![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البدلية العقابية (1) السر والنموذج ![]() إن المهمة التي أنا مقبل عليها في هذه المحاضرة هي التركيز على وتفسير إيمان هو، بشكل كبير، علامة مميزة للتأخي الإنجيلي حول العالم: أي، الإيمان بأن الصليب لديه سمة البدلية العقابية، وأنه كان من تأثير هذه الحقيقة أنها جلبت الخلاص للجنس البشري. وهناك إعتبارين قد حركاني في هذه المحاولة. أولاً، أن مدلول البدلية العقابية لا يشرح دائماً بالضبط كما ينبغي، فمن ثم كانت هذه الفكرة يتم فهمها بصورة خاطئة ويتم السخرية منها من ناقديها؛ وأود، إن إستطعت، ان أجعل عدم الفهم هذا أقل إنتشاراً. ثانياً، أنا واحد من الذين يؤمنون بأن هذا المفهوم يأخذنا مباشرة لقلب المسيحية نفسه، وأرحب بفرصة تغيير قناعتي عن طريق التحليل والحجج الجيدة. إن خطتي في هذه المهمة هي كالتالي: أولاً، أن أن أوضح بعض الأسئلة عن الطريق، حتى لايكون هناك أي شك في إلي أين أنا ذاهب؛ ثم أن أوضح ماذا نعني بقول أن موت المسيح كان موتاً بدلياً؛ ثالثاً، أن نرى ماذا سنضيف للمعنى إن أضفنا كلمة عقابي؛ رابعاً، أن أوضح في النهاية أن التحليل الذي قدمته متوافقاً مع الآراء التفسيرية المتفق عليها. إن هذه، كما أؤمن، مقدمات ضرورية لأي بحث لاهوتي لهذه الرؤية. 1. السر والنموذج إن كل سؤال لاهوتي خلفه تاريخ من الدراسة، ولايمكن تجنب الشذوذ عن المسار في معالجته دون أخذ هذا التاريخ الدراسي في الإعتبار. إن الحديث السلبي عن مفهوم البدلية العقابية دائماً ما ينم من ضيق أفق أو ما هو شابهه. إن النقطتين التاريخيتين اللتان تتعلقا بهذه الفكرة هما، أولاً، أن لوثر، وكالفن، وزوينجلي، وميلانكثون ومعاصريهم من المصلحين كانوا رواداً في الإفادة عنها، وثانياً، أن الحجج التي صورت ضدها عام 1578 بواسطة البلاجي[i] المنكر للثالوث، فاوستوس سوسيناس، في شعره الذكي دي جيسو كريستو سيرفاتوري (عن يسوع المسيح المخلص)[ii] كان مركزياً في مناقشتها من وقتها وحتى الآن. فقام المصلحون بإعادة تعريف ساتيسفاكتيو (ترضية)، وهي الفكرة العامة التي وُضع الصليب تحتها في العصوة الوسطي. كان رأي أنسلم، الذي شكل لحد بعيد تطور العصور الوسطى، في كتابه كيور ديوس هومو؟ (لماذا الله وإنسان في آن واحد) عن المسيح أنه ساتيسفاكتيو (ترضية) لما قمنا به من خطايا كتقدمة أو تعويض عن الضرر أو الإهانة التي حدثت، وكعقاب (بوينا) لكي يفي بمتطلبات شريعة الله المقدسة وغضبه منا (أي عدالته العقابية). وما قام به سوسيناس هو أن إتهم هذه الفكرة بأنها غير منطقية، ولا متماسكة، ولا أخلاقية بل ومستحيله. لقد تحجج بأن إعطاء الغفران لا يتفق مع أخذ ترضية، وأن نقل العقوبة من المذنب للبرئ لا تتفق مع العدالة؛ وأن الموت القصير الذي جاز فيه شخص واحد كبديل حقيقي لا يمكن أن يحل محل الموت الأبدي لكثيرين؛ وأن الترضية الكاملة البدلية، إن كان يمكن أن تكون موجوده، هي ترخيص غير محدد للإستمرار في الخطية. وكان البديل الذي قدمه سوسيناس للخلاص في العهد الجديد، مبنياً على فكرة أساسية هي أن الله يغفر دون إحتياجه (لذبيحة) ترضية، فقط يحتاج للتوبة التي تجعلنا قابلين لأن يغفر لنا، بديلاً مراوغاً وغير مقنع وتأثيره ضئيل. ولكن النقد الكلاسيكي الذي قدمه ثبت أنه جسيم: لقد عقد إنتباه كل أسس مؤيدي وجهة نظر الإصلاح لأكثر من قرن، وخلق ميراثاً من الحكم العقلاني المسبق ضدها مما شكل بطريقة مؤثرة النقاش حتى هذا اليوم. إن التأثير السحري لنقض سوسيناس على الدراسات المصلحة بالتحديد لم يكن في مجموعة غير مفيد. فقد أجبرهم على أن يطوروا منطقاً قوياً في شرح وتوصيل الأجزاء المختلفة لموقفهم، وهو أمر حميد، ولكنه أيضاً قادهم لكي يردوا على متحديهم على نفس أرضيته، مستخدمين نفس الأسلوب السوسياني في التحاجج بخصوص الله كأنه إنسان – ولتحري الدقة، كأنه حاكم من القرن السادس او السابع عشر، يترأس كل من الجانب التشريعي والقضائي في مجاله الخاص ولكنه ملزم أيضاً بأن يحترم القوانين القائمة والممارسات القضائية في كل خطوة يتخذها. وهكذا صار إله الجلجثة هذا الشخص في سلسلة كاملة من الشروحات حتى وصلنا إلى لويس بركوف (1938) حيث نجح في تجنب كل السقطات الأخلاقية والقضائية التي أثارها سوسيناس بخصوص رؤية الإصلاح.[iii] ولكن هذه الإستعراضات، مهما كانت مصنوعة بمهارة (البعض مثل فرانسيس تورتين وتشارلز هودج، ذاكراً إثنين فقط[iv]، كانوا ماهرين جداً في الواقع)، كان بها ضعفات داخلية. كان موقفهم دفاعي أكثر من أن يكون تفسيري، وتحليلي، وتبريري أكثر من أن يكون تسبيحي وكرازي. لقد جعلوا كلمة الصليب تبدو كأنها لغز أكثر من كونها إعترافاً إيمانياً – أكثر مثل أحجية، يمكننا أن نقول، عن كونها إنجيلاً. ما الذي كان يحدث؟ فقط هذا: بينما كان لاهوتيو الإصلاح يحاولون هزيمة سوسيناس في أرض ملعبه العقلاني، كانوا يتنازلون ويقبلون الفرضية السوسيانية بأن كل جوانب عمل الله بخصوص المصالحة سوف تكون قابلة للتفسير بالكامل في ألفاظ اللاهوت الطبيعي للحكم الإلهي، مأخوذه من العالم القانوني المعاصر وقتها والفكر السياسي السائد وقتها. وهكذا، ففي غيرتهم لأن يظهروا أنهم منطقيين، أصبحوا عقلانيين.[v] وهنا كما في كل موقع أخر، أصبحت الطريقة العقلانية في القرن السابع عشر دودة تسرح في برعم الإصلاح، قادت لهلاك واسع المجال في زهرتها اللاهوتية في القرنين التاليين. الآن، أنا لا أتسائل من جهة الصحة الجمة لنظرة الإصلاح للكفارة، بل على العكس، أنا أسعى لكي أؤكد عليها، كما سوف أظهرها، ولكنني مقتنع أنه أمر حيوي أن نستنكر بكل وضوح مثل هذه الطريقة العقلانية التي ذكرتها، وأن نبحث عن طريق أفضل. سوف أحاول الآن أن أشيد بما يبدو لي طريقة أكثر صحة عن طريق تقديم إجابة لسؤالين: (1) ما هي طبيعة المعرفة المتاحة لنا عن ما قام به المسيح على الصليب؟ (2) ماهو مصدر ووسيلة نوال هذه المعرفة؟ (1) ما هو طبيعة المعرفة المتاح لنا عن عمل الله في موت المسيح؟ أن هناك إنسان إسمه يسوع قد صلب تحت حكم بيلاطس البنطي عام 30 ميلادية تقريباً لهو أمر بديهي تاريخياً، ولكن الإيمانيات المسيحية بخصوص هويته الإلهية ومعنى موته لا يمكن إستنتاجها من الحقيقة التاريخية وحدها. ما هي طبيعة المعرفة بخصوص الصليب، إذاً، التي يمكن للمسيحي أن يتمتع بها؟ الإجابة، يمكننا أن نقول أنها، المعرفة-الإيمانية: فعن طريق الإيمان نحن نعلم أن الله في المسيح كان مصالحاً العالم لنفسه. نعم، بكل يقين؛ ولكن ما هي طبيعة المعرفة التي هي المعرفة-الإيمانية؟ إنها نوع من المعرفة التي يكون الله فيها هو معطي المعرفة وهو موضوع المعرفة. إنه المعرفة الشخصية المعطاه بواسطة الروح بخصوص الوقائع الإلهية، معطى من خلال التعرف الشخصي بكلمة الله. إنه نوع من المعرفة يجعل العارف يقول في آن واحد كل من الآيتين “كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ” (يو9: 25) وأيضاً “فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ … الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ” (1كو13: 13). لأنه نوع فريد من المعرفة الذي، رغم أنه حقيقي، ليس كاملاً؛ إنه معرفة بما يمكن تمييزه في دائرة الضوء فوق خلفية أكبر مظلمة؛ إنه، بإختصار، معرفة لسر، سر الإله الحي وهو يعمل. إن كلمة سر مستخدمه هنا كما كتب تشارلز ويسلي قائلاً: إنه سر كامل! أن يموت الغير قابل للموت من ذا الذي يستطيع أن يسبر غور هذا الأمر؟ فباطلاً يحاول السيراف السابق لنا في الوجود أن يستوعب أعماق الحب الإلهي! في اللاهوت التقليدي، سر، تعني حقيقة متميزة عنا وفي ذات فهمنا لها تظل متعذرة الفهم: حقيقة نعترف بها كواقع بدون أن نعرف كيف أصبحت ممكنة، والتي بالتالي نصفها على أنها غير مفهومة، فالمسيحيون المتخصصون في علم ما وراء الطبيعة، وهم مدفوعون بالعجائب التي في العالم، يتحدثون عن الخليقة المرتبة على أنها “تخيليه”، فيعنون أن هناك ما هو أكثر وراءها، وهناك ما هو أكثر عن الله فيها، أكثر مما يمكنهم إستيعابه؛ وهكذا بالمثل اللاهوتيون المسيحييون، متعلمون من الإعلان الإلهي (في الكتاب المقدس)، يستخدمون نفس الكلمة، لأسباب موازية، عن الله المعلن عن نفسه والمعلن عنه، وعن عمله في المصالحة والفداء بواسطة المسيح. وسوف نرى أن هذا التعريف للسر لا يتفق مع إستخدام بولس لكلمة مستاريون (والتي تنطبق على سر الله المنكشف عن هدفه الخلاصي، المعلن في الإنجيل) أكثر من إتفاقه مع صلاته لأجل الأفسسين أن “تَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ” (أف3: 19). إن المعرفة عن طريق الإستنارة الإلهية التي تفوق المعرفة هو بالضبط ما يعنيه أن أطلع شخصياً على سر الله. إن السر المعلن (في إستخدام بولس للكلمة) عن المسيح يواجهنا مع سر (في تعريفي الشخصي للكلمة) يفوق الإدراك عن الخالق الفائق لإدراك خلائقه. وتبعاً لذلك، ينهي بولس شرحه الأنيق الغني الذي ليس له مثيل عن سر المسيح بأن يصرخ: “يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ …. لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو11: 33-36). يظهر بولس هنا، ويشارك، بإدراكه أن إله يسوع هو إله أيوب، وأن أعلى حكمة لأخصائي النظريات اللاهوتية، وحتى وهو يعمل تحت الوحي الإلهي كما كان بولس، لابد أن يلاحظ أنه، كما كان بولس، يتأمل في الشمس، التي إستنارتها تجعل من المستحيل له أن يراها بالكمال؛ حتى أنه في نهاية اليوم لابد أن يقر أن الله لديه أكثر جداً مما تستطيع النظريات أن تحوي، وأن يضع نفسه في تقدير أمام الإله الذي لا يمكن أن يحلله بالتمام. والآن أريد أن أقول أن الكفارة هي سر في تعريفي للكلمة، إنها أحد جوانب سر الله الكلي. ولكنها ليست وحدها. كل جوانب حقيقة الله وعمله، بدون أي إستثناء، هي سر. الثالوث الأبدي الأزلي؛ سلطان الله في الخليقة، اعمال عنايته وإدارته وتحكمه فيها، ونعمته؛ تجسده، رفعه في المجد، ملكه الحالي ومجيئه القريب؛ وحي الكتاب المقدس وخدمة الروح للمسيحي وللكنيسة – كل واحدة من هذه هي حقيقة واقعة خارجة عن الإدراك الكامل، وهكذا الصليب أيضاً. والنظريات التي عن كل هذه الأشياء، والتي تستخدم تشبيهات بشرية لكي تزيل الجانب الغامض تستحق عدم الوثوق فيها من جانبنا، تماماً كما تفعل النظريات العقلانية عن الصليب. لابد من التشديد على أن السر في كل حالة هو واقع في ذاته، وهو منفصل عن أي شيء في إدراكنا له، ومتميز بالتالي عن نظرياتنا، ومشاكلنا، وتأكيداتنا وإنكارنا بخصوصه. إن ما يجعله سراً هو أن مخلوقات مثلنا تستطيع أن تفهمه فقط جزئياً. إن هذا القول لا يفتح الباب للتشكيك، لأن معرفتنا للوقائع الإلهية (مثل معرفتنا لبعضنا البعض) هي معرفة أصيلة معبر عنها في إشارات، على قدر ما تكون، حقيقية. ولكنه يغلق الباب فعلياً تجاه العقلانية، بمعنى عمليات التنظير التي تدعي الشرح النهائي لأي من جوانب طرق الله في الوجود والعمل. وبهذا، فهذا ينبهنا لحقيقة أن وجود مشاكل غير محلولة في لاهوتياتنا ليس بالضرورة إنعكاساً للحق ذاته أو لكفاية أفكارنا. إن النظريات الغير كافية والغير حقيقية موجودة بالفعل: إن نظرية ما (تأتي من كلمة ينظر) هي “رؤية” أو “نظر” لشيء، وإن كانت طريق الشخص في النظر خاطئة ستكون رؤيته مشوشة، والرؤى المشوشة مملوءة دائماً بالمشاكل. ولكن مجرد وجود المشاكل ليس دليلاً كافياً على أن الرؤية مشوشة؛ فإن النظرات اللاهوتية الحقيقية تشتمل أيضاً على مشاكل غير محلولة، بينما كل رؤية ليس بها مشكلة على الإطلاق فهي بكل تأكيد أما رؤية عقلانية أو إختزالية. إن النظريات الصحيحة في اللاهوت، سواء عن الكفارة أو أي شيء أخر، دائماً ما تتشكك هي نفسها في مدى كفايتها لهدفها المنشود. هناك أمر يعرفه المسيحييون بالإيمان وهو أنهم لديهم معرفة جزئية فقط. كل ما ذكرته، بالطبع، ليس جديداً أو غير مألوفاً، فهو جميعه ينتمي للتيار الفكري المسيحي عبر العصور. ولكنني أضعه هنا، ربما بشكل مفصل جداً، لأنه لم يتم إستحضاره بشكل كاف حتى يتعامل البعض بدقة مع تعليم الكفارة. وهذا الموقف لديه أيضاً إنطباعات لغوية تلمس تعليم الكفارة بطرق لم يتم إستيعابها بالكامل بعد؛ وخطوتي التالية هي إظهار ماهي هذه الإنطباعت اللغوية. إن كل من المعرفة الإنسانية والفكر يعبر عنهما بواسطة كلمات، وما لابد أن نلاحظه الآن هو أن كل المحاولات للتحدث عن السر الخاص بالله السامي الفريد تشتمل عى أنواع كثيرة من توسيع معنى اللغة العادية. فنحن نقول، على سبيل المثال أن الله مجموعة وواحد، أي ثلاثة في واحد؛ وأنه يوجه ووفي ذات الوقت يستنتج الأفعال الحرة للبشر؛ وأنه حكيم، وصالح، وذو سلطان، لما يسمح للمسيحي أن يجوع أو يموت بمرض السرطان؛ أن إبن الله دائماً يحمل الكون، حتى وهو طفل بشري صغير؛ وهكذا. ولأول وهلة، مثل هذه العبارات تبدو لا معنى لها (دون معنى أو خاطئة). ولكن المسيحيين يقولون أن، بالرغم من أنهن تبدين لا معنى لهن إن قيلت عن البشر، فهن عبارات صحيحة عن الله. إن كان هذا هكذا، على كل حال، فإنه واضح أن الكلمات المحورية لا تستخدم كما تستخدم بالطريقة العادية كل يوم. فمهما كانت نظرتنا عن أصول اللغة البشرية وعن وحي الكتاب المقدس (موضوعين يبدو أن الإختيارات بخصوصهم تزداد حالياً ولا تقل)، فلن يكون هناك إختلاف أن معنى كل الأسماء، والصفات، والأفعال التي نستخدمها لكي نشرح حقائق ونعطي شروحات مثبته، على الأقل لأول وهلة، في خبرتنا للتعامل مع الأشياء والناس (بما فيهم أنفسنا) في هذا العالم. إن اللغة العادية يتم أقلمتها لأجل هدف غير عادي لما نستخدمها للحديث عن الله. يقوم المسيحيين بهذا التأقلم بشكل دائم في صلاتهم بسهولة؛ وفي تسبيحهم وشهادتهم، كما لو كانوا أشياء طبيعية (كما أفكر أنا أنها كذلك)، وأما الشكوك التي تثار بواسطة الفلاسفة المعاصرين القدامى الأسلوب مثل آيه. جي. آير وأنتوني فلو بخصوص هل هذه التعابير تعبر عن المعرفة وتوصل معلومات عن أي شيء أكثر من كونها توجهات شخصية تبدو بشكل يثير الفضول محلية شخصية كما متناقضة.