تأمل المسيحية والقيود..
القمص داود لمعي كاهن كنيسة مارمرقس كليوباترا بمصر الجديدة
يظن البعض أن المسيحية هى ديانة القرن الأول.. تصلح فقط لمجتمع فلسطين.. من الفلاحين والصيادين والنجارين البسطاء.. لكنها لا تصلح لمجتمع الثقافات المختلفة فى آسيا وأوربا وأفريقيا.. وبالأولى لا تصلح لمجتمع يتعامل بالسيارة والطيارة والكمبيوتر وخلافه..
فى الحقيقة.. هذا الإدعاء قد يسرى على ديانات أخرى أو فلسفات مرتبطة ببلاد ومجتمعات خاصة، لكنه بشئ من البحث والتأمل لا ينطبق على المسيحية فى شئ.
المسيحية.. إن كانت قد ولدت فى قرى فلسطين.. إلا أنها انتشرت فى خلال مئتى سنه إلى كل بلاد العالم القديم.. أوربا وآسيا وأفريقيا. المسيحية.. لم تفرض ثقافة المجتمع الفلسطينى أو اليهودى على العالم آنذاك بل بالعكس.. تحررت من كل ثقل الحرف اليهودى والفرائض الناموسية لتقدم المسيح إلهاً ومخلصاً للكل..
·معجزة يوم الخمسين (العنصرة).. من الألأسنة تؤكد احترام المسيحية للغات العالم كله وثقافاتهم فى ذلك الوقت وتؤكد التوجه الحر لكل شعوب العالم.. بدون تمييز.
·المبادئ والأخلاق المسيحية.. تناسب كل العصور لأنها تبنى على عودة الإنسان إلى صورته الأصلية (كشبه الله).. من المحبة والوداعة والحكمة والبساطة والنقاوة.
·الإنجيل.. ترجم إلى آلآف اللغات، والشعوب المسيحية تصلى بلغاتها الخاصة، وتحتفل بتقاليدها الخاصة، ولكنها تجتمع على الإيمان بالإنجيل والثالوث والفداء والحياة الأبدية.
لا نحتاج أن نعود للوراء آلآف السنين لنعيش ما عاشه الرسل الأوائل، ولكننا نختبر كل يوم جمال وسمو السلوك المسيحى، وفى كل عصر يوجد قديسون وأبرار حتى يومنا هذا، ويظل الإنسان هو الإنسان والصراع بين الخير والشر كما كان وهكذا يكون من جيل إلى جيل.
ونذكر أن المسيح قال "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب فى ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت (اليهود) فيطرحون إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"
(مت8: 11- 12).
وأيضاً قيل عن النهاية "تم رأيت ملاكاً آخر طائراً فى وسط السماء معه بشارة أبدية، ليبشر الساكنين على الأرض وكل أمة وقبيلة ولسان وشعب" (رؤ14: 6).
كما نذكر ما وصل إليه الآباء الرسل الأوائل بقيادة الروح القدس فى أول مجمع لهم وفى أول صراع من نوعه نحو الحرية والإنطلاق للأمم.."أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم" (أع 15: 19).
إن الوصايا التى يعتبرها البعض قيود تقيد السفلوك الإنسانى هى فى الحقيقة قيود يختارها الإ،سان لنفسه نتيجة حبه لله وحبه للبشرية، وتكون هذه القيود هى أغلى ما فى حياته وأرقى ما فى إنسانيته.