رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مخافة الله عند توما الإكويني الكاتب Administrator في شرحه لمخافة الله، يقسم القديس توما الأكويني "الخوف" إلى أربعة أقسام: خوف العالم: وهو يعارض خوف الله، بل لا يتأخر عن إهانة الله مقابل النجاة من شرّ زمني مادي، ويضع ثقته وخيره في هذا العالم. الخوف الخَدَمي (servile): يخدم الله ويتمم مشيئته لكي يتجنب الشرور والعقوبات الزمنية والأبدية. هذا الخوف جيد بطبيعته حتى ولو لم يكن كاملاً، إذ يردع الإنسان عن ارتكاب الخطيئة، على أساس أن الله هو الخير الأعظم. (مثال: لا أريد أن ارتكب هذه الخطيئة، لأن هذا سيقودني إلى جهنم، كما أنه إهانة لله). الخوف الأوّلي (initial): يهرب من الخطيئة لأنها قبل كل شيء إهانة لله، ولكن يخلط معها الخوف من العقاب. الخوف البَنَوي: يخدم الله ويتمم مشيئته بداعي المحبة، وبغض النظر عن أي عقاب، لأنه لا يريد الانفصال عن الله أبداً.ولكن أيٌّ منها هو "هبة الروح القدس"؟ يقول توما الأكويني بأن الخوف البَنَوي هو ما يجب اعتباره "هبة مخافة الله" الآتية من الروح القدس، لأنه مؤسَّس على المحبة وعلى الاحترام الواجب لله كونه أباً، ويخاف الانفصال عنه بالخطيئة. ولكن باعتبار أن الخوف الأوّلي لا يختلف كثيراً بجوهره عن الخوف البنوي، فيمكن اعتباره أيضاً "هبة من الروح القدس" وإن كان بشكله أقلّ كمالاً من الخوف البنوي. وبتعاظم المحبة يكتمل الخوف الأوّلي شيئاً فشيئاً ليصبح بنوياً. أما في السماء فيبقى الخوف البنوي لا غير، وفقط بمضمون احترام الله، فلن يكون هناك مجال لإهانته أو الابتعاد عنه، ولا خوف من العقاب طبعاً. 1- ضرورة هذه الهبة: إن هبات الروح القدس ضرورية لتقوية الفضائل. أما هبة مخافة الله فهي تقوي فضائلَ ثلاثاً: الرجاء، الاعتدال والتواضع. أ- الرجاء: يسعى الإنسان بطبيعته إلى السعادة، أما فضيلة الرجاء فهي الفضيلة التي تجعل الإنسان يتطلّع إلى الله على أنه السعادة الحقيقية والأبدية فتوجِّه عمل الانسان وحياته نحو الله. وهنا يأتي دور هبة مخافة الله التي تجعل الإنسان يشعر بعدمِه وفراغه أمام قدرة الله وعظمته، وعدم قدرته على الإتيان بالسعادة لنفسه، فتدعم فضيلة الرجاء، إذ يضع الإنسان كامل ثقته واتّكاله على الله لكي يسير بحسب مشيئته. والله بدوره يدعم المسيرة الشخصية والمسيرة الجماعية التاريخية لخائفيه .6 ب- الاعتدال: إن هبة مخافة الله تساعد الإنسان بشكل أساسي على محبة الله والابتعاد عن كل ما قد يهينه. هكذا نرى أن هذه الهبة تصحح بشكل كبير تصرفات الإنسان وتجعله يحيد عن الرذائل والشهوات، لأنها تجعلنا نفضِّل كل ما يأتي من الله على ما يأتي من العالم، لا بل تجعلنا "نكفر بذاتنا" على قول المسيح: "من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسانُ بدلاً لنفسه؟" (متى 16: 24، 26)؛ أما مار بولس فيصيب صلب الموضوع مباشرة إذ يقول: "ولمَّا كانت لنا، أيها الأحباء، هذه المواعد، فلنطهِّر أنفسنا من أدناس الجسد والروح كلِّها، متممينَ تقديسَنا في مخافةِ الله" (2كورنثوس 7: 1). كما تدعم فضيلة العفة واللطف والوداعة. أما ما نعيشه اليوم من روح استقلالية وحرية مغلوطة، فهو يجعل مخافة الله أكثر نُدرةً. هذا من أكبر الجروح في زمننا الحالي. ج- التواضع: إن الحاجز الأكبر أمام خيرنا هو الكبرياء، وهو الذي يحملنا على الصمود في وجه الله وذلك بجعل ذاتنا هي الكل بالكل (هذا طبعاً يعني الهلاك). والتواضع هو الذي ينتشلنا من هذا الخطر. فمن يعطينا التواضع؟ طبعاً الروح القدس الذي يفيض في نفوسنا هبة مخافة الله. إن المخافة تحفظنا في انسحاق القلب، حتى ولو كانت خطايانا مغفورة، لأنها تذكّرنا بخطيئتنا أمام قداسة الله ورحمته. وبما أنها شعور بنوي يرفض إهانة الله محبةً به وإكراماً لعظمته الإلهية، تتماهى مع المحبة، فيعرف الإنسان قدره ومكانته أمام الله، وبالتالي تولِّد التواضع. 2- التطويبات وهبة مخافة الله لمخافة الله حصة في التطويبات أيضاً، والقديس توما الأكويني، يضع التطويبتَين الأولى والثالثة بعلاقة مع هبة مخافة الله : 7 أ- "طوبى للفقراء بالروح، فإن لهم ملكوت السموات" إن جوهر هبة المخافة هو الاتضاع أمام الله والإكرام البنوي لعظمته الإلهية، وهذا ما يدعو بشكل مباشر إلى رفض كل انتفاخ للذات أو امتلاء منها أو من أي خير زمني، بل يدعو إلى الامتلاء من الله، الكنز الحقيقي والغنى الأعظم، بدافع من الروح القدس. ب- "طوبى للحزانى، فإنهم يُعزَّون" إن هبة المخافة ترتبط ارتباطاً غير مباشرٍ بهذه التطويبة. فالمخافة تجعلنا نشعر بالبون الشاسع بين ضِعتِنا وعظمة الله، وهذا ما يجعلنا نفضّل الله على كل الملذات الأرضية والأشياء الفانية، كما يترافق مع الشعور بالحزن والألم على كل الخطايا السابقة، ويفرمل النزعات الشهوانية، راجين العزاء الحقيقي من الله. 3- نصائح عملية تساعد على تفعيل هذه الهبة: التأمل المستمر في عظمة الله وسموّه. الاعتياد على العلاقة البنوية الممتلئة احتراماً لله. التأمل بشرّ الخطيئة وببشاعة الابتعاد عن الله. التعامل مع الآخرين بوداعة وتواضع. طلب هبة المخافة بشكل مستمر من الروح القدس. خاتمة مخافة الله هي الهبة التي من خلالها تريد النفس تتميم إرادة الله فقط. هي الهبة التي تعطي النفس أن تسير بحسب الحق، وبحسب كلمة الله لأجل محبته. هي الهبة التي تشتهي النفس بواسطتها محاربة كل ظلام، كل ما هو جسدي وكل ما هو كاذب، لكي تحيا في الحقيقة وترضي الله. هي الهبة التي من خلالها تشتهي النفس قطيعة العالم من أجل الحياة مع الله بحسب الكلمة الحق. هي الهبة التي تشتهي النفس من خلالها الخضوع والطاعة لأحكام ووصايا كلمة الله وكنيسته. هي إذاً الهبة التي من خلالها لا تجد النفس إلاّ رغبة واحدة، أي إرضاء الله. |
|