عودة الأموات إلى الحياة
فيما مضى.. سلم المصريونالقدماء الذين شغلتهم فكرة الحياة بعد الموت بأن مومياآتهم الميتة قد تعود يوماًإلى النور .. وفكرة الحياة بعد الموت ، آنذاك ، لم تكن تتعدى أملاً قائماً علىالمعتقدات الدينية أو على الأسطورة ، لكن هذا الطموح بدأ يتخذ شكلاً أكثر ماديةبمرور السنين ، فهناك ستون شخصًا في الولايات المتحدة لجؤوا إلى تجميد أجسامهم بعدموتهم ، ليكون بالإمكان إعادتهم إلى الحياة عندما يكتشف الطب طريقة لذلك ، فهل ستحققأمانيهم وهل سيرون النور ثانية.. أم أنهم سيظلون قابعين في ظلامتوابيتهم؟!.
لعل رواية الخيال العلمي «العصور الغابرة» للكاتب «أرينيه بارجافيل»، التي صدرت سنة 1968، تحدث «بارجافيل»فيها عن باحثين توصلوا إلى إعادة بطلي الرواية « مايكان »و«إيلي» إلى الحياة بعدموتهما ، وذلك بتخليصهما من طبقة الهليوم التي تغلف جسميهما. وفي ذلك الوقت كانتتقنيات التجميد تشهد ثورة كبيرة ، مما جعل الرواية تلهب العقول ، ففكر أطباء الفضاءفي إرسال رواد فضاء متجمدين إلى المريخ للتخلص من مشكلة الطعام الشائكة ، كما خطرتعلى بال الجراحين العسكريين فكرة تجميد أجسام الجنود الذين يقعون جرحى في ساحاتالقتال لتأجيل علاجهم إلى ما بعد الحرب ، حيث تكون الظروف أفضل ، كما عبر عدد منالأشخاص المصابين بأمراض مستعصية عن رغبتهم في تجميد أجسامهم، على أن يتم إيقاظهمفيما بعد ، عندما يجد الطب علاجاً لهم .. وفي الولايات المتحدة، لجأ نحو ستين شخصاًإلى تجميد أجسامهم ، وأحد هؤلاء الأشخاص المجمدين الآن هو «جيمس بيدفور» الكاليفورنيالذي ينتظر منذ سنوات كثيرة بعثه المفترض، وهو قابع في صندوق فولاذي مملوء بالأزوتالسائل في درجة حرارة (- 196(!..
ومنذ صدور كتاب بارجافيل، قطعت فيزياء الحرارة المنخفضة أشواطاًواسعة، فقد باتت تقنياتها اليوم تتيح تجميد أنواع كثيرة من الخلايا كالكرياتالحمراء ، والكريات اللمفاوية ، وخلايا الأصل أو المنشأ ، وجزر لانجرهانز (خلاياالبنكرياس التي تفرز الأنسولين)، والحيوانات المنوية، والبويضات،والأجنة.
ميتون.. يعودون!
وقد أجريت أولى تجاربتجميد الأجنة في كامبريدج ببريطانيا ، حيث استخدمت فيها أجنة فئران في مرحلة مبكرةمن تطورها، وتمت ولادة هذه الأجنة وتجميدها في الولايات المتحدة، ثم نقلت إلىكامبريدج ، حيث أعيدت إلى درجة الحرارة الطبيعية ، وزرعت في رحم أم حاضنة ، وعندولادتها كانت صغار الفئران أكبر عمراً من أمها، إذ إنها ظلت مجمدة ثمانية أشهر،وكان يمكن للعلماء إطالة هذه المادة أكثر من ذلك.. وبعد نجاح هذه التجارب تحولتأنظار العلماء إلى تجميد أجنة بقرية، وهنا بدأت الصعوبات بالظهور، فأجسام الأجنةالبقرية أغنى من أجسام أجنة الفئران بالماء وبالمخزون الغذائي، كما أن تجميد الأجنةالبقرية يؤدي إلى انكماش في «نواة» خلاياها، وإلى تلف في الأغشية الخلوية ، وتقفوراء هذا التلف بلورات الجليد التي تتشكل أثناء التجميد، فهي، بالإضافة إلى ضررهالأغشية الخلايا، تقوم بتعطيل الآليات الداخلية فيها، مما يؤدي إلى موت الأجنة، أوإلى حدوث تشوهات خلقية فيها، هذا إن بقيت حية.. ويوضح العلماء أن هذه المشكلة حلتأخيراً.