[vi] وأكثر من ذلك، إنه من الملحوظ أن التعبيرات المسيحية المنطوقة المنتشرة للتعبير عن الأسرار الإلهية أظهرت من البداية إتفاق ملحوظ وثبات في الحفاظ على غرابة منطقها الداخلي، كما لو أن حقيقة الله المدركة بواسطتها هي في حد ذاتها تحفظ التعبيرات (وهذا ما أؤمن به). إن اللغة الخاصة بالصليب توضح هذا الامر بشكل جلي: الصلوات الليتورجية، والترانيم، والكتابات، والعظات، وقوانين الإيمان، والدفاعيات، جميعها تظهر أن المسيحيين من البداية عاشوا بإيمان أن موت المسيح كذبيحة مقدمة لله كتعويض عن خطاياهم، ومهما كانت هذه الأحاديث تبدو كأنها غير مألوفة أو خرافية (ولابد أنها دائماً ما كانت تبدو هكذا)، ومهما إختلفت طرق تقديم المعلمين لمبدأ الكفارة، ومهما كان صغر حجم الدراسات اللاهوتية عن الصليب فعلياً في حقبة معينة، وخصوصاً القرون الأولى.[vii] إن اللغة المسيحية، بكل خصوصياتها، تم دراستها بكثرة خلال العشرون سنة الأخيرة، وصار هناك شيئان واضحان عنها، أولاً، كل غرابتها، “معناها موسع”، فبها سمات تبدو متناقضة وغير متناسقة مستمدة مباشرة من المفهوم المسيحي الفريد لله الفائق للإدراك، ثلاثي الأقانيم، الخالق. يعتبر المسيحيون الله ليس لديه حدود مثل التي تقيد مخلوقات مثلنا، تحمل صورة الله ولكنها في الواقع لا توجد على نفس مستواه، واللغة المسيحية، وهي تتبع سابقتها الكتابية، تنفلت من الحدود المعتادة بشكل يعكس هذه الحقيقة. هكذا، فعلى سبيل المثال، لما نواجه الإعلان في (1يو4: 9-10) “… اللهَ مَحَبَّةٌ … فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا“. يكتب كالفين دون تردد: “إن كلمة كفارة (بلاكاتيو؛ هيلاسموس باليونانية) لها وزن عظيم: لأن الله، بشكل لا يمكن وصفه بالكلمات، في نفس الوقت الذي كان يحبنا فيه، كان غاضباً علينا إلى أن نتصالح معه في المسيح.”[viii]. إن عبارة كالفن “في شكل لا يمكن التعبير عنه بالكلمات” هي إعترافه بأن سر الله فائق للإدراك. بالنسبة لكالفين، فإن إزدواجية التوجه، الحب والغضب، هي جزء من مجد الله الأدبي؛ وهي وجهة نظر تجعل اللاهوتيين العقلانيين يهزون رأسهم في إعتراض، ولكنها بكل تأكيد سوف تجعل يوحنا يومئ برأسه موافقاً. ثانياً، ينطق الحديث المسيحي بالسر المدرك عن الله بإستخدام لغة متميزة تصويرية غير توصيفية. هذا يشمل أمثال، تشبيهات، رموز وصور مترابطة في توازن مع بعضها البعض، كما في الكتاب المقدس نفسه (الذي تعلمنا منه هذه اللغة في الأساس)، وكلها تشير لحقيقة وجود الله وأفعاله لأجل إستحضار معرفتهما والإستجابه لهما. إن تحليل كيفية آداء مثل هذه اللغة هو على قدم وساق[ix]، وبلا شك هناك الكثير يمكن أن يقال في هذا الإتجاه. لقد، على كل حال، أنتجت بالفعل المناقشات نتيجة واحدة ثابته ذات أهمية محورية – هي إدراك أن الوحدات اللفظية للحديث المسيحي هي “نموذج”، مقارنة بنماذج الفكر في الفيزياء الحديثة.[x] تظهر أهمية هذا الامر من حكم جون ماكينتاير “أن نظرية النماذج تنجح في إعادة وصف تعليم التشبيهات في منطق لاهوتي حديث … وأن التشبيه لابد من تفسيره داخل ألفاظ نظرية النماذج وليس بالعكس”[xi]. إن تعليم التشبيه هو سجل تاريخي، يرجع لتوما الأكويني، عن كيفية إستخدام اللغة العادية للتحدث بذكاء عن الله الذي نحن مثله جزئياً (لأننا نحمل صورته) وهو ليس مثلنا (لأنه الخالق الغير محدود بينما نحن مخلوقات محدودة).[xii] كل النماذج اللاهوتية، مثل النماذج الغير وصفية في علم الفيزياء، لها طبيعة تشبيهية؛ إنها، يمكننا ان نقول، تشبيهات لها هدف، أنماط فكرية تعمل بطريقة معينة، تعلمنا أن نركز في مساحة محددة من الحقيقة الواقعة (علاقتنا مع الله) عن طريق فهمها في ألفاظ حقيقة أخرى واقعة معروفة لنا بشكل أفضل (علاقتنا مع بعضنا البعض). لذا فهي في الواقع تخبرنا عن علاقتنا بالله وبواسطة الروح القدس تمكننا من أن نتحدث، ونستوضح، ونقوي خبرتنا في مثل هذه العلاقة. آخر أغنية في العمل الفني يوسف وحلة الأحلام متعددة الألوان تؤكد أن “أي حلم سوف يقوم بالمطلوب” لكي يوقظ المتعب في جو من الفرح. ولكن هل ياترى سيقوم أي نموذج بالمطلوب ويعطي معرفة عن الإله الحي؟ من الوجهة التاريخية، لم يفكر المسيحيون بهذه الطريقة. كانت طريقتهم اللاهوتية بصفاتها، سواء مؤداه بإهمال أو بمهارة، بإستمرارية دقيقة أم لا، كانت تأخذ النموذج الكتابي كنقطة البداية المعطاه لهم من الله، لكي يؤسسوا إيمانهم علي ما قاله كاتبي الوحي بإستخدام هذه النماذج، وأن يدعوا هذه النماذج تعمل كنقاط تحكم، تقوم بكل من إقتراح وتحجيم كل ما هو آت، ونماذجهم الثانوية يمكن تطويرها لأجل شرح النماذج الأساسية. وكما أن نماذج الفيزياء هي فرضيات تشكلت تحت السيطرة المستوحاه من الدلائل المؤكدة بالتجربة لكي تربط الظواهر ببعضها وتتنبأ بها، هكذا النماذج اللاهوتية المسيحية هي أبنية شرحية مؤسسة لكل تساعدنا نعرف، ونفهم ونتعامل مع الله، الذي هو الحقيقة العليا. من هذا المنطلق تكون كل دراسة اللاهوت المسيحي سواء كتابي، تاريخي، أو نظامي هي إستكشاف الهيكل الثلاثي للنموذج: أولاً، نماذج التحكم المعطاة في الكتاب المقدس (الله، إبن الله، ملكوت الله، كلمة الله، محبة الله، مجد الله، جسد المسيح، التبرير، التبني، الفداء، الميلاد الجديد، وهكذا – بإختصار كل المبادئ التي حللها كيتيلل في كتابه Wörterbuch ) ثم بعد ذلك، النماذج العقائدية التي وضعتها الكنيسة في صورة متبلورة لكي تعرف وتدافع عن الإيمان (هوموأويسيون، الثالوث، الطبيعة، الإتحاد الأقنومي، الإنبثاق المزدوج، السر، المعجزة، إلخ – بإختصار كل المبادئ التي يتم التعامل معها في كتب العقيدة)؛ وأخيراً، النماذج التفسيرية الواقعة بين الكتاب المقدس والعقيدة المتعارف عليها والتي طورها بعض اللاهوتيون بعينهم والمدارس اللاهوتية المختلفة لأجل وضع نصوص الإيمان للمعاصرين (البدلية العقابية، الوحي اللفظي، التأليه، والكثير غيرها). إنه من المفيد فهم اللاهوت في هذه الألفاظ، وبالأخص موضوع الكفارة. كان سوسيناس مخطئاً في هذا الأمر أولاً عن طريق فهم النموذج الكتابي لملوكية الله عن طريق نموذج ديكتاتور القرن السادس عشر (وهو خطأ تكرر بعد ذلك على يد هوجو جروتيوس)، ثانياً بأن تعامل مع هذا النموذج اللا كتابي على أنه هو نقطة التحكم، ثالثاً بأن فشل في الإعتراف بأن سر الله أكبر من أي نموذج على حده أن يعبر عنه، حتى أفضل النماذج. لقد لاحظنا بالفعل أن بعض الكتاب الأرثوذكسيين (مستقيمي العقيدة) مالوا ناحية نفس السقطة وهم يردون على سوسيناس. إن شغف تعبئة الله داخل صندوق مفاهيم من صنعنا دائماً ما يجنح ناحية الخطأ، ولابد من مقاومته. إن تنبهنا دائماً إلى أن كل المعرفة التي يمكننا أن نحصل عليها عن الكفارة هي سر ينبغي لنا أن نتحدث عنه دائماً ونفكر فيه عن طريق نماذج، وأنه سيستمر سراً بعد كل ما سيقال وسيتم، فذلك سيحفظنا من سقطات العقلانية وبهذا يساعد على تقدمنا بشكل ملحوظ. [i] نسبة لهرطقة بلاجيوس [ii] تم إدماج حجج سوسيناس في الإعتراف الراكوفي، الذي نشر في راكو (كراكو الحالية) عام 1605، والذي حدد عدم إيمان “الأخوة البولندين” “Polish Brethren” بالثالوث. وبعد عدة مراجعات للتفاصيل حتى عام 1680 كان النص قد وضع في صورته النهائية وترجم بالتالي للإنجليزية بواسطة توماس رييس (لندن، 1818). هذه وثيقة ذات أهمية كلاسيكية في تاريخ منكري الثالوث. [iii] إن حماسة بركوف في أن يظهر أن الله لم يقم بأي شيء غير قانوني أو غير عادل سوف تعطي إنطباعاً غريباً لقارئ العصر الحديث، عصر ما بعد وترجيت.. [v] في كتابه الواسع الأثر (كريتسوس فيكتور) أو المسيح الغالب – Christus Victor, tr. A. G. Hebert, SPCK, London (1931) – والذي رشح فيه طريق “دراماتيكي” لا منطقي لإعلان نصره الله على الشر بالصليب، يشرح جوستاف أولين السجل اللاتيني للكفارة (أي ما قال به أنسلم والأرثوذكسية البروتستانتية) كأنها “القانونية في أعماق طبيعتها” (ص106)، ويقول: “إنها تركز مجهودها على المحاولة المنطقية لشرح كيف تم تصالح الحب الإلهي والعدالة الإلهية. إن حب الله محكوم بعدله، ويكون فقط حراً في التصرف بداخل حدود تضعها له العدالة. فتسير المنطقية مع العدالة ممسكين بأيدي بعضهم البعض…. هذه المحاولة من جانب الدراسيين لكي يشرحوا أكثر تفصيلاً مفهوما لاهوتيا ما سوف يعطي شرح تفصيلي للحكم الإلهي على العالم، وسوف يجاوب عن كل الأسئلة ويحل كل الألغاز…” (ص173) ما فشل أولين في ملاحظته هو كيف أن الكثير من العقلانية المتضمنة في هذا الكم من الفكر كانت رد فعل مباشر لنقد سوسيناس العقلاني. في الواقع، إن أولين لم يذكر سوسيناس إطلاقاً؛ ولا أشار لكالفين، الذي أكد بقوة على البدلية العقابية مثل الجميع، ولكنه إتبع طريقة تفسيرية متمركزة حول المسيح لا تنتمي للاهوت المدرسي بأي صلة أو العقلاني. لم يظهر كالفين أي إهتمام بتصالح محبة الله وعدله كمشكلة نظرية؛ وكان إهتمامه الوحيد هو الحقيقة العجيبة والمباركة في كيف أن في الصليب قد تصرف الله في محبة وعدل حتى يخلصنا من خطايانا. |
![]() |
رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (2) الكتاب والنموذج ![]() (2) والآن نصل لسؤالنا الثاني، وإجابتي التي سبق الإشارة لها. ما هي الوسيلة التي نحصل بواسطتها على سر الصليب؟ وردي هو: عن طريق النماذج الفكرية التعليمية المعطاه في الكتاب المقدس، والتي هي بالحقيقة تعليمات قادمة من عند الله. في كلمات أخرى، سوف أواصل على أساس الإيمان المسيحي العام بوحي الكتاب المقدس، والذي حاولت أن أبرره في مواضع أخرى.[i] ماذا يعني هذا الإيمان، في معادلات لفظية، يعني أن الكتاب المقدس بعهديه له شخصية ثنائية والتي هي فيفا فوسي (الكلمة المنطوقة) لتعاليم الأنبياء، الرسل، والسامية التي ليسوع: في محتواها، وإن لم تكن في صورة لغوية نحوية، فهي كل من شهود بشر لله والله يشهد لنفسه في ذات الوقت. إن التشبيه الحقيقي للوحي هو التجسد، حيث صار أقنوم كلمة الله جسداً. وكإعترافات متعددة بالإيمان بالله الذي يحكم، يقضي، ويخلص في مجال التواصل المكاني والزمني الذي نسميه تاريخ العالم، يتكون الكتاب المقدس من وثائق متفرقة، تاريخية تعليمية وتعبديه، كلها تعلن بطرق مختلفة ماذا فعل الله، وماذا يفعل وماذا سيفعل. كل وثيقة وكل إعلان خلال الوثيقة، هو مثل يسوع المسيح في كل إعلاناته، أنه مثبت في وضع تاريخي معين – هذه الخاصية تميز كل الإعلان المسيحي – ومهمة المفسر الرئيسية هي أن يميز من خلال هذه الخصوصيات المعينة حقائق من الله للتطبيق العام. ودليله في هذا هو أن المعرفة التي توجد في كلمة الله ليومنا هذا يتم الحصول عليها عن طريق فهم وإعادة تطبيق الكلمة التي تكلم بها الله منذ زمن طويل بهوية (الجوهرية وليس النحوية) الرسالة التي كانت لدى الكتاب الموحى لهم. إن الطريق إلي فكر الله يظل عن طريق عقولهم، لأن ما قالوه عن الله يحوي بصورة محددة ما يريد الله أن يقوله لنا اليوم عن نفسه. وبكلمات أخرى، يقول الله لنا في تطبيق نفس ما قاله في الأصل في تطبيق لهؤلاء الذي كتب لهم الكتاب الموحى إليهم أولاً. تختلف تفاصيل التطبيق الثاني عن الأول بشكل يتعلق بالإختلاف الموجود بين وضعنا ووضع القراء الأصليين، ولكن تظل حقائق القاعدة الأصلية التي يتم تطبيقها كما هي. إن الحديث الإلهي في حد ذاته، بالطبع، هو نموذج، ولكنه نموذج حاكم (للنماذج الأخرى). فهو يدل على واقع إعطاء التعليمات من عقل إلي عقل، من الله لنا بطريقة لفظية، وهكذا يعلمنا أن نصنف كل النماذج التعليمية الأخرى الموجودة في الكتاب المقدس، ليس كإفتراضات أو حدس ولكن كإعلان موحى به. كيف أصبحت هذه النماذج المعلنة وسيلة للتعليم الإلهي؟ هنا، لابد أن نقول بكل أسف، أن إين رامزي، رائد تأسيس فكر التركيب النماذجي للكتاب المقدس، قد خذلنا. فهو يصف بكل وضوح كيف أن هذه النماذج قد أشعلت شرارة الإكتشافات الدينية وطالبت بالتالي بإستجابات دينية لها، ولكن بدلاً من أن يساوي بين الإيمانيات التي تعبر عنها النماذج مع التعليم الإلهي، فهو يفتح الباب تماماً، وبالتالي يحجب تماما، العلاقة بين الإكتشافات كإستنتاج للواقع مع الأفكار التي تتضمنها هذه النماذج. وهذا يعني أنه ينقصه حدود للتمييز بين الإستنتاجات الصحيحة والخاطئة. ففي بعض الأحيان يتحدث كما لو أن كل شعور “بالإكتشافات الكونية” يحمل أفكارا صحيحة ومؤكدة ذاتياً، ولكن كل ما نحتاجه هو أن نذكر بوذا، م. ماري باكر إيدي، الأنبياء الكذبة الذي كشف عنهم أرميا وحزقيا وميخا في 1مل22، وأصحاب الرؤى في كو2: 18 لكي نظهر أن منطقه غير صحيح. يبدو أيضاً أن رامزي ليس لديه حدود لعلاقات النماذج ببعضها البعض ولا لتطوير نظام إيماني متوافق منها، وهو لم يعتبر في أي مكان ماذا يجب على نموذج الحديث الإلهي أن يعني.[ii] هل يجب لفهمنا لكيفية عمل النماذج الكتابية أن يكون محدوداً أم فضفاضاً كرامزي؟ ليس بالضرورة. إن ملاحظة أن الشهادة الكتابية لله لها منطق النماذج – التي ليست معزوله، ولا حدثت بالصدفة، ولكنها متصله ببعضها البعض، ويحدد كل منها الأخر في وحدات محدودة من المعاني – متوافق مع كل وجهات النظر المستخدمة في النقاش التفسيري المعاصر. وهناك سؤالين مركزيين لهذا النقاش. الأول هو هل النقطة المرجعية والمادة الذاتية للشهادة الكتابية هي مجرد تحول نفسي، كما “لمخلوق جديد”، أو أنها ليست كذلك، بل بالأساس في الواقع، تشير لعمل خلاصي إلهي ولمخلص إلهي حي كانا في الأصل كواقعين يمكن تأريخهما في تواصل مكاني زمني من تاريخ العالم، وأنهما يدينان بقدرتهما على التغيير “هنا” في حياة المسيحيين الآن لحقيقة أنهما كانا (موجودين) “هناك” على مسرح التاريخ وقتها. على قدر ما يتم تبني الحل السابق، لابد أن نقول أن المعلومات الحقيقية الوحيدة التي تواصل بها كتاب الوحي معنا هي أن شعب الرب قد شعر وفكر بطرق معينة في أوقات معينة وفي مواقف معينة. وهنا لابد لنا من أن نواجه السؤال بهل كان كاتبي الوحي قد فكروا أن هذه هي كل المعلومات الحقيقية التي سيتواصلون بها معنا أم لا؛ إن جاوب أحد بلا، فلابد له أن يبرر عدم إتفاقه معهم؛ وإن جاوب أحد بنعم، فعليه أن يشرح لماذا كان الكثير من شهادتهم عن المسيح لها صورة روائية لحقائق عنه – لماذا، بالفعل، تم كتابة الأناجيل بصورة أدبية. ولكن إن قام أحد، على كل حال، بتبني الحل الأخير، كما يبدو أن كل تفكير سليم سوف يفكر، يأتي إذاً السؤال المركزي الثاني: كم هو مقدار التشويش للحقائق في العمل الروائي، وكم هو مقدار التخمين، والحدث، والخيال الموجود في تفسير الوقائع التاريخية التي كانت “هناك”؟ لا أستطيع أن أجاوب على هذا الموضوع الضخم المعقد هنا؛ وأضيف معترفاً، أنه بخصوص هذا النقاش، أنني أكمل طريقي على أساس أن كتاب الوحي يعطون بالفعل معلومات حقيقية عن أحداث تاريخية محددة، عامة، ويمكن تأريخها من جهة المبدأ، والتي أنتجت مخلصاً وخلاصاً “هناك” للخطاة لكي يقبلوه بالإيمان؛ وأن نماذج الفكر الكتابي بالتحديد في الألفاظ التي قدمت فيها هذه الأحداث وشرحت هي نماذج موحى بها وطرق تفكير علمنا إياها الله نفسه للوصول لفهم حقيقي لما قد فعله لنا وما سيفعله فينا. وأيضاً أكمل طريقي على أساس أن الروح القدس الذي أوحى بالشهادة النبوية والرسولية في صورتيهما المكتوبة والشفوية هو يعمل الآن لكي يعلمها للمسيحيين، ويجعلهم واعين لنوعيتها الإلهية الكلية، ورسالتها لهم، ولحضور الله وقوته التي في المسيح التي تشير له. وحيث أن الروح كان يعلم الكنيسة بهذا الشكل عبر العصور، فالكثير من سماعنا للكتاب المقدس في الحاضر سوف بكل صحة يأخذ شكل مراجعة البنايات اللاهوتية التي من الماضي، وإختبارها بالكلمة المكتوبة التي نشأت منها البنايات. وعندما تكون هناك وجهة نظر لاهوتية معينة، مُعتَرِفَه بأنها مبنية على أساس الكتاب، وأثبتت عبر العصور أنها نبع للتكريس المسيح، والإيمان والحب، لابد من التعامل معها، ليس دون فحص على الإطلاق، ولكن بإحترام، متوقعاً أن تكتشف أنها صحيحة بشكل كبير. إن مهمتنا الآن هي أن نشرح ونقيم خط تاريخي تفسيري كان له تأثير لا يمكن إحتسابه على حياة عدد لا يمكن حصره منذ أن تم توضيحه في عصر الإصلاح وحتى الآن؛ وسيكون من الغريب أن يثبت أنه خطأ تماماً.[iii] ها قد إنتهينا، بعد كل هذا، من التحضيرات الطرائقية، والتي كانت مرهقة ولكن ضرورية، والآن فلنتجه مباشرة لموضوعنا الرئيسي. [i] بالنسبة لتابعي توما الأكوين، التوميين، تقوم عقيدة التشبيه بشرح كيف تعطي معرفتنا للخلائق معرفة عن خالقها (اللاهوت الطبيعي) كما أيضاً كيف تعطي الصور الكتابية معرفة عن اله الطبيعة وإله النعمة (اللاهوت الكتابي). للحصول على مناقشة فنية للتوميين تركز على التشبيه في اللاهوت الطبيعي، طالع، E. L. Mascall, Existence and Analogy, Longmans, London (1949) 92-121. [ii] للإطلاع على وجهة نظر رامزي الكلية عن النماذج اطلع على الأعمال المكتوبة في الملحوظة رقم 12. وفي معظم المواضيع اللاهوتية كانت آرائه، كما أعلنها، بلا إستثناء توسطية، ولكن الجدير بالذكر أنه في محاضرته “لاهوت الكفارة” في التاريخ المسيحي (ص28) يشيد بمعالجة هاستينجس راشدال أبيلارديان، “فكرة الكفارة في اللاهوت المسيحي (1919) على أنها “محددة” (ص29؛ ولكنه لم يعط سبباً) وتحدد “الإكتشاف الكوني” المسبب بواسطة الصليب إلى معنى “الإرادة المنتصرة لله”، الذي كانت خطته أن يحافظ على بقية ولم تفشل (ص32، 34)، وأن هذا الإنتصار يظهر حبه (ص59)؛ ويرفض التبرير على أرضية البدلية أوالإسترضاء لأنها تشمل “إشتباكات حدودية مع لغة الأخلاق” (ص40؛ وهو الإعتراض السوسياني القديم)؛ وينتقد تفسير التبرير، البدلية، الإسترضاء، المصالحة، الفداء، االكفارة، والتعويض كما لو أن هذه الكلمات “ليست نماذج على الإطلاق، لكنها تصف عملية إجراء صفقات كل منها يصف صنف من الهندسة الكفارية” (ص44). ويظهر هنا تضارب واضح جداً. فبكل تأكيد هذه الكلمات هي نماذج، ولكن الذي تمثله كنماذج هو عملية الصفقة التبادلية التي تحقق الكفارة بكل دقة، صفقات تبادلية يتعامل فيها كل من الآب والإبن مع بعضهم البعض بالنيابة عنا. إن محتوى الحجة الرسولية الذي تظهر فيها هذه النماذج يجعلها واضحة بلا أي غموض، ويفترض، كما يبدو أن رامزي يقول، أن هذه النماذج يمكنها فقط أن يكون لها مرجعية ذاتية مباشرة لما يدعوه بولتمان فهم ذاتي جديد هو إعتباطي تماماً. وفي الواقع، فإن رامزي نفسه يستمر حتى يظهر أن تصنيف النموذج للمبادئ الكتابية لا يتطلب مرجعية ذاتية حصرياً، لأنه يرتكن للحب كنموذج لعمل الله (ص59) وإن كان يمكن للحب أن يكون هذا النموذج، فلماذا لا تكون الكلمات الأخرى نماذج هي أيضاً؟ يبدو أنه من المؤكد أن رامزي أحضر لدراسته للكلمات إفتراضات أبيلاردينية-سوسيانية، بدلاً من أن أن يستخرج وجهات نظره من الدراسة نفسها. [iii] طالع ملاحظات فينسنت تايلور فيThe Atonement in New Testament Teaching, Epworth Press, London (1940) 301f.: “إن فكرة البدلية ربما كنا متحفزين أكثر لأن نفرضها من أن نقيمها؛ وفي نفس الوقت فإن حجم الشكر والإحساس بالعرفان الذي لا يقاس المرتبطة به …. عظيم جداً بالنسبة لما هو مطلوب ويليق بنظرية الكفارة” |
||||
التعديل الأخير تم بواسطة Magdy Monir ; 26 - 11 - 2013 الساعة 06:00 AM |
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (3) البدلية ![]() إن أول شيئ يقال عن البدلية العقابية قد قيل بالفعل. إنه نموذج لاهوتي مسيحي، مؤسس على شرح كتابي، تم تشكيله لكي يركز على إدراك خاص لما فعله يسوع في الجلجثة لكي يحضرنا لله. إن رغبنا في التحدث عن “تعليم” البدلية العقابية، لابد من أن نتذكر أن هذا النموذج هو تصوير درامي ومتفاعل للأفعال الإلهية، أقرب كثيراً لفكرة آولين الكلاسيكية للنصرة الإلهية (رغم أن آولين لم ير هكذا أبداً) من كونها مثل نماذج المعادلات الدفاعية الخاصة بما نسميه الصيغة التعليمية النيقية للثالوث أو الخلقدونية لشخص المسيح. منطقياً، تم تركيب النموذج مع بعضه البعض على مرحلتين: أولاً، تم الإعلان عن أن موت المسيح كان موتاً بدلياً؛ ثم تم توصيف التبادل، وأعطي إطار محدد الإشارة بإضافة كلمة عقابي. وسوف نتمحن المرحلتين كل على حدة. المرحلة الأولى هي إعلان أن موت المسيح كان بدلياً. ماذا يعني هذا؟ إن تعريف كلمة بدلي في القواميس هو “وضع شخص أو شيئ محل أخر”. إن أحد غرائب الحديث المسيحي المعاصر أن الكثيرين من الذين يؤكدون أن موت يسوع كان نيابي وتمثيلي (ناب عنا أو مثلنا امام الله) ينكرون أنه بدلي؛ لأن القاموس يعرف كل من الكلمتين في ألفاظ بدلية! إن التمثيل يقال أنه يعني “حقيقة الوقوف لأجل أو في مكان، شخص او شيئ، خصوصاً لأجل حق أو أمام سلطات لكي يتصرف لحسابهم؛ والحلول (بدلياً) محل شخص أو شيء”. وأما نيابي فتعرف كالتالي “ما يأخذ أو يملأ مكان شخص أو شيئ أخر؛ مستبدلاً بالشيئ الأصلي او الشخص الأصلي”. لذا فهنا، يبدو، أن هناك تمييز بدون إختلاف. البلدية أو الإستبدال هو، في الواقع، فكرة عامة تنطبق كلما يتصرف أحد لكي يفي بإحتياج آخر، أو يأخذ على عاتقة مسئوليات أخر، حتى أن الأول لا يحمل الحمل مرة أخرى بنفسه. وكما يقول بانينبيرج، “يعد الإبدال ظاهرة عامة في الحياة الإجتماعية … حتى هيكل الوظائف، وأقسام العمال، لها طبيعة تبدالية. فإن من لديه مهنة يقوم بها لأجل هؤلاء الذين يخدمهم. “لأن كل خدمة لها طابع نيابي عن طريق ملاحظة إحتياج عند الشخص المخدوم حتى أنه بدون هذه الخدمة لابد لهذا الشخص أن يسدد الحاجة بنفسه.[i] وفي هذا المعنى الواسع، ليس أحد يريد أن يقول مع بولس أن هناك معنى حقيقي لعبارة “مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رو5: 8) (لأجلنا، كلمة هوبر اليونانية، تعني، نيابة عنا، أو لصالحنا) ولعبارة “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا” (غل3: 13) (كلمة هوبر مرة أخرى)، وأن يقبل تأكيد المسيح بأنه جاء “لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (مت20: 20) (كلمة عن تعني بكل دقة “في مكان” و”بدلاً من“[ii])، من الممكن أن يتردد في أن يقول أن موت المسيح كان بدلياً. في الواقع، لو وصف أحد موت المسيح على أنه موت نيابي فهو يقر بالبدلية. وليس سراً، بالطبع، لماذا يستحي الناس من هذه الكلمة. لأنهم يساوون بين، ويعرفون أن الأخرين يساوون بين، البدلية في الكريستولجي وبين البدلية العقابية. هذا يشرح الحالة التي وصفها إف. دبليو. كامفيلد وهو يكتب في 1948 كالتالي: لو كان هناك إستنتاج وحيد تم إعتباره أمراً مفروغاً منه في الأوساط المسيحية المستنيرة، فهو أن فكرة البدلية قد قادت اللاهوت للمسار الخاطئ؛ وأن كلمة “بدلية” لابد أن نسقطها من تعليم الكفارة حيث أنها مثقلة بإشارات مضللة بل ومزيفة. إن اللاهوت الليبرالي المتحرر واللاهوت المعاصر قد رفض التمسك بفكرة البدلية بالطبع. وحتى اللاهوت الذي يفتخر بأنه “إيجابي” و”إنجيلي” والذي يسعى لإبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع التعاليم التقليدية الكبرى عن الكفارة في مجموعه في الطريق للتخلص منها. وهذا، ليس مجرد على أرضية أنها بها إعتبارات غير عقلانية ولا أخلاقية، ولكن أيضاً على أرضية أنها ليست كتابية. لذا فإن د. فينسنت تايلور وبعد فحص شامل بخصوص “فكرة الكفارة في العهد الجديد” يعطي محصلة ما توصل له أن فكرة البدلية ليس لها مكان في كتابات العهد الجديد؛ وأنها في الواقع متعارضة مع التعاليم الأساسية للعهد الجديد؛ التي كان بولس الرسول رغم أنه يتردد على حافة المفاهيم البدلية يتجنبها تماماً. إنه من الصعب الهروب من إنطباع أن د. فينسنت تايلور لديه هلع يريد فيه أن يلغي فكرة البدلية من اللاهوت الإنجيلي وهذا الهلع قد إكتسى به تفسيره لشهادة العهد الجديد. ولكن إستنتاجاته تمدنا بإشارة صادمة للميل الموجود في الدوائر الإنجيلية الحديثة. هناك شعور أنه ليس هناك ما سبب توجيه لوم للتعليم الإنجيلي بالكفارة سوى فكرة البدلية؛ ولذا، فهناك آهة إرتياح تسمع لما يكون هناك إقتراح أن هذه الفكرة تستند على سوء فهم للكتاب المقدس.