رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التغصب فضيلة مرحلية ولكن، لعل سائلًا يسأل. وهل يقبل الله الفضيلة التي بتغصب وهي خالية من الحب؟! أقول أولًا: إنها ليست خالية من الحب. فلولا الحب ما كنت تفعلها. ولكنه حب مبتدئ، تقاومه عادات النفس القديمة، وتقاومه ارتباط بالمادة والجسد، وتقاومه محاربات الشياطين ومعطلات عديدة... والله يقبل هذا التغصب باعتباره لوًا من الجهاد الروحي. ومحاولة لقهر النفس... وقد قال سليمان الحكيم "من يملك نفسه، خير ممن يملك مدينة" (أم16: 32). والله يعرف تمامًا أن العمل الروحي ليس سهلًا على المبتدئين، كما يعرف أيضًا ما يقابله من حسد الشياطين، ومن مقاومتهم. ولعله من أجل غصب النفس على السير في الطريق الروحي، قال الرب: "ادخلوا من البابا الضيق.. ما أضيق الباب وأكرب الطريق. الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه" (متى7: 13، 14). ولكن الباب لا يستمر ضيقًا على طول الخط. إنما يكون في أوله. وكلما يمارس الإنسان العمل الروحي يجد فيه لذة، ويجد فيه حياة جديدة تجذبه إليها. فيكلمه في حب ويسعي إليه في اشتياق قلب... وهكذا قد يبدأ الصلاة بتغصب وإذ يجده لذة روحية في الصلاة. يمارسها بعد ذلك بشوق وحب. ولكن الشيطان يهزأ بالتغصب، ويحاول أن يتخذه وسيلة لإبطال العمل الروحي..! يقول لك: هل من الأدب الحديث مع الله، أن تصلي هكذا بتغصب؟! أين الحب الذي قال عنه داود النبي " باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز63). وحينئذ يدعوك أن توقف هذه الصلاة احترامًا لمثاليات الصلاة النقية المملوءة حبًا وخشوعًا!! ومن المحال أن تبدأ بالكمال... المهم عند الشيطان أن يوقف صلاتك وبالمثل يوقف كل عمل روحي تعمله. وهو خلال ذلك يتهكم على هذا التغصب الذي ربما يكون هو السبب فيه... أما الله فإنه يري الحروف التي يتلفظها الطفل بلا معني، هي أولي درجات الكلام في طريقة إلى الكمال... ويري تحركات الطفل المتعثرة هي أول الخطوات في السير المنتظم والسريع. إن ابطال العالم في القفز وفي الجري وفي السباحة بدأوا طفولتهم بحركات متعثرة. ثم تدرجوا نحو الكمال. لهذا نحن لا نتحتقر التغصب ولا يحقره الله، بل يشجعه، لكي ينمو، ويسعي نحو الحب الإلهي... المهم أن التغصب لا يبقي تغصبًا، إنما يكون مجرد خطوة تتحرك إلى أفضل.. لتأخذ مثالًا في التغصب الذي يتدرج إلى الحب.. العطاء.. يقول الكتاب المعطي المسرور يحبه الله (2كو9: 7). فهل تمتنع عن العطاء. حتى تصل إلى درجة المعطي المسرور. أو المعطي بسخاء (رو12) وما ذنب الفقير أو المحتاج لعطائك. وأنت لم تصل بعد إلى هذه الدرجة؟! الوضع السليم أنك تعطي ، ولو تغصبًا نفسك على دفع العشور من أجل الفقراء إليها. ثم تطور إلى أن تغصب نفسك أيضًا على دفع البكور، والنذور، وكل حقوق الله في مالك.. ومن هنا تتطور إلى أن تبذل كل مالك لأجل غيرك، ولا تعود تتغصب في عطائك.. ولعلك تسأل كيف؟ إنك كلما تلمس سعادة الناس وحل مشاكلهم بما تعطيه. حينئذ تنتقل هذه السعادة منهم إليك. وتشعر بفرح في العطاء فتعطي بسرور. وتعطي مرحلية. وإن كان الله يعطي أجرًا على المحبة التي في داخل كل فضيلة، فهو أيضًا يعطي أجرًا على التغصب، غير ناس تعبك في الانتصار على المعوقات التي تأتيك من الخارج، أو تأتيك من داخل نفسك... إنك بالتغصب تروض نفسك وتروض جسدك. وتروض أرادتك. فالحيوان الذي يضعون النير على عنقه، لكي يجر عربة أو محرثًا أو قصابية أو نورج، قد يرفض أولًا ويتمنع ويهرب. ولكنه بالترويض، يحني عنقه بكل راحه تحت النير لكي يؤدي عمله بهدوء ورضي. إن الرفض كان في مرحلة الابتداء، والتذمر والهروب والرفض، كان مرحلة وانتهت إلى الرضي... فكم بالأولي الذي يرضي ينفذ ولو متغصبًا... إنها مسألة مرحلية. وربما يدخل في التمرن على التغصب، ما نسميه بالتداريب الروحية. الإنسان في نضوجه الروحي يعمل الخير تلقائيًا. أما المبتدئ فيحتاج إلى التداريب. وقد يفشل في تداريبه بعض الشيء في بادئ الأمر ولكنه بالتغصب والاصرار وبالجهاد الروحي يحول ما يدرب نفسه عليه إلى صفة ثابته فيه. يقول القديس بولس الرسول في جميع الأشياء قد تدربت أن اشبع وأن أجوع. أن استفضل وأن انقص (في4: 12). وكلما كان التدريب صعبًا، يكون الانتصار فيه ذا أجر أكبر. ففي التغصب تقوية لإرادة الإنسان وتوجيه لهذه الإرادة نحو الخير. |
|