أمانتك تجاه الله
إذا كان الله أمينًا في علاقته بنا، للدرجة التي وصلت إلى التجسد والفداء، وإلى هذا الحد وصلت محبته ووصل بذله، فكم بالأولي يجب علينا نحن أن نكون أمناء؟!
وأمانتك تجاه الله، تعني أنك لا تخونه أبدًا.
خذ مثالًا لذلك: إنسان متزوج، إن كانت زوجته أمينة له، فمهما أعطاها من حرية دون رقابه، تكون أمينة له، لا نخونه، ولا تكون لها علاقة مع غيره...
كذلك نفسك، إنها عروس للمسيح، لا تخونه مع العالم، ولا تخونه مع الشيطان، ولا مع أي فكر شرير.
قلبك الذي هو ملك له، لا تفتحه لأعدائه.
والإنسان الأمين، لا يتساهل مع أية خطية، لأنها عداوة لله. لا يتراخي مع أي فكر خاطئ، بل بكل أمانة يطرده بسرعة. لا تقبل على الإطلاق أي أمر يفصله عن الالتصاق بالله، معتبرًا أن كل خطية هي خطية موجهة أساسًا إلى الله، لأنها ضد أي أمر يفصله عن الالتصاق بالله، معتبرًا أن كل خطية موجهة أساسًا إلى الله، لأنها ضد محبته وضد مشيئته وضد وصاياه، وضد الثبات فيه، كما تسامي يوسف الصديق عن الخطية وهو يقول:
كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله" (تك39: 9).
معتبرًا أن تلك الخطية ليست موجهة أصلًا إلى فوطيفار أو إمراته، إنما هو فيها " يخطئ إلى الله"... وبنفس المعني قال داود النبي للرب في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت)...
والخطية هي انفصال عن الله، بل هي تمرد عليه.
والإنسان الأمين في علاقته مع الله، لا يقبل اطلاقًا ما يفصله عنه، كما قال القديس بولس الرسول " فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخري، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله، التي في يسوع المسيح ربنا" (رو8: 38).
الذين عرفوا الله بالحقيقة، لم يتركوه أبدًا.
وتقدم مثالًا لذلك، قديسي التوبة، الذين لما تابوا، وذاقوا محبة الله، لم يرجعوا مرة أخري إلى الخطية، التي تفصلهم عن محبة الله. بل استمر نموهم في المحبة حتى وصلوا إلى درجات من الكمال. ونذكر من بين هؤلاء: القديس أوغسطينوس والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية والقديسة بيلاجية πελαγία.
وعن الحياة الخاطئة السابقة، قال القديس أوغسطينوس للرب:
لقد تأخرت كثيرًا في حبك، أيها الجمال الفائق الوصف.
معتبرًا ومعترفًا أنه كان في حالة الخطية بعيدًا عن محبة الله. هذا من الناحية السلبية. أما من الناحية الإيجابية فتقتضي الأمانة لله أن يكون الإنسان أمينًا في كل أعماله الروحية: في صلواته لأنها حديث مع الله، وفي قراءته للكتاب، لأنه في ذلك يستمتع إلى الله. كما يكون أمينًا في تأملاته وفي تسابيحه وفي اعترافه وفي تناوله وفي صومه...
كما يكون أيضًا أمينًا في خدمته وروحانيتها.
أمينًا في التعليم، كما قال الرسول " تكلم بما يليق بالتعليم الصحيح" (تى2: 1). فلا يقدم أفكاره الخاصة كعقيدة. ولا يقدم تعليمًا للناس إلا ما قد تسلمه من الكنيسة عن طريق قديسيها. كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس " وما سمعته مني بشهود كثيرين، أودعه أناسًا أمناء، يكونون أكفاء أن يعملوا آخرين أيضًا (2تي2: 2).
وكما يكون أمينًا في التعليم، يكون أمينًا في الافتقاد، وفي السعي لرد الضال.
وقد أعطانا السيد المسيح مثلًا لذلك في السعي وراء الخروف الواحد الضال (لو15)، وفي عمله من أجل زكا والمرأة الخاطئة.. وفي أنه جاء " ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مر10: 45).
ولنذكر من جهة الأمانه قول الكتاب:
"ملعون من يعمل الرب برخاوة" (أر48: 10).
