أهمية الجدية
الشيطان يحارب الجدية بأسباب كثيرة...
الجدية هي من أهم معالم الطريق الروحي.. وبدونها لا يمكن للإنسان أن يصل إلى هدفه. ولو أننا سألنا:
كيف وصل القديسون إلى تلك القامات العالية في حياة الروح؟
لكانت الإجابة: ذلك لأنهم سلكوا في الطريق الروحي بجدية كاملة.
كان لهم خط واضح رسموه لحياتهم وساروا فيه بلقب ثابت لا يتزعزع. ولم ينحرفوا عنه يمنه ولا يسره. وكانت لهم مبادئ ثابتة لا يحيدون عنها. ولم يسمحوا مطلقًا للظروف أن تعوقهم.
وهكذا وصل القديسون بسرعة. القديس الأنبا ميصائيل السائح: سلك في الرهبنة بجدية من أول يوم. وأمكن أن يصير من السواح وهو في حوالي السابعة عشرة من عمره. وكان أبوه الروحي الأنبا اسحق يلاحظ الصرامة الشديدة التي يعامل بها نفسه. والقديسان مكسيموس ودوماديوس وصلا إلى درجة عالية في الروحانية، بينما كانت لحية أحدهما لم تنبت بعد. ولكن صلاتهما كانت كشعاع من نور واصل إلى السماء، ذلك لأنهما سلكا في الطريق الروحي بجدية.
والقديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس وكذلك القديس يؤانس القصير، صار كل منهما مرشدًا روحيًا لجيله في الرهبنة، وهو بعد شاب صغير.
بل ما الذي تقول " إن أردت أن تكون كاملًا، اذهب بع كل مالك، أعطه للفقراء وتعال اتبعني " وسمع هذه الآية معه كل الشعب في الكنيسة... ولكنه كان الوحيد الذي قام في جدية كاملة ونفذها عمليًا.
كذلك سمع عبارة لو كانت راهبًا لدخلت إلى الجبل في البرية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكني الرهبان فقال هذا صوت الله إلى وقام في جدية ودخل إلى أعماق الرهبنة. وهكذا أسس حياة الرهبنة بجدية.
من منا له مثل هذه الجدية في تنفيذ الوصية، بدقة وسرعة؟
هذه بعض أمثلة في حياة الرهبان. أما في مجال الخدمة، فيمكن أن نذكر كمثال: القديس يوحنا المعمدان، الذي كانت كل مدة خدمته حوالي السنة وفي هذه السنة كرز بالتوبة وأعد للرب شعبًا مستعدًا. وكان جادًا في خدمته حتى قال عنه الرب لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان" (متى11: 11).
كذلك نذكر الجدية التي سلك بها القديس بولس الرسول في خدمته، حتى أنه تعب أكثر من جميع الرسل الذين كانوا قبله (1كو15: 10).
إن الجدية في الحياة دليل على الرجولة وقوة الشخصية.
الإنسان الجاد في روحيا ته، هو إنسان يحترم نفسه، ويحترم مبادئه، ويحترم الكلمة التي تخرج من فمه، ويحترم الطريق الروحي الذي يسلكه... لذلك يتميز بالثبات وعدم الزعزعة هو كسفينة ضخمة تشق طريقها في بحر الحياة بقوة متجهة نحو غايتها، وليس كقارب تعصف به الأمواج في أي اتجاه.
عجيب أن كثيرين يسلكون في أعمالهم المادية والعالمية بجدية، وأما في روحياتهم فلا جدية على الإطلاق...
هم جادون في أعمالهم من أجل المكسب أو الترقية، أو من أجل ثباتهم في عملهم، أو خوف الجزاء أو العقوبة أما في رو حياتهم فلا حافز داخلي يدفعهم إلى الجدية، ربما لأن مخافة الله ليست في قلوبهم، أو لأن الأبدية ليست أمام أعينهم.. لذلك لا يلتزمون بخط روحي واضح يسيرون فيه.