البرامون | البرمون
← اللغة الإنجليزية: Paramon - اللغة اليونانية: παrάμoνoς.
كلمة بارامون أو برامون باليونانية παrάμoνoς وبالإنجليزية vigil أو eve of festival، اصطلاح كنسي طقسي تعرفه كنائس العالم كله، القبطية والأنطاكية والأرمينية والأشورية والبيزنطية، وكنيسة روما والكنيسة الانجليكانية أيضا.
ظهر في القرون الوسطى تفسير لمعنى "البرامون"، على أنه يعني: "خلاف العادة". وكان أول من استخدم هذا التعبير هو يوحنا بن سباع (القرن الثالث عشر) في كتابه "الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة". فيقول: "والعلة في ذلك أن العادة الجارية أن يُصام صوم الميلاد إلى التاسعة من النهار، فلما كان خاتمة الصوم إلى المساء، صار خلافا للعادة، لأجل ذلك سُمي باراموني".
ترى إذا أن تفسير الكلمة في القرون الوسطى لم يكن معتمدا على معنى الكلمة في لغتها الأصلية، بقدر ما كان تفسيرا لما هو حادث بالفعل من ممارسة طقسية لصوم برامون الميلاد في ذلك الوقت، وذلك لإيضاح الفرق بين طقسي صوم الميلاد وصوم البرامون. (معروف أن برامون الميلاد سابق من الوجهة التاريخية لصوم الميلاد بنحو أكثر من ستمائة سنة. ولما استقر صوم الميلاد في الكنيسة القبطية منذ سنة 1039 م حاويًا ستة أسابيع (42 يوما) صوم. أُضيف إليه صوم يوم البرامون، فصار مجموع أيام الصوم التي تسبق عيد الميلاد 43 يوما.
ومن الطريف الإشارة هنا إلى تفسير آخر للكلمة (برامون) ورد عند القس شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر (+ 1324 م)، فيذكر أنه يعني "الوقفة" فيقول في كتابه "مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة": "... ويتقدمه -أي يوم عيد الميلاد- يوم الباراموني، وقيل معنى اسمه الوقفة. يُصام فيه إلى العشى كأيام الأربعين المقدسة... ". وهو بالطبع تعبير غير صائب تأثر بمفاهيم غير مسيحية ظهرت في ديانات أخرى.
والآن عودة إلى الأصول الأولى اليونانية للكلمة. فـ"بارامون" أو "برامون" هو تعريب لكلمة يونانية، أصل الفعل لها هو παrαμένω (بارامينو). بمعنى: "ثبت- مكث- لبث- استمر- داوم"، وهو فعل يتردد في أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (أم 12: 7؛ دا 11: 17؛ 1 كو 16: 6؛ في 1: 25؛ عب 7: 23؛ يع 1: 25).
والكلمة اليونانية παrάμoνoς (بَرامونوس أو بارامونوس) تأتي كصفة للأشخاص أو الأشياء أو كوصف لظرف من الظروف circumstances، لتفيد معنى "مستمر- ثابت- مثابر".
أما إن أتت الكلمة اليونانية كاسم noun فتكون: ή παrαμoνή (بَراموني)، وتفيد واحدًا من المعاني التالية: "أمر بالاستمرار في الخدمة (لاسيما للعبيد)- الثبات والمداومة- السَّهر والترقب (لاسيما عشية الأعياد eve of festival) - الحفظ keeping".
وفي الكتابات العربية الطقسية المعاصرة جاءت الكلمة (برامون) تحمل تفسيرات كثيرة تدور كلها حول واحد من هذه المعاني الأساسية السابقة. حيث فسرت الكلمة على أنها تعني: المداومة والاستمرار في السهر استعدادا للعيد، زيادة الاستمرار والمداومة، انتظار العيد، استعداد فوق العادة، وأخيرًا حفظ اليوم الواحد.
من هذه التفسيرات السابقة يتضح محاولة المفسرين تطويع الكلمة لتشير إلى معنى الاستمرار في حفظ يوم الاستعداد السابق للعيد. فإن عرفنا المقصود بتعبير "الاستمرار أو المداومة"، أدركنا معنى الكلمة.
ويلزمنا بادئ ذي بدء أن نفرق تفريقا واضحا بين تعبيرين قديمين ظهرا في الكنيسة مصاحبين لنشأتها المبكرة، لطالما كان الخلط بينهما مدعاة للتشوش:
- التعبير الأول: يوم الاستعداد Parasceve
وهو نفس الاسم القديم الذي أعطاه اليهود لأيام "الجمعة"، وهو يعني حرفيا: "اليوم السابق - The day preceding"، أي اليوم السابق للسبت، ولذلك كان يُدعى يوم الجمعة أيضا "يوم ما قبل السبت"، والذي يعني فعليا "الاستعداد" للسبت، وهذا التعبير الأخير "الاستعداد" صار هو الاسم المصاحب لهذا التعبير. فصار تعبير Parasceve يعني "يوم الاستعداد". ولقد استخدم هذا التعبير أيضا ليطبق على اليوم السوابق لبعض الأعياد الكبرى اليهودية مثل عيد الفصح Passover.