فالأمين في عمل الرب، يعمله بكل حرارة، وبكل اجتهاد واخلاص، وبكل غيره مقدسة، وبكل عاطفة وحب. ويتعب من أجل الرب، ولا يعطي لعينيه نومًا، ولا لأجفانه نعاسًا، إلى أن يجد موضعًا للرب في كل قلب. كما قيل في الدسقولية عن الأسقف إنه " يهتم بكل أحد ليخلصه". وينطبق هذا القول على كل معاونيه...
وبهذه الأمانة في الخدمة عاش الأباء الرسل.
شهدوا للرب بكل أمان. كانوا أمناء، وأوصلوا الرسالة إلى كل أقطار المسكونة، كما قيل عنهم في المزمور " الذين ليس لهم صوت، بلغت أصواتهم إلى أقطار المسكونة" (مز19). فعلوا ذلك بكل مجاهرة وبكل قوة، واحتملوا السجن والجلد والطرد والعذاب، وهم يقولون عبارتهم المشهورة " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع5: 29 9. وكمثال لهذه الأمانة قال القديس بولس الرسول:
" جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان" (2تي4: 7).
وقال " وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا قواني، إنه حسبني أمينًا إذ جعلني للخدمة" (1تي 1: 12). وهكذا كان القديس بولس يمتدح في مساعديه أمانتهم في الخدم. فيقول " تيخكس الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب" (أف6: 21) و" أبفراس العبد الحبيب معنا الذي هو خادم أمين للمسيح" (كو1: 7)، " وأنسميس الأخ الأمين الحبيب" (كو4: 6)، "تيموثاوس الذي هو ابني الحبيب والأمين في الرب" (1كو4: 17).
لهذا نسمي المسئول عن الخدمة: أمين الخدمة.
سواء الأمين العام، أو أمين الفرع، أو أمين أسرة... كل منهم قد وضعت الخدمة أمانة في يده، لكي يقوم بعمله فيها بكل أمانة. لذلك يقال عن الخادم إنه أؤتمن على خدمة. أو استأمنه الله عليها، وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول " الكرازة التي أؤتمنت أنا عليها" (تى1: 3)، " أؤتمنت على إنجيل الغرلة، كما بطرس على إنجيل الختان" (غل2: 7). ويقول أيضًا " قد استومنت على وكالة... فويل لي إن كنت لا أبشر" (1كو9: 17، 16). والخدمة إن أمانة أمام الله، ينبغي أن يكون فيها الخادم أمينًا، وليس هو مجرد لقب...
والأمين في علاقته مع الله، يكون أيضًا أمينًا في عهوده وفي نذوره...
من أول عهد نطقته أمه في جحد الشيطان، نيابة عنه في يوم معموديته، إلى سائر المناسبات، وتعهداته في سائر لمناسبات وبخاصة في أوقات الضيقات...
ويدخل في هذا النطاق نذوره التي يقول عنها الكتاب:
" أن لا ينذر، خير من أن تنذر ولا تفي" (جا5: 5).
لذلك عليك أن تجلس إلى نفسك، وتتذكر كل عهودك ونذورك، لكي تفي بها ولو متأخرًا، فهذا خير من أن تهملها تمامًا. ولا تحاول بعد أن تنذر، أن تعود فتناقش الأمر من جديد، وتساوم، وتحاول أن تغير وتبدل، أو تتخلص من نذرك وعهودك. وقبل النذر والتعهد ينصحك الكتاب قائلًا "لا تستعجل فمك. ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله" (جا5: 2).
أمانتك للرب تشمل أيضًا أمانتك في الشعور والبكور.
لأنها ليست لك. إنها نصيب الرب. تدفعه لمستحقيه. للكنيسة والفقراء... وإلا كانت هذه الأموال هي " مال ظلم " عندك. قد ظلمت فيه من يستحقونه، واستبقيته عندك. وعن هذا المال وأمثاله يقول الكتاب " اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم" (لو16: 9). وهكذا يقول الرب في سفر ملاخي النبى " أيسلب الإنسان الله؟! فإنكم سلبتموني! فقلتم بما سلبناك؟ في الشعور والتقدمة" (ملا3: 8).