مَنْ يحب نفسه يهلكها
هكذا قال الرب في إنجيل يوحنا " من يحب نفسه، يهلكها. ومن يبغض نفسه في هذا العال، يحفظها إلي حياة أبدية " (يو 12:25).
*و يقصد بذلك: من يحب نفسه محبة خاطئة، يهلكها.
أما عبارة "من يبغض نفسه"، فالمقصود بها: من لا يعطي نفسه كل ما تريد. بل تكون عنده فضيلة "ضبط النفس", فلا يجعلها تسلك حسب هواها، بل يمنعها عن شهواتها إن كاتي تلك الشهوات ضد وصية الله. وبهذا المنع "يحفظها إلي حياة أبدية"..
وقد تكرر عبارة "يبغض نفسه" في (لو 14: 26) حيث يقول الرب "من يأتي إلي، ولا يبغض حتى نفسه، فلا يقدر أن يكون لي تلميذا".. إذن هذا شرط للتلمذة علي الرب. ولكن هي يقدر الإنسان علي هذا؟
كل إنسان يحب نفسه. وليس في هذا خطأ. إذ تقول الوصية الإلهية "تحب قربك كنفسك" (مت 22: 39) (مت 19:19).
إنما، ما المحبة الحقيقية للنفس؟
المحبة الحقيقية للنفس هي أن تحفظ لها طهارتها ونقاوتها، ولا تسمح لها أبدا أن تنفصل عن الله بالخطية، بل تحب الله من كل القلب ومن كل الفكر (مت 22: 37). والمحبة الحقيقية للنفس هي تدريبا علي النمو الروحي، حتى تصل إلي حياة القداسة وإلي الكمال حسب وصية الرب " كونوا كاملين" (مت 5: 48).
غير أن البعض في بنائهم لأنفسهم يلجأون إلي طرق خاطئة تضيعهم!
*وأول طريقة خاطئة في محبة النفس هي إعطاؤها لذاتها ومتعتها.
ولو كانت متعتها روحية، لأصبح هذا خيرا. لكن الخطأ هو في إعطائها لذة عن طريق الحواس... لذة جسدانية مادية لا تفيدها بل إن هذه اللذة الجسدانية تقودها إلي الشهوة وإلي الخطية... شهوة الجسد، وشهوة العين (1 يو 2:16).
وهذه المحبة الجسدانية يمكن أن تقود إلي الملاذ التي وقع فيها سليمان حينما قال " ومهما اشتهته عيناي، لم أمسكه عنهما" (جا 2: 10)... شهوة القنية والمال والرفاهية والنساء.. إلي أن عرف أخيرا أن كل هذا باطل وقبض الريح...
و المحبة الجسدانية للنفس، قد تمنع الإنسان عن الصوم، وقد تمنعه أيضا عن السهر.. كما تمنعه أيضا عن طهارة الجسد...
*والذي يمتع ذاته بلذة الجسد و الحواس، إنما هو يهلكها..
وينسي أن "العالم يبيد و شهوته معه" (1 يو 2: 17). وينسي أيضا قصة الغني الغبي الذي ظن في محبته لنفسه أنه يسعدها بخيرات كثيرة لسنين عديدة، قائلا لها " استريحي، وكلي و اشربي وافرحي" (لو 12: 19). ومثله أيضا غني لعازر الذي استوفي خيراته علي الأرض (لو 16: 25). وبذلك فقد العزاء الأبدي. هو أيضا أحب نفسه فأهلكها...
نعم، يهلك نفسه كل من يريد – في محبته الخاطئة لها – أن يمنحها لذة العالم، ورفاهية الحياة, ومتع الحياة، و تنعم الحواس....
*وهناك من لا يلذذ نفسه بالحواس، وإنما بالفكر.
وما لا يدركه بالفعل، يناله بالفكر. كل ما يريد أن يتمتع به، يكفيه أن يغمض عينيه، ويؤلف حكايات وقصصا و خيالا وأحلام يقظة، ويلتذ بكل هذا ويقول لنفسه: سوف أصير وأكون، وأعمل وأتمتع... ويمكن أن يغرق في هذا الفكر بالساعات.
