«ٱلْبَسُوا سِلاَحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ»
(أفسس ٦: ١١)
لما نشبت الحرب في لبنان تذكر المواطنون المجاعة التي اجتاحت بلدهم خلال الحرب العالمية الأولى، وذهب ضحيتها عشرات الألوف من اللبنانيين الذي قضوا جوعا. واليوم ما ان تذكروا تلك الكارثة حتى تراكضوا الى المخازن والمتاجر وتسابقوا في شراء السلع الاستهلاكية:
معلبات، وأرز وسكر، وملابس وأدوية وأدوات منزلية وكماليات. وفيما هم يتزاحمون في الأسواق وسوس الشيطان في صدور التجار، وسول لهم الطمع وأثار فيهم محبة المال الذي هو أصل لكل الشرور. وتوخيا لجني الأرباح الطائلة عمد كبار التجار الى الاحتكار ثم رفعوا أسعار الحاجيات بصورة جنونية، مستغلين الخوف الذي استولى على المستهلكين وجعلهم يتهافتون على المتاجر.
ان هدف الشيطان الذي خوف هؤلاء وزين الجشع لأولئك هو ان تتلاشى المحبة من قلوب الناس. وان ينهار اتكال المؤمنين على الله تحت ضغط الظروف القاسية. وبذلك يسقطون روحيا، ويصبحون فرائس سهلة الاقتناص بيد الشرير. انه يريد ان ينزع من قلوبنا الايمان بصدق الله في وعده القائل: لا أهملك ولا أتركك. انه يريد أن يحارب ايماننا بحاجات الجسد، فيلاشي من يقيننا وصية المسيح:
«لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متّى ٦: ٢٥ و٣٣).
كان داود بن يسى مطاردا من جيوش الملك شاول بن قيس وليس لديه ما يقيت به نفسه وأصحابه. ولكن الله لم يهمله، اذ وضع في قلب ابيجايل امرأة نابال الكرملي ان تأتيه بالطعام:
مئتي رغيف خبز، وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيأة وخمس كيلات فريك، ومئتي عنقود زبيب ومئتي قرص تين. ولعله انطلاقا من هذه الحادثة كتب وصيته الخالدة للاجيال: «ٱتَّقُوا ٱلرَّبَّ يَا قِدِّيسِيهِ لأَنَّهُ لَيْسَ عَوَزٌ لِمُتَّقِيهِ. ٱلأَشْبَالُ ٱحْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو ٱلرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ ٱلْخَيْرِ» (مزمور ٣٤: ٩ و١٠).
تقووا في الرب وفي شدة قوته، قال الرسول لان الرب أكثر من منافس للشيطان. انه القادر على كل شيء وهذا القادر على كل شيء خاض معركة الصليب ضد الشيطان وقواته ودحره مع كل أجناده. فصار الصليب قوة الله للخلاص لكل من يؤمن. وصارت القيامة الظافرة اكليل لكل مسيحي بالحق. هللويا الرب الفادي قد غلب وأعطانا الغلبة. لذلك لا نخشى ولو تزعزعت الارض، ولو انقلبت الجبال الى قلب البحار. ان كلمة تقووا في الرب ذات اهمية كبرى بدليل انها وردت ثلاث مرات في الفصل الذي تلي علينا من الرسالة الى أفسس:
a - «تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. ٱلْبَسُوا سِلاَحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيس » (أفسس ٦: ١٠ و١١). فابليس يستعمل المكايد ضد الناس مستغلا حالات الضعف. جرّب الأم الأولى، وكاد لها في فردوس عدن فأسقطها في خطية التعالي. اذ وضع في طموحها ان تصير مثل الله في المعرفة. وكانت النتيجة انه طردت من الفردوس. وجرب قايين أول مولود على الارض يخطية الحسد المغتاظ، فقتل أخاه هابيل. وكانت النتيجة انه طٌرد من وجه الرب الإله، ليهيم على وجهه في الأرض. وجرب عيسو الشاب القوي المفتول السواعد بشهوة الجسد فاسقطه وحسب مستبيحا لانه باع بكوريته بأكلة عدس. وكانت النتيجة انه لما أراد ان يرث البركة لم يجد مكانا للتوبة مع انه طلبها بدموع.
وجرب موسى المشهور بالحلم، فأسقطه في خطية الغضب ثم القتل. وجرب الملك آخاب بشهوة التملك فوافق على قتل نابوت اليزرعيلي. وكانت النتيجة انه هو قد قتل أيضا ولحست الكلاب دمه. وغربل مقدام الرسل سمعان بطرس فأسقطه في خطية الجبن. وكانت النتيجة انه انكر سيده الرب يسوع ثلاث مرات في الليلة التي اسلم فيها. وأنت انتبه! فالشيطان متربص بك الدوائر ويتحين الفرصة للانقضاض عليك. انه يجول حولك كأسد ملتمسا ان يبتلعك هو. لذلك تقول الكلمة الرسولية اليوم، اثبت مكينا ضد مكايد إبليس واضحك على اغراءاته.