[iii] وفي يومنا هذا، بعد أكثر من ربع قرن، يجب تحديد الصورة التي رسمها كامفيلد بالإشارة للدفاع القوي والإستخدام لفكرة البدلية بواسطة اناس كبانينبرد وبارث؛ وعلى أي حال،[iv] ففي اللاهوت البريطاني يستمر الموقف العام شبيهاً جداً بما وصفه كامفيلد. وكان، على أية حال، سيساعد على توضيح النقاش إن إتفق كل من يتمسكون بأن يسوع وهو يموت فعل من أجلنا شيئاً كنا نتحاج أن نقوم به ولكن لم نكن نستطيع، على أنهم يعتبرون ان موت المسيحي كان بدلياً، وإختلفوا فقط على طبيعة الفعل الذي قام به يسوع بدلاً منا وأيضاً، ربما، على الطريقة التي ندخل بها للفوائد التي يجلبها لنا هذا العمل. يكمل كامفيلد نفسه ويعترف بوجهة نظر بدلية غير عقابية. وبوجه عام، كان هناك ثلاثة طرق تم بها شرح موت المسيح في الكنيسة. كل واحدة تعكس جانب محدد في طبيعة الله وآخر في محنة خطيتنا، وفي ماذا نحتاج لكي يحضرنا لله في شركة وقبول من جانبه وإيمان ومحبة من جانبنا. إنه من المفيد إلقاء النظرة عليهم لكي نرى ما إذا كانت فكرة البدلية تتناسب مع كل منهم. يوجد أولاً، النوع من تفسير الأحداث الذي يرى الصليب له تأثير بالكامل على الإنسان فقط، سواء عن طريق إعلان حب الله لنا، او بأن يخبرنا بكم يكره الله خطايانا، أو بأن يضع أمامنا أسمى مثال للتقوى، أوبأن يفتح لنا طريق لله يمكننا أن نسير فيه، او بأن يشرك البشرية في طاعته الفدائية حتى أن حياة الله الآن تسري فينا، او بكل هذه الجوانب معاً. هذا النوع يفترض أن حاجتنا الأساسية هي عدم وجود دافع لدينا تجاه الله، ولا مدخل لكي تسري لنا منه حياة الله؛ وكل ما نحتاج لكي يترتب لنا علاقة صحيحة مع الله، هو أن تتغير فينا هاتان النقطتان، وقد قام موت المسيح بهذا الامر. فغفران خطايانا ليس قضية مستقلة، فبمجرد أن نتغير نصبح في حالة قابلة لأن يغفر الله لنا، وبالتالي يغفر لنا في الحال. وجهة النظر هذه ليس بها مكان لأي فكر للبدلية، حيث أنها تساوي بين ما فعله المسيح لأجلنا بما فعله فينا. وتفسير أخر للأحداث يرى موت المسيح كأنه لديه تأثير أساسي على القوى الروحية المعادية لنا والتي كانت تحتفظ بنا أسرى مسجونين ومما يدلل على ذلك هو حالتنا الأخلاقية وإعوجاجنا المتأصل فينا. ويرى الصليب كعمل الله الذي خرج لأجلنا للمعركة وأصبح بطلنا المنتصر، كما أن داود خرج أمام إسرائيل كبطل منتصر هزم جليات. وعن طريق الصليب تم هزيمة القوى المعادية، مهما كانت هذه القوى – سواء الخطية والموت، أو الشيطان وجنوده، أو الأرواح الشريرة في المجتمع وهيكله، أو قوى غضب الله ولعنته، أو أي شيء أخر – وتم القضاءعليها، فلم يعد المسيحيين في حالة عبودية لها بل صاروا شركاء إنتصار المسيح عليها. والإفتراضية هنا هي أن معاناة الإنسان سببها بالكامل قوى كونية معادية منفصلة عن الله؛ ولكن في نفس الوقت، إذ يرون يسوع كبطلنا المنتصر، يمكن لمؤيدي هذه النظرة أن يدعوه بديلاً، تماماً كما أن كل الإسرائيلين الذين رفضوا مواجهة جليات في (1صم17: 8-11) يمكنهم أن يطلقوا لقب بديل (نائب) على داود. تماماً كما ينوب بديل عن أخرين ويشاركهم في تبعات عمله كما لو كانوا قد فعلوه بأنفسهم فهو ممثلهم، لذا فإن من يمثل مجموعة ما ويقوم بما عليهم من إلتزام بدلاً منهم هو بديلهم. ما الذي يؤكده هذا النوع من التفسير للصليب (بالرغم من أنه لا يوضع عادة في هذه الألفاظ) هو أن المسيح المنتصر، والذي فكنا بنصرته من قيودنا، كان ممثلنا البديل. وأما التفسير الثالث لما حدث فهو لا ينكر أي من الآراء المتقدمة للتفسيرين السابقين إلا إدعائهم بأن تفسيرهم للأحداث كامل وحصري. إنه هناك مساندة كتابية لكل ما يقولونه، ولكن هذا الشرح يذهب لأبعد من ذلك. إنه يرجع معاناة الإنسان كفريسة للخطية والشيطان في حقيقة، أنه بسبب صلاح الله اليومي معه، فهو كخاطئ يقف تحت دينونة الله، وكونه مستعبد للشر هو بداية منطوق حكمه، وإن لم يتحول رفض الله له (كخاطئ) إلي قبول فسوف يهلك للأبد. وبناء على هذه النظرة، فإن موت المسيح له تأثيراً على الله أولاً، الذي فيه يتم إسترضاءه (أو بمعنى أدق لقد إسترضى الله نفسه)، وبسبب هذا التأثير فقط أصبح الصليب أيضاً نزع لقوى الظلمة وإعلاناً لمحبة الله الساعية نحو الإنسان. إن الفكرة هنا هي أن المسيح بموته قدم لله ما يدعوه الغرب تسديد دين الخطية، هذا التسديد للدين أملته طبيعة الله الذاتية كالطريق الوحيد الذي به تتحول لائه لنا إلي نعم. سواء كان تسديد الدين لله هذا مفهوماً كالموت نفسه، أو للموت الذي يحسب كالطاعة المقدسة، او الوجود في حالة من الترك الإلهي العقابية، او كدينونة الله النهائية ضد الخطية، أو الإعتراف الكامل بخطية الإنسان مصحوبة بالدخول في مرارتها عن طريق التوحد معهم بالتعاطف، أو كل هذه الأشياء معاً (ولا يوجد شيئ يوقفنا من أن نجمعها سوياً)، يظل شكل وجهة النظر هذه كما هو – أنه بالجوز في الصليب قد كفر يسوع عن خطايانا، وإسترضى خالقنا، وحول لاء الله من نحونا إلى نعم، وخلصنا. كل صور هذه الرؤية ترى يسوع كممثلنا البديل وفي الواقع، سواء قالوا بهذا ام لا، ولكن النسخة المؤكده التي تقدمه كبديل هي النسخة العقابية. هذا التحليل يخرج لنا بثلاث تعليقات. أولاً: لابد من القول بأنه بالرغم من أن وجهتي النظر السابقتين يصفون نفسهم دائماً على أنهم نقداً لوجهة النظر الثالثة، فالوجهة الثالثة تتضمن بداخلها كل التأكيدات الإيجابية التي يشددون عليها؛ مما يبرز سؤال إن كل ما لدينا هنا للنقاش هو مشكلة معاملة نصف الحقائق على أنها الحقيقة الكاملة، وعلى رفض تفسير أكثر تفصيلاً على أساس جدليات تصورية عن ماذا تتطلب قداسة الله كأساس لغفران الخطايا. إن كان يمكن التفكير أن النظرتان الأولى والثانية قد أساءا الفهم وشوشا أنفسهما بهذا الشكل، فإن المفهوم الذي طال نقاشه أن النظرة الأوسع البدلية للصليب كان هو الرأي المسيحي العام لابد أن ينظر إليه على أنه لديه ما يقدمه على أية حال. إنه من المثير للشفقة أنه كثيراً ما تعتبر كتب عن الكفارة أن التفسيرات الخاصة بالصليب والتي ظهرت كأنها تتنافس في النقاشات عبر التاريخ لابد من التعامل معها على أنها حصرية بشكل جوهري. هذا أمر يحدث دائماً بشكل إعتباطي وأحياناً شاذ جداً. ثانياً، لابد من القول بأن تحليلنا كان ببساطة عن وجهات النظر بخصوص موت المسيح، ولم يذكر أي شيء بخصوص قيامته. إن النظرات الثلاثة تتفق دائماً على أن القيامة هي جزء لا يتجزأ من الإنجيل؛ وأن الإنجيل ينادي بمخلص حي ومتبرر وكانت قيامته هي الباكورة للإنسانية الجديدة التي هي أيضاً أساس قيامتنا وهذا ليس بمادة للنقاش بين أصحاب وجهات النظر المختلفة. في بعض الأحيان يشار لأنه في وجهة النظر الثانية يتم إظهار قيامة يسوع على أنها عنصر أساسي في إنتصاره على قوى الموت، وبينما في وجهة النظر الثالثة لا، وبصعوبة، يمكن أن تقدم القيامة على أنها عنصراً أساسياً في حمل عقوبة خطايانا أو تحمل الإعتراف بشرها (بحسب الطريقة التي يرى بها عمل الجلجثة)؛ وعلى هذا الأساس يتم إنتقاد وجهة النظر الثالثة لأنها تجعل القيامة غير ضرورية. ولكن يمكن الرد على هذا النقد بطريقتين. أول رد هو أن عمل المسيح الخلاصي له جزءان، الأول هو تعامله مع أبيه لحسابنا مقدماً نفسه كترضية بدلية لأجل خطايانا والثاني تعامله معنا لحساب ابيه معطياً لنا بالإيمان الغفران الذي ضمنه بموته، ومن المهم أن نميز بين هذين الجزئين كما بأن لا نفصل بينهما. ومع إستعراض أن الجزء الثاني أصبح ممكناً لأن الجزء الأول قد تم، ولأجل التنفيذ الفعلي للجزء الثاني، فإن قيامة يسوع بالحقيقة أساسية، ولذا فهي تبدو كعنصر أساسي في عمله ككل. والرد الثاني هو أن هذين الطريقين للنظر للصليب لابد أن يتم توليفهم في كل الأحوال، متبعين مثال بولس في (كو2: 13-15) | (الجزء الأول) وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا، (بعد تتميم الثاني الذي هو) إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ. | كنماذج مكملة لبعضها البعض تعبر عن عناصر مختلفة في واقع مركب هو سر الصليب. ثالثاً: لابد من ملاحظة أنه ليس كل من مؤيدي النظرة الثالثة كانوا مستريحين لإستخدام كلمة “بدلية”. هذا كان جزئياً بسبب الرغبة في تجنب النقد السوسياني بأن البدلية مستحيلة في نطاق العقابية، وجزئياً بسبب الخوف من التفكير أن موت المسيح لأجلنا كبديل لنا يشوش دعوته لنا بأن نموت ونقوم فيه ومعه، لأجل التجديد الأدبي لنا للوصول لصورته الأدبية. على سبيل المثال، بي. تي. فوسيث، أحد الذين يشددون على عمل المسيح النيابي في آلامه التي تحمل فيها غضب الله الشخصي ضد خطية الإنسان[v] لأجل خلاص الإنسان؛ ولكنه رغم ذلك يرفض كلمة “بدلية” ويفضل بدلها كلمة “نيابية” ويبدل عبارة “كفارة بدلية” بعبارة “التضامن الجبري” و”الإعتراف المتضامن والعباده المتضامنه مع المسيح”، لأنه يريد أن يشدد على أننا ندخل للخلاص فقط إن توحدنا مع موت المسيح لأجل الخطية وأعيدت خلقتنا كبشرية جديدة فيه.[vi]ولكن، ما يثير الإعجاب هو رغبة فورسيث في أن يشدد على أنه في رو6: 1-11، أن تجنب كلمة بدلية يمكن فقط أن يكون له تأثيرعلى ما في رو3: 21-18، حيث يصف بولس المسيح على أنه “كَفَّارَةً[vii] … بِدَمِهِ” (عدد 25) على حسابها يهب الله “هبة البر المجاني” (رو5: 17) للخطاه الذين يؤمنون وبذلك يصير الله “يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ” (رو4: 5) وكما قال جيمس دينني، “إن مات المسيح الموت الذي وضعتنا فيه الخطية – إن كان في موته قد أخذ مسئولية خطايانا على نفسه – لا يوجد كلمة أفضل من هذه “بديل” سوى كلمات تقلل من التعبير عن ما هو مقصود”[viii] يبدو أن الرد الصحيح على فورسيث أنه في معانيه وطريقة تفكيره لعبارة “الإعتراف المتضامن والعبادة الضمنية” يمكن للمسيح قبل موته أن يمثلنا، ويمكن إعادة إنتاج الإعتراف والعبادة في إنكارنا نحن لأنفسنا وحملنا للصليب، ولكنه لابد أن يكون موتاً بدلياً في مفهوم دينني بإستيعابه لغضب الله تجاه خطايانا؛ وإلا، فإن “إعترافنا وعبادتنا” ضمنياُ مع المسيح يصير نفسه حيلة لتجنب الغضب – بكلمات أخرى، عمل يستحق المكافأة، مقصود منه نوال المغفرة، معتبراً أننا في المسيح نخلص أنفسنا. إن ما قاله دينني عن هذا في 1903 كان في الحقيقة إجابة لما توقعه من معادلة فورسيث في 1910. إن دارساً لموت المسيح قد تحاجج بأن “إن وضعنا نفسنا في وجهة نظر بولس، سوف نرى أن بالنسبة لعين الله فموت المسيح يقدم نفسه كعمل عمله الجنس البشري في المسيح أكثر من كعمل عمله المسيح في الجنس البشري”. في الكفارة والعقل المعاصر إقتبس دينني هذه الكلمات وعلق عليهم كالتالي: “‘في كلمات بسيطة، (قصد هذا الباحث ان يقول) يعلم بولس أن الفجار قد ماتوا في المسيح عن أنفسهم أكثر من أن المسيح قد مات لأجل الفجار. هذا يبين بصورة واضحة منطق ماذا تعني كلمة تمثيل لما توضع تمثيلي مقارنة بنيابي،[ix] إن الممثل هو ملكنا، ونحن فيه، وعلينا، أن نتخطي كل العوائق الأخلاقية التي تسببها فكرة البدلية فقط بسبب أنه ملكنا، وبسبب أننا أصبحنا واحداً معه، ولكن الحقيقة الأصيلة للموقف هو أن، بادئ ذي بدء، المسيح ليس ملكاً لنا، ونحن لسنا واحداً معه … نحن كنا بلا مسيح‘ (كوريس كريستو) … إن ممثلنا لا يمكننا أن نصنعه بأنفسنا، ولكنه أعطى لنا – لم نختاره نحن، ولكنه مختار من الله – وهو ليس ممثلاً على الإطلاق في المعنى الأولي ولكن بديل”[x] إذاً فالموقف الصحيح، بخصوص نوع النظرة التي نستكشفها، يمكن وضعه كالتالي: نحن نتوحد مع المسيح ضد فعل الخطية بسبب أننا بالفعل قد توحدنا معه كالشخص الذي أخذ مكاننا تحت حكم إدانة الخطية. وندخل بالتالي لحياة التوبة لأننا في الأول قد تعلمنا أنه تحمل لأجلنا موتاً تعويضياً. إن المسيح الذي نقبل التوحد معه هو المسيح الذي من قبل على الصليب قد صار ترضية لله لأجلنا – ليس، لذلك، هو الشخص الذي ننجز نحن فيه مصالحتنا مع الله، بل الشخص الذي من خلاله نستقبل المصالحة كعطية مجانية مؤسسة على عمله الكامل (رو5: 10)؛ ونحن نحبه، لأنه هو أحبنا أولاً وأسلم نفسه لأجلنا، هكذا فإن البدلية، من وجهة النظر هذه، هي في الواقع التصنيف الأساسي؛ والفكر بأن المسيح هو ممثلنا، مهما كان تركيب تفاصيله، لا يمكن أن يتم جعله يعني ما تعنيه البدلية، وتضماننا مع المسيح في “الإعتراف والعبادة”، ما أبعده من ان يكون مفهوماً آخر بدلاً من البدلية، لأنه هو في الواقع إستجابة تفترض البدلية أولاً. [i] Wolfhart Pannenberg, Jesus—God and Man, tr. Lewis L. Wilkins and Duane A. Priebe, SCM, London (1968) 268, 259. [ii] طالع R. E. Davies, ‘Christ in our Place—the contribution of the Prepositions’, Tyndale