والمحرمون في الحياة العملية, يعوضون أنفسهم بالفكر والخيال.
يدخلون في لذة أحلام اليقظة، وكما يقول المثل العامي "الجوعانة تحلم بسوق العيش". وهكذا يسرح الإنسان في الخيال... كتلميذ لم يذاكر. فتراه يترك كتابه، ويسبخ في أفكار كثيرة: أنه نجح وتفوق، والتحق بكلية عالية المستوي، وتخرج وصار... وصار... ثم يستيقظ من أحلام اليقظة ليري أنه أضاع فيها وقتا كان يحتاج إليه في مذكراته...
إن الخيال لون من المتعة، أوسع بكثير من متعة الحواس.
ذلك لأن مجال الفكر والخيال غير محدود، وأوسع بكثير من مجال النظر والسمع وباقي الحواس. وفي هذا الخيال يتصور تصورات لا يمكن أن يتحقق في الواقع. فمن يحب نفسه بأن يمتعها عن طريق الخيال، إنما يخدرها. وحينما تفيق، تجد أنها في الفراغ.
*ولعل من هذا النوع المرضي بالبارانويا Paranoia أي جنون العظمة.
تحضرني في هذا المجال قصة حدثت من حوالي نصف قرن. حيث ذهب بعض طلبة من كلية الطب في زيارة إلي مستشفي الأمراض العقلية، لكي يشاهدوا المرضي علي الطبيعة. فرأوا واحدا منهم يدعي أنه رسول من الله! وكان واقفا يدعو الناس إلي الإيمان برسالته. فلما انتهوا من سماعه، رأوا إلي جواره مريضا اّخر جالسا في اتزان وهدوء.. فسألوا لماذا لم تستمع إلي خطاب (رسول الله)؟ فقال لهم: لا تصدقوا ادعاءه أنه رسول الله. فأنا لم أرسله أبدا!!
*فهناك أشخاص يظنون في محبة الذات، أنهم يمتعوها بالعظمة.
يظن الواحد منهم أنه يحقق ذاته بالعظمة، وأول مثال لذلك: الشيطان الذي قال "أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي" (أش 14: 14). وبنفس العظمة حارب أبوينا الأولين قاْلا لهما " تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله."(تك 3: 5). ومثال ذلك أولئك الذين أرادوا بناء برج بابل قائلين "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه في السماء، ونصنع لأنفسنا إسما" (تك 11:4).
وكل هؤلاء الذين أحبوا أنفسهم محبة خاطئة، بالعظمة.. أضاعوا أنفسهم: سواء الشيطان، أو أدم وحواء، أو بناة برج بابل. فالذين أحبوا أنفسهم بالعظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة فأهلكوها، إنما كان قصدهم هو العظمة العالمية، وليس العظمة الروحية.....
فالعظمة الروحية يصل إليها الإنسان بالإتضاع.
كما قال الرب "كل من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع" (لو 18: 14). فالذي يحب نفسه محبة حقيقية، عليه أن يهرب من الرفعة. لأن " لرب الجنود يوما علي كل متعظم وعال، وكل مرتفع فيوضع.. فيخفض تشامخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس، ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم" (اش 2: 12، 17). ولنا مثال علي ذلك هيرودس الملك الذي بسبب العظمة ضربه ملاك الرب فمات وأكله الدود (أع 12: 22, 23). هو أيضا أحب نفسه بالعظمة فأهلكها.....
الذي يحب نفسه بالعظمة، قد يدخل في حروب ومنافسات تضيعه...
مثال ذلك: أبشالوم بن داود، الذي أراد أن يرفع نفسه بأن يأخذ عرش أبيه في حياته. فقادته هذه الشهوة إلي أن يدخل في حرب ضد أبيه، وينجس سراريه. وكانت أنه مات خاطئا وهالكا (2 صم 16: 15 – 20). هو أيضا أحب نفسه – محبة خاطئة – فأهلكها...