قال رجل الإصلاح العظيم مارتن لوثر:
ان الشيطان لا يطيق أن يرانا نضحك على أفكاره. ولكن الرب نفسه يضحك على مؤامراته الشريرة. وبما اننا جالسون مع الرب في السماويات، فلنشارك الرب الضحك. لنضحك على الهزيمة التي مني بها الشيطان في معركة الفداء. لانه في محاولاته لم يستطع الحؤول دون وصول المسيح الى مذبح الصليب.
«فتم الخلاص هللويا رنموا لربنا يسوع»
b - تقووا في الرب، لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير. صحيح ان المجرب قد غلب بصليب ربنا يسوع، ولكنه مع ذلك لا ينفك عن التصدي لنا في كل وقت. وقصده ان يجعل كل أيام حياتنا أياما شريرة. لهذا يلاحقنا كل يوم، وكل اليوم ليحطم قداستنا. فلننتبه لأنفسنا، ولنعمل بوصية الرسول يعقوب القائلة:
اقتربوا الى الله فيقترب اليكم. قاموا ابليس فيهرب منكم. هكذا فعل داود رجل الله، اقترب الى الله فاقترب الله اليه، فارتفع رأسه على أعدائه وغنى ترنيمة الانتصار اذ قال:
«اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مزمور ٢٧: ١).
c - تقووا في الرب، لكي تقدروا ان تطفئوا سهام ابليس الملتهبة. سهام ابليس الملتهبة هي شهوة الجسد، شهوة العيون وتعظم المعيشة. وهي التي يصطاد بها ضحاياه، ويقودهم الى الهلاك.
قال المبشر الشهير شارلي سند:
ان لإبليس كلاماً يصطاد بها الفريسة، أولها الرأس المنتفخ وثانيها الكسل وثالثها الطمع. وهو يطلق سهامه الملتهبة، ويأمر كلابه ان تسحب اليه الفريسة. الرأس المنتفخ لا يليق بالمؤمن، لئلا يرتأي فوق ما ينبغي ان يرتأي. فينظر الى ضعفاء الايمان نظرة استعلاء واستكبار. وبذلك يقع تحت طائلة الحكم القائل:
«يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (يعقوب ٤: ٦).
والكسل لا يليق بالمؤمن، لئلا يقتل عنده النشاط الروحي، ويحمله على السلوك بدون ترتيب. وقديما قال سليمان: رأس الكسلان معمل الشيطان. والطمع لا يليق بالمؤمن لأن الطمع قال الرسول هو عبادة الأوثان.
أيها المؤمن، تقو في الرب ولا تخش من سهام ابليس ولا من كلامه، فأنت في المسيح والمسيح دفع اليه كل سلطان في السماء وعلى الارض فان اتخذت مكانك منه تقدر ان تنال الانتصار. وتشترك مع بولس في نشيده القائل شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح «شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِه فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِين» (٢كورنثوس ٢: ١٤). قد تكون الحرب الروحية التي دعينا لخوض غمارها شديدة ومرعبة. ولكن لنا الامتياز ان الرب يسوع نفسه يحارب معنا، وكل ما يطلبه منا هو ان نحتمي بوسائط النعمة التي سماها الرسول سلاح الله الكامل وهي:
منطقة الحق ودرع البر واستعداد انجيل السلام وترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح.
أقف عند الصلاة، لأقول ان الصلاة لسان فعال يستطيع كل واحد منا أن ينتضيه ويقاتل به.
قال الدكتور اندرو موري:
ان الشيطان يعمل كل ما في وسعه لينتزع مني سلاح الصلاة. لأنه يعرف انه إذا انتزعه مني يسلبني كل شيء وأنا بنعمة الله أحافظ على هذا السلاح. لانني أعلم جيدا انني اذا غلبت الشيطان في هذا الأمر أغلبه في كل أمر. تذكروا يا أحباء ان صلاة البار تقتدر كثيرا في فعلها. وان المسيح قال صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة. البسوا سلاح الله الكامل قال الرسول، ومعنى هذا انه ليس لنا أن نختار منه قطعة ونترك البقية بل يجب ان نتقلده كاملا. وكجنود مستنفرين يجب ان نبقى على سلاحنا باستمرار لأن ترك السلاح في ابان المعركة معناه الهزيمة. قد يستغرب أحدهم من أن الرسول في معرض ذكر الأسلحة لم يعين سلاحا للظهر. ولعل السر في ذلك، ما أشار اليه يوحنا بنيان في كتابه سياحة المسيحي اذ قال: ان بولس لم يعين سلاحا للظهر لأن المؤمن الحقيقي لا يفر من المعركة، ولا يولي ظهره للعدو، لئلا يعطيه فرصة لضربه من الوراء الى الموت ، ولاكن المؤمن الكامل يعرف أن من يكون خلفه هو الرب يسوع المسيح نفسه .
أخيرا يا اخوتي «تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ، قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا ٱلآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» ( أفسس ٦: ١٠، رومية ١٣: ١٢ و١١).
أشكرك أحبك كثيراً
يسوع المسيح يحبكم جميعاً
هو ينبوع الحياة الأبدية
والى الأزل
بيدو...