Bulletin 21 (1970) 72ff. [iii] F. W. Camfield, ‘The Idea of Substitution in the Doctrine of the Atonement’, SJT I (1948) 282f., ويشير لكتاب Vincent Taylor, The Atonement in New Testament Teaching. Taylor, بينما نسمح بأن بولس “بالتحديد، على بعد شعرة من البدلية” (ص88)، وأن “إن لاهوتياً يحتمي بقلعة تعليمية محمية بتعاليم مثل مر10: 45 | لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»؛ رو6: 10 | لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ؛ 2كو5: 14، 21 | لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا… لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ، غل3: 13 | اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»؛ 1تي2: 5 | لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ، من الصعب جداً إزاحته أكثر مما يتخيل أي دارس للعهد الجديد” (ص289)، ينكر أن البدلية تعني الفداء “محضرة بالكامل خارج عن، وبالإنفصال عن، أنفسنا حتى أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً إلا أن نقبل فوائدها” (ص125). وهو يصف موت المسيح كذبيحة تمثلنا، وتشمل تحمل عقوبة الخطية وأيضاً التعبير النمطي المفضل للتوبة من أجل أخطاء البشرية التي عبر عنها أولاً ماكلويد كامبل وآر. سي. موبرلي. نحن نشترك في هذه الذبيحة، يكمل تايلور، عن طريق التقديم عن أنفسنا بأنفسنا، وهذا بأن نجعلها تعلمنا التوبة. يعترف تايلور أنه من حيث يقف هو هناك فجوة في تعاليم بولس. لأنه من الملحوظ أن القديس بولس يحدد “هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ” في طاعة المسيح (رو5: 18) وبحقيقة أنه جُعلَ “خَطِيَّةً لأَجْلِنَا” (2كو5: 21)، ولكنه لم يتحدث عنه أبداً وهو يعبر عن حزن وندم الناس في محضر أبيه” (ص291). [iv] Pannenberg, op. cit., pp. 258-269; Barth, Church Dogmatics IV. I, tr. G. W. Bromiley, T. and T. Clark, Edinburgh (1956), viif., 230ff., 550ff. [v] “لقد حول العقوبة التي تحملها إلي ذبيحة قدمها. والذبيحة التي قدمها هي أنه قبل الدينونة. إن تألمه الصامت أصبح طاعة إيجابيه، وطاعته أصبحت موتاً مقدساً”(The Work of Christ, Hodder and Stoughton, London (1910) 163). وفي إضافة حجمها 200 كلمة قام فورسيث بمحاربة وجهة نظر ريتشليان، والتي إعتنقت مؤخراً بواسطة سي. إتش. دودد، أن غضب الله هو ببساطة “النفور الآلي لأخلاقياته تجاه المتعدي.، كما لو أنه لم يكن هناك رد فعل شخصي لإله قدوس تجاه الخطية، ولا إلحاق لإستيائه تجاه الخاطئ” (ص239). وهو يجادل لموقف أن “ما تحمله المسيح لم يكون فقط إحساس بالتواصل مع الخاطي وعواقب غير شخصية بسبب الخطية، ولكنه كان بمعنى تواجه الخاطئ مع إله غاضب شخصياً. لم يتركه الله أبداً، ولكنه رفضه وجهه. والشركة لم تنقطع ولكن نورها قد إنسحب (ص243). [vi] Op. cit., pp. 164, 182, 223, 225f. “البدلية لا تضع في حسابها النتائج الأدبية (للصليب) في النفس” (ص183، ملحوظة) [vii] “الترضية” (والتي تعني إخماد غضب الله تجاه الخطاه) مستبدلة بكلمة “كفارة” (وتعني تغطية للخطايا فلا يعود الله ينظرها) في ترجمة سميث فاندايك وترجمات أخرى حديثة. إن فكرة الترضية تشمل فكرة الكفارة حيث كوسيلة لها، هكذا فإن تأثير هذا التغير ليس بأن يجلب عنصر ذبائحي لم يكن موجوداً من قبل، ولكن لكي يفصل إشارة لإخماد غضب الله الذي كان قد ذكر من قبل أنه موجود. إن قضية “الكفارة” قُدِمَت من قبل بواسطة سي. إتش. دودد في 1935 ونالت تعضيضاً واسعاً في البداية، ولكن بعد أجيال من النقاش ظهر أن “الدليل اللغوي يبدو في صالح كلمة “ترضية” (Matthew Black, Romans, New Century Bible, Oliphants, London (1973) 68). طالع تقطية شاملة للأعمال المذكورة بواسطة بلاك وأيضاً بواسطة دافيد هيل،Greek Words and Hebrew Meanings Cambridge University Press (1967) 23-48 [viii] Denney, The Death of Christ, 2nd ed., including The Atonement and the Modern Mind, Hodder and Stoughtons, London (1911) 73 إن ملخص دينني عن معنى رو3: 25 يستحق الإقتباس. “إنه إستعرض المسيح في دمه الذي هو ترضية، أي، المسيح هو الذي مات. وفي موته، أدرك الرسول بولس، أن المسيح جعل خطايناا كأنها خطاياه، لقد أخذها عل نفسه كواقع في عيني الله وفي عيني الناموس: لقد أصبح خطية، وأصبح لعنة لأجلنا. إن هذا هو الذي يعطي موته سمة الإسترضاء والقدرة؛ في كلمات اخرى، هو ما جعل ممكنا لله أن يكون باراً وأن يقبل من يؤمن بيسوع كبار… لا أعرف أي كلمات من الممكن أن تشرح هذه الحقيقة إن لم تكن كلمات “نيابي” أو “بدلي” تشرحها، ولا أعرف أي شروحات لموت المسيح تمكننا أن نعتبره كإظهار للحب للخطاة، إن أنكرنا الجانب النيابي البدلي من هذا الموت” (ص126). إن نقطة دينني في الجملة الأخيرة أن موت المسيح سوف يظهر محبة الله فقط إن أنجز شيئاً نحن في إحتياج له، ولا نستطيع أن نقوم به بأنفسنا، ولا يمكن تحقيقه بدون موت المسيح. [ix] لابد من ذكر أنه بالإضافة للإستخدام الأكثر خصوصية الذي يستخدمه دينني في وجهة نظره، والذي به يكون سلوك ‘ممثل‘ شخص ما هو نموذج لسلوك الشخص نفسه، يمكن ‘لممثل‘ (ودائماً ما يحدث) أن تعني ببساطة أن حالة شخص ما أنه يشمل الأخرين، للخير وللسوء، في تبعات ما يقوم به الشخص. في هذا المعنى، تُمَثَل العائلات بواسطة الآباء، والأمم بواسطة الملوك، والرؤساء والوزراء، والبشرية بواسطة آدم والمسيح؛ ولقد كان المسيح ممثلنا بهذا المعنى الذي فيه صار يسوع بديلنا. [x] موت المسيح، من ص304 إلي ص 307، “الإتحاد مع المسيح” (أي إتحاد أدبي شخصي بالإيمان) “… ليس من الإفتراضات المسبقة لعمل المسيح ولكنه ناتج منه.” |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (4) البدلية العقابية ![]() والآن ننتقل للمرحلة الثانية في بنائنا للنموذج، وسوف نجلب له كلمة “عقابية” لكي تصف البدلية التي وضعناها في الرؤية. إن إضافة هذه “السمة”، كما يدعوها رامزي، هو لتثبيت نموذج البدلية (ليس حصرياً، ولكن تنظيمياً) داخل نظام القانون الأخلاقي، والضمير المذنب، والعدالة التي تطالب بالقصاص. وهكذا يتشكل النموذج كأداة للمفاهيم تبلغ فكر أن الله قد غفر خطايانا وقبلنا كأشخاص في النعمة ليس بسبب أي صلاح حاولنا تحقيقه، ولكن بسبب أن العقوبة التي كنا نستحقها قد تحولت منا إلى المسيح. إن المعنى الذي تعبر عنه عبارة “البدلية العقابية” هي أن يسوع المسيح ربنا، وهو مدفوع بالمحبة قد قرر أن يفعل أي شيء مطلوب لكي يخلصنا، وقد تحمل وأنهى الحكم الإلهي بالهلاك الذي لم نكن نستطيع بأي طريقة أخرى أن نهرب منه، وبالتالي فقد حصل لنا الغفران، والتبني والمجد. أن نؤكد على البدلية العقابية هو أن نقول أن المؤمنين مديونون للمسيح بالأخص من أجلها، وأنها هي النبع الأصلي لكل فرحهم، سلامهم وعبادتهم في كل من هنا وهناك في الأبدية. إن الفكرة العامة واضحة بشكل كاف، ولكن لأجل هدفنا الحالي نحتاج لتحليل أكثر تفصيلاً لمعناها، وهنا لابد من إختيار طريقة للعمل، هل علينا أن نرجع للشروحات الموجودة بخصوص البدلية العقابية، أو أن نبني تركيباً جديداً خاص بنا؟ وخوفاً من الوقوع في خطأ التفسير الفقهي الذي يعتمد على الفتوى مما سبق شرحه بواسطة أخرون، سوف أتخذ المسار الأخير لأجل الأسباب الرئيسية التالية. أولاً، لا يمكن إنكار أن البدلية العقابية كانت في بعض الأحيان، ومازالت حتى الآن، توضع في منطوق بطريق تستحق الصفة المفضلة لها من ناقديها – “فظه”. وكما هو متوقع من ما هو كان لأكثر من أربع قرون النبع الرئيسي للتقوى الإنجيلية – “تقوى عامة” كما يقول الروم الكاثوليك – فقد نمت طرق عرض البدلية العقابية التي تشجع على التكريس رغم أنها لم تكن لاهوتياً شديدة الدقة. والأكثر من ذلك، مالت معظم الشروحات اللاهوتية لها منذ وقت سوسيناس لمسار وحيد التفكير؛ محدد الرغبة بسبب الإنشغال المسبق بالنقاش الدائر، ومأخوذ في مهمة إعلان الحقيقة الحيوية عن الصليب والتي قد تخلى عنها الآخرون أو أنكروها، “شدد المتمسكون بالنظرية العقابية أحيانا على أن فكرة أن المسيح تحمل عقابنا حتى أنهم لم يعد لديهم مكاناً لشيء آخر. ونادراً ما أنكروا نظرياً قيمة النظريات الأخرى، ولكنهم في بعض الأحيان مارسوا الإهمال تجاهها”.[i] وأيضاً، كما رأينا من قبل، إن أكثر ما كان تكوينياً ومؤثراً كنقاش للبدلية العقابية تم في القرن السابع عشر، في وقت كان التفسير البروتستانتي للكتاب المقدس مغلف بلاهوت طبيعي للقانون، غير منقود وفي الواقع غير مدرك، وهذا ترك علامته على الكثير من العبارات التالية. كل هذا، إن كان هكذا، فمن الصعب أن نجد تفسير للبدلية العقابية يمكن إتخاذه كقياس للتعليم بأمان تام أو يمكن إعتباره يقدم التعليم بشكل تام، وسوف يكون طريقنا أقصر كثيراً جداً بالتحديد إن تجرأت على إجراء تحليلاً خاص بي. ثانياً، لقد ذكرت بالفعل أنني أعتقد أنه من المهم لنظرية البدلية العقابية أن يتم تقييمها على أساس أنها نموذج يقدم لنا معنى الكفارة أكثر من ميكانيكياتها. إن أحد نتائج أعمال اللاهوتيين البروتستنات العقلانيين عبر ثلاثة قرون، بدئاً من السوسينيين إلي الهيجيليين، هو تغذية الإفتراض المنتشر الآن أن مهمة المنطق في “نظريات” اللاهوت هو حل مشاكل “كيف” بداخل إطار مؤسس من الأفكار عن الله والإنسان. وبكلمات أخرى، النظريات اللاهوتية هي مثل نظريات المحققين في الروايات البوليسية؛ فهي إفتراضات تربط الحقائق المحيرة ببعضها البعض بطريقة ما حتى تتبدد كل الحيرة (لأنه جرى عرف الروايات البوليسية أن اللغز لابد أن يحل قبل الصفحة الأخيرة) والآن إذ قد رأينا أن، بسبب أسباب تاريخية محددة، تم تفسير البدلية العقابية كنظرية من هذا النوع، تقول لنا كيف أن الحب الإلهي والعدل الإلهي صارا، وكيف، “تصالحا” (مهما كان هذا يعني)؛ ولكن يبقى شك بخصوص هل هذه الطريقة في فهم الصورة الكاملة هي صحيحة كتابياً؟ هل كان توافق صفات الله هو جزء من المعلومات التي أراد كتاب الوحي أن يعطونا؟ أو هل هو النوع الصحيح من المعلومات؟ لقد وصف جوستاف أولين موضوع “كريستوس فيكتور” (المسيح المنتصر) (وهو لا يدعوها الآن نظرية) أنها فكرة درامية للكفارة عوض عن أنها ذات تركيب عقلاني، وقارن بينها في هذا الجانب وبين النظرة اللاتينية، والتي أحد صورها هو البدلية العقابية؛[ii] ولكن ألا يجب فهم البدلية العقابية كفكرة درامية، تعلن حقيقة الكفارة بشكل دراماتيكي، أي أنها كالإنجيل (الأخبار السارة)، تماماً كفكرة الانتصار الخاصة بآولين؟ أؤمن أنها يجب فهمها كذلك. إنه من المؤكد أن الجانب الأساسي الذي تهتم به البدلية العقابية ليس هو أخلاقيات الله ولا عقلانية طرقه، ولكنها تهتم بغفران خطاياي؛ والعمل الأساسي لمفهوم البدلية العقابية هو أن تربط بين معرفتي بأنني مذنب أمام الله ومعرفتي بأن، من ناحية، ليس هناك تساؤل الآن يمكن سؤاله من جهة هل سأدان من أجل خطيتي أم لا، و، من الناحية الأخرى، أن المسيح المقام الذي دعيت لكي أقبله رباً هو يسوع وحده، الذي ضمن حمايتي من دينونة الله بواسطة تحمله عقوبتي على الصليب. إن تأثير هذا الارتباط ليس بأي شكل هو مجرد “حل” أو إفشاء لسر عمل الله (فهو ليس ذا السر الذي يمكن فك شفرته تماماً)!؛ إن تأثير الارتباط هذا هو ببساطة تحديد هذا العمل بدقة، وهكذا يدفع للإيمان والرجاء والعبادة وردة فعل المحبة تجاه يسوع المسيح. لذا، فعلى الأقل، أفكر، ولذا آمل أن استعراضي للبدلية العقابية يظهر طابعها كنموذج دراماتيكي؛ ولذا أؤمن أنه من الأفضل أن أقدم تعريفي التحليلي الشخصي لها، الذي سوف أهدف لكي يكون وصفياً لكل ما اتفق عليه كل من تمسك بوجهة النظر هذه، وأيضاً إلزامياً لكيفية فهم عبارة (بدليه عقابية) في أي نقاش مستقبلي. ثالثاً، إن كان الفحص الحالي للبدلية العقابية سيكون له قيمة وهو لابد أن يقدم هذه النظرة في أفضل نور لها، فأعتقد أن الشرح الانتقائي سوف يقربنا من هدفنا أشد اقتراب. إن النقد المعاصر المعتاد للشروحات الأقدم بخصوص موضوعنا هو أن، فوق كونهم أقل من أن يكونوا كاملين أخلاقياً (نقداً سوسيانياً)، هم أيضاً أقل من أن يكونوا شخصيين بالتمام. لذا، فعلى سبيل المثال، سي. دبليو. لامب رفض البدلية العقابية لانها تفترض أن “الله ينزل القصاص العقابي” و”هذا القصاص ليس شخصياً؛ لأنه يرى التعديات في صورة مطلقة … ويجب علينا ألا ننسب العدل القصاصي المطلق لله … أب الجنس البشري لا يتعامل مع أولاده على أساس الردع أو القصاص … إن إعدام مجرماً هو إعتراف بالهزيمة على مستوى الحب … لقد حان الوقت للتخلص من آثار نظرية الكفارة التي حركتها مفاهيم العقاب التي لم تجد شيئاَ صادماً في فكرة أن الله لابد أن يصلب الخطاة أو أن يستبدلهم بشخص آخر مكانهم. إنه الوقت، أيضاً، لإخراس فم المجدف الذي يصف رفض فكرة قصاص الله “بالشاعرية”".