رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راعوث الفتاة التي أحبت الله راعوث امرأة من أصل موآبي، أي أنها من بلاد موآب التي لم تكن تبعد كثيراً عن أرض يهوذا، اسم راعوث، يعني "شيء يستحق الرؤية" وهذا يعبر عن الجمال التي كانت عليه راعوث، وهناك معنى آخر وهو الأكثر انتشاراً أن اسم راعوث يعني "الصديقة" أو "صداقة" وهو معنى ملائم في ضوء الأحداث التي تسردها لنا قصتها في الكتاب المقدس، وكلا المعنيين يتفق وشخصية راعوث، فهي بلا شك امرأة جميلة، وهي أيضاً الصديقة المخلصة التي رافقت حماتها من أصعب الظروف، وراعوث واحدة من الشخصيات الهامة في الكتاب المقدس إذ يوجد سفرٌ خاص يحمل اسمها هو "سفر راعوث"، كما أنها جاءت في سلسلة نسب السيد المسيح، فعن طريق زواجها من بوعز ولدت عوبيد جد الملك داود الذي من نسله وُلِدَ الرب يسوع. خلفية تاريخية:- تأتي معرفتنا بشخصّية راعوث من خلال أحداث "سفر راعوث"، والذي يبدأ بالحديث قائلاً: "حَدَثَ فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ صَارَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِيَتَغَرَّبَ فِي بِلاَدِ مُوآبَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ. وَاسْمُ الرَّجُلِ أَلِيمَالِكُ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ نُعْمِي، وَاسْمَا ابْنَيْهِ مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ - أَفْرَاتِيُّونَ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا. فَأَتُوا إِلَى بِلاَدِ مُوآبَ وَكَانُوا هُنَاكَ. وَمَاتَ أَلِيمَالِكُ رَجُلُ نُعْمِي، وَبَقِيَتْ هِيَ وَابْنَاهَا. 4فَأَخَذَا لَهُمَا امْرَأَتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ، اسْمُ إِحْدَاهُمَا عُرْفَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى رَاعُوثُ. وَأَقَامَا هُنَاكَ نَحْوَ عَشَرِ سِنِينٍ. ثُمَّ مَاتَا كِلاَهُمَا مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ، فَتُرِكَتِ الْمَرْأَةُ مِنِ ابْنَيْهَا وَمِنْ رَجُلِهَا. فَقَامَتْ هِيَ وَكَنَّتَاهَا وَرَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ، لأَنَّهَا سَمِعَتْ فِي بِلاَدِ مُوآبَ أَنَّ الرَّبَّ قَدِ افْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزاً" (راعوث 1: 1-6). نعرف من بداية القصة أنها حدثت في عصر القضاة، في ذلك الوقت الذي حدث فيه جفاف للأرض، وبالتالي حدثت مجاعة وسط الشعب، على أثر هذه المجاعة قام رجل من أفراتة بيت لحم في يهوذا ويدعى أليمالك -ومعنى اسمه "إلهي ملك"- بالهجرة إلى بلاد موآب القريبة والتي لم تصبها المجاعة، فجمع شمل أسرته المكونة من "نعمى" زوجته، وأولاده "محلون" و"كليون"، وقد كان لهذه الأسرة نصيب من الأرض والغنى والشهرة في بيت لحم، فقد كانت "نعمى" معروفة في أوساط نساء بيت لحم وهذا واضح من اهتمام أهل البلدة ونساءها بها "وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا بَيْتَ لَحْمٍ أَنَّ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا تَحَرَّكَتْ بِسَبَبِهِمَا، وَقَالُوا: «أَهَذِهِ نُعْمِي؟" (راعوث 1 : 19). لكن لسبب المجاعة هاجرت هذه الأسرة كلها إلى بلاد موآب. وهناك في بلاد موآب مات "أليمالك" متغرباً، وتزوج ولداه بامرأتين موآبيتين، اسم الواحدة "عرفة"، ويعني اسمها "عُرف" أو "رقبة" أما الثانية فهي راعوث، على أن هذا الزواج لم يدم طويلاً، فقد مات الأبناء (محلون وكليون) ولحقا بأبيهما، وأصبحت الأسرة مكونة من ثلاث أرامل أكبرهن "نعمى" التي كتب عنها الكتاب "فَتُرِكَتِ الْمَرْأَةُ مِنِ ابْنَيْهَا وَمِنْ رَجُلِهَا" (راعوث 1: 5)؛ ويعتبر التلمود اليهودي هذه الحادثة أنها نوعٌ من عقاب الله لهذه الأسرة التي رحلت وتركت