رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راعوث وصفاتها اتصفت راعوث بعدد من الصفات التي جعلها فتاة ثم امرأة متميزة، ومن هذه الصفات نرى: شجاعتها، فقد كانت راعوث فتاة تتمتع بقدر وافر من الجمال، وهذا نعرفه من معنى اسمها، لكنها حين تزوجت قَبِلت الارتباط برجلٍ لم يكن بالصحة الناضرة، وهذا ما نعرفه من خلال معنى اسمه "محلون" وهو اسم مشتق من فعل "يضعف" أو يمرض" مما يعني أنه كان عليلاً، كما أن ديانتها وعبادتها وثنية، لكنها كانت شجاعة في تخليها عن معتقداتها الخاصة والارتباط بالإله الواحد الحي، "يهوه"، الإله الذي يتبعه محلون رجلها، كما أن قرارها بالزواج من رجل غريب، ليس من وطنها، ولا من شعبها يؤكد على أنها ليست شجاعة فحسب، بل ذات شخصية قوية وقادرة على أن تتحمل تبعية قراراتها. كانت شجاعة في أن تترك بيتها وبيت أبيها، لترحل مع حماتها، لم تكن تعرف راعوث شيئاً عن بلاد يهوذا، لا عاداتها، ولا تقاليدها، لم تكن حتى تعرف أين ستعيش ولا كيف تقتات ومعها حماتها التي بلغت سن لا تستطيع أن تتكفل بها، ولا بنفسها، ولا أمل لها يبدو في الأفق، لكنها رغماً عن كل هذا اتخذت قرارها بمرافقة نعمى حماتها بكل ظروفها وما يخبئه لهما الزمن. نعم، لقد خرجت راعوث من وسط أهلها وعشيرتها إلى أرض لا تعرف وجهتها، هل تمثلت بإبراهيم في خروجه من وسط عشيرته طاعة لأمر الله له "وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ" (التكوين 12 : 1)؛ أم أن جذور الإيمان بقدرة الله ورعايته متأصلة في قلبها؟. كانت شجاعة في أن تشارك نعمى تحمل نفقات المعيشة، بل كانت صاحبة المبادرة الأولى "فَقَالَتْ رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: «دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى الْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ». فَقَالَتْ لَهَا: «اذْهَبِي يَا ابْنَتِي». " (راعوث 2: 2). لم تنتظر راعوث إحساناً من أحد، لكنها بادرت بأن تخرج للعمل في أرض غريبة عنها، قد لا تكون على دراية بأهلها، ولا بلغتهم لكنها اتخذت موقفاً مليئاً بالمسؤولية وخرجت لتُحضر ما يقوتها وحماتها. كانت شجاعة في موافقتها على الارتباط ببوعز وهو رجل يكبرها في العمر، وكان لها ما يؤهلها بأن تختار من الشباب، فقراء كانوا أم أغنياء، وهذا ما جاء في حديث بوعز لها، إذ قال "إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَا ابْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَسْعِي وَرَاءَ الشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ" (راعوث 3: 10). إخلاصها، كان الإخلاص صفة واضحة في راعوث، تلك التي وقفت أمام المفاضلة بين تبعية حماتها، وهي أرملة لا تملك من متاع الحياة شيئاً، وبين الرجوع إلى بيتها وشعبها، كان القرار محسوماً ولم تكن هناك فرصة للمناقشة، ففاهت بكلماتها الشهيرة: "لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْكِ"، وفي هذا دلالة خاصة على عمق الإخلاص في حياة راعوث، فبعد عشرة استمرت من العمر قرابة عشر سنوات رأت خلالها راعوث حب رجلها، حب حماتها، والارتباط الوثيق بين هذه الأسرة وإلهها، عاشت وسط أسرة تختلف عما رأته أو نشأت عليه، لم يكن أمامها إطلاقاً بديل التراجع وترك حماتها، كانت قصة حب خالص، وإخلاص نبعه المحبة بين الكنّة وحماتها، ولقد قال أحد الكتّاب عن هذا "إن حب راعوث لأم زوجها المسنة، حب نقي كالذهب الخالص والقوي كالموت، إن مياهاً كثيرة لا تستطيع أن تطفئ محبة راعوث، واعترافها بحبها عندما تضطر للاعتراف به، أجمل اعتراف بالحب في العالم"، على أن كاتباً آخر كتب عن راعوث فقال "إن تقوى وإخلاص راعوث قد ظهر في بداية القصة، عندما رفضت أن تترك حماتها، على الرغم من أن نعمى بنفسها قد ناشدتها ثلاث مرات أن تفعل ذلك، على أساس سنها المتقدم، والاحتمالات الأفضل لراعوث في بلدها". (كل نساء الكتاب المقدس). الطاعة والأمانة من الصفات التي اشتهرت بهما راعوث، وقد تجلت طاعة راعوث فيما طلبته منها نعمى حين قالت لها أن تذهب لبوعز وتعرض عليه الزواج، وبطريقة غريبة حتى على أذهاننا، وعلى التقاليد التي تربت عليها راعوث، لكن في طاعة تامة، وأمانة كاملة في التنفيذ، عملت راعوث كل ما قالت لها نعمى، لم تناقش، لكنها كانت تدرك مكانتها لدى نعمى، كما كانت تدرك مقدار الحب الذي تكنه له حماتها، فكانت الطاعة تعبيراً لصدى ذاك الحب، ترى ما هو موقفك إذ طلب الله منك عمل أشياء قد تبدو غريبة وغير مألوفة عليك، هل تسرع لتحقيق ما يطلبه منك الله، أم تقف لتتساءل، وتُضيع على نفسك فرصة العمل في إطار مشيئة الله وخطته لأجلك؟. المرأة الفاضلة، نشيد وأمنية كل امرأة، فجميع النساء يتمنين أن يُطلق عليهن هذا اللقب "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ"، وفي حديثها لابنها ملك مسا قالت له أمه: "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ" (أمثال 31 : 10). والفضيلة صفة مركبة، فلكي تلقب امرأة بأنها فاضلة، لابد وأنها تتميز بصفات عدة. (راجع أمثال 31). أما راعوث فقد تميزت بالكثير من الصفات فاستحقت أن تسمع هذه الكلمات التي كتبها الوحي عنها "لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ" (راعوث 3 : 11). من أين تأتي الفضيلة، لابد وأنها تأتي من الارتباط بالله، كانت راعوث من أرض موآب، التي تميّزت بالعبادات الوثنية، والانحلال الأخلاقي، وكانت هذه الأفعال مكروهة من جميع شعب الله، ويُعتقد أن راعوث عانت كثيراً كونها موآبية، غريبة عن الشعب الذي جاءت لتعيش وسطه، لكن إيمانها الذي تحلَّت به، وتبعيتها الحقيقية لله، أثرت في أسلوب حياتها، وغيّرت من سلوكياتها، فشهد لها جميع الشعب بأنها امرأة فاضلة. إن ما يصنعه الله فينا وفي حياتنا، أكثر مما نظنه نحن، أو مما يصدّقه الآخرون، لكنهم يقفون شاهدين عما صنعه الله معنا، ونكون نحن نوراً لهم يرشدهم لأن يؤمنوا بذاك الذي له سلطان أن يمنح المؤمنين به سلطاناً أن يصيروا أولاد الله. |
|