[iii] تظهر لغة لامب العنيفة قوة إقتناعه بأن القصاص ينتمي لنوع من العلاقات، غير شخصي وغير محب، وأن البدلية العقابية تهين الصليب بأن تضعه في هذا الجانب. وأما ما قدمه جيمس دينني عن المقارنة بين العلاقات الشخصية التي يميزها الأدبيات الأخلاقية، وبين العلاقات القانونية التي تميل لأن تكون غير شخصية، خارجية وإعتباطية، أخرج في مرة منه ثورة غضب إن أخذت بمعزل عن باقي ما قدمه يمكن رؤيتها موازية لثورة غضب لامب. لقد كتب “لم تدهشني أمور كثيرة أكثر من أن أُتَهَم بتعليم “شرعي” أو “قانوني” أو قضائي” للكفارة … لا يوجد شيء أتمنى القضاء عليه من كل قلبي أكثر من هذا المفهوم المعبر عنه في تلك الكلمات. إن القول بأن علاقات الله مع الإنسان هي شرعية هو القول بأن ما ينظمها هو تشريع – وأن الخطية هي تعدي لهذا القانون – وأن الخاطئ هو المجرم – وأن الله يفصل القضية عليه بواسطة تفسير التشريع في تطبيقه عليه. فالجميع يعرف أن هذا تزييف للحقيقة.”[iv] إنه من الملحوظ أن دينني، بطل فكرة البدلية، لم يدعو بدلية المسيح “عقابية”؛ فمن موقفه، لابد أن يكون هذا التجنب متعمداً. ولكن دينني قد أكد هذه الحقائق الأربع: أولاً أن “العلاقات بين الله والإنسان .. شخصية، ولكن .. محددة بواسطة قانون (أدبي أو أخلاقي)”؛ ثانياً، “أنه هناك في طبيعة الأمور رد فعل تجاه الخطية وهو مهلك في تمام عمله، ورد الفعل هذا هو العقوبة الإلهية للخطية، وأن طبيعتها المهلكة النهائية هي ما قصده الكتاب المقدس لما قال أجرة الخطية موت”؛ وثالثاً، أن “ردود الفعل المحتومة للترتيب الإلهي ضد الشر .. هو الخطية نفسها التي ترجع مرة أخرى بصورة أخرى وتجد الخاطئ. وهي لا شيء إن لم تكن قصاصية”؛ ورابعاً، “أنه بينما المعاناه والآلام لم يكونا عقابيين بمعنى قادمين على يسوع بواسطة ضمير شرير، أو يجعلونه شخصياً هدفاً للغضب الإلهي، لقد كانوا عقابيين في معنى أنه في ساعات الظلمة تلك كان عليه أن يستوعب تماماً رد الفعل الإلهي الكامل ضد خطية هذا الجنس … وأنه بدون أن يقوم بهذا لم يكن يمكنه أن يكون الفادي لهذا الجنس من الخطية”[v]. إنه يبدو لي أن هذه التأكيدات تشير مباشرة لطريق لصياغة نموذج البدلية العقابية وهو نموذج أدبي أخلاقي وشخصي بشكل كاف لتجنب كل قيود لامب، وهو أيضاً يشمل كل ما يعنيه هذا المفهوم لكل من تبنوه. لكن الصياغة نفسها لابد أن تكون من صنعي. والآن سوف أبدأ في محاولة تحليلية للبدلية العقابية كنموذج للكفارة، تحت خمسة عناوين: البدلية والقصاص؛ البدلية والتضامن؛ البدلية والسر؛ البدلية والخلاص؛ والبدلية الحب الإلهي. ويجب على الأخرين الذي يتبنون هذا النموذج أن يحكموا إن كنت حللته بدقة أم لا. [i]Leon Morris, The Cross in the New Testament, Paternoster Press, Exeter (1965) 401 [ii] Christus Victor, 175. etc [iii] G. W. H. Lampe, ‘The Atonement: Law and Love’, in Soundings, ed. A. R. Vidler, Cambridge Uni versity Press (1962) 187ff. [iv] Denney, op. cit., 271f.; from The Atonement and the Modern Mind. آخر عبارات دينني مبالغ فيها؛ كما قال جي. إس. ويل، “لم تفكر المسيحية في المسيح كمنتصر فقط وكذبيح، ولكن أيضاً “كخاطئ” (حل محل المهزوم، وصار منتصر، وحل محل المحكوم عليه بالموت وصار الذبيح لكن المقام، وحل محل الخاطئ، وصار هو برنا” وكل النماذج الثلاث (يدعوها ويل رموز) لها تبرير كتابي؛Cambridge University Press (1960) 70) [v] Denney, The Christian Doctrine of Reconciliation, Hodder and Stoughton, London (1917) 187, 214, 208, 273. On pp. 262f. وفي أماكن أخرى يرفض دينني كل الإشارات التي تتحدث عن المساواه الكمية بين آلام المسيح الفعلية وبين الآلام التي سيعانيها الخطاة تحت الدينونة النهائية معتبرها مبهمة غير قابلة للفهم؛ لذا فإستيعاب تمام رد فعل الله ضد خطية الجنس البشري، مهما كانت تعني، فهي لا تعني المساواه الكمية. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (5) البدلية والقصاص ![]() إن البدلية العقابية، كفكرة، تفترض مبدئياً ان هناك عقوبة علينا أن نؤديها قادمة من الله القاضي لأجل الشر الذي عملناه ولأجل فشلنا في أن نفي بمطالبه. إن الموضع الكلاسيكي (Locus Classicus) لهذا هو رو1: 18-3: 20، ولكن الفكرة نفسها موجودة في كل مكان في العهد الجديد. إن السياق القضائي هو سياق أدبي أخلاقي أيضاً؛ بالرغم من أن النظم القضائية الإنسانية ليست بالضرورة دائماً مؤسسة في حقيقة أخلاقية أدبية، ويتعامل الكتاب المقدس مع عالم الواقع الأدبي الأخلاقي وعالم الدينونة الإلهية كأنهما متداخلين. إن الدينونة الإلهية تعني أن القصاص يتتبعنا بسبب ماضينا وينسحب على وجودنا الحاضر وعلى مستقبلنا، والله نفسه هو المسئول عن هذه العملية، ضامناً أن الخطأ الموضوعي والمذنوبية اللذان كنا عليهما دائماً “هناك” في تلامس مؤثر لما سنكون عليه. وفي كلمات إميل بروننر، “المذنوبية تعني أن ماضينا – الذي لا يمكن إصلاحه أبداً – يمثل دائماً أحد عناصر وضعنا الحالي”.[i] لما رأت ليدي ماكبيث، وهي تمشي وتتكلم في نومها، دماً على يدها، ولم تستطع أن تنظفه أو تجعله يبدو جميلاً، كانت تشهد لأمر القصاص كما عمل كل كتاب القصص المآساوية وكل البشر المتأملين – وبكل تأكيد، وهؤلاء الذي يؤمنون بالبدلية العقابية – إن فعل الخطأ قد يُنسَىَ لبعض الوقت، كما نسى داود خطيته مع بثشبع وما صنعه مع أوريا، ولكنه سيظهر في الذاكرة مرة أخرى آجلاً أو عاجلاً، كما حدث مع خطية داود تحت خدمة النبي ناثان، وفجأة يعود لإنتباهنا، ويذهب سلامنا وفرحنا، ويخبرنا شيئاً ما بداخلنا أننا نستحق المعاناة لما قد إرتكبناه. وعندما يجتمع هذا مع معرفتنا المحدودة بغضب الله، هذا الإحساس بالأمور هو بداية الجحيم. إن نموذج البدلية العقابية يُقَدَم في سياق هذا الإدراك، لكي يضع في بصيرتنا أربع نقاط محورية لموقفنا. البصيرة الأولى تتعلق بالله؛ وهي أن مبدأ القصاص ينال مصادقة من الله، وبكل تأكيد يعبر عن قداسته، وعدله وصلاحه المنعكس في شريعته، وأن الموت، الروحي والجسدي، وفقدان حياة الله كما فقدان حياة الجسد، هو الحكم العادل الذي اصدره ضدنا ويتحضر الآن لكي ما يوقعه. البصيرة الثانية تتعلق بنا؛ وهي أننا ونحن الآن تحت هذا الحكم، ليس لنا حول ولا قوة لكي نزيل الماضي أو نتخلص من الخطية في الحاضر، لذا فليس لدينا طريق نتجنب به ما يهددنا في المستقبل. البصيرة الثالثة تتعلق بيسوع المسيح؛ إنها أنه هو الله وإنسان كما في يو1: 1-18 وعب1-2، وقد أخذ مكاننا تحت هذا الحكم وتقبل في خبرته هو الشخصية في كل جوانبه الموت الذي كان عقوبتنا، مهما كانت، حتى أنه وضع الأساس لكي ننال الغفران والضمان. قد لا نعلم، وقد لا نستطيع الإخبار الآلام التي أضطر أن يحتملها ولكننا نؤمن أنها كانت من أجلنا أنه قد علق وتألم هناك والبصيرة الرابعة تتعلق بالإيمان؛ وهي أن الإيمان هو أولاً وآخراً موضوعه أن ينظر الشخص خارج نفسه وبعيداً عنها إلى المسيح وصليبه كالأرضية الوحيدة للغفران الحالي والرجاء الآتي. يرى الإيمان أن مطالب الله تظل كما هي، وأن شريعة الله في القصاص، والتي يعلن عنها ضميرنا أنها صحيحة، لم تتوقف عن العمل في العالم، ولن تتوقف؛ ولكن في حالتنا نحن فقد تمت هذه الشريعة بالفعل، حتى أن كل خطايانا، الماضي والحاضر وحتى المستقبل، قد كُفَرَ عنها تماماً في الجلجثة. لذا يرتاح ضميرنا ويهدأ بمعرفة أن خطايانا قد حكم عليها وعوقبت بالفعل، ومهما كانت هذه العبارة تبدو غريبة، في شخص آخر وبموته. في كتابه سياحة المسيحي، فقد يوحنا بنيان حمله عند الصليب، وتستطيع توبليدي أن تؤكد لنفسها قائلة: إن كنت أنت قد ضمنت لي الغفران، وبملء إرادتك تحملت بدلاً مني، كل الغضب الإلهي، لا يستطيع الله ان يطالب بدفع الدين مضاعفاً، أولاً من يدي ضامني النازفتين، ثم مرة أخرى مني. وبهذه الحُجَه، يمسك الإيمان بواقع عطية البر المجاني من الله، أي، الوضع الصحيح مع الله الذي تتمتع به حالة البر (رو5: 16)، ومعها إلتزام الإنسان المبرر بأن يعيش من هذه اللحظة لأجل الشخص الذي مات من أجله وقام (2كو5: 14). يظهر هذا التحليل، إن كان صحيحاً، ما هو عمل كلمة “عقابي” في نموذجنا. إنها هنا، ليس لكي تدفع بغموض نظري عن كيفية نقل الذنب، ولكن لكي توضح بتفصيل رؤية المؤمن، الذي وهو ينظر للجلجثة في ضوء العهد الجديد، مدفوع لأن يقول، “كان يسوع حاملاً دينونتي التي أستحقها، وعقوبة خطاياي، والعذاب الذي أدين أنا به لله” – “الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غل2: 20). كيف كان ممكناً لأن يحمل يسوع عقوبة المؤمنين؟ هذا أمر لا يدعون أنهم يعلمونه، أكثر من أنهم يعلمون كيف كان ممكناً أن يصير إنسان، وأما من جهة حمله للدينونة فهو أمر مؤكد ويستند عليه كل رجائهم في راحة. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (6) البدلية والتضامن ![]() وكما هو متوقع هناك النقد العقلاني الذي يقول بأن الذنب غير ممكن نقله من شخص لشخص، وأن البدلية الموصوفة، إن كانت حقيقية، ستكون غير أخلاقية، فعلى نموذجنا الآن إستحضار وصف بولس لربنا يسوع المسيح كالإنسان الثاني وآدم الأخير، الذي شملنا في حمله للخطية بالحقيقة كما شملنا آدم في خطيته (1كو15: 35؛ رو5: 12). لقد رأي لوثر البدلية العقابية، التي هو رائد صياغتها، وكل من أتوا بعده مؤسسة على التضامن الوجودي، وعلى أنها “لحظة واحدة” في السر الأكبر الذي أسماه لوثر “البدلية العجيبة”[i]، وأطلق عليه د. مورنا لقب “التبادل في المسيح”[ii]، في هذا السر هناك أربع “لحظات” يمكن تمييزها: “اللحظة” الاولى هي التجسد لما أتى إبن الله لوضعنا البشري، “مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ” (غل4: 4). و”اللحظة” الثانية كانت الصليب، كما قال كل من لوثر وكالفن، حيث حمل يسوع هويتنا[iii] وعلى نحو فعال شملنا فيه جميعاً في موته – كما يقول بولس، “إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا” (2كو5: 14). ليست المشاركة في موت يسوع هي نوع من الروائية القانونية التخيلية، ولا تركيب لغوي ليس له واقع حقيقي متصل به؛ إنه جزء من الحقيقة المعلنة عن المسيح، السر الذي “هناك” سواء أدركناه أم لا. والآن ففي بدلية المسيح معنا، وهي حصرية في جعل الكفارة عمل خاص به وحده بالكامل ولا يعطينا مجال لمشاركته فيها، بقدر ما هي وجودية موضوعية، وفي شكل يسمو عن قيود المكان والزمان، أخذنا المسيح معه في موته ومن خلال موته لقيامته. لذا فمعرفتنا لموت لمسيح لأجلنا كبديل لنا حامل خطيتنا يتطلب أن نرى أنفسنا كأموات، مقامين، وأحياء للأبد فيه، نحن الذين آمنا قد متنا – بدون ألم وبشكل غير مرئي، يمكننا أن نقول – بالتضامن معه لأنه مات، متألماً، مشهراً به، كبديل لأجلنا. جلب لنا موته غفران الخطايا التي إرتكبت “في” آدم كما أنه “فيه” يمكننا التمتع بقبول الله؛ موتنا “فيه” يجلب لنا الفكاك من وجودنا الذي عرفناه “في” آدم، حتى أننا “فيه” نقام في الحياة الجديدة ونصبح مخلوقات جديدة (رو5-6؛ 2كو5: 17، 21؛ كو2: 6-3:4). واللحظة الثالثة في هذا التبادل يأتي لما، بواسطة الإيمان وبعطية الروح القدس من الله، نصبح نحن “بر الله” و”أغنياء” – أي، مبررين من الخطية ومقبولين كوارثين لله في ومع المسيح – بفضل ذاك الذي “إفتقر” لأجلنا في التجسد و”جُعلَ خطية” لأجلنا في بدلية عقابية على الصليب (2كو5: 21، 8: 9). واما اللحظة الرابعة، ستأتي لما يسوع المسيح بذاته، المرفوع في المجد، بعدما إتضع حتى الموت لأجلنا، يظهر لكي “يُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ” (في2: 5-11؛ 3: 21) في بعض الأحيان وبالعلاقة مع هذا السر واسع الإدراك للتضامن والتبادل، وهو يرى بصورة كاملة، تثار فكرة الإنتباه للمسيح “كالرائد” (أركاجوس: عب2: 10، 12: 2) الذي من الأفضل دعوته “الممثل” أو “الباكورة” للبشرية الجديدة، عن أن يقال بدلينا.