رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" وهذه أسماء رجال داود الأبطال: " يوشيب بشبث التحكموني "، وكانَ قائد الثلاثة، هاجمَ برمحه ثماني مئة وقتلهم دفعة واحدة. ويليه " ألعازر بن دودو بن أخوخي "، وهوَ أحد الأبطال الثلاثة الذين كانوا مع داود حينَ عيَّروا الفلسطينيين المجتمعين هناك للحرب، وعندما تقهقرَ رجال إسرائيل، صمدَ هوَ وظلَّ يُهاجم الفلسطينيين حتَّى كلَّت يدهُ ولصقت بالسيف، ووهبهُ الرب نصرًا مؤزَّرًا في ذلكَ اليوم... ويعقبهُ " شمَّة بن أجي الهراري "، وكانَ الفلسطينيون قد حشدوا جيشًا في قطعة حقل مزروعة بالعدس، فهربَ الإسرائيليون أمامهم. لكنَّ شمَّة ثبتَ في مكانه وسط قطعة الحقل، وقضى على الفلسطينيين، وأنقذَ الحقل منهم، فوهبهُ الله النصر عليهم... فتأوَّهَ داود وقال: من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب؟ فشقَّ الأبطال الثلاثة محلَّة الفلسطينيين وٱستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب، وحملوه وأتوا به إلى داود... " (صموئيل الثاني 23 : 8 – 16). سيرة الأبطال.. يتهافت ويتسابق ويتزاحم العديد من الأشخاص حول العالم للوصول إلى مراكز ومناصب، تُمكِّنهم من ٱستلام زمام الأمور في مجتمعاتهم وبلدانهم، والأهداف كثيرة ومتنوِّعة، القليل منها صالح، والكثير منها دافعه المجد الشخصي، حب الظهور، تحقيق مآرب شخصية، وما إلى ما هنالك من أهداف مشابهة، والجميع تسمعهم يقولون: " نريد أن ندخل التاريخ ". وسبقَ للرب أن أعلن لتلاميذه أهداف الحكام الأرضيين عندما وقع بينهم جدال من يكون الأعظم بينهم، إذ قال لهم: " ... أنتم تعلمون أنَّ رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلَّطون عليهم، فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا، كما أنَّ ٱبن الإنسان لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " (متى 20 : 25 – 28). لا يكون هذا الفكر المتحكِّم برؤساء الأمم، ولا أهدافهم فيكم.. بل من أرادَ أن يكون عظيمًا أو بطلاً.. فليتشبَّه بي.. هدفه ودافعه خدمة الآخرين وبذل نفسه من أجلهم.. وليسَ الشهرة والتسلُّط والمجد الشخصي، أو أن يُسخِّر الآخرين لخدمته.. ودعوة الرب هذه، لا تحمل في طياتها أي صغر للنفس، ولا أي رفض للوصول إلى مراكز ومراتب عليا، يمكننا من خلالها خدمة الرب وتحقيق مشيئته على هذه الأرض، بل تحمل في طياتها تنبيه وتحذير لمن أعدَّهم الله للوصول إلى هذه المراكز، من الوقوع في فخ الكبرياء والتسلُّط وحب الشهرة، وما شابهها من دوافع غير نقية، فعندما غسل الرب أرجل تلاميذه، قال لهم هذا الكلام المُعبِّر: " ... أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ أنتم تدعونني معلِّمًا وسيِّدًا، وحسنًا تقولون لأنِّي أنا كذلك، فإن كنتُ وأنا السيد والمعلِّم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض، لأنِّي أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم، تصنعون أنتم أيضًا " (يوحنا 13 : 12 – 15). كم هوَ ثمين ومُعبِّر هذا الكلام، وكم يحتوي من الدورس والعِبَر.. تدعونني معلِّمًا وسيِّدًا.. وأنا كذلك. لم يُنكر الرب موقعه أبدًا.. لكن من هذا الموقع أعطى تلاميذه مثالاً لما ينبغي أن يصنعوه بأتباعهم، عندما يغدون هم في مواقع القيادة.. والمثال كان: التواضع وخدمة الآخرين وبذل النفس من أجلهم.. أرادهم أن يكونوا أبطالاً.. تُدوَّن أسماؤهم في سجلات التاريخ والمجد.. لكن دون أن يكون هدفهم ودافعهم كدوافع حكَّام الأمم، بل دوافع نقية.. كما كانت دوافعه هوَ بالتحديد.. أحببت أن أبدأ هذا التأمُّل عن سيرة الأبطال، الذين سأشجعك من خلاله أن تغدو منهم، بالتكلُّم عن صفات هؤلاء الأبطال كما يريدها الرب، لكي لا تتسرَّب