عكس يوحنا المعمدان الذي اتضع فارتفع.
كان باستمرار يقول: يأتي بعدي من هو أقوي مني، الذي لست أنا أهلاّ أن أحمل حذاءه (مت 3: 11) (لو 3: 16) " أنا أعمدكم بماء... هو سيعمدكم بالروح القدس" وقال أيضا "هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يو 1: 27) " ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنقص. الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع" (يو 3: 30, 31).
يوحنا هذا الذي كان فوق مستوي (الأنا)، هو الذي وصفه ربنا يسوع المسيح بأنه " أعظم من ولدته النساء" (مت 11 : 11).
ما أجمل ما قيل عن الله – في هذا المجال – إنه " الساكن في الأعالي، والناظر إلي المتواضعات". و الكائنات المتواضعة هي البعيدة عن (الأنا).
*هناك أشخاص اخرون يحاولون أن يبنوا ذواتهم بمظهر من الزعامة في نظرهم أو (ببطولة) تستخدم أسلوب الصراع و العراك.
تجدهم كشعلة من نار، في حماس مستمر، للنقد والهدم والتحطيم!! دون أن يقوموا بأي عمل إيجابي بناء. إنما لا تسمع من أفواههم سوي عبارة هذا خطأ وهذا مخطئ. ولذتهم هي في انتقاد الكبار. ومثلهم الأعلي هو (طرزان Tarzan) الذي يقفز علي الجبال, ويضرب هذا وذاك. شأنهم شأن الفتيان الذين يحبون الأفلام السينمائية التي فيها ضرب نار، وقلب عربات، وتخريب وقتل، ويسمونها أفلام البطولات.
الواحد من هؤلاء يري ذاته بطلا، حينما يقول: فلان هذا سأوقعه، وفلان هذا سأضيعه! وفلان هذا لن يفلت من يدي! سأريه من هو!!
إنه الطبع الذي يسمونه ( الطبع الناري).. دائم الهجوم، دائم العدوان، دائم الغضب والاقتحام. يبني ارتفاعه علي جماجم الاخر. ويري لذاته في تحطيم غيره. نفسه التي يحبها بهذا الأسلوب، هو يهلكها، وفيما يظن أنه يحطم الاخرين. إنما يحطم نفسه. ولا يكسب الدنيا ولا الاخرة...
إنه مثل التلميذ المشاكس في الفصل. يظن أنه يكون ظاهرا بأعمال (الشقاوة). وأخيرا يضيع نفسه. ويكون النجاح لزميله الهادئ المتزن.. يري ذاته حينما يتعب المدرسين، ولا يأبه باحترامهم. ويظن عمله جرأة وقوة وشجاعة. ولكنه بكل هذا قضي علي نفسه بالضياع. وينطبق عليه "من يحب نفسه يهلكها"...
هذا النوع تجده في كل مكان: في مجال الخدمة (للأسف)، وفي المجال الاجتماعي، وفي مجال العمل. ويقول الواحد من هؤلاء: أنا إنسان مقاتل! يعرف كيف يحارب، دون أن يدري إلي أين تقوده حروبه...
*العجيب أن الهدم أسهل من البناء وأسرع!!
وكما يقول المثل العامي "البئر الذي يحفره العاقل في سنة, يردمه الغبي في يوم"! سهل أن عمارة من عشرين طابقا، يهدمها أحد الأشرار في ساعة أو لحظات، بقنبلة ناسفة..
و يبقي البناء هو العمل المجيد. أما الهادمون فلا يهدمون سوي أنفسهم...
*هناك نوع اّخر، يحبون أنفسهم بمنحها الحرية في كل شيء.
الواحد منهم يعمل ما يشاء، متي يشاء، كيفما يشاء!!! كما يحدث في بعض بلاد الغرب. متي وصل الطفل إلي سن البلوغ، لا يكون لأحد سلطة عليه. لا سلطة للوالدين، ولا اساتذته، ولا يعترف بقادة أو مرشدين! يظن أن النصيحة قيد عليه، والتقاليد قيد! لا أوامر ولا توجيهات يجوز لها أن تحد حريته.. وبالحرية يهلك نفسه!!