[iv] بمقدار ما يتمركز خط البدلية حول تجديدنا إلي صورة المسيح، فهذه النقطة تقبل بكل سهولة، على أن ترى أيضاً بالعلاقة مع البدلية، فالمسيح كذبيحة للعملية العقابية لابد أن يدعى بديلنا، وحيث أن الهدف والتأثير المطلوبة لآلامه هو بكل دقة التأكيد أن لا آلام من هذا النوع – لا ترك من الله، ولا نبذ – يمكن أن تبقى علينا. وفي ضوء المناقشة السابقة[v] نحن قد وضعنا الأساس لكي نترك الإقتراح بأن ندعو موت المسيح تمثيلياً أكثر منه بدلياً لأن الإثنين متداخلين متشابكين، حيث أن هذا (التمثيل) يقترح، أولاً، أن نختار نحن المسيح لكي يتصرف لأجلنا، ثانياً، أن الموت الذي متناه فيه هو نفس الرتبة من الموت التي ماتها لأجلنا، وثالثاً، أننا بموتنا مع المسيح نكفر عن خطايانا – وكل هذا زيف. والآن ها سبباً أخر لرفض هذا الإقتراح – بالتحديد، أنه يخطئ أو يفشل في نقطة ان ما تحمله المسيح على الصليب كان الترك الإلهي الخاص بالدينونة العقابية، التي لن نحتاج أبداً ان نتحملها لأنه قبلها في مكاننا. إن الصياغة المناسبة هي أن علاقة يسوع التمثيلية لأجلنا على الصليب، كآدم الأخير الذي نحمل صورته، أخذت طابع البدلية لأجلنا تحت الدينونة، كعبد يهوه المتألم الذي “الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا” (إش53: 6).[vi]إن الفكرتين، التمثيل والبدلية، يكملان بعضهما البعض، وكل منهما له إحتياج هنا. [i] هناك إقتباسان يعطيان وجهة نظر لوثر هنا. الاولى هي من شرحه للمزمور 22: “هذا هو السر الغني في النعمة الإلهية للخطاة: والذي فيه وعن طريق تبادل عجيب لم تعد خطايانا خطايانا بعد ولكنها أصبحت على المسيح: وأصبح بر المسيح ليس بره بل برنا. لقد أخلى نفسه من بره حتى يلبسنا إياه، ويملأنا به: ولقد أخذ شرورنا على نفسه حتى يخلصنا منها… وبنفس الشكل لأنه حزن وتألم في خطايانا، وإضطرب، فبنفس الشكل نحن نفرح ونفتخر في بره” (Werke(Weimar, 1883) والإقتباس الثاني من رسالته الرعوية لجورج سبيلين: “تعلم المسيح وإياه مصلوباً. تعلم أن تصلي متأملاً فيه وتاركاً نفسك، قل: ~أنت، ايها الرب يسوع، هو بري، وأنا خطيتك. أنت أخذت على عاتقك ماهو لي وأعطيتني ما هو لك. انت أخذت على عاتقك ما لست أنت عليه وأعطيتني ما لم أكن عليه~” (Letters of Spiritual Counsel, ed. Theodore C. Tappert (Library of Christian Classics) SCM Press, London (1955) 110. [ii] Article in JTS 22 (1971) 349-361. [iii] يقدم لوثر هذا بشكل دراماتيكي جذيل، كما هي طريقته دائماً. “كل الأنبياء رأوا بالفعل في الروح، أن المسيح لابد أن يكون كأنه أعظم الخطاة، القتلة، الزناة، السراق، المتمردون، المجدفون، إلخ، الذين أتوا للعالم … لأنه بكونه جعل ذبيحة، للخطايا للعالم أجمع، ليس الآن إنساناً بريئاً وبدون خطايا … فإن آبانا الغني في الرحمة … أرسل إبنه الوحيد للعالم ووضع عليه خطايا الناس جميعاً، قائلاً: كن أنت بطرس المنكر، وبولس المضطهد، المجدف والمقاوم القاسي، وداود الزاني؛ نفس الخاطي الذي أكل الثمرة في الجنة؛ اللص الذي علق على الصليب؛ وبإختصار، كن كالإنسان الذي إرتكب خطايا كل البشر جميعاً؛ وأنظر أن تدفع وتوفي من أجلها. والآن يأتي الناموس ويقول: إنه خاطئ … لذا فليمت على صليب…”(Galatians,ed. Philip S. Watson, James Clarke, London (1953) 269-271; on Gal. 3:13). ويشدد آولين (Christus Victor,chapter VI) بصحة على ديناميكية الإنتصار الإلهي في تسجيل لوثر لأحداث الصليب والقيامة، ولكنه يتجاهل بشكل خاطئ البدلية العقابية في الألفاظ التي يصف فيها بالأساس عمل المسيح الإنتصاري. إن طبيعة إنتصار المسيح، تبعاً للوثر، أنه على الصليب كان بديلنا الذي محا خطايانا على نحو فعال متغلباً على لعنة الله ومحرراً لنا من قدرة الشيطان؛ إن قرئت معالجة لوثر الكاملة لغلاطية 3: 23 (ص268-282)، يصير هذا واضحاً جداً. إن الإضافة المطلوبة والتصحيح الحيوي للإنطباع الذي يتركه آولين، تم بواسطة عبارة بانينبرج (op. cit., 279): “ربما يكون لوثر هو الأول بعد بولس في مدرسته الذي يرى بوضوح تام موت يسوع في معناه الأصيل على أنه ينبغي فهمه على أنه آلام بدلية عقابية”. ويضع كالفين نفس النقطة في طريقته الأكثر تحديداً، معلقاً على محاكمة يسوع أمام بيلاطس. “لما تم إستدعائه أمام كرسي المحكمة، وتم إتهامه ووُضِعَ تحت ضغط بواسطة الشهود، وتم الحكم عليه بالموت بكلمات القاضي، نحن نعلم أنه بهذه الأحداث قد أدي دور (personamsustinuit) الخاطئ المذنب … فنحن نرى دور الخاطئ والمجرم متمثلاً في المسيح، على أنه من خلال براءته المشرقة يصبح بديهياً انه تحمل أخطاء أخرين وليس أخطاءه هو شخصياً … هذه هي برائتنا، ان الذنب الذي عرضنا للعقوبة قد إنتقل ووضع على رأس إبن الله …” “في كل لحظة قد إستبدلنا بنفسه ووضع نفسه مكاننا لكي يدفع ثمن فدائنا”(Inst. II. XVI. 5, 7). إنه لا يمكن تفسير أن بانينبرج (loc. cit.) يمكن أن يقول أن كالفين تراجع عن وجهة نظر لوثر للبدلية العقابية. [iv] لتعبير “ممثل” طالعM. D. Hooker, art. cit., 358, وG. W. H. Lampe, Reconciliation in Christ, Longmans, London (1956) chapter 3; ولتعبير “باكورة” طالعD. F. H. Whiteley, The Theology of St. Paul,Blackwell, Oxford (1964) 132ff. إن الإستخدام المفضل لهؤلاء الكتاب يبدو أنه يعكس الإدراك لكل من التضمان بيننا وبين المسيح وأيضاً فشلهم لأن يلحظوا أن الغفران يستند على حمل المسيح البدلي للخطية، وذلك بالتمييز عن طاعته التي، في عبارة د. هوكر، قد رفعنا بواسطتها. [v] Cf. pp. 22-25 above. [vi] أش 53: 6. يلحظ جي. إس. ويل أن أغنيه هذا العبد “تكون إثنى عشر عبارات متميزة صارخة أن هذا العبد يعاني العقوبة لأجل خطية أناس أخرين: ليس فقط معاناة نيابيه ولكن بدلية عقابية أيضاً هي المعنى المباشر للآية الرابعة والخامسة والسادسة. هذه من الممكن ألا تكون عبارات دقيقة للأفكار الغربية القضائية”- وتشير حججنا السابقة تعقيباً هو، عمل ممتاز! – “ولكنها مرتبطة بالعقوبة بشكل واضح، هذه العقوبة موضوعة بأشكال مختلفة من العقاب جاز فيها هذا العبد لحساب وبدلاً من أناس أخرين، لأن الرب رتب هذا الأمر. هذا التشبيه القضائي أو القانوني للكفارة لابد من شرحه إيجابياً وسلبياً: أما كعقوبة أخذها الفادي على عاتقه، أو كتبرئه أطلقت المسجون حراً. ولكن كلاً من الشرحين له إشارة بدلية في مكاني وقف هو مداناً |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (7) البدلية والسر ![]() إنه منذ الآن قد وضح أن الذين يؤكدون على البدلية العقابية لا يقدمون هذا النموذج كتحليل شرحي لما هو “وراء” موت المسيح الكفاري بنفس الطريقة التي تقدم بها قوانين الحرارة تحليل شرحي لما هو “وراء” غليان الإبريق، ولكن بالأحرى كمؤشر يلفت الإنتباه لجوانب متعدد أساسية في السر – أي، طبقاً لتعريفنا السابق، الواقع الإلهي السامي الغير مدرك بالتمام – لموت المسيح الكفاري بذاته، كما أعلنه كتاب العهد الجديد، وأكثر هذه الجوانب بروزاً هو الحب الإلهي العجيب الذي كان وراء الكفارة، والتي هي قياسه (رو5: 8؛ 1يو4: 8-10؛ يو15: 13)؛ والتي هي من متطلباته العجيبة، وهذا واضح من شهادة بولس في رو8: 32 أن الله “لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ” والتي تظهر أن، الله الذي هو الله، لم يكن ليخلصنا بتكلفة أقل من ذلك على نفسه؛ التضامن السري العجيب الذي بفضله أمكن للمسيح أن “يصير خطية” بواسطة إسناده مسؤلية أن يجاوب عنا أمام الله، وأن يموت لأجل خطايانا بدلاً منا، وأن نصير نحن “مبررين” أمام الله بالإيمان بفضل طاعته (رو5: 17-19؛ 2كو5: 21)؛ وبهذه الطريق السرية للإتحاد معه التي فيها، بدون أي إنتقاص لتفردنا كأشخاص، أو تفرده، نحن والمسيح في بعضنا البعض بشكل حتى أننا بالفعل قد جزنا معه في الموت وإنتقلنا للحياة المقامة. إن ملاحظة هذه الأسرار لا يسبب حيرة ما، ولا يحتاج لها؛ حيث أن الصليب لا يمكن إنكار مركزيته في شهادة العهد الجديد لعمل الله، إنه هنا فقط يمكن توقع أن تكون هناك جوانب أكثر من السر مصفوفة أكثر من أي مكان أخر. ولسؤال، ما يعني الصليب بالنسبة لخطة الله لخير الإنسان، يوجد إجابة كتابية بالفعل بين أيدينا، ولكن لما نسأل كيف يمكن أن تكون هذه الأمور نجد أنفسنا نواجه سراً في كل نقطة. شكك النقد العقلاني من أيام سوسيناس وبإصرار في كل من التضامن الذي تتأسس عليه البدلية والإحتياج لترضية عقابية كأساس للغفران. هذا، على كل حال، نقد “طبيعي”، يفترض أن ما لا يستطيع الإنسان أن يفعله أو يتطلبه، فالله أيضاً لن يفعله أو يتطلبه كذلك. مثل هذا النقد شاذ جداً بشكل واضح تماماً، لأنه يقلل من الله الخالق إلي صورة إنسان مخلوق ويفقد النظرة للجانب اللامعقول الذي لإنجيل العهد الجديد. (لما يبرئ إنساناً ما شخص شرير، فهذا تعويج لمسار العدالة يكرهه الله، ولكن لما يبرر الله الفاجر فهذه معجزة لنعمة الله التي نقدرها [أم17: 15؛ رو4: 5]). إن الطريقة التي يجب الوقوف بها ضد هذا اللاهوت الطبيعي هو بالنظر الدائم لطريقته الإختزالية التي جعلت الإنسان هو قياس الله؛ وبتأكيد أنه تبعاً للكتاب المقدس فالخالق وعمله هما بالضرورة عجائب سرية بالنسبة لنا، حتى كما هما معلنان (أن نجعل هذه النقطة هي المهمة المنطقية الصحيحة لكلمة “خارق للطبيعة” في اللاهوت)؛ وبتذكر أن السبب السابق هو ليس بالضرورة ضداً لها. وبالنسبة للكفارة، فإن رد الفعل الصحيح للنقد السوسياني يبدأ بوضع أساس أن كل فهمنا للصليب يأتي من إنتباهنا للشهادات الكتابية والتعلم أن نسمع ونردد ما تقولوه لنا عنها؛ إن العقلانية التخمينية تثمر فقط سوء فهم، وليس شيء أخر. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (8) البدلية والخلاص ![]() إنه منذ الآن قد وضح أن الذين يؤكدون على البدلية العقابية لا يقدمون هذا النموذج كتحليل شرحي لما هو “وراء” موت المسيح الكفاري بنفس الطريقة التي تقدم بها قوانين الحرارة تحليل شرحي لما هو “وراء” غليان الإبريق، ولكن بالأحرى كمؤشر يلفت الإنتباه لجوانب متعدد أساسية في السر – أي، طبقاً لتعريفنا السابق، الواقع الإلهي السامي الغير مدرك بالتمام – لموت المسيح الكفاري بذاته، كما أعلنه كتاب العهد الجديد، وأكثر هذه الجوانب بروزاً هو الحب الإلهي العجيب الذي كان وراء الكفارة، والتي هي قياسه (رو5: 8؛ 1يو4: 8-10؛ يو15: 13)؛ والتي هي من متطلباته العجيبة، وهذا واضح من شهادة بولس في رو8: 32 أن الله “لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ” والتي تظهر أن، الله الذي هو الله، لم يكن ليخلصنا بتكلفة أقل من ذلك على نفسه؛ التضامن السري العجيب الذي بفضله أمكن للمسيح أن “يصير خطية” بواسطة إسناده مسؤلية أن يجاوب عنا أمام الله، وأن يموت لأجل خطايانا بدلاً منا، وأن نصير نحن “مبررين” أمام الله بالإيمان بفضل طاعته (رو5: 17-19؛ 2كو5: 21)؛ وبهذه الطريق السرية للإتحاد معه التي فيها، بدون أي إنتقاص لتفردنا كأشخاص، أو تفرده، نحن والمسيح في بعضنا البعض بشكل حتى أننا بالفعل قد جزنا معه في الموت وإنتقلنا للحياة المقامة. إن ملاحظة هذه الأسرار لا يسبب حيرة ما، ولا يحتاج لها؛ حيث أن الصليب لا يمكن إنكار مركزيته في شهادة العهد الجديد لعمل الله، إنه هنا فقط يمكن توقع أن تكون هناك جوانب أكثر من السر مصفوفة أكثر من أي مكان أخر. ولسؤال، ما يعني الصليب بالنسبة لخطة الله لخير الإنسان، يوجد إجابة كتابية بالفعل بين أيدينا، ولكن لما نسأل كيف يمكن أن تكون هذه الأمور نجد أنفسنا نواجه سراً في كل نقطة. شكك النقد العقلاني من أيام سوسيناس وبإصرار في كل من التضامن الذي تتأسس عليه البدلية والإحتياج لترضية عقابية كأساس للغفران. هذا، على كل حال، نقد “طبيعي”، يفترض أن ما لا يستطيع الإنسان أن يفعله أو يتطلبه، فالله أيضاً لن يفعله أو يتطلبه كذلك. مثل هذا النقد شاذ جداً بشكل واضح تماماً، لأنه يقلل من الله الخالق إلي صورة إنسان مخلوق ويفقد النظرة للجانب اللامعقول الذي لإنجيل العهد الجديد. (لما يبرئ إنساناً ما شخص شرير، فهذا تعويج لمسار العدالة يكرهه الله، ولكن لما يبرر الله الفاجر فهذه معجزة لنعمة الله التي نقدرها [أم17: 15؛ رو4: 5]). إن الطريقة التي يجب الوقوف بها ضد هذا اللاهوت الطبيعي هو بالنظر الدائم لطريقته الإختزالية التي جعلت الإنسان هو قياس الله؛ وبتأكيد أنه تبعاً للكتاب المقدس فالخالق وعمله هما بالضرورة عجائب سرية بالنسبة لنا، حتى كما هما معلنان (أن نجعل هذه النقطة هي المهمة المنطقية الصحيحة لكلمة “خارق للطبيعة” في اللاهوت)؛ وبتذكر أن السبب السابق هو ليس بالضرورة ضداً لها. وبالنسبة للكفارة، فإن رد الفعل الصحيح للنقد السوسياني يبدأ بوضع أساس أن كل فهمنا للصليب يأتي من إنتباهنا للشهادات الكتابية والتعلم أن نسمع ونردد ما تقولوه لنا عنها؛ إن العقلانية التخمينية تثمر فقط سوء فهم، وليس شيء أخر. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (9) البدلية والحب الإلهى ![]() لقد تم توجيه النقد لنموذج البدلية العقابية على أنها تقدم الإبن لطيفاً يهدئ آباً غاضباً لكي يجعله يحب الإنسان، وهو أمر لم يكن يفعله من قبل ذلك. إن هذا النقد، على كل حال، غير كفؤ، لأن البدلية العقابية هي نموذج ثالوثي، التي فيها الوحدة في الدافع لكل من الآب والإبن هي أمر بديهي. يقدم العهد الجديد لنا عطية الله التي هي أن يموت إبنه كالتعبير الأسمى عن حبه لشعبه. “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو3: 16). “اللهَ مَحَبَّةٌ…. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا” (1يو4: 8-10). “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رو5: 8)، وعلى نفس المنوال، يقدم العهد الجديد قبول الإبن التطوعي للموت كتعبير سامي عن محبته للبشر. “ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غل2: 10). “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. أَنْتُمْ أَحِبَّائِي” (يو15: 13-14). وهاتين المحبتين، محبة الآب ومحبة الإبن، هما واحد: وهي نقطة يمسك بها بشدة نموذج البدلية العقابية كما هو مستخدم. وبالأكثر من ذلك، إن كان المقياس الحقيقي للحب هو مدى إنحنائه للاسفل حتى يساعد الأخر، ومقدار الإستعداد للتنازل لكي يفعل ويتحمل، فإنه يصبح إذاً من العادل أن نقول بأن نموذج البدلية العقابية يشتمل على شهادة أغني عن الحب الإلهي أكثر من أي نموذج أخر للكفارة، لأنه يرى الإبن في إرادة أبيه ينحني ويتضع أكثر من أي رؤية أخرى تتفضل بأن تقترح. إن تعريف أن موت الصليب كان موتاً عقابياً، مؤلماً جسدياً، كما أو أكثر من أي شكل من أشكال الإعدام العقابية التي عرفها العالم؛ وأن يسوع تحمله بكامل وعيه بأنه بريء أمام الله والناس وانه رغم ذلك أهين ورفض، سواء في غرور خبيث أو في إستهتار مجرد، بواسطة أناس أحبهم وحاول أن يخلصهم – هذا امر إستقرت عليه كل وجهات النظر، ويخبرنا بالفعل أن حب يسوع، الذي اخذه للصليب، أحضره لإنخفاضٍ مروع. ولكن نموذج البدلية العقابية يضيف لكل هذا قياس أبعد لألم فعلي لا يمكن تخيله، وإن قورن بكل شيء ذكرناه حتى الآن يجعل كل شيء آخر يبهت لدرجة عدم الأهمية. هذا هو القياس الذي أشير إليه بواسطة دينني – “أنه في ساعات الظلمة تلك قد إستوعب (المسيح) بالتمام رد الفعل الإلهي تجاه الخطية التي للجنس البشري”. وينص على ذلك أوين بقوله بكل تحديد رسمي، وبصورة مطلقة وغير نفسانية: المسيح، قد أرضي العدل الإلهي “بخصوص خطايا كل الذين صنع لأجلهم الترضية، بأن جاز في نفس العقوبة التي، بسبب مديونيتهم كانت عليهم، كان عليهم تنفيذها. وعندما أقول نفس العقوبة أقصد بالأساس نفس الثقل والضغط، رغم أنها ليست كذلك في الأحداث نفسها، وفي المدة وما شابه ذلك..”[i] عبر عن هذا الفكر جوناثان إدواردز في عواطف رقيقة وشريفه: “تعامل الله معه كما لو أنه كان غاضباً عليه بدرجة شديدة، وكما لو أنه هو كان يستحق هذا الغضب المخيف. هذا الأمر جعل كل آلام المسيح أكثر سوءاً بالنسبة له، لأنها كلها قادمة من يد أبيه، الذي يحبه محبة لا نهائية، والذي إختبر محبته اللانهائية منذ الأزل. وبجانب هذا، لقد كان من نواتج عدل الله أنه ترك المسيح. هذا الأمر جعل المسيح يصرخ … “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (مت27: 46) وهذا كان أمر رهيب بشكل لا محدود بالنسبة للمسيح. إن معرفة المسيح لمجد الآب، ومحبة المسيح للآب، والإحساس والخبرة اللتان لديه عن قيمة حب الآب له، جعلت توقف الأفكار المفرحة والإعلانات عن حب الآب رهيبة بالنسبة له، كما هو إحساس ومعرفة كراهية الله للملعونين، الذين ليس لديهم معرفة بكمالات الله، ولا محبته، ولا إختبار الحلاوة اللانهائية لحبه”[ii] وكما لخص كل هذا جميعه “الراباي” التاريخي دانكان في عبارة وحيدة لا تنسى، في ثورة عاطفية شهيرة لأحد فصوله: “هل تعلمون ماذا كانت الجلجثة؟ ماذا؟ ماذا؟ ماذا؟” ثم، وبالدموع تنسال على وجهه أكمل – “لقد كانت اللعنة وقد أخذها لنفسه بمنتهى الحب“. إنه هذا الحب بالتحديد هو، في تحليلنا الأخير، كل ما تدور حوله البدلية العقابية، والذي يشرح قوتها في حياة هؤلاء الذين يعترفون بها.[iii] إن ما كان محتملاً أن يكون نقداً أكثر ضرراً للبدلية العقابية لم يكن ذاك الذي جاء من سوسيناس، ولكن من ماكلويد كامبل، الذي جادل بأن القول أن الله لابد أن يعاقب الخطية ولكن لا يحتاج أن يتعامل بالرحمة على الإطلاق (وبالفعل لم يتعامل بالرحمة تجاه أحد)، أن المصلحون نصراء وجهة النظر هذه قد قللوا من محبة الله وجعلوها مجرد قرار إعتباطي لا يعلن عن شخصية الله، ولكنه يجعله حتى وهو يباركنا هو لغز بالنسبة لنا، “الإله المجهول”.[iv] إن الهدف الحقيقي من نقد كامبل كان النموذج الإسكتلندي للشخصية الإلهية التي، سواء على حق ام لا، قد إعتقد كامبل أن اللاهوتيون المصلحون قد أنتجوها؛ والجواب الكافي، من وجهة نظر هذه المحاضرة، أنه حيث أن الكتاب المقدس يقول أن موت المسيح كان كل من بدلية عقابية لأجل شعب الله وأيضاً إعلان عن محبة الله لخطاة مثل هؤلاء، وحيث أن الكتاب المقدس يعلن أيضاً أن المسيح هو صورة الله، وأن كل ما نتعلمه عن محبة الإبن هو معرفة عن محبة الآب أيضاً، يصير إعتراض كامبل ليس حقيقياً. ولكن إعتراض كامبل، إن أخذ، يصير قاتلاً، لأن أي إستعراض للكفارة لا ينجح في تقديم طابعها كإعلان عن محبة فادية يصير متناقض مع نفسه. إن مكونات النموذج الإنجيلي للبدلية العقابية الآن هي، كما أعتقد، كما هي أمامنا، بالتوازي مع المهمة التي يقوم بهم كل مكون. فهو يجسد ويعبر عن تبصرات عن الصليب هي أساسية للديانة الشخصية، والتي أضعها لذلك في ألفاظ شخصية، كالتالي: (1) الله، كما في عبارة دينني، “لا يتغاضي عن شيء”، ولكن يدين كل خطية كما تستحق: وهو امر يؤكد عليه الكتاب، ويؤكده ضميري، أن صحيح. (2) تستحق خطاياي الآلام العقابية الأسمى والرفض من محضر الله (وضميري أيضاً يؤكد على هذا)، ولا يوجد شيء أفعله لكي أمحو خطاياي. (3) العقوبة التي علي لأجل خطاياي، مهما كانت، قد دفعها يسوع المسيح، إبن الله، بدلاً مني، في موته على الصليب. (4) ولأن هذا هكذا، فأنا بواسطة الإيمان به أصير “بر الله فيه (في المسيح)”، أي، أصير مبرراً؛ مغفوراً له، مقبولاً حاصل على البنوية. (5) إن موت المسيح لاجلي هو الأرضية الوحيدة لأي رجاء لي أمام الله.[v] (6) إن إيماني بالمسيح هو عطية الله الخاصة لي، أعطيت لي بفضل موت المسيح لأجلي: أي، إشتراها الصليب لي. (7) موت المسيح لأجلي يضمن حفظي حتى الوصول للمجد. (8) موت المسيح لأجلي هو القياس والضمان لمحبة الآب والإبن لي. (9) موت المسيح لأجلي يدعوني ويجبرني أن أثق، أعبد، أحب وأخدم. هكذا رأينا، تبعاً لهذا النموذج، ما حصله الصليب لنا ويحصله. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() (10) الصليب والكتاب المقدس ![]() ونحن نجمع الخيوط معاً، يمكن أخذ في الإعتبار سؤالين عامين عن علاقة نموذج البدلية العقابية بالمعلومات الكتابية ككل بشكل مختصر. (1) هل محتويات وعمل هذا النموذج غير متوافقة بأي شكل مع إيمان وعقيدة العهد الجديد؟ هل هي مهينة لله، أو غير أخلاقية، كما يُزعَم أحياناً؟ لقد أدي تحليلنا، كما أرجو، لأن يبين أنها لا مهينة لله ولا غير أخلاقية. وإظهار مثل هذا لم يكن مضيعة للوقت، لأنه يبدو واضحاً أن معالجة المادة الكتابية بخصوص الكفارة في أحياناً كثيرة يتأثر بالإفتراضات المسبقة التي من هذا النوع، والتي تؤدي للنفور من ملاحظة مدى قوة الدلائل التي تؤيد مكانة البدلية الأصيلة في الفكر الكتابي بخصوص الصليب.[1] (2) هل نموذجنا مؤسس بالفعل على الكتاب المقدس؟ وبخصوص هذا السؤال، هناك نقاط عديدة سريعة يمكن ذكرها. أولاً، لابد من إعطاء مكانة كاملة لحقيقة أن، كما قال لوثر، السؤال المركزي الذي يجاوب عنه العهد الجديد كله هو عن علاقتنا، هنا وفي المستقبل، مع خالقنا القدوس: والسؤال، الذي هو، كيف يمكن لخطاة مذنبين، ضعفاء، فاسدين، بعداء أن يكتسبوا معرفة صحيحة عن غفران الله المنعم لهم، وقبوله وتجديده. إن هذا السؤال إجابته هي المسيح، وتتعلق بكل تفسير العهد الجديد بخصوص الصليب. ثانياً، لابد من إعطاء وزن عظيم لحقيقة أن كل من تبنوا نموذج البدلية العقابية هذا عبر العصور قد تبنوه بسبب أنهم رأوا أن الكتاب المقدس يعلم به، وأن كل الدارسين الذين يتخذون موقفا مختلفاً، مهما كان سببهم، يعترفون بشكل متكرر أنه هناك فقرات في الكتاب المقدس التي من الممكن طبيعياً أن تؤخذ بمعنى بدلي عقابي. مثل هذه الفقرات مثل أش 53 (حيث وجد فيها ويل، كما رأي، أن البدلية العقابية قد ذكرت إثنى عشر مرة)، غل3: 13؛ 2كو5: 15؛ 1بط3: 18؛ وهنا الكثير من الفقرات الموازية لتلك التي ذكرناها. ثالثاً، لابد من ملاحظة أن الحجج التفسيرية المألوفة، التي، إن قُبلت، تهدم في وجهة النظر البدلية – هذه الحجج، على سبيل المثال، مبدأ عدم شخصنة غضب الله والفهم الغير إسترضائي لعائلة كلمات “هيلاسكوماي”، أو تفسير سفك الدم في ذبائح العهد القديم على أنه إطلاق للحياة للإحياء وليس إنهاء للحياة للتكفير – هذه الحجج هي فقط تؤدي لأن: أن هناك بعض الفقرات التي لا تعني تماماً ما قد عنت بالنسبة لدارسي الكتاب المقدس في أجيال سابقة. ولكن في كل نقطة يظل هناك إمكانية لا يمكن غض الطرف عنها أنه يمكن إثبات أن وجهة النظر التي كانت معتبرة عبر التاريخ هي الوجهة الصحيحة، رغم كل هذا. رابعاً، لابد من ذكر أنه ليس هناك قلة فقط من الدارسين الذين يتمسكون بالمكانة الأصيلة للبدلية العقابية في شهادة العهد الجديد للصليب. إن الإسهام الذي لا يمكن فواته لجيمس دينني، وليون موريس قد سبق ذكرهم بالفعل، وهم لا يقفون هذا الموقف وحدهم.. ولأجل إسهام أكثر في الشرح في هذه النقطة، سوف أدرج إقتباسين من الدكتور إيه. إم. هنتر. وسوف لا أعلق عليهما لأنهما يتحدثا عن نفسهما. الإقتباس الأول عن تعليم يسوع في الأناجيل التلخيصية. فبعد أن أشار لنظريات الكفارة “التي تتعامل مع ~الإسترضاء~ أو الإستبدال، أو تستخدم ~مبدأ الذبيحة~” يكمل هنتر فيقول: “إنه يبدو ان أقوال يسوع تتفق بأكمل صورة مع هذا النوع من النظرية. لا يمكن أن يكون هناك شك في أن يسوع قد أظهر موته على أنه ذبيحة يمثل فيها “الكثيرين”. فليست فقط أفكاره (أفكار يسوع) متشبعه بأشعياء 53 (والتي بها تعليم التألم البدلي)، ولكن كلماته على الكأس – والأحرى، كل سرد العشاء الأخير – تتطلب أن تتفسر في ألفاظ (تشير إلى) ذبيحة (كان سيقوم بها على الصليب) يشترك أتباعه في فوائدها. وتظهر فكرة البدلية السائدة في أش53 في أقوال الفداء. وتحتاج فقط لقراءة قليلة لما بين السطور لإكتشاف قصة المعاناة والآلام، وصراخ الهجر والترك الإلهي، في أقوال “الكأس” كدليل على أن آلام المسيح كانت ما يمكننا أن نسميه، لأجل عدم وجود كلمة أفضل، “عقابية”[2] ويلتقط الإقتباس الثاني الخيط ليصل للملاحظات على ما هو، بالإجماع العام، المثالين الكلاسيكيين لطريقة بولس لشرح الكفارة، 2كو 5: 21 وغل3: 13. في المثال الأول، يكتب هنتر: “يعلن بولس أن المسيح المصلوب، بدلاً منا، أخذ واقع الخطية كله على نفسه، مثل كبش فداء: ~لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ~ فبولس يرى الصليب على أنه عمل من الله قام فيه بجعل الذي لم يعرف خطية، لأجل الخطاة، بشكل ما يختبر رد الفعل الإلهي الرهيب ضد الخطية لكي لا يعود هناك دينونة.” “وتتحرك غل3: 13 في نفس مجال الأفكار. ~اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا~” (وأقاطع هنا لأضع تعليقي الشخصي، إن زمن الفعل التام الذي إستخدمه بولس ليشرح به طريقة الفداء، يجيب على سؤال ~كيف إفتدانا المسيح؟~ ويمكن بكل ثقة حسنة أن نجاوب ~عن طريق أن يكون لعنة لأجلنا~). “إن اللعنة هي الدينونة الإلهية تجاه الخطية والتي تؤدي للموت. ونحن معرضين لهذه اللعنة؛ ولكن المسيح على الصليب قد طابق نفسه مع الإدانة التي تتوعد الخطاة حتى أنه، بواسطة فعله هذا، قد عبرت اللعنة عنا وأصبحنا أحرار. “مثل هذه الفقرات تظهر المحبة القدوسة لله الذي يتقبل أمراً مريعاً في الصليب بسبب خطية الإنسان. ففيه يموت المسيح، بترتيب الله، موت الخطاة، ويزيل الخطية. هل هناك طريق أكثر بساطة لقول هذا الأمر من أن المسيح قد حمل خطايانا؟ نحن الآن في يومنا هذا لسنا مغرمين بأن نطلق على موت المسيح صفة ~العقابية~ أو أن ننظر له على أنه ~بديلنا~؛ ولكن هل يمكننا أن نتجنب إستخدام بعض من كلمات مثل هذه لكي نعبر عن وجهة نظر بولس بخصوص الكفارة؟”[3] حسنا، هل يمكننا؟ وإن كان لا يمكننا، ماذا بعد؟ هل يمكننا أن نبرر أنفسنا في تمسكنا بوجهة النظر أن الكفارة كانت بدلية عقابية؟ ألا يجيب علينا أن نعبر أن البدلية العقابية، بعد كل هذا، هي قلب الموضوع؟ هذه الأسئلة هي ضمن التي كونت بحثنا المبدئي في هذه المحاضرة. وأنا آمل أن يكونوا قد تلقوا الإهتمام الواجب بهم. |
||||
![]() |
![]() |
|