رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التعلم من الله من الناس من هم جهلة لم يتعلموا على الإطلاق، ومنهم مَنْ قد علمهم الناس وهؤلاء أشد جهالة، أما المتعلمون الحقيقيون فهم الذين تعلموا من الله مباشرة.. لقد خلق الله الإنسان علي جانب وافر من المعرفة. وعندما كان الإنسان يحتاج إلي مزيد من العلم، كان الله يعلمه بنفسه، ولو استمر الإنسان هكذا لصار عالما، ولاستطاع أن يأكل من شجرة الحياة ويحيا إلي الأبد، لكن الإنسان قبل لنفسه أن يتلقى العلم علي غير الله فبدأت جهالته، وهكذا أخذ أول درس له عن الحية وأكل من {شجرة المعرفة} فصار جاهلا.. وما زال الإنسان يسعى إلي المعرفة بعيدًا عن الله، فيزداد جهالة علي جهالته. أن الإنسان هيكل الله، وروح الله ساكن فيه، هذا الروح الذي قال عنه السيد المسيح: {يرشدكم إلي جميع الحق} {يو13:16}. والذي قال عنه القديس بولس الرسول أنه: {يفحص كل شيء حتى أعماق الله} {1كو10:2}. ولكن الإنسان من فرط شقاوته وجهله، كلما يبحث عن المعرفة، لا يطلب أخذها من داخله، من روح الله الساكن فيه، وإنما يفتش عنها في الخارج عند الناس، وفي الكتب التي يظن أن له فيها حياة...! وهكذا كثر العلماء وحكماء هذا الدهر، وكانت حكمة هذا العالم جهالة عند الله، ولقد سار أوغسطينوس العظيم في هذا الطريق فترة طويلة، يبحث عن الله خارجا عن نفسه فلا يجده، ثم وجده أخيرًا فناجاه بتلك الأنشودة الخالدة: {قد تأخرت كثيرًا في حبك أيها الجمال الفائق في القدم والدائم جديدًا إلي الأبد}. {كنت فيَّ فكيف ذهبت أبحث عنك خارجًا عني...} {أنت كنت معي، ولكني لشقاوتي لم أكن معك...} ولما بحث أوغسطينوس عن الله في داخله، وجده وصار قديسا... وهكذا أنت يا أخي الحبيب ستظل كثيرا في بحثك عن الله إن بحثت عنه في الخارج. أجلس إلي نفسك وفكر وتأمل، وادخل إلي أعماق أعماقك، واطلب الله، فستجده هناك، وستراه وجها لوجه، وتحسه كنبع دافق فياض من المحبة، فتعيش في فترة من الدهش العجيب وتصرخ في فرحة صامتة. {لقد رأيت الله}. هذه هي الطريقة التي لجأ إليها آباؤنا القديسون، خرجوا من زحمة الحياة، ومن اضطراب العالم وصخبه، وتركوا كل شيء وبحثوا عن الله في داخل نفوسهم، وهكذا بالهذيذ والتأمل استطاعوا أن يروا الله، وفي نفس الوقت كان المفكرون والفلاسفة والباحثون والعلماء يفتشون عن الله في الكتب وعند الناس، فلا يصلون إلا إلي جهالة وغموض وتعب.. أقول هذا وأنا متألم، لأنني أري أيضًا كثيرًا من الآباء الذين ذهبوا إلي القفر، قد أخذوا هم أيضًا يفتشون عن الله في الكتب أو في المشروعات أو في الخدمة، بينما الله في قلوبهم من الداخل، يريدهم أن يفرغوا من هذه المشغوليات كلها ويجلسوا إليه فيحدثهم عن أسرار لا يعرفها أحد، ويريهم ما لم تره عين. ليس هذا بالنسبة إلي الرهبان فحسب، وإنما إلي الجميع.. أتدري يا أخي الحبيب ما هي الطريقة الصالحة للتربية الروحية؟ أنها ليست في إعطاء الإنسان شيئًا جديدًا، فهو يملك كل شيء والروح الحال فيه يعرف أكثر مما تريد أنت أن تعلمه.. إنما الوسيلة الصالحة للتربية الروحية هي في تخليص الإنسان مما يملك من معلومات خاطئة، من معرفة أخذها من العالم أو من الناس. أن الطفل يولد وفي قلبه وفي فكره وفي خياله فكرة واسعة جميلة عن الله، ثم يتولاه المجتمع المسكين بالتعليم، فيقدم له أفكارا عن الله غير أفكاره، ويقدم له صورًا عن الله وعن القديسين تحد من خيال الطفل الواسع..وهكذا تتبدل فكرة الطفل عن الله وعن القداسة بمصطلحات عرفية عن الخير والشر، التي أكل منها آدم وحواء. ويصير مثلهما جاهلا، ويأتي دور المرشدين الروحيين الحقيقيين، لا لكي يزيدوا علي الطفل علما، وإنما لينزعوا منه المعرفة الباطلة التي أخذها من العرف والتقاليد وتفسيرات الناس للدين. وعندما تنطلق روحه من هذا كله يعرف الله علي حقيقته، لأن الله ليس غريبا عنه، بل هو ساكن فيه.. |
|