إلينا دوافع أُخرى كتلك التي تتحكَّم بأهل العالم.. لم يتردَّد الروح القدس في ذكر أسماء الأبطال على صفحات الكتاب المُقدَّس للحظة واحدة، بل هوَ سُرَّ بأن يذكر أسماءَهم كما نقرأ في المقطع الذي أدرجناه من سفر صموئيل الثاني، كما سُرَّ الرب بأن يقول: " الحقَّ أقول لكم: حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها " (مرقس 14 : 9). وكان هنا يتكلم عن مريم التي كسرت قارورة الطيب الكثير الثمن، وسكبته على رأس الرب. وسُرَّ الروح القدس أيضًا، بأن يذكر لائحة طويلة بأبطال الإيمان في رسالة العبرانيين الإصحاح الحادي عشر، هؤلاء الأبطال الذين لم يُحبُّوا حياتهم حتَّى الموت من أجل تحقيق خطة الرب. وأنا أريدك بعد قراءة هذا التأمُّل أن تغدو من هؤلاء الأبطال، الذين سيُذكر ٱسمهم في سجلات خاصَّة عند الرب، قد لا يقرأها بشر كما حصل لأولئك الأبطال.. بل سيقرأها الرب وحده وهذا هوَ المهم.. هدفنا اليوم من التأمُّل بسيرة الأبطال الثلاثة وغيرهم، أن نتعرَّف إلى صفاتهم، ونتعلَّم منهم، لنغدو مثلهم.. أربع صفات هامة ورئيسية ٱستخلصتها من هذا المقطع، سنتأمَّل بها: 1 - الإيمان: الإيمان والذي هوَ عكس الخوف تمامًا.. ثلاثة أبطال.. وكلٌ على حدة.. واجهوا وتحدُّوا حشودًا كبيرة من أعدائهم.. وٱنتصروا. كان لهم الإيمان بأنَّ الرب معهم، يحميهم ويهبهم النصر.. كان موقفهم كموقف كالب الذي قال: نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها.. ما أعظم الإيمان يا أحبائي، لا سيَّما عندما تكون التحديات كبيرة، والظروف معاكسة، وما نقوم به يبدو وفقًا للعيان غير منطقي أو ضربًا من الخيال.. فهكذا إيمان: يقهر ممالك، ينال المواعيد، يسد أفواه أسود، يُطفئ قوة النار، يُقوِّي من ضعف، ويهزم جيوش الأعداء، كما تقول رسالة العبرانيين، ودون هكذا إيمان لا يُمكن إرضاء الرب قطعًا.. ودون هكذا إيمان، لا تتحقَّق أحلام ولا رؤى ولا نبوءَات ولا تأتي نهضات، ولا تُهزم خطط الشيطان، ولا نمتلك أراضي على الإطلاق.. قال الرب لإرميا النبي: " أمَّا أنت فنطِّق حقويك، وقُمْ وكلّمهم بكل ما آمرك به، لا ترتع من وجوههم لئلاَّ أُريعك أمامهم " (إرميا 1 : 17). تخاف أمام الأعداء.. النتيجة أنكَ سترتاع وترتعب أمامهم، ثمَّ تتراجع.. وداود رئيس هؤلاء الأبطال الثلاثة هوَ من قال: " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن أرتعب، عندما ٱقتربَ إليَّ الأشرار ليأكلوا لحمي، مُضايقيَّ وأعدائي، عثـروا وسقطوا، إن نزلَ عليَّ جيش لا يخاف قلبي، إن قامت عليَّ حرب، ففي ذلك أنا مطمئن " (مزمور 27 : 1 – 3). " لأنِّي بكَ ٱقتحمتُ جيشًا، وبمعونة إلهي ٱخترقتُ أسوارًا " (مزمور 18 : 29). ما هيَ الجيوش التي تواجهك اليوم، إن كان على الصعيد الشخصي أم على صعيد خدمتك؟ عدِّد ما شئت من العقبات والتحديات والمخاوف التي تُواجهك.. لكن قم، إحمل سيفك وواجه هذه الجيوش بإيمان، وثق أنَّك قادر عليها، إصعد وٱمتلكها.. لأنَّ الرب سيهبك النصر بكل تأكيد، كما فعلَ مع أولئكَ الأبطال الثلاثة وسواهم.. 2 - الثبات والالتزام: مرَّتان في هذا المقطع، دوَّنَ لنا الروح القدس هذه العبارات: - وعندما تقهقرَ رجال إسرائيل، صمدَ هوَ وظلَّ يُهاجم الفلسطينيين. - فهربَ الإسرائيليون أمامهم. لكنَّ شمَّة ثبتَ في مكانه وسط قطعة الحقل، وقضى على الفلسطينيين. الآفة الخطيرة التي تتحكَّم في أغلب المؤمنين، هيَ أنهم يتراجعون عندما تُواجههم الصعاب والتحديات والمخاوف.. لا يثبتون، ولا يُكملون المعركة.. ٱلتزامهم ضعيف وهش. في تلكَ الحادثة تقهقر الرجال وهربوا.. ولم يثبت سوى الأبطال.. وكما في العهد القديم كذلك في العهد الجديد، فإنجيل يوحنا يُخبرنا عن عدد كبير من أتباع الرب، تركوه في منتصف الطريق قائلين: ما أصعب كلام الرب، من يُطيق سماعه؟ وبولس يقول لتيموثاوس: " لأنَّ ديماس قد تركنـي إذ أحـبَّ العالـم الحاضـر... إسكنـدر النحّاس أظهـرَ لـي شـرورًا كثيـرة... فـي ٱحتجاجـي الأول لـم يحضـر أحـد معـي، بل الجميع تركوني... " (تيموثاوس الثانية 4 : 10 – 16). بولس يقول: الجميع تركوني.. ومرقس يُخبرنا أنه عندما قبضوا على الرب: " فتركه الجميع وهربوا " (مرقس 14 : 50). الثبات والالتزام في رحلتنا مع الرب.. موضوع هام للغاية يحتاج إلى صفحات كثيرة لشرحه وتوضيحه، لكنني أثق أن الروح القدس قادر من خلال هذه الكلمات البسيطة، أن يُوصل للجميع الدرس المطلوب تعلُّمه.. فالريح لا تهب دومًا لكي تدفع شراع السفينة حتَّى تُبحر بسهولة، ففي أوقات كثيرة يستخدم البحارة المجذاف بسواعد عازمة وثابتة وصلبة، لكي تسير السفينة وتصل إلى المكان الذي تقصدهُ.. لا تتراجع أبدًا عن التزامك في الخدمة التي وضعها الرب بين يديك، مهما غلت التضحيات وكبرت التحديات، بل وإن تقهقر وهرب الجميع أو تراجعوا، ثابر أنت على إكمال الرحلة، والرب سيعضدك ويمدّك بالقوة لكي تُكمل السعي.. 3 - الخضوع المُتأتي عن المحبة الصادقة: " فتأوَّهَ داود وقال: من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب؟ فشقَّ الأبطال الثلاثة محلَّة الفلسطينيين وٱستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب، وحملوه وأتوا به إلى داود ". لم يطلب داود منهم مباشرةً أن يأتوا لهُ بالماء، بل مجرد أن سمعوه يتمنى شرب المياه من بئر بيت لحم، ٱقتحموا صفوف الأعداء، مُعرِّضين أنفسهم للخطر الحقيقي، فقط لكي يأتوا بشربة مياه لا أكثر لقائدهم، كانوا خاضعين لهُ، وخضوعهم لم يكن قسريًا، بل عن محبة صادقة، فهو لم يأمرهم أو يُلزمهم بأن يجلبوا له المياه.. لكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم.. هذا هوَ الخضوع الذي يطلبه الرب منَّا.. خضوع طوعي، دافعه المحبة الصادقة فقط.. 4 - التواضع: أبطال بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. قتلوا حشودًا كبيرة من الأعداء.. دون أي دعم من الآخرين.. ودون أي مقوِّمات للنجاح وفقًا للعيان.. لكنهم خاطروا بحياتهم من أجل أن يأتوا بالماء لقائدهم.. لم يقل أحد منهم: " أنا مقاتل شرس.. ومهمتي هيَ مواجهة الأعداء وقتلهم بالسيف.. وربح المعارك وحسمها.. وليس جلب المياه لقائدي.. فهناك جنود أُخر يمكنهم القيام بمهمات بسيطة أو ثانوية كهذه ". بل كانوا متواضعين، لم يعتبروا جلب المياه أمرًا ينتقص من قيمتهم أو كرامتهم أو موقعهم.. وهذا ما فعله الرب عندما غسل أرجل تلاميذه، وهوَ السيد والمعلم قائلاً: جئتُ لأَخْدِم لا لأُخْدَم. إنها سيرة أبطال.. أدعوك أن تتأمَّل بها.. تتأمَّل بصفاتهم.. وتغدو مثلهم.. وأُريدك أن تعلم أنهُ ينبغي عليك أن تؤمن إيمان عملي، ينتج عنهُ تحرُّك بٱتحاه مقاومة العدو وحسم المعارك، وتحقيق خطة الله لحياتك، لكنيستك ولبلدك.. لأنَّ الرب سيؤيّدك ويدعمك عندما تتحرَّك وتنطلق، وليسَ عندما تتمنَّى وترجو فقط، فكلمته تقول: " وأمَّا هم، فٱنطلقوا يُبشِّرون في كل مكان، والرب يعمل معهم ويؤيِّد الكلمة بالآيات الملازمة لها " (مرقس 16 : 20). ٱنطلقوا.. فأيَّدهم الرب وعمل معهم ما يحتاجونه من معجزات وآيات.. وأخيرًا.. كن من الأبطال، ولا تسمح إلا أن تترك بصماتك في كل ما تقوم به، وأن يُدوَّن ٱسمك في سجل الأبطال.. ليس بدافع الشهرة والمجد الذاتي.. بل بدافع محبة النفوس ومحبة الرب، الذي لم يبخل عليك بشيء. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رجال داود الأبطال |
مدينة الأبطال كييف |
لم تموتوا أيها الأبطال |
فوائد شجرة سقطري | شجرة دم الأخوين | شجرة الصبر |
دماء الشهداء الأبطال |