يقول: أنا حر افعل ما أشاء ...! وتهلكه كلمة (أنا).
*الحرية الحقيقية هي حرية من الداخل، وليست في التصرفات الخارجية.
الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من العادات التي تستعبده. وهي تحرره من نزواته ورغباته وشهواته و أخطائه.. أما الحرية المنحرفة فكثيرا ما قادت الشباب إلي التدخين والمخدرات و القمار والفساد الخلقي. بل إنها تقوده إلي الضياع من كل جهة. وفي ذلك "من أحب نفسه يهلكها"....
*الوجوديون ظنوا أنهم يجدون أنفسهم بالتحرر من الله ووصاياه!
وأصبح شعارهم هو " من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا "! حقا إن هذه (الأنا) هي التي ضيعتهم. ومن أحب نفسه يهلكها...
كذلك قصة الابن الضال (لو 15) الذي رأي أن متعة الأنا وحرية الأنا، هي في تركه لبيت أبيه وسيره حسب هواه .وانتهي الأمر بقوله "كم من أجير عند أبي يفضل عنه الخبز، وأنا هنا أهلك جوعا".
*هنال فرق واسع جداّ بين الحرية والتسيب.
فيظن أنه يخرج من الحصون التي تحميه، إلي الفضاء الواسع الذي يكون فيه هلاكه! كما يظن المعترف أنه يخرج من قيود الارشاد عند أب اعترافه، فيصل إلي التسيب في التصرف، ويهلكه التسيب. فلا يستشير أب الإعتراف إلا في الأمور التي يتأكد فيها من وافقته، وفي غيرها يسلك حسب هواه...! أو أنه يغير أب اعترافه، لكي تسلك الأنا حسبما تشاء...!
*إن الذين ظنوا أن يحققوا ذواتهم بالحرية، أهلكوها بالاستخدام السئ للحرية.
إن الحرية الحقيقية غير المنحرفة،لا تضر. ولكن يضر الإنسان أن تتحول الحرية إلي لون من للتسيب يكون فيه هلاكه.
*ومن أخطر أنواع الحرية: الحرية في الفكر الديني.
كثيرون قادتهم هذه الحرية إلي الإحاد، أو إلي إنشاء مذاهب دينية خاصة داخل الكنيسة! أو أن حريتهم في تفسير الكتاب المقدس أوصلتهم إلي الهرطقة أو إلي البدعة. وبخاصة حينما تتدخل (الأنا)، ويعتز هذا المنحرف لفكره الخاطئ ويتمسك به. ويري أنه ضد كرامته أن يتنازل عن تفسيره الخاطئ وعن بدعته..
كل الطوائف الكثيرة التي سببت انقساما في الكنيسة، سببها (الأنا). وقد تجادل بعضا من هؤلاء، وتكون اّيات الكتاب المقدس واضحة. ولكنهم يرفضونها.
*إنهم لا يخضعون للكتاب، إنما يريدون إخضاع الكتاب لفكرهم!
كل واحد يفسر الكتاب حسب مزاجه، والأمزجة تختلف. وبذلك تختلف التفسيرات، وتنشأ الطوائف المختلفة...!
ويجد البعض ذاته في أن يقدم تفسيرا جديدا غريبا لم يسبقه إلي أحد. وهذا التفسير يوجد له شهوة، يظن بها أنه يقدم ذاته في لون من الذكاء والتفكير والتجديد. وتنشغل الكنيسة بالرد علي هؤلاء. ويجدون لذة في أن الكنيسة انشغلت بهم. إنها (الأنا) التي تجعلهم يشذون فيظهرون ويشتهرون في مجال المعرفة، التي قال الكتاب عنها إنها تنفخ (1كو 8: 1).
*كل من هؤلاء يشبع ذاته بأنه قائد فكري وصاحب فكر جديد.
