مقالات
عن أماكن اللهو ومداومة التناول من الأسرار المقدسة
لللقديس ساويرس البطريرك الأنطاكي
دونها يوسف حبيب، مليكة حبيب يوسف
1- عن الذين يذهبون للمسرح بعد الصلاة
أن رؤية المسرحيات الهزلية مضادة للناموس. يجب أن نتقى بأعمال التوبة الغضب القائم ونشترك فى الأسرار المقدسة مرات كثيرة.
مرة أخرى أتقدم بينما تقصرنى تمام المقدرة عن الكلام أو التعليم، وفيهما نفع جزيل. أرانى فى ظلمة أدركتها سحابة الهموم المادية التى تربط الكنيسة المقدسة غير المادية بطريقة غير لائقة. فبعض الأشخاص يحملونها أحمالاً غريبة لا علاقة لها بالخدمة الدينية. أفلا يضار رجال الدين بإثارة الأضطرابات الخارجية داخل الكنيسة؟ إنى عن إضطرار أشعر أنى مدفوع عنوة بهذه الضرورة الحاضرة، فمثلى مثل إنسان يحترق فى النار. نعم أنى مُجْبَر، ليس عن اختيار.
ما هو العجب إذا كنت وأنا أبرز من نفسى قروحاً عديدة لا تحصى، أتحمل هذا الآلم ولا أستطيع إلى السكوت سبيلا؟ أن أرميا النبي الذى تكرس من بطن أمه، يرى أن شعبه يستهزئون بأقواله بدلاً من أن يحزنوا، وما كانوا يشعرون أو يرتجفون خشية الغضب الذى كان يتهددهم. كاد النبي يركن إلى الصمت، لكنه اشتعل واحترق قلبه واضطر إلى الكلام. لذلك كان يقول: «لأنى كلما تكلمت صرخت. ناديت ظلم واغتصاب. لأن كلمة يا رب صارت لى للعار وللسخرة طول النهار. فقلت لا أذكره ولا انطق بعد بأسمه. فكان فى قلبى كنار محرقة محصورة فى عظامى فمللت من الأمساك ولم أستطيع» (إر 20: 8-9).
كفى بذلك مثالاً. أن عقدة لسانى ليست محكمة، تأتى زوبعة الحوادث، ويسرد الإضطراب عند الذين يحاربون الكلمة المستقيمة. ولو إنى أفكر مثل أرميا، فإنه بالنسبة لى أيضاً كانت كلمة الرب باباً للإهانة والإستهزاء، وروادنى القول ضرورة، كما قال النبي: «لا أذكره ولا انطق بأسمه» (إر 20: 9). إنى أصلى لكى يوضع على شفتاى باب فأضطر إلى الصمت الكامل، وإلا فإن الضحك والإستهزاء الظاهر على كلمات الرب لن يدعانى اعظ عن الصلوات فى الكنيسة. والدموع، والأعتراف بالخطايا، والصوم، وبالإختصار وضع الأمور فى نصابها وهو مترتب على التوبة، بسبب ما هذه تهددنا عن كتب وتراه فوق رؤوسنا، وأن سماعه مرعب.
2- سباق الخيول
أتذهبون إذاً، أو بالحرى كثيرون منكم، -لأنه لا يجب أن أتهمكم جميعكم ـ لمشاهدة سباق الخيل وإلى أماكن التهريج ومسارح الترف وتقولون بأنكم ما انقطعتم عن الصلوات وعن الإجتماعات في الكنيسة وأنتم تشتركون فى مشاهدة المسرحيات؟ ألا سمعت بولس الرسول الذى كتب إلى أهل كورنثوس: «لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين، لا تقدرون أن تشتركوا فى مائدة الرب وفى مائدة شياطين» (1كو 10: 21) ألم يقل الحكيم حسناً جداً: «واحد يبنى وواحد يهدم فماذا ينتفعان بذلك غير التعب. واحد يصلى وواحد يلعن فصوت أيهما يسمع السيد؟! مُنْ يغتسل من الميت ثم يمسه ماذا انتفع من غسله؟! هكذا الإنسان الصائم عن خطاياه ثم يعود يفعلها ترى من يسمع صلاته وماذا ينفعه صيامه؟!" (حكمة يشوع 31: 23-26).