أرضها؛ أرض يهوذا، وقد خطر لنعمى حين قالت للنساء اللواتي خرجن للقائها: "فَقَالَتْ لَهُمْ: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدّاً. إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي «نُعْمِيَ» وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟»" (راعوث 1: 20-21). أما وإن مات الرجال لم يبق أمام نعمى إلا الرحيل والعودة مرة أخرى إلى بلادها، خاصة وأنها سمعت أن الله افتقد شعبه ليعطيهم خبزاً، فعقدت نعمى النية وقامت لتعود راجعة من حيث أتت، لكن ثمة مشكلة كانت أمامها، فقد كان عليها ألا تعود بكنتيّها، حيث لا يوجد سبب واحد لعودة أي منهما معها، ولأن نعمى كانت تدرك هذا جيداً فقد شرحت الأسباب التي تكفي لأن تعود كنتاها لبلادهما وأسرتيهما، فليس ممكناً لنعمى أن تتزوج لكي تنجب أولاداً فتتزوج أي من الأرملتين ابناً يحل مكان أخيه المتوفى حسب عادة هذا الزمان، وحسب الشريعة اليهودية التي كانت تعطي للأرملة أن تتزوج من أخي زوجها أو الولي الأقرب للأسرة وحينما تنجب ابناً يُمنح اسم هذا الابن للرجل المتوفي، ولعدم إمكانية حدوث ذلك بالنسبة لنعمى، فهي أصبحت وحيدة لا تملك شيئاً يساعد كنتيها إلا النصيحة بالعودة، وأمام هذا الأمر، رجعت عُرفة إلى بلادها. أما راعوث فكانت قد أخذت من نعمى حماتها، أماً لها، وأبت أن ترجع قائلة "لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هَكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهَكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ»" (راعوث 1: 16-17). ويمكننا أن ندرس حياة راعوث من خلال: راعوث وصفاتها اتصفت راعوث بعدد من الصفات التي جعلها فتاة ثم امرأة متميزة، ومن هذه الصفات نرى: شجاعتها، فقد كانت راعوث فتاة تتمتع بقدر وافر من الجمال، وهذا نعرفه من معنى اسمها، لكنها حين تزوجت قَبِلت الارتباط برجلٍ لم يكن بالصحة الناضرة، وهذا ما نعرفه من خلال معنى اسمه "محلون" وهو اسم مشتق من فعل "يضعف" أو يمرض" مما يعني أنه كان عليلاً، كما أن ديانتها وعبادتها وثنية، لكنها كانت شجاعة في تخليها عن معتقداتها الخاصة والارتباط بالإله الواحد الحي، "يهوه"، الإله الذي يتبعه محلون رجلها، كما أن قرارها بالزواج من رجل غريب، ليس من وطنها، ولا من شعبها يؤكد على أنها ليست شجاعة فحسب، بل ذات شخصية قوية وقادرة على أن تتحمل تبعية قراراتها. كانت شجاعة في أن تترك بيتها وبيت أبيها، لترحل مع حماتها، لم تكن تعرف راعوث شيئاً عن بلاد يهوذا، لا عاداتها، ولا تقاليدها، لم تكن حتى تعرف أين ستعيش ولا كيف تقتات ومعها حماتها التي بلغت سن لا تستطيع أن تتكفل بها، ولا بنفسها، ولا أمل لها يبدو في الأفق، لكنها رغماً عن كل هذا اتخذت قرارها بمرافقة نعمى حماتها بكل ظروفها وما يخبئه لهما الزمن. نعم، لقد خرجت راعوث من وسط أهلها وعشيرتها إلى أرض لا تعرف وجهتها، هل تمثلت بإبراهيم في خروجه من وسط عشيرته طاعة لأمر الله له "وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ" (التكوين 12 : 1)؛ أم أن جذور الإيمان بقدرة الله ورعايته متأصلة في قلبها؟. كانت شجاعة في أن تشارك نعمى تحمل نفقات المعيشة، بل كانت صاحبة المبادرة الأولى "فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ». فَقَالَتْ لَهَا: «اذْهَبِي يَا ابْنَتِي». " (راعوث 2: 2). لم تنتظر راعوث إحساناً من أحد، لكنها بادرت بأن تخرج للعمل في أرض غريبة عنها، قد لا تكون على دراية بأهلها، ولا بلغتهم لكنها اتخذت موقفاً مليئاً بالمسؤولية وخرجت لتُحضر ما يقوتها وحماتها. كانت شجاعة في موافقتها على الارتباط ببوعز وهو رجل يكبرها في العمر، وكان لها ما يؤهلها بأن تختار من الشباب، فقراء كانوا أم أغنياء، وهذا ما جاء في حديث بوعز لها، إذ قال "إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَا ابْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَسْعِي وَرَاءَ الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ" (راعوث 3: 10). إخلاصها، كان الإخلاص صفة واضحة في راعوث، تلك التي وقفت أمام المفاضلة بين تبعية حماتها، وهي أرملة لا تملك من متاع الحياة شيئاً، وبين الرجوع إلى بيتها وشعبها، كان القرار محسوماً ولم تكن هناك فرصة للمناقشة، ففاهت بكلماتها الشهيرة: "لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْكِ"، وفي هذا دلالة خاصة على عمق الإخلاص في حياة راعوث، فبعد عشرة استمرت من العمر قرابة عشر سنوات رأت خلالها راعوث حب رجلها، حب حماتها، والارتباط الوثيق بين هذه الأسرة وإلهها، عاشت وسط أسرة تختلف عما رأته أو نشأت عليه، لم يكن أمامها إطلاقاً بديل التراجع وترك حماتها، كانت قصة حب خالص، وإخلاص نبعه المحبة بين الكنّة وحماتها، ولقد قال أحد الكتّاب عن هذا "إن حب راعوث لأم زوجها المسنة، حب نقي كالذهب الخالص والقوي كالموت، إن مياهاً كثيرة لا تستطيع أن تطفئ محبة راعوث، واعترافها بحبها عندما تضطر للاعتراف به، أجمل اعتراف بالحب في العالم"، على أن كاتباً آخر كتب عن راعوث فقال "إن تقوى وإخلاص راعوث قد ظهر في بداية القصة، عندما رفضت أن تترك حماتها، على الرغم من أن نعمى بنفسها قد ناشدتها ثلاث مرات أن تفعل ذلك، على أساس سنها المتقدم، والاحتمالات الأفضل لراعوث في بلدها". (كل نساء الكتاب المقدس). الطاعة والأمانة من الصفات التي اشتهرت بهما راعوث، وقد تجلت طاعة راعوث فيما طلبته منها نعمى حين قالت لها أن تذهب لبوعز وتعرض عليه الزواج، وبطريقة غريبة حتى على أذهاننا، وعلى التقاليد التي تربت عليها راعوث، لكن في طاعة تامة، وأمانة كاملة في التنفيذ، عملت راعوث كل ما قالت لها نعمى، لم تناقش، لكنها كانت تدرك مكانتها لدى نعمى، كما كانت تدرك مقدار الحب الذي تكنه له حماتها، فكانت الطاعة تعبيراً لصدى ذاك الحب، ترى ما هو موقفك إذ طلب الله منك عمل أشياء قد تبدو غريبة وغير مألوفة عليك، هل تسرع لتحقيق ما يطلبه منك الله، أم تقف لتتساءل، وتُضيع على نفسك فرصة العمل في إطار مشيئة الله وخطته لأجلك؟. المرأة الفاضلة، نشيد وأمنية كل امرأة، فجميع النساء يتمنين أن يُطلق عليهن هذا اللقب "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ"، وفي حديثها لابنها ملك مسا قالت له أمه: "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ" (أمثال 31 : 10). والفضيلة صفة مركبة، فلكي تلقب امرأة بأنها فاضلة، لابد وأنها تتميز بصفات عدة. (راجع أمثال 31). أما راعوث فقد تميزت بالكثير من الصفات فاستحقت أن تسمع هذه الكلمات التي كتبها الوحي عنها "لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ" (راعوث 3 : 11). من أين تأتي الفضيلة، لابد وأنها تأتي من الارتباط بالله، كانت راعوث من أرض موآب، التي تميّزت بالعبادات الوثنية، والانحلال الأخلاقي، وكانت هذه الأفعال مكروهة من جميع شعب الله، ويُعتقد أن راعوث عانت كثيراً كونها موآبية، غريبة عن الشعب الذي جاءت لتعيش وسطه، لكن إيمانها الذي تحلَّت به، وتبعيتها الحقيقية لله، أثرت في أسلوب حياتها، وغيّرت من سلوكياتها، فشهد لها جميع الشعب بأنها امرأة فاضلة. إن ما يصنعه الله فينا وفي حياتنا، أكثر مما نظنه نحن، أو مما يصدّقه الآخرون، لكنهم يقفون شاهدين عما صنعه الله معنا، ونكون نحن نوراً لهم يرشدهم لأن يؤمنوا بذاك الذي له سلطان أن يمنح المؤمنين به سلطاناً أن يصيروا أولاد الله. راعوث وإيمانها كانت راعوث موآبية، تعبد الآلهة الوثنية، بعل وعشتاروث وغيرهما من الآلهة، لكنها بعد أن تزوجت من محلون واقتربت من عائلة تعبد الله الواحد، تعرفت على إله يختلف عن