رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الابن الشاطر أحبّائي، لا أعتقد أنّ هناك ما هو أجمل من هذه الصفحة كُتبت لله. أن يكون الله أباً. هذا كان ثورةً في حدّ ذاته. كان الله جبّاراً، مستبدّاً، مرعباً… وكثيرٌ من الشعوب كانوا يقدّمون ذبائح بشريّة، للآلهة التي كانوا يؤمنون بها. وإذ بيسوع يقول إنّ الله أب. وأب قد يلتقي مع آباء كثيرين على الأرض، ولكنه منزّه عن الخطأ، وما مِن إنسان منزّه عن الخطأ. حتى الأب يُخطئ، أما الله، فلا يُخطئ… الحادثة التي رواها يسوع مثَل، يحتوي على رموز بعيدة الغوص. الله منح الإنسان كلّ شيء، وأروع ما منحَه العقل، وترك له الحرية، وكان يعرف مسبقاً، أنّ الإنسان سوف يُسيء استخدامَ هذه الحرية. مع ذلك، راهَن لأنه يحبّ… الذي يحبّ، لا يفقه إلا لغةَ الحب. يُغمض العين… يسامح… وعندما يعود الذي أخطأ بحقّه، يفتح العقلَ والقلبَ له. وإذا ما نحن البشر تأثّرْنا ببعض الأسباب والناس، فأغلقنا قلبنا عن الحب، في ما نظنّه موقفاً لا بدّ منه تجاه مَن نحبّ، الله لا يعرف هذه الحسابات. يعرف فقط، أنّ ابنه كان يعيش بعيداً عنه، و"كان ميتاً فعاش!" ويعرف أنه عاد… انتهى كلّ شيء. الابن الأكبر، كان وفيّاً حسب الحرف والقانون… "خدمتكَ! لم أخرج على إرادتك!" وكان يريد ألا يُستقبَل أخوه، الذي بذّر أمواله مع الزّواني، يتكلّم بصريح العبارة! ما الذي كان جواب الأب؟ "ينبغي أن نتنعّم ونفرح، لأن أخاك، أخاك هذا، كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجِد"… كان ميّت… رجع. هذا منطق أيّ أب أو أيّ أمّ، حتى لو طغت عليهم بعضُ العواطف البشرية، في تربية الابن وفي القسوة عليه، في أعماقهم يقولون: "ابني… لحمي… حياتي… روحي…" يستقبلونه ولا يعاتبون. هذا الذي قدّمه لنا يسوع، يجب أن يكونَ راسخاً في ذهننا، أولاً لكي نفهم أنّ تجربة الحرية، هي تجربة دائمة لدى الإنسان. ما مِن إنسان يُفلت منها… حتى القديسون كانوا يعرفون، أنهم - كما يقول القديس بولس: "من خزف"، وكلّنا نعرف أنّ الخزف مادة سريعة العطب. الربّ منحَنا الحرية. ونحن بشتّى الطرق، كثيراً ما تُغرينا الحرية فتُبعدنا عنه، ونظنّ أحياناً كثيرة - أننا نتوهّم أننا بابتعادنا عن الله، نعيش مطلق الحرية. الله يقمعُنا، نحن أحرار…! هذه الفلسفة وصل إليها العديد من الفلاسفة الغربيين، وفكرهم - للأسف - انتشر الآن، في طول الغرب وعرضه، بصورة نظريّة وبصورة عمليّة. من أهم هؤلاء، فيلسوف ألماني، توفّي عام 1900. اسمُه "نيتشه"… كان يقول: "الله مات… مات! انتهينا منه"… ولكن تصوّروا أنّ هذا الذي كان يدعو لموت الله، كان يقول في أعماقه، وأحياناً في كتاباته، وأحياناً في وعيه، لأنه مات وظلّ مدّة اثنتي عشرة سنة في مصحّ مجانين. وآخر كلمة قالها: "أيُعقل أن يكون هناك إله، وأنا موجود؟ حكَم على موت الله، ولكنّه شاء أن يكون هو الله، فقضى اثنتي عشرة سنة في مصحّ مجانين. ومثله الكثيرون - إخوتي - ظنّوا أنهم بتمرّدهم على "الله"، يحقّقون حرّيتهم، يحقّقون حياتهم، رغباتِهم الخ… وأنا واثق أنّ بينكم كثيرين عاشوا مثل هذا الأمر، واليوم، عدد كبير من الشبان والشابات، يعيشون هذا الوهم ويضحكون على زملائهم وزميلاتهم، عندما يأتون إلى الكنيسة، "شو رايح تعمل؟ كبّر عقلك!" الإيمان أصبحَ في نظرهم قلّة عقل! هم أيضاً سوف يعودون… يسوع في الإنجيل يقول إنّ هذا الشاب أخذَ ميراثَه وسافر إلى بلدٍ بعيد. قديماً، كان الناس يعرفون بعضهم بعضاً. المثل الذي يقول: "الحارة ضيقة ومنعرف بعضنا"، يعكس تماماً هذا الواقع. المجتمعات القديمة كانت ضيّقة وصغيرة، وكان كلّ الناس يعرف بعضهم بعضاً، ولذلك يقول يسوع عن الشاب الذي أراد أن يتحرّر: "سافر إلى بلد بعيد"، كي لا يعرفه أحد، فعاش على هواه . إخوتي، كلّنا بشكل أو بآخر، نمرّ بمثل هذه الظروف. البعض تطول به التجربة… البعض تقصُر… وحتى الذين يأتون إلى الكنيسة ولا يتجدّدون، يعيشون مثل هذه الغربة مع الله، ولو كانوا يتقيّدون بحرفية الصلاة وبحرفية الأخلاق، ولا يحاولون أن يستنبطوا من عمق الإيمان علاقةً مع الرب، تضعُهم في موقف الابن من الله، لكي تضعهم أيضاً في موقف الابن من الناس كإخوةٍ وأخوات له . هذا الموقف يقتضي منّا - إخوتي - رجعةً إلى العمق، لنسألَ أنفسنا: "هل نحن حقاً نؤمن بأن الله أب؟" الصلاة الوحيدة التي علّمنا إيّاها يسوع هي: "أبانا… أبانا الذي في السماوات…" هل أنا حقاً ابن لله؟ هل فـيّ من الكِبَر، ما هو من كِبَر الله؟ هل فـيّ من النُّبل، ما هو من الله؟ هل فـيّ من النقاء، من النور، من الحبّ، من العطاء، من الاستضاءة، من المسامحة، ما هو من الله؟ أم تُراني دائماً أحلِّل… أنطوي… أحقد… أُحاسب… أتذمّر… أُثرثر وأنتقد وأدمِّر؟!… "كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجِد!" هذا هو الإيمان. يعطي الحياة… يعطي الفرح… ولا يحاسب… المحاسب هو الله وحده. ومع ذلك، يتصرّف وكأنه لا يحاسب. يهمّه فقط أن نكونَ أحياء، وأن نُحيي. عتابُه مع الابن الأكبر، هو لأنه رفض أن يستقبلَ أخاه بدل أن يفرحَ بعودته، وكان - لو فرِح - كان اكتسب مزيداً من النبل والكِبر والحرية الحقّة، في محبّته وفي أمانته لأخيه. هذا من جهة… من جهة الذين يعيشون في كنف الله، ويبتعدون عنه ظنّاً منهم أنهم يحقّقون ذواتهم. ومن جهة ثانية، هناك من يؤمنون بإله، يخترعونه على صورتهم، وينفّذون من خلاله مآربَ في نفوسهم، يحتاجون معها إلى مَن يُضيء لهم النور، لكي يفهموا فينقلبوا. فيعودوا إلى الله كما هو. وهنا أيضاً - إخوتي - أدعوكم جميعاً لمحاولة الاقتراب من يسوع، لكي تصلوا من خلاله، إلى صورة سليمة لله، تحرّركم ممّا يمكن أن يكونَ بصورة متفاوتة، أصوليّة في الإيمان لا تليقُ بكم، ولا تليق بأيّ مسيحيّ. ويتحتّم على كلّ مَن يحمل اسم يسوع أن يتحرّر منها. الأصوليّة كفرٌ بالله، كما أنّ الابتعاد عن الله كفرٌ به… الاثنان يلتقيان بطرق مختلفة، الثاني: في ما يظنّه تحرّراً بعيداً عن الله، والأول: في ما يظنّه خدمةً لله، وهو في الوقت نفسه، تدمير لله وللإنسان. أدعوكم دائماً لقراءة الإنجيل. حاولوا أن تكتشفوا وجهَ يسوع، ومن خلال يسوع حاولوا أن تستطلعوا نورَ الله، لكي تصلوا إلى علاقة بنوّة مع الله، وأخوّة مع جميع الناس، لكي نكون بحقّ أبناءً لله. ما عدا ذلك، نتوهّم… نوهم أنفسنا بأننا مؤمنون… نوهم الآخرين بأننا مؤمنون… نتصرّف بوحي لا يرضي الرب… نتصرّف بوحي يؤذينا. وبالتالي، يشوّه صورة الحضور المسيحي في هذا الشرق… كونوا بحقّ أبناءً لله… وبالتالي، كونوا بحقّ، إخوة وأخوات محبّين لجميع الناس… آمين. |
|