هذا حال الذين يتصرفون ضد الناموس وهم ممتلئون شراً. يتصرفون أنهم يشتركون فى المائدة المقدسة، وهم يأكلون ويشربون ويفعلون ما يحلو لهم. ويشهد الكتاب المقدس عن أمثال هؤلاء الناس قائلاً: «لأنهم يطعمون خبز الشر ويشربون خمر الظلم» أم 4: 71.
ربما يقول: وأى شر فى النظر إلى سباق الخيل؟
أنه شر مستطير وإنى آت بالرد صراحة. أولاً: أن كل عرض قصد به الولاء لآحد الالهة الذين يسمون بأسم كاذب، ويقام تكريماً له فلنبتون Neptune عرض الخيول، ومرقور Mercure عرض المصارعين الذين يحاربون وحدهم ، ولارتيميس Artémis عرض المصارعين الذين يحاربون الحيوانات، ولباكوس Bacchus الروايات المسرحية. كيف يرتضى الله مسرة الشياطين؟ كيف تركض نحو هذه المناظر التى انكرناها وفقاً للأحكام حينما انخرطنا فى خدمة المسيح؟
لنشترك فى أعمال الطاعة له، ونكون مستعدين لنستحق العماد الإلهى الخلاصى. هذه المناظر هى فى الواقع من أعمال الشيطان، وتكريم لأعياده التى جحدناها.
3- الرفق بالحيوان
ثانياً: حتى إذا قلت: «أن المسرحيات ليس الغرض منها تكريم الشياطين، لكن لأجل سرورنا». فإننا نغضب الخالق إذا كنا نستعمل الحيوانات غير العاقلة بطريقة مضادة لوصاياه. لقد خلق كل حيوان منها لكى يكمل احتياجاتنا فى العالم، وليس لأجل نشوة زائدة وغير نافعة. فالحصان قد أعطى للناس حتى يستطيع من يمتطيه أن يتم تنقلاته بسرعة، فيخرجون ضد المحاربين الذين يأتون إليهم. أنه عون لهم يساعدهم فى الحرب ضد الآعداء. هذا أيضاً ما قاله ذلك الذى كان يكلم أيوب وسط الزوبعة والسحاب. «فأجاب الرب أيوب من العاصفة وقال..» (أى 38: 1) «هل أنت تعطى الفرس قوته وتكسو عنقه عرقاً. أتوثبه كجرادة. نفخ منخره مرعب. يبحث فى الوادى وينفر ببأس. يخرج للقاء الأسلحة. يضحك على الخوف ولا يرتاع ولا يرجع عن السيف. عليه تصل السهام وسنان الرمح والمزارق. فى وثبه ورجزه يلتهم الأرض ولا يؤمن أنه صوت البوق. عند نفج البوق يقول هه ومن بعيد يستروح القتال صياح القواد والهتاف» (أى 93: 19-25).
ومكتوب أيضاً فى الأمثال: «الفرس معد ليوم الحرب. أما النصرة فمن الرب» (أم 21: 31).
جعل هذا الحيوان من أجل خدمة حياة الإنسان وليس لكى تهلكه بأن تجعله يدور حول السيرك سبع مرات، وأنت تخرج العربة تلو العربة، ويسحق رجليه بسرعة العجلات؛ ولا لكى تتهلل وتصفق حينما يسقط سقطة بائسة مؤسفة. ليس هذا ما يأمرك به ويملك إياه الكتاب الإلهى، بل العكس. حينما يفعل هكذا، تنطق عليك الكلمات المكتوبة الدالة على القسوة والظلم القاتلة: «الصديق يراعى نفس بهيمته. أما مراحم الأشرار فقاسية» (أم 12: 10).
أن قول بولس الرسول: «ألعل الله تهمه الثيران» (1كو 9: 9). له معنى آخر وفعلاً حينما كان يكلم أهل كورنثوس كان يقول أنه يلزم: «أن الدين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون» 1؛ و 9: 41، «من تجند قط بنفقة نفسه. ومن يغرس كرماً ومن ثمره لا يأكل. لعلى أتكلم بهذا كإنسان أم ليس الناموس أيضاً يقول هكذا. فإنه مكتوب فى ناموس موسى لا تكم ثوراً دارساً. ألعل الله تهمه الثيران» 1كو 9: 7-9.
هكذا إذاً تضمنته الوصية القانونية التى تأمر بألا نكم ثوراً دارِساً. . وما جعل الله الناموس لمجرد العدل نحو الثيران. أى مكروه إذن وما يضيرنا لو نستبدل حلبة السباق بالخدمة الخاصة بها بعناية ولا نسرف فى الأهتمام بملء بطونها فى غير مناسبة.
