اختبار النقاوة
إن عدم السقوط في الخطية، ليس هو نقاوة القلب.
فقد تكون لعدم السقوط أسباب أخرى غير حالة القلب الداخلية، شرحنا بعضها. كأن يكون الإنسان في وقت ما غير محارب بالخطية، أو تكون النعمة قد تدخلت -حتى بدون استدعاء لها منا- وانتصرت هي فينا. ولذلك نقول من جهة اختبار النقاوة:
يعتبر الإنسان نقيًا تمامًا، لو دخل في كل حرب مع الخطية في عمق الحرب وشدتها ولم يهتز..
ليس فقط لم يسقط، وإنما لم يهتز..
كثيرون من الناس محاربون بالخطية من شهواتهم ومن أفكارهم، وليس من الشيطان. لأن حروب الشياطين صعبة جدًا. مثال ذلك قصة الشاب الذي شكا إلى القديس الأنبا بيشوى قائلًا له "إن حرب الشيطان اشتدت علىّ". بينما قال الشيطان "أنا أحس بعد أن هذا الشاب قد ترهب".. إن الشيطان قاس جدًا في حربه. ولو آمكن آن يأخذ حريته كاملة، لجاهد آن يضل حتى المختارين أيضًا (متى 24: 24)
فإن انتصر في حرب روحية، قل: لعلها حرب بسيطة..
لأن الله من حنوه، لا يسمح أن نحارب فوق طاقة احتمالنا. وربما نجوز حروبًا خفيفة وننتصر فيها، ليس بسبب قوتنا أو نقاوة قلوبنا، إنما بسبب ضعف الحرب. ولو كانت الحرب قد ثقل علينا أو اشتدت، لسقطنا.. لذلك نشكر الله على عظم مراحمه، بدلًا من أن نفتخر باطلًا بادعاء النقاوة..
إذن تختبر نقاوتك بالحرب الشديدة القاسية.
هل تصمد فيها أم تسقط؟ خير لك أن تصرخ في اتضاع وتقول: لست أنا أقوى من سليمان أحكم أهل الأرض. ولست أقوى من داود مسيح الرب ورجل المزمار والقيثار. ولست أقوى من بطرس الرسول في غيرته. وما دامت الخطية قد "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26).. ). فأفضل وضع هو أن أعرف ضعفي، وأقول إنني لم أصل إلى النقاوة بعد. وأنا أصلى كل يوم قائلًا "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير".
أدخلت في الحروب الشديدة وانتصرت؟.. إذن فاعرف هذه الحقيقة:
الحرب الشديدة تختبر الإنسان باستمرارها وإلحاحها..
فقد ينتصر الإنسان في إحدى المرات في حرب شديدة. ولكنها لو استمرت معه مدة طويلة، ربما يضعف أمامها، ولا يقوى على المقاومة. مثل شمشون الذي لما كثر الإلحاح عليه، ضعف أخيرًا واستسلم (قض 16:16، 17).
والحرب الشديدة تختبر الإنسان أيضًا بتنوعها ومفاجأتها..
فقد ينتصر الإنسان في حرب معينة. ولكنه في نوع آخر من الحروب تقل مقاومته ولا يصمد. والشيطان يختبر كل شخص، ويدرس نواحي الضعف فيه، ويضغط بشدة على نقطة الضعف. وتزداد حروبه قسوة، حينما يهجم فجأة بدون استعداد من الإنسان لمواجهته. وهنا تختبر النقاوة..
إذن ما هو التعريف السليم للشخص الذي اقتنى نقاوة القلب؟
هو الشخص الذي تنقى من كل أنواع الخطايا، فكرًا، وقلبًا، وحواسًا، ولسانًا، وجسدًا، وعملًا.. ودخل في حروب العدو، بكل تنوعها، وكل شدتها، وكل إلحاحها واستمرارها، وجاهد، وسندته النعمة، وانتصر.. واستمر منتصرًا..
هي إذن درجة عالية جدًا. ليست هي بدء الحياة الروحية، إنما قد تكون في نهاية المطاف، حتى تستحق الطوبى التي قال فيها الرب "طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (متى 5: 8).