ليس له الفكر العادي كباقي الناس، إنما الفكر المبتكر الجديد، حتى لو كان بدعة! وما معني البدعة سوي أن صاحبها قد ابتدع فكرا جديدا يكون غير المألوف! وهذا المبتدع – في محبته لنفسه – يسره أن يقال عنه إنه صاحب الفكر الفلاني، ومؤسس تعليم جديد ينقاد إليه البعض! وإن سألته: ولماذا لا تسير فوق التعليم المألوف في الكنيسة، يجيب بأنه مفكر. وهو يقدم فكر لينتفع به غيره...!
وهكذا إذ يحب نفسه يهلكها. إذ يقاوم الكنيسة، والكنيسة أيضا تقاومه. وقد تعزله من عضويتها بسبب الابتداع ..
*إنسان اخر يحب نفسه، فيقع في الإعجاب بالنفس.
يكون حكيما في عيني نفسه، وبارا في عيني نفسه. وإن لم يجد من يمدحه من الناس، يمدح نفسه، ويتحدث عما قام به من أعمال عجيبة وفاضلة! حتى إن كانت له أخطاء يحاول أن يبررها، ليبدو أمام الكل بلا عيب. ولا مانع لديه من أن يكون الكل مخطئين، وهو صاحب الرأي السليم.
وهكذا يصاب بالغرور، ويهلكه غروره..
وإن عوقب علي خطأ، يتهم من عاقبه بالظلم، لأنه بار والبار لا يُعَاقَب! لا ينظر إلي الذنب الذي ارتكبه، إنما يشكو قسوة من عاقبه.. له مرآة خاصة يري فيها نفسه بغير ما يراه الناس. و يري انه جدير بالمدح من الكل. وإن مدحوا أحدا غيره، يتأذي في داخله، كما لو كانوا قد تجاهلوه!
إن قايين تأذي من قبول الله لذبيحة هابيل (تك 4). فقتله مع أن هابيل لم يؤذه في شيء.
هؤلاء الذين يقعون في حب الذات، وفي مديحها، وفي الغرور بالنفس، إنما يهلكون أنفسهم بالكبرياء.
أشخاص اّخرون يحبون أن يبنوا أنفسهم بمجد خارجي: بالمركز والغني والشهرة وتعظيم المعيشة...
وكل هذا لايوصل إلي مجد حقيقي . فالمجد الحقيقي للذات، هم في نقاوتها، وشركتها مع الروح القدس. قيل عن يوحنا المعمدان إنه كان "عظيما أمام الله" (لو1: 15). ليس عظيما أمام الناس فحسب. ولعل عظمته هذه إنه كام "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو1: 15).
أما العظمة الخارجية، فإنها لا تبني الإنسان، بل قد تهلكه.. فهي كلها تتعلق بنظرة الناس إليه، وليس بعلاقته بالله. وهؤلاء الذين يفرحون بالمركز والشهرة والغني والعظمة. ما أسهل أن يقال لهم إنهم "استوفوا خيراتهم علي الأرض" (لو 16: 25). أو "استوفوا أجرهم" (مت 6: 16).
إن المظاهر الخارجية لا تبني النفس، بل تبنها ثمار الروح.
ثمار الروح هي حجارة حية تبني بها ذاتك. وهي التي قال عنها الرسول: "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف، صلاح إيمان، وداعة تعفف" (غل 5: 22، 23).. فهل حياتك هذه الثمار؟
أما المراكز والمناصب العالمية فليست هي التي تدخلك الملكوت.
لا تطلب مجدا من الناس.
فقد قال السيد المسيح: مجدا من الناس لست أقبل" (يو 5: 41). فما هو المجد الذي طلبه؟ قال "مجدني أنت أيها الاّب عند ذاتك" (يو 17:5). يأتي بإنكار الذات بالنسبة إلي الناس.. وبدأه الرب في قصة الفداء بأنه "أخلي ذاته" (في 2: 7).
كيف إذن نتخلى عن الذات؟