أينالمشكلة؟!
لكن في المقابل ظهرتمشاكل أخرى لا تقل صعوبة عنها، وهي تتعلق بتجميد الأعضاء، التي يفوق حجمها حجمالأجنة، مما يجعل سرعة تجمدها في المركز تختلف عن سرعة تجمد محيطها الخارجي،وبالإضافة إلى ذلك فإن الأعضاء مكونة من خلايا لأنواع مختلفة، وهي بالتالي لا تتجمدبالسرعة نفسها، وأكثر ما يعوق تجميد الأعضاء هو بلورات الجليد التي تؤدي، بسبب حدهاالقاطع، إلى اتلاف البنية النسيجية داخل العضو المراد تجميده لدى تكونها. وللتغلبعلى هذه المشكلة، طور الباحثون أخيراً تقنية تدعى «التزجيج»، وهي تقوم على تبريدالعضو بسرعة فائقة، للحيلولة دون تشكل بلورات الجليد، لكن هذه التقنية تتطلباستخدام مركبات مضادة للتجمد، وهي مركبات ذات سمية خطرة على الخلايا!!.. وحتى اليوميعتبر أفضل ما تحقق في هذا المجال عملية تجميد كلية أرنب أجراها العالم الأميركيجريجوري فابي عام 1995، فقد نجح هذا العالم في تجميد كلية أرنب عند الدرجة (- 32)مئوية، وقد استخلصها من أرنب حي، ثم أزال التجميد عنها، وأعادها إلى مكانها بعد نصفساعة، وعادتللعمل بصورة طبيعية تماماً.
بانتظار بدر البدور!
ماذا لو توصل الباحثون في المستقبل إلى تطوير تقنية «التزجيج» باستخدام مركبات مضادة للتجمد، تناسب جميع أنواع الخلايا ولا تضر بالأعضاء؟!.. هلسيتوصل الطب عندها إلى إنشاء بنوك أعضاء مخصصة للزرع؟.. وهل سيمكن تطبيق ذلك علىالأجسام كاملة؟.. وهل نستطيع -عندها- تجميد الأجسام وهي حية ثم نوقظها من سباتهابعد عدة مئات من السنين؟!.. أسئلة كثيرة تقفز إلى الذهن في هذا الخصوص. يقول الكاتبوالمترجم العلمي أديب محمد الأشقر: «إجابات العلماء تأتي مخيبة للآمال، فهم يرونأنه بالنسبة لحيونات الدم الحار سيكون ذلك شبه مستحيل، لذلك يظل تحقق هذه الأموربعيد الاحتمال، إلا إذا توصل الطب إلى نقل الآليات الموجودة عند الحيوانات ذات الدمالبارد كالضفادع والأفاعي إلى الإنسان، فهذه الحيوانات، كما هو معلوم، تتمتعبالقدرة على البقاء حية في درجات حرارة منخفضة جداً، لكن الأطباء يعبرون عن تشاؤمهمفي هذا الخصوص أيضاً، إذ يبدو أن هذا الأمر مستحيل هوالآخر.
أما بالنسبة لإعادةالحياة إلى إنسان خضع لعملية تجميد بعد موته، فيعبر العلماء عن تخوفهم من أن ذلك قديكون مستحيلاً أيضاً، لأن الموت يؤدي إلى تلف شبه فوري في العديد من الوظائفالحيوية». ونتساءل أخيرًا هل سيقع أحفادنا على وصفة للخلودالمأمول؟!