رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التوبة في بعض مقالات القدِّيس مكاريوس المصري إحترت كثيراً في معنى التوبة و السقوط و القيام في تعليم الكنيسة, فالكثير يصف التوبة بأنها التحوُّل النهائي عن الخطيَّة و عدم السقوط مرَّة أُخرى (كبعض الآباء المذكورين في بُستان الرُهبان) و هذا ما أراه شديد الصعوبة لأي شخص يسير في طريق روحي, هذا التصوير للآباء بأنهم خرجوا للبريَّة و عاشوا بلا سقوط جعلني كثيراً ما أحتقر ذاتي !, و أشعر أن الطريق مُستحيل, ببساطة شديدة لسببين, أولهم شدَّة خطيئتي, و ثانيهم المعنى المتطرِّف للتوبة. و كدت أن أقتنع بهذا المبدأ و هذه الرؤية عن التوبة و وقف أمامي آية سفر الأمثال "(أمثال 24 : 16) الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَ يَقُومُ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَعْثُرُونَ بِالشَّرِّ", كيف يكون صدّيقاً مع سقوطه سبع مرات !, ما هذه التوبة التي تجعل إنساناً ينقلب إلى ملاك كامل فجأة و بدون أن يسير في طريق جهاد مُضنٍ ؟!. الآن أدعوها توبة خرافيَّة, فالتوبة الحقيقيَّة هي رحلة مدى الحياة كُلّها و التي يكون هدفها النهائي أن لا يُخطئ الإنسان و يشترك في الشر, لا تُكلَّل بالنجاح إلَّا حينما تجد النفس مُستقرَّها أمام المحبوب مُشتهى الأمم في أحضان القدِّيسين في ذلك العُرس السماوي المهيب, أما أن تُحصر التوبة في عدم الخطأ فهذا ولا شك عثرة لكل طفل روحي. يقوُل ق. مكاريوس المصري في عظتة الرابعة بعنوان "السَّعى للملكوت الأبدىّ" : "بمعصية الإنسان الأول دخل فينا شئ غريب عن طبيعتنا، الذى هو كارثة الفساد و الأهواء و قد اتخذ هذا الفساد مكانه كأنه جزء من طبيعتنا بطول العادة و الميل، و هذا الشىء الغريب يجب أن يُطرد ثانية بواسطة الضيف الآخر، ضيف طبيعتنا أى موهبة الروح القدس السماوية، لكيما نستعيد النقاوة الأصلية، وإن لم نحصل الآن على محبة الروح من السماء بالتضرع الكثير، و التوسل، و الإيمان، والصلاة، و التحول عن العالم، و إن لم تلتصق طبيعتنا ـ التى كانت قد تلوثت بالسر ـ إن لم تلتصق بالمحبة، التى هى الرب،و تتقدس بمحبة الروح،و إن لم نثبت إلى النهاية غير عاثرين، سالكين بجد و تدقيق فى كل وصاياه، فلا يمكننا الحصول على الملكوت السماوى [1]". التوبة هي رحلة التخلُّص من الخطَّية, ليست عملاً سحريَّاً يحدث بمجرَّد نيَّة الإنسان أن يتغيَّر, بل هي -كما قلت سابقاً- "رحلة مدى الحياة", لن تخلو من ضعف و سقوط و قيام, و أذكر مقوله لقداسة البابا ربما إقتبسها من أحد النساك قبله "ربنا مش هايقولك سقطت ليه, لكن هايقولك متوبتش (ما قومتش) ليه". على الجانب الآخر تجد أحد الآباء يقول : "لا أتذكر ان الشياطين قد أطغوني في خطية واحدة مرتين", و لست أظُن أنه توجد رحلة توبه سارت بهذا المنطق, و لا يجب أن نعتبر أن صمت سِيَر القدِّيسين عن أخطائهم معناه أنهم ساروا في درب الجهاد دفعة واحدة بلا أن يُخطئوا و يقوموا, و لكن لا شك كانت حياتهم تهدف إلى الإنتصار على الخطيَّة, و هذا لا يعني أنهم في بداية طريقهم عاشوا حياة سقوط و قيام لسنين. و يستمر ق. مكاريوس على نفس النهج, فيبني التوبة على أساس المحبَّة على على أساس الخوف من العذاب الأبدي, لأن توبة الخوف لا تُقارن بتوبة المحبَّة, فيقول : "كما أن الحديد، والرصاص و الذهب، أو الفضة، حينما تُلقى فى النار تنصهر و تتغير من صلابتها الطبيعية إلى قوام لين، و طوال إقامتها فى النار تستمر منصهرة و متغيرة عن تلك الطبيعة الصلبة، بواسطة شدة حرارة النار، كذلك النفس التى أنكرت