(2) الجهاد فكريا:
كانت قمة الازمة التي مر بها يسوع كالمسيا والفادى, في جثيسماني حيث واجه طوعا وفي ادراك كامل الخطوة الفاصلة في عمله الكفاري.
لقد استنفدت الاناجيل الكلمات في محالة تجسيد المعاناه التي مر بها في هذا الصراع", ابتدا بحزن ويكتئب , فقال لهم: نفسى حزينة جدا حتى الموت" (مت 26: 37 و38) " واذ كان في جهاد كان يصلي بإشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الارض" (لو 22: 44)، وكان يقول: "ياأبتاه ان امكن فلتعبر عنى هذه الكاس" (مت 26: 39), ان رؤية يسوع الواضحة لخطية البشرية وتصميمه القاطع على شرب هذه الكاس، كاس حمل خطية العالم, ليدلان على مدى ما تحمله من الحزن العميق، والالم المضني والجهاد الرهيب.
ومما يسترعى النظر بشدة, ان الكتاب المقدس لم يذكر كلمة " جهاد " (اجونيا agonia) الا في هذه المرة الوحيدة، لان هذه الكلمة " الفريدة " تصف تجربة فريدة " في نوعها فليس سوى شخص واحد استطاع ان يستوعب كل مايمكن ان يعانيه العالم من حزن والم وجهاد, فالعار الذي تحلمه عند القاء القبض عليه في البستان، وما تلا ذلك من إهانات ومحاكمات ثم الموت بالصليب كمجرم اثيم، كل هذا كان له إشد الوقع في نفسه هو القدوس البار الكامل، اذ وضعت عليه خطية كل البشر وجميع اثامهم الفظيعة على مدى الاجيال.
فالالام الفكرية والمعنوية التي عاناها يسوع في جثيسماني، تفسر لنا ما قاله الرسول بولس عن الكفارة: "لانه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا" (2 كو 5: 21).