أنه بهذه الوصية يعملنا أنه من العدل أن الذين يعملون يتغذون من نتاج تعبهم. لذلك يضيف بعد ذلك: «أم يقول مطلقاً من أجلنا. أنه من أجلنا مكتوب لأنه ينبغى للحراث أن يحرث على رجاء وللدارس على الرجاء أن يكون شريكاً فى رجائه» (1كو 9: 10).
4- عناية الله بالحيوانات
من الواضح جداً أن الله يعتنى بكل شئ ويهتم بكل شئ ويحب كل شئ يقول داود النبى فى المزامير: «تفتح يدك فتشبع كل حى رضاً» (مز 145: 16). ويقول الحكيم أيضاً: «وترحم الكل لأنك قادر على الكل وتعرض عن خطايا الناس متوخياً التوبة» (حكمة 11: 24). وكتب أيضاً: «رحمة الإنسان على قريبه وأما رحمة الرب فهى على كل ذى جسد» (حكمة يشوع 18: 13).
ليس لأن بعض أنواع الحيوانات قد أعطيت للناس لكى يقتلوها ويأكلوها، لا يلزمنا أن نعاملها برفق فى حياتها، ونشفق عليها، ولا نجعل من تعب الجياد وإنهاكها وموتها تجارة باطلة، لأجل لذة أو لعبة شيطانية. وعلينا نحن الذين يجب علينا أن نقتدى بالله أن نكون رحماء. «فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم» لو 6: 36.
أن عرض الجياد عن طريق التفنن فى المشاهدة الماكرة من الشيطان يمارس فيه هذا التنافس الذى يشبه السحر وضرب من ضروب القتل القاسية غير القانونية يقوم بها المحترفون اللذن يظهرون أنفسهم شجعاناً ضد الصغير الضعيف. هذه المناظر يمكن أن تغضب الله جداً . أنها تستحق رعوداً وبروقاً ملتهبة. حتى إذا كان اللعب لا تشوبه مثل هذه الأشياء، فإننا نحكم حسب ثماه. «لأن من الثمر تعرف الشجرة» مت 12: 23. هذا قرار المسيح الرب الصادق. ولكن ما هى ثمار معارك الجياد هذه؟ أنها خلافات وتجديف، معارك وإضطراب، ضجيج وهجمات بقذف الحجارة، حرب بين المواطنين، حريق وقتال. . ولطالما سقط الأبرياء من المشاهدين فى إحدى الخطايا. إما أن يصرخ، أو يتشاجر، أو يجدف، أو يترك نفسه يستبد به الغضب بما لحقه من الأهانة. فأى عقاب يكون لذلك؟ عندما يحيد الإنسان عن الله ويبتعد عنه، هل هناك من عقاب أشد؟
وأسمع بخصوص الضوضاء التى تعتبر أقل الأشياء الأخرى: «وقال الرب أن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جداً» تك 18: 21. هذا يكفى لكى يبين عاقبة الضوضاء يقول الرب أيضاً بواسطة النبى أشعياء: «أن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذته رجال يهوذا. فأنتظر حقاً فإذا سفك دم وعدلاً فإذا صراخ» أش 5: 7.
أن الصراخ موضوع الأتهام. وهل يستحق التشاجر المديح؟ ليس هذا أبداً.أنظر كيف يضعها الله، بواسطة حزقيال النبى، موضوع اللوم الكبير حينما يقول: «لكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك. لأنهم لا يشاؤون أن يسمعوا لى. لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب» حز 3: 7.
ربما تقاتل لماذا تحب المشاجرة من العصيان وقساوة القلب. أن بولس الرسول يضع كل هذه الرذائل معاً كأنها من طبيعتها أن تحزن وتغضب الروح القدس. وهو يكتب فعلاً: «ولا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث» أف 4: 30-31.
لماذا إذاً نذهب إلى عرض سباق الخيول؟ إننا نفعل ذلك لكى تحملنا كل هذه الرذائل أشبه شئ بتيار فاسد وسط بحيرة، ولا نذهب لكى تصلى لله فى هدوء أن يغفر لنا خطايانا. ننشغل بأمور العالم ونحرف ضد إرادتنا إلى الضوضاء أو إلى كلمة التجديف أو إلى الغضب.