إنها ذكرى قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات.. نحتفل بها اليوم معاً.
ونعيّد بعضنا البعض قائلين: المسيح قام.. ويجيبنا الآخرون: حقاً قام.
وأنا منذ حداثتي، وفي البلدة التي ولدت وعشت فيها، أسمع الناس يرددون هذه المعايدة عاماً بعد عام، ومظاهر البهجة والعيد تطغى على الجميع، وعلى اللقاءات، وكم كنا نفرح بهذا العيد على مر الأيام..
ولكنني عندما كبرت، وبدأت أعرف الناس عن قرب، وبدأت أعرف المشاكل والهموم والمخاوف التي يتخبطون بها، اكتشفت أن مظاهر الفرح والبهجة التي تطغى على الجميع في مناسبات الأعياد، تُخفي وراءها الكثير من الحزن والألم والمشاكل والصعاب..
وعندما آمنت بالرب يسوع، وقبلته مخلصاً شخصياً لحياتي، وأصبحت ابناً له، وانضميت إلى جماعة المؤمنين بالرب، كنا نعيّد بعضنا البعض بالعبارات نفسها:
المسيح قام.. ويجيبنا الآخرون: حقاً قام.
واليوم في هذه الذكرى، ونحن مجتمعون معاً ككنائس لكي نحتفل معاً، شعرت أن الرب يريد أن يوصل لنا كلاماً خاصاً من قلبه المحب، يُغيّر فيه حياة كثيرين..
يريد أن يجعلنا نحيا حياة القيامة الحقيقية التي أرادها لنا جميعاً.
قال الرسول بولس لكنيسة رومية:
" وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم " (رومية 8 : 11).
كلمة الله تؤكد لنا أن الروح الذي أقام المسيح من الأموات ساكن فينا..
لكن السؤال اليوم: هل حياتنا وأجسادنا ونفسياتنا تعكس وتؤكّد أنّ روح القيامة الذي أقام الرب من الأموات ساكن فينا، وقد أحيا أجسادنا جاعلاً إياها تتمتع بالصحة والحيوية والنشاط؟
وهل أحيا نفسياتنا وجعلها تتمتع بالسلام والفرح والراحة والطمأنينة والمعنويات المرتفعة و...؟
إن كنا أمناء بإجاباتنا فالجواب ينبغي أن يكون " لا ".
فأغلبنا يُخفي وراء البسمة والمعايدات، نفسيات متعبة، وإن كان كل واحد على قدر يختلف عن الآخر، وحياتنا لا تعكس ما فعله الرب من أجلنا، ولا الموقع الذي وضعنا فيه، وبوجه الإجمال لا نعكس في حياتنا هزيمة الشيطان والوضع الحقيقي الذي أصبح عليه بعد موت وقيامة الرب..
الآيات التي تعلن هذه الحقائق العظيمة، والتي دوّنها لنا الروح القدس لكي نحياها.. موجودة في مكان ما.. ونحن في مكان آخر، بعيدين عنها أغلب الأحيان..
لكن الخبر السار اليوم، هو أننا لن نبقى هكذا بعد اليوم باسم الرب يسوع المسيح المُقام من الأموات.
أحبائي: أغلب أسئلتنا وصلواتنا تحمل تساؤلات:
لماذا يحصل معي هذا؟
ولماذا لم أتحرر بعد؟
وإلى متى سأبقى أصارع مع هذا القيد؟
إلى متى الحزن والخوف والقلق والهمّ واليأس؟
أين أنت يا رب؟
وهذه الأمور ليست غريبة عن الرب فهو يعرفها بكل تأكيد، ورجالات الله على مر الأزمنة عانوا من ذلك:
داود قال مراراً للرب: لا تقف متفرجاً.. إلى متى يا رب تنساني؟
وجدعون قال للرب: أسألك يا سيدي إذا كنت معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟ وأين كل عجائبك التي أخبرنا بها آباؤنا؟
ومريم ومرتا قالتا للرب: لو كنت ههنا لما مات أخي.
لكن كل ذلك لا يعكس أيضاً ما فعله الرب من أجلنا عندما قام من الأموات منتصراً، ولا يعكس نوع الحياة التي أرادها ويريدها دوماً لنا، وهذا ما نعلنه اليوم، وهذا ما سنحصل عليه اليوم باسم الرب يسوع المسيح..
أيها الأحباء لندع الروح القدس ينعش ذاكرتنا ببعض الآيات التي تُخبرنا من نحن، وأين ينبغي أن نكون، وأي حياة ينبغي أن نعيش، قال الرسول بولس:
" ... إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يُسمّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً، وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده... الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح... وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع " (أفسس 1 : 20 – 2 : 6).
" إذ جرّد الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه " (كولوسي 2 : 15).
" فقال لهم: رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء، ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء " (لوقا 10 : 18 – 19).
ما أعظم وما أثمن كلمة الرب التي هي كسيف ذو حدين..
أحبائي: الشيطان والعالم وأفكارنا والجسد واختباراتنا وواقعنا الحالي، والظروف الصعبة، والناس المحيطين بنا وأغلب المؤمنين للأسف يقولون لنا:
هذا هو وضعنا وليس من السهل الخروج منه، الحرب شرسة، والأيام صعبة، والضغوطات كثيرة... وما شابهها من عبارات..
