رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفاهيم سيكولوجية عن الخطية والذنب إن الاعتراف هو فعل شخصي فردي، وعلاقة ثنائية بين الكاهن والمعترف، ويُعد هذا هو التشابه الأول بين الاعتراف والعلاج النفسي الذي يعالج حالات مماثلة في العالم خارج الكنسية، وقد كانت الدراسات السيكولوجية نافعة دوماً للآباء الكهنة الذين يقضون الكثير من وقتهم في إرشاد ابنائهم الروحيين. وتأتي أهمية دراسة علم النفس من التشابه والتماثل القائم بين الاعتراف وبعض أبعاد التحليل النفسي أو العلاج النفسي، فالكنسية الأرثوذكسية تحرص وتهتم أن يمارس أبناؤها بانتظام سر الاعتراف عن خطاياهم، إذ أن ال خطية تعوق شركة المؤمن وعلاقته مع المؤمنين ومع الله أيضاً، والخطية يليها شعور بالذنب sense of guilt، والذنب يتبعه الاعتراف، وعندئذ عن طريق الحِل المُعطى في سر الاعتراف المقدس، يتصالح التائب ثانية مع الكنيسة ومع الله، وهكذا يجد شفاءً لمرض خطيته. وبالمثل في حالات العلاج النفسي، يعاني المريض من العُصاب Neurosis أو كون غير مدركاً أنه يخطئ، وينتج عن هذا شعور بالذنب والقلق، وخلال عملية العلاج النفسي والتي تتضمن مناقشة الأخطاء وظواهر العُصاب، يتحرر الفرد من قلقه مما يساعده أن يحيا حياة أكثر مسئولية وأكثر صحة. ويجب أن نشير إلى أن المفهوم السيكولوجي المُقدم هنا سوف يكون عملياً وتقليدياً، إذ أن هناك مدارس فكرية لا حصر لها في هذا المجال، ومن المستحيل أن نستعرض أراء كل هذه المدارس المتنوعة، وينطبق هذا بالأخص على تقنيات العلاج النفسي، وعلى درجة التشابه بينه وبين الاعتراف كوسيلة للشفاء من الذنب، وهكذا سنتناول في هذه الدراسة العموميات المقبولة من الجميع، والمبادئ السيكولوجية التي تعني بالخطية والذنب والأثار التطهيرية للاعتراف. وفي العهد الجديد وفي تعليم وتقليد الكنيسة، يُنظر إلى الخطية كأعمال تُرتكب أو كحالة يكون فيها الإنسان، وترتبط تعريفات الخطية بالمفاهيم الخاصة بطبيعة الإنسان، وفي رسالته إلى أهل رومية يقول القديس بولس الرسول "إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسني أن الشر حاضر عندي، فأني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموساً أخر في أعضائي" (رو 21:7-23) وفي إنجيل معلمنا مرقس نقرأ "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة... جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مر 21:7-23). إذاً لابد أن يكون من الواضح أنه يمكن الإشارة إلى الخطية كأفعال محددة أو كحالة يكون عليها الذهن (مثل الكبرياء). ويتضمن المفهوم السيكولوجي للخطية أو لارتكاب الخطية، مفاهيم عن الشهور واللاشعور conscious and unconscious ويؤكد على أهمية دوافع السلوك الإنسان، وبدلاً من دراسة الخطايا، يتناول علم النفس التقييم الأخلاقي لبعض الأفعال، ومدى شعور الفرد بالمسئولية الأخلاقية، كما يتناول التوقعات الاجتماعية أي توقعات المجتمع من الفرد، والتي في النهاية تصيبه بالشعور بالذنب. ويفترض علم النفس أن دوافع السلوك البشري تنتج من غرائز أساسية في الإنسان، وهذه موجودة في اللاشعور، مثل الحاجة إلى الحب، الحاجة إلى الأمان، إلى الإشباع الجنسي، إلى القبول، الخ، وتبدأ المتاعب عندما تُكتب هذه الغرائز وتُقمع، مما يسبب توتر نفسي هائل، وأخيراً يصل الإنسان إلى الشعور بالذنب، وهكذا يتناول التحليل النفسي الذنب أكثر مما يتناول الخطية أو فعل الخطأ. وبينما يعتمد تعريف الخطية وعلاقتها بطبيعة الإنسان على الإطار اللاهوتي الذي تُناقش فيه، نجد الذنب من الناحية الأخرى مصطلحاً أكثر حيادية فيمكن أن يستخدمه اللاهوتيون والنفسيون بنفس الطريقة، وبالنسبة للمسيحيين فإنهم يعالجون الشعور بالذنب عن طريق سر الإعتراف، أما المعالجون النفسيون فيعالجونه عن طريق قبول الذات self acceptance ومعرفة إكتشاف أصول وجذور هذا الذنب. ويمكن أن يتخذ الذنب عدة أشكال اعتماداً على جذوره وأسبابه، وقد رأى فرويد Freud الذنب كنوع من العُصاب الذي ينتج من ضغوط إجتماعية، و الشخص العصابي يشعر بخوف شديد وقلق. ويشرح علم النفس أن الناس جميعهم ينمون ويكبرون بمشاعر الذنب المرتبطة