وتسجل كل الأناجيل الأربعة (مت 27: 62؛ مر 15: 42؛ لو 23: 54؛ يو 19: 14، 31، 42) أن الصلب قد حدث في "يوم الاستعداد - Parasceve".
ولقد انتقل هذا المصطلح -ذو الأصل اليهودي والكتابي في آن معًا - إلى الكنيسة المسيحية ليُسمى به يوم الجمعة العظيمة.
- التعبير الثاني: السَّهر الليلي Vigil
والسهر الليلي يُدعى في اللاتينية Vigiliæ، وهو في الإنجليزية The Vigil، وفي الفرنسية Les Vigiles. وهو السهر الذي يسبق عيد القيامة ليبدأ من صلاة الغروب في اليوم السابق للعيد إلى آخر ساعات الليل عند صياح الديك الأول، أي قبل ظهور نور الفجر، حيث يُختم هذا السهر الليلي بقداس العيد، والتناول من الأسرار المقدسة.
هذا السهر الليلي هو ذو أصول مسيحية بحتة، لا تعرفها الخدمة العامة في المجمع اليهودي.
إذًا هناك فرق واضح لدينا الآن بين تعبيري الاستعداد للعيد من جهة، والسهر الليلي الذي يسبق العيد من جهة أخرى.
والآن إن كانت كرامة السبت قد انتقلت إلى الأحد بفعل قيامة يسوع من بين الأموات، وإن كان يوم الجمعة العظيمة في الكنيسة المسيحية قد احتفظ باسمه كيوم استعداد (Parasceve) للسبت العظيم المقدس، فصار يلزم أن يكون هذا السبت عينه هو "استمرار الاستعداد - παrαμoνή (برامون)" لعيد القيامة، ويوم الرب. من هنا نشأ في الكنيسة تعبير جديد هو "دوام الاستعداد للعيد"، تمييزا لتعبير أكثر قدما منه هو "الاستعداد للعيد".
فيكون معنى "البرامون " هو "استمرار ومداومة (الاستعداد)".
وبناء على ذلك، يكون التفسير الأول لمعنى "البرامون" والذي سبق ذكره وهو: "المداومة والاستمرار في السهر استعدادا للعيد"، هو أقرب التفسيرات إلى معنى الكلمة في اليونانية، ولكنه تفسير قد خلط بين تعبيري "الاستعداد للعيد" Parasceve و"السهر استعدادا للعيد" Vigil"، فكل من هذين التعبيرين- كما سبق أن أشرنا- مستقل تماما عن الآخر.
وفي حين أخذ تعبير "الاستعداد للعيد Parasceve" يقل استخدامه رويدا رويدا في ممارسة الكنيسة المسيحية، ظل تعبيرا: "استمرار الاستعداد παrαμoνή"، و"السهر الليلي استعدادا للعيد Vigil ينموان مع ويتسع استخدامهما في الكنيسة المسيحية.
وهكذا أصبح تعبير "البرامون" هو التعبير المسيحي الذي حل محل التعبير اليهودي القديم "براسكيف "، ليشير إلى "الاستعداد" الذي يسبق العيد، حيث انتقل هذا المفهوم إلى بعض الأعياد الكبرى الأخرى، لاسيما عيدي الغطاس والميلاد. فاحتفظ التقليد القبطي بعيدين يسبقهم "برامون"، وهما عيدي الميلاد والغطاس، وهو ما تعرفه أيضا الكنيسة السريانية. احتفظت الكنيسة البيزنطية بأربعة برامونات تسبق أعياد الفصح، والعنصرة، والميلاد، والظهور الإلهي (الغطاس).
ولقد عبر تعبيرا "السهر الليلي"، و"برامون العيد"، مراحل تطور متعددة تباينت فيما بينها أحيانا في كل من الشرق والغرب المسيحيين. وهو ما نقدم شرحا له في السطور القادمة بموقع الأنبا تكلاهيمانوت.
مراحل تطور "البرامون" كطقس استعداد للعيد:
اقترن عيد الغطاس في مصر بيوم استعداد (برامون) يتقدمه، ومعروف أن كنيسة مصر هي أول كنيسة في المسكونة تحتفل بعيد الغطاس، ومنها عُرِف هذا العيد في كل العالم المسيحي. ومن ثم فالبرامون معروف في مصر، وبالتالي في الشارع المسيحي، منذ البداية.