لكن كلمة الرب تقول:
أن إلهي سحق رأس الشيطان..
وجرد الرياسات والسلاطين وأشهرها جهاراً ظافراً بها بالصليب..
وقام من الموت وجلس عن يمين الآب فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً.
وأخضع كل شيء تحت قدميه.
وماذا بعد؟
وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع..
وأعطانا السلطان لندوس العقارب والحيات وكل قوة العدو ولا شيء يضرنا..
وجعل روح القيامة الذي أقام الرب من الأموات ساكناً فينا لكي يُحيي أجسادنا ونفسياتنا المائتة والفانية..
فمن نصدق في هذا اليوم؟
يوم ذكرى قيامة الرب من الأموات مع كل ما صنع ودونته لنا كلمته؟
ولكن تحت وطأة ما تمر به اليوم قد تقول لي:
لقد جربت كل شيء وقرأت كل هذه الآيات مراراً عديدة ولم يحصل شيء معي !!!
وأنا أوافقك الرأي فهناك ظاهرة مستشرية بين المؤمنين اليوم:
- لقد استسلمنا لليأس والحزن والاحباط ورثاء الذات، والقبول بواقعنا..
- ننتظر شيء ما لكي يحصل فيغيّر الأمور.
- وربما ننتظر لكي ننمو أكثر.
- وربما ننتظر شيء لم نكتشفه بعد..
لكن اسمح لي في هذا اليوم، أن أقول لك: أنه لا يوجد شيء لم يكشفه الرب لنا، ولا يوجد شيء لم يفعله الرب لنا، لقد قال على الصليب " قد أُكمل "، ولا يوجد سر مخفي سيُعلن قريباً ربما، ولن يُكتب لنا إنجيل جديد غير الذي بين أيدينا.. ولن يقوم أحد ما حول العالم بأمر جديد أو بموجة جديدة تجتاح الكنائس وتخلص المؤمنين من معاناتهم..
بل ما نحتاجه في هذا اليوم أن نتمسك بكلمة الرب ونؤمن ببساطة الأطفال، أنّ روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكن فينا ويريد أن يقيمنا من موتنا هذا، ويُحيي أجسادنـا المائتة ونفسياتنا المريضة والمتعبة واليائسة... مهما كثرت واشتدت التحديات ومهما طال الوقت..
وأصلي في هذا اليوم كما صلى الرسول بولس، كي يعطينا إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد، روح الحكمة والإعلان في معرفته.. مستنيرة عيون أذهاننا لنعلم ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته !!!
وهذا الرسول العظيم هو من قال: " ... لأعرفه وقوة قيامته " (فيلبي 3 :10).
لقد كان مُصرّاً أن يخسر كل شيء ويعتبر كل شيء نفاية، فقط لكي يعرف قوة القيامة التي نُعيّد لها اليوم..
صباح أحد القيامة جاءت مريم إلى القبر، وبدأت بالبكاء، وقالت للملاكين: لقد أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه..
ثمّ التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعلم أنّه يسوع.
فقال لها الرب: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه.
قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلّم. (يوحنا 20 : 11 – 16).
أحبائي: وضعنا يشبه وضع مريم كثيراً، أغلبنا اليوم ربما، وهو يوم أحد القيامة ما زال واقفاً عند القبر يبكي، وقد سرقوا يسوع منه ولم يعد يعرف أين وضعوه.. حياتنا لا تعكس ولا تخبر بأن الرب قد قام من الموت، بل حياتنا تعكس وتخبر بأن هناك من سرق الرب منا وأخفاه عنّا، ويريد أن يُخفي عنّا كل ما حققه لنا بموته وبقيامته..
مريم رأته ولم تعرفه.. بينما كان واقفاً خلفها..
وهو اليوم واقف خلفنا وأمامنا وفينا.. لكن الضباب والغمامة السوداء والغبار ووطأة التجارب والحروب واستسلامنا لها، أعمت أعيننا ففقدنا الرؤية..
سيدنا لم يسرقه أحد.. ولن يستطيع أن يسرقه أحد.. لقد قام.. حقاً قام..
ويريد في هذا الصباح أن يقيمنا من موتنا، ويزيل هذه الغمامة السوداء عن أعيننا، لكي نرى أنفسنا اليوم، ساكنين في المسيح عن يمين عرش العظمة، فوق كل رياسة وسلطان، وفوق كل مملكة الظلمة، ولكي نُدرك أن لنا السلطان لندوس العقارب والحيات والحزن والخوف والبكاء والنحيب والضعف، ولكي نشدد الركب المرتعشة والأيدي المسترخية..
ونحيا الحياة المنتصرة.. وننطلق إلى العالم حولنا، الذي يحيا دون رجاء، كما أوصانا الرب..
ونعيّد بعضنا البعض.. قائلين المسيح قام.. وأقامنا معه.. وأرسل روح القيامة ليسكن فينا، مُحيياً أجسادنا ونفسياتنا المائتة والمتعبة..
للرب المُقام كل المجد في هذا اليوم.