعلي للجيش , وكل سلالة داود الملك مدينة للعبقرية العسكرية لهذا القائد الطموح.