بالتوقعات الإجتماعية المنتظرة منهم، فالحياة الأسرية هي مجال يُسمع فيه الكثير من النقد المتبادل، ويمكن أن ينتج عن هذا شعور بالذنب، فالطفل الذي ينمو وله أب ناقد ومتسلط، يمكن أن تنغرس فيه مشاعر قوية بالذنب والدونية وانه عديم القيمة، ومثل هذا الذنب يمكن أن يتسبب في الكثير من المتاعب ما لم تتم معالجته. ونمو وتطور مشاعر الذنب القوية هذه يصحبه تعدي وانتهاك للمحرمات Taboos –وهي قيود وموانع ضد أعمال معينة- ودائماً ما يكون لهذه المحرمات سمة أخلاقية وإجتماعية وتكون مرتبطة عادة بالمبادئ الدينية، وانتهاك وكسر هذه المحرمات يتبعه استنكار ورفض قاس وهكذا ينتج عنه الذنب. ومن الأهمية بمكان أن نميز بين الأنواع المختلفة للذنب، ومن الواضح أنه عندما يكون الذنب نتيجة للخطية، عندئذ تعالجه الكنيسة عن طريق التوبة والاعتراف والغفران، لكن كيف يمكن للمرء أن يميز بين الذنب الحقيقي والذنب الكاذب، بين الذنب الواقعي والذنب التخيلي؟ وإجابة على هذا التساؤل نستعين بكتابات بول تورنير Paul Tournier وهو طبيب نفسي له مؤلفاته الكثيرة عن العلاج النفسي، وله خبرة كبيرة في ذلك المجال، وفي كتابه "الذنب والنعمة Guilt and Grace" تناول الذنب الذي نشعر به كلنا لأننا لا نعيش بحسب توقعات الأخرين، والشعور الذي يخالج كل إنسان ليس لأجل الشر الذي ارتكبه بل لأجل الخير الذي لم يصنعه. ومثل هذا الشعور بالذنب يمكن أن يوصل الإنسان لأقصى درجات نقد الذات self-criticism لأنه يتضمن عدم مصداقية الشخص مع نفسه ويؤكد تورنير أيضاً على الفرق بين الذنب الحقيقي والذنب الكاذب. ويأخذ هذا الفرق بين الذنب الحقيقي والكاذب اشكالاً عديدة في الأدب النفسي، فبالنسبة لفرويد، يرى أن مشاعر الذنب هي نتيجة لقيود وضغوط إجتماعية، عندما يُبوح الأطفال ويُعنّفوا، وهكذا يخافون من فقدان محبة والديهم، ورغم أن هذا المبدأ الأساسي مقبول بصفة عامة، إلا أن مضمونه أخذ تفسيرات عديدة متنوعة، فبالنسبة لأودير Odier على سبيل المثال، يميز بين الذنب الوظيفي functional guilt وذنب القيمة value guilt، ويرى أن الأول يحدث نتيجة للتوقعات الإجتماعية، ومن الخوف من فقدان محبة الأخرين وقبولهم، أما الثاني أي ذنب القيمة، فهو وعي المرء وإدراكه انه قد انتهك مستوى أخلاقي معين، أو أنه قد خان وخدع إيمانه واعتقاده الداخلي. ويشرح تورنير أن الذنب الوظيفي هو طبيعي في الأطفال ولكنه يستمر حتى مرحلة متقدمة في العُصابيين Neurotics، وبالنسبة لأودير، الذنب الوظيفي متماثل كنتيجة لرفضنا قبل أنفسنا بصورة كاملة، أما أدلر Adler، فيرى أن الذنب الوظيفي ينتج من رفضنا قبول دونيتنا our inferiority. ولي من المتاح دوماً أن نميز بين أنواع الذنب المختلفة بحسب أصلها كما أسلفنا، وعلى أية حال، يؤكد علم النفس والتحليل النفسي أن الإنسان لا يمكنه أن يتحرر من مشاعر الذنب إلا عن طريق جلب واستدعاء بعض الخبرات التي تصحب هذا المشاعر إلى مستوى الشعور الواعي the conscious level، ويُعد أمراً حاسماً وأساسياً أن الشخص لا يقبل هذه الخبرات المؤلمة مدركاً أنها خبراته هو الشخصية، وأن يريد ويرغب في موجهة تبعاتها ومتضمناتها. والاحتفاظ بهذه الخبرات مكبوتة ومقموعة في اللاشعور يسبب المشكلة، وهكذا تحت إرشاد الطبيب المعالج، يستطيع الشخص أن يعترف بالأفكار والمشاعر التي كان غير واعياً بها تماماً، أو كان خجلاناً خجلاً عميقاً منها لسبب ما، وبهذا المعنى وهذه الرؤية، يعمل المعالج النفسي كأب اعتراف، ويقبل خبرات المريض دون إدانة ل ها أو حكم عليها. وسر الاعتراف المقدس يمكن ان يتضمن أيضاً الإقرار بالأفكار والأفعال التي كُبتت وقُمعت قبلاً بسبب الخوف أو الخجل، ومن المفيد جداً للكاهن في خدمته كأب اعتراف أن يفهم ويعي المنظورات السيكولوجية لطبيعة الذات وأصول الذنب وأثار القمع والكبت، والفصل التالي يناقش دور أب الاعتراف وكيف يمكن أن تُفهم تأثيرات هذا الدور من منظور سيكولوجي. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المسيح يعتقنا من الخطية والذنب والعبودية والخوف |
سيكولوجية القطط |
ما هي سيكولوجية القطط |
سيكولوجية الزعل |
سيكولوجية الطفولة |