أما أقدم إشارة موثقة عن ذلك فتأتينا من القانون الأول للبابا ثيؤفيلس البطريرك الإسكندري إلـ23 (384- 412 م): "قد يقع عيد الغطاس أحيانا بحيث يتفق أن يكون يوم الرب هو يوم الاستعداد له (البرامون)، فلنتصرف بحكمة، وبما يليق باليومين، فنأكل يوم الأحد شيئا من الأثمار (الثمر) آتي لا نقع في بدعة عدم تكريم يوم الرب، ولكن لا نهمل الصوم كل الإهمال، فنمتنع عن أكل أي شيء بعد ذلك حتى صلاة المساء، أي الساعة الثالثة بعد الظهر".
من هذا القانون يتضح لنا الملامح الأولى للبرامون والتي تنحصر في: 1- برامون العيد هو لمدة يوم واحد فقط يسبق العيد، أيًا كان وقوعه ضمن أحد أيام الأسبوع.
2- صوم يوم البرامون كان إلى الساعة التاسعة من النهار (الثالثة بعد الظهر بالتوقيت الإفرنجي).
3- لم يكن يعقب صوم البرامون قدّاس، بل يُختَم بصلاة الساعة التاسعة من النهار.
وفي حين قد عرف البرامون مبكرًا في الشرق، لكنه لم ينتشر في الغرب إلا في غضون القرن الثامن الميلادي.
وحدث أن تطورًا ليتورجيًا سريعًا قد لحق بطقس البرامون في الغرب، وهو ما انتقل تأثيره مع الوقت إلى الشرق أيضًا، ومن أهم هذه التأثيرات القداس الذي لحق بنهاية صوم البرامون. ذلك لأنه لما أُلغي السهر الليلي لكثير من الأعياد في الغرب، فقد شاعت منذ القرن الثامن للميلاد عادة "استباق السهر الليلي" The custom of anticipating the Vigils، وانحصرت في البداية في فترة ما بعد ظهر اليوم السابق للعيد مباشرة، ورويدا رويدا انتقل الصوم والصلوات والقداس الذي كان يعقب السهر الليلي نفسه، انتقلت كلها إلى الصباح (صباح اليوم السابق للعيد) مع حلول القرن الرابع عشر، ومن ذلك الوقت دعي كل ذلك اليوم في الغرب بتعبير "profestom"، وهو الاصطلاح الطقسي لليوم السابق للعيد في الغرب والذي يقابل اصطلاح "البرامون" في الشرق. وهكذا ابتعد مفهوم البرامون كيوم استعداد للعيد بصوم إلى المساء ليعني قداسًا يقام في وضح النهار.
من هذا ترى كيف ينطبق هذا التطور الطقسي- الذي لحق الشرق أيضًا - على قداس سبت الفرح، فهذا السبت الكبير، وهو السبت الوحيد الذي يُصام فيه انقطاعيًا إلى الغروب، صار يُقام فيه القداس في الصباح، وليس في الغروب، فحدث تداخل بين ضرورة صوم هذا اليوم إلى الغروب، وبين التناول من الأسرار المقدسة في الصباح، والذي هو في الحقيقة نهاية كل صوم وليس بدايته.
وهكذا استقر برمونا عيد الميلاد وعيد الغطاس في الكنيسة القبطية منذ أن عُرِفا فيما لا يتعدى القرن الثالث الميلادي حتى يومنا هذا بعد تطورات طقسية لحقتهما.
ومن المستقر في الكنيسة الآن أنه إذا وقع اليوم السابق لعيد الميلاد أو الغطاس يوم سبت أو أحد، وهما يومان من الأسبوع لا يجوز الصوم الانقطاعي فيهما، فيكون يوم البرمون هو يوم الجمعة السابق لهما مباشرة. ونتيجة لذلك التطور الذي طرأ على طقس البرامون، ابتعد يوم البرامون عن كونه اليوم السابق مباشرة للعيد. لأنه حتى في هذا الوضع الأخير لا نقول أيام البرامون، لأن البرامون هو ليوم واحد فقط. وأول إشارة ترد إلينا عن هذا الترتيب الجديد لطقس البرامون نقرأها عند ابن كبر (الباب 19)، فيقول: "... وإن اتفق الميلاد يوم الأحد نُقل الباراموني من السبت الذي قبله إلى يوم الجمعة الذي يتقدمه ليُصام فيه، إذ ليس يجوز صيام يوم السبت إلا سبتًا واحدا وهو الذي يليه يوم أحد القيامة.
وللبرامون طقس ليتورجى يختص به.
* يُكتب أيضًا: برمون، برامون، بارامون، بارمون، البرمون، البرامون، البارامون، البارمون - جمع: برامونات، البرامونات.