العالم و ثبتّت شوقها نحو الرب وحده، بتفتيش كثير و آلام و صراع النفس، وتداوم على انتظار الرب انتظارًا غير منقطع بالرجاء والإيمان، والتى قد نالت تلك النار السماوية، نار اللاهوت ونار محبة الروح، فهذه نفس تنفك حينئذ بالحقيقة من كل محبة العالم وتنطلق حرة من كل فساد الأهواء وتطرح كل شئ من نفسها وتتغير من عادتها الطبيعية وصلابة الخطية، وتعتبر كل الأشياء بلا قيمة بالمقارنة مع العريس السماوى الذى قبلته، مستريحة فى حبه الشديد الذى يفوق الوصف [2]". هذه النار -أقصد نار المحبَّة- لن تعمل في لحظه فينتهي كُل شئ, بل بالحري تعمل عمل مستمر, كل يوم و إن أخطأنا تعود فتعمل لتحرق آثار الخطيَّة, مع العمل المستمر يبدأ الإنسان في إختبار لذة الإنتصار بعمل الروح, يوماً فيوماً يزداد ثباته, يقل سقوطه و تكثر تضرعاته, بل و ربما يكون سقوطه دافعاً للصلاة أكثر. لأن هدف الشيطان أن يُسقط الإنسان في هوَّة اليأس, و هزيمة اليأس لا تأتي إلا بقوَّة الروح, يستحيل أن يتغلب الإنسان على اليأس إلا بعمل الروح القُدُس, و يُحذِّر القدِّيس مكاريوس من اليأس فيقول (في العظة الحادية عشر) : "يحدث أحيانا أن الشيطان يتكلم فى القلب قائلاً: أنظر كم من الشرور فعلت ! «أنظر ما أكثر الحماقات التى تمتلئ بها نفسك، وأنت مثقل بخطايا كثيرة حتى أنه لا يمكنك أن تخلص». والشيطان يقول لك هذا لجذبك إلى اليأس وليجعلك تظن أن توبتك لا تُقبل فمنذ دخل الشر فينا بالمعصية، فقد صار يتحدث مع النفس كل ساعة كما يخاطب الإنسان صاحبه". رحلة التوبة هي أن يوجِّه الإنسان نظرة تجاه الرَّب و أن يطلب منه هو أن يُغيِّر, و إن غفل نظره عنه يكفي فقط أن يُعيد النظر إليه, كما نظر بنو إسرائيل إلى الحيَّة النُحاسيَّة فنالوا شفاءاً, نوجه أنظارنا نحو المسيح سائلين منه أن يهبنا من لهيب محبَّته, ليكون هو الدِّافع و الغاية, هو أول الطريق و نهايته, بل بالأكثر أن نتقدم بدالة بنوَّة لنتناول من جسده و دمه الأقدسين واثقين أنهما غُفرانٌ لكُل الخطايا, يكفي فقط أن ننظر إليه, مهما سقطنا و مهما كانت الخطيَّة, فإن وُجدت المحبَّة فالروح يعمل فيها و يُزيدها, و جسد الرب و دمه يُطهِّران أجسادنا و أرواحنا, و لهيب المحبَّة المُقدِّسة يُفنى كُل خطيَّة. أختتم بتفسير القدِّيس يوحنَّا كاسيان للأمثال (24 : 16) : "لن تكون هُناك نهاية لتوبة هؤلاء المعنيين بالآية «الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ», لأنه مكتوب أنَّه «يَقُومُ». لأننا نرتكب هذا كُل يومٍ, بقصدٍ أو بغير قصدٍ, بجهالة أو بالنسيان أو بالكلام أو بالفكر أو بالمُفاجأة أو بالإحتياج أو بضعف الجسد أو بفساد الأحلام. لأجل هذه يطلب داود التطهير و الغُفران «اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا؟ مِنَ الْخَطَايَا الْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي و من هذه و الأُخرى خلِّص عبدك (مزمور 19 : 12 في الترجمة السبعينيَّة)», و الرسول يقول «لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ (روميه 7 : 19)» [3]". (رسالة ق. بطرس الأولى 4 : 8) الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا. |
09 - 11 - 2013, 08:54 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: التوبة في بعض مقالات القدِّيس مكاريوس المصري
ميرسى كتير على الموضوع الجميل |
||||
09 - 11 - 2013, 10:59 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: التوبة في بعض مقالات القدِّيس مكاريوس المصري
شكرا على المشاركة الجميلة
ربنا يباركك |
||||
|