آلهتها، وعبادة تختلف عما عرفته وعاشته من قبل. عرفت الله الذي يدير الكون. الله الخالق الذي يهتم ويرعى شعبه. الله الذي يعد للإنسان خطة رائعة مهما بدت الظروف الخارجية معاكسة. رأت راعوث حياة مختلفة في أولئك الذين يعبدون الله الحق، رأت فيهم شعباً يختلف عما تعودت عليه من شعبها، كانت هذه الرؤية عاملاً هاماً في أن تنطق بأجمل الكلمات وهي تعلن لنعمى أن مستقبلهما ارتبط معاً فتقول "شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ" (راعوث 1: 16-17). ولا عجب، فمن يرتبط بالله يرتبط أيضاً بشعبه، ويصبح عضواً في عائلة قوامها ملكوت الله المكون من أبناء الله، وعائلها هو الله نفسه، ارتبطت راعوث بالله، فأصبح هو مستقبلها، وحيث يُعبد هذا الإله يكون مكانها. تُرى متى قررت راعوث أن يكون الله الحي وحده هو الإله الحقيقي الذي تعبده؟ لا نعرف ذلك على وجه اليقين، لكن ما نعرفه هو أن راعوث صارت واحدة من شعب الله، تتمتع بالحياة الحرة الطاهرة النقية، البعيدة عن كل المدنسات، إن هذه الدعوة –التي تجاوبت معها راعوث- هي ذاتها التي يوجهها الله كل يوم للبشر، لأنـه "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (تيموثاوس الأولى 2 :4). كانت حياة الأسرة التي عاشت بينها راعوث لها تأثير واضح على قرار راعوث بالارتباط بالله، فقد كان تأثر راعوث بحياة نعمى حماتها واضحاً لدرجة قررت معها أن ترتبط بها، وترضى بها أماً بدلاً من أمها الحقيقة، كانت نعمى في سلوكها، وفي حياتها تؤكد عمق الارتباط بينها وبين الله، يهوه الذي تعبده، وما تمليه عليها هذه العلاقة من أسلوب حياة، فتحولت العلاقة بين الحماة وكنتها إلى علاقة متميزة بين أم وابنتها، لم ترد نعمى لراعوث أو عُرفة أن تتألما معها، بل آثرت على نفسها مشقة الوحدة وصلّت إلى الله أن يعطيهما الراحة، كل واحدة منها في بيت رجلها الذي ستتزوجه، هذا الموقف وغيره من مواقف حياتيّة أخرى مرت في علاقة نعمى بكنتيها، استطاعت فيه أن تعلن الفرق بين الله الحقيقي، والأسلوب الذي يجب أن يكون عليه أولاده، وبين الآلهة الوثنية، وما عليه حياة أتباعها، فمنحت نعمى راعوث دليلاً روحياً وقائداً يمكن أن تحذو حذوه، وتسير خلفه، وحين جاءت الفرصة، اختارت راعوث ألا ترجع إلى أهلها، بل أن ترتبط بنعمى وشعبها وإلهها. كانت راعوث تؤكد لنعمى إيمانها وأنها اخْتَارَتْ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا؛ (لوقا 10 :42). كان تأثير الأسرة التي تعرف الله، وتعبده بالحق، تأثيراً ظاهراً في جذب راعوث للإيمان بالله، فمن خلال المعايشة اليوميّة رأت راعوث ما لم تره ممن يدعون أنهم يعبدون الله في بلادها، فكثيرون هم أولئك الذين يدعون أنهم أولاد الله، لكن حياتهم وسلوكياتهم أبعد ما تكون عن هذا الإيمان، ولهذا كانت كلمات المسيح "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ .. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. .. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 5: 13 - 16). يستطيع كل ابن لله أن يمجد الله من خلال أعماله الحسنة، التي تتفق وطبيعة الله الذي نعبده، بل ويمكن أن تكون نتيجة أعمالنا وتصرفاتنا المسيحية عاملاً في جذب الخطاة للإيمان بالله ومسيحه. لقد اتخذت راعوث قرار التبعية لله، والاتحاد مع شعبه، وعبادته بالحق، وكما كانت أمينة مع حماتها نعمى، كانت أمينة بالأكثر في طاعتها لله، لذلك باركها الله بفيض وافر من البركات ومنحها أن تتمتع بما كتبه الرسول بولس حين قال "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، " (أفسس 1: 3-6). راعوث ومكافأتها لقد تفاضلت نعمة الله مع راعوث كثيراً، فأنعم عليها بالكثير والكثير من بركاته، وعوَّضها عما تركته، وعن السنين التي عانت فيها من الألم والترمل والفقر والجوع، حقاً إنها أكرمت الله في حياتها، فاختبرت قول الرب "حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ." (1صموئيل 2 : 30). الصحبة الجيدة: أدارت راعوث ظهرها لآلهتها، وذهبت وراء الإله الحي، فتمتعت بصحبة رائعة، كانت -ولا زالت- علاقتها بنعمى حماتها المقياس الذي تقاس به العلاقة بين الكنَّة وحماتها، كانت صحبة راعوث لنعمى مكافأة منحها الله لراعوث، فقد تمتعت بالعلاقة الطيبة مع جيرانها وأهل بلدتها فَعُرِفت بينهم بالمرأة الفاضلة، وحين تزوجت ارتبطت برجل من شرفاء الشعب، لما رآه من طيب حياتها، وحُسِن صُحبتها، وحين أنجبت دعت اسم ابنها "عوبيد" أي "العابد"، وكان هذا الابن بركة لها، ولما كبر صار أباً ليسى، الذي بدوره صار أباً للملك العظيم داود. الزوج الصالح:- لم تكن مصادفة أن تأتي راعوث لحقل بوعز، لأن الله يرى، ويُدبر لأولاده دائماً الأفضل، فليست هناك صدفة أو حظ لأولئك الذين يسيرون وفقاً لخطة الله لحياتهم، وحين عرض بوعز الزواج من راعوث، كان هو نعم الزوج الذي يعرف كيف يحيا وفقاً لإرادة الله، وأن تكون اختياراته أساسها علاقته بالله وضميره الصالح، فكان هذا الزواج -الذي لم تحلم به يوماً راعوث، ولم يكن وارداً في تفكير بوعز نفسه- مخططاً من عند الله، فأصبح بوعز الرجل الصالح مُكرماً من الله، ومدرجاً في سلسلة نسب السيد المسيح (متى 1: 5). التاريخ المضئ:- لقد آمنت راعوث، أممية الأصل بالله فحسب لها ذلك بِراً، وقد شَرَّفها الله بأن جاء المسيح من نسلها (متى 1: 5)؛ وأعطيت مكانة خاصة وسط الشعب اليهودي الذي لم يعط المرأة كرامتها وحقها، لكنه أمام فضيلة راعوث، وتاريخها المضيء جُعِلَ لها سفر خاص، يقرأه اليهود في عيد الحصاد من كل عام، ويحمل هذا السفر اسم "راعوث". دروس من حياة راعوث: 1. إن الله في محبته لا يفّرق بين شعبٍ وآخر، ويؤكد على ذلك حين قال: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يوحنا 3: 16)، ورغم اختلاف الأجناس والشعوب فهو لا يحابي أحداً، ولا يأخذ بالوجوه "بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ" (أعمال الرسل 10: 35). 2 إن الله الذي عمل في قلب راعوث الأممية، الموآبية، مازال يعمل في قلوب الذين نظن أنهم بعيدون جداً عنه، فقد قال السيد المسيح "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ" (يوحنا 10 : 16). 3 "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَداً" (يعقوب 1 : 13). قد تأتي التجارب، وقد يفارقنا الكثير من الأحباء، لكن الله يبقى أميناً، وفي تجاوبنا مع إرادة الله نعلن صدى محبته لنا، ونكتشف خطته الأفضل، "عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْراً" (يعقوب 1 : 3)؛ وأيضاً "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية 8 : 28). 4 إن حياة المؤمن وسلوكياته لها تأثيرها، وهي أداة يستطيع الله أن يستخدمها لجذب الخطاة إليه، فاحرص أن تكون حياتك شاهدة، وأن تكون أنت نوراً يُمجِد الآخرون الله من خلاله. (متى 5: 13 - 16). 5 إن الهجرة ليست هي الحل الأمثل في مختلف الظروف، وإنما التأكد من السير في مشيئة وخطة الله هو الأفضل لكل ابنٍ لله. 6 إن رعاية الله لا تعتمد على الظروف الخارجية، أو الخيرات التي تمنحها لنا الأرض، أو ما ندخره نحن للزمن، وكما قال المرنم "اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (مزمور 23: 1-4)، وقد قال السيد المسيح "فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (متى 6 : 32 - 33). |
19 - 09 - 2013, 07:58 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: راعوث
أشكرك جدا للموضوع الرائع والقيم ربنا يفرح قلبك ويحفظك
|
||||
19 - 09 - 2013, 08:34 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: راعوث
شكرا على المرور
|
||||
|