سمعان الرجل الفريسي
كان سمعان كما نفهم من القصة الكتابية رجلاً فريسيًا تكمن في أعماقه عقائد الفريسيين ونزعاتهم، والفريسي قبل وبعد كل شيء، هو الإنسان المنعزل الذي تقوم فلسفة حياته على أساس الانعزال وعدم الاختلاط بغيره من الأجناس والشعوب، هذه هي الحياة المتأصلة فيه، وقد زادها تمكنًا ورسوخًا الاضطهادات الكثيرة الواقعة عليه، وذهابه إلى الغربة والسبي، والنظام الفريسي قد ولد أساسًا في السبي، وعاش في أيام المسيح خوفًا من تسرب العادات والنظم والتقاليد الأجنبية، وفي غياب الهيكل بعد تدميره، كان لابد لليهودي أن يلتف حول الناموس والشريعة، ومن هنا نشأ نظام الكتبة والناموسيين من جماعات الفريسيين، ومن هنا أيضًا نشأ الاجتهاد في تفسير الناموس والشريعة، وقد امتد هذا التفسير إلى أن الوصايا الإلهية تبلغ ستمائة وثلاثة عشرة وصية منها مائتان وثمان وأربعون إيجابية، أي أوامر، وثلثمائة وخمس وستون سلبية أي نواهي، وكان لابد في نطاق تطبيق هذهالوصايا أن يحملوا الناس أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، وأن يهتموا إلى آخر الحدود بالمظاهر المختلفة لما يعتبرونه الطريقة السليمة للتدين، هذا هو الأصل التاريخي لحياة الفريسيين، وهو ما يفسر لنا حياة الفريسي بما فيها من إيجابيات أو سلبيات، ونحن نتفق مع الفريسي إبتداء في حياة العزلة التي تمنع الخلطة مع العالم ومن الواجب أن تكون لنا حياة لا تشاكل هذا الدهر، لكن هذه العزلة من الخطأ كما قال أحدهم أن نجعلها العلم الذي نرفعه فوق سارية حياتنا، نفخر به ونتباهي بين الناس، فيبدو في المظهر حتى في الثياب، فقد عرضوا عصائبهم وعظموا أهداب ثيابهم، ... والمنعزل هو الشخص الذي لا يمكن أن يعيش وديعًا متواضعًا، بل على الأغلب يحس نوعًا من الكبرياء والتعالي يجعله يحتقر الآخرين، ولأجل ذلك فالفريسيون كانوا من النوع الشامخ الأنف، وقد تكون في أعماقه ذلك الإحساس بأنه وهو المالك للمعرفة التي لا يصل إليها غيره، سيفعل ما قيل إن ديوجين فعله إذ مر أمامه الإسكندر الأكبر وهو مسترخ في مكانه، ولم يترك من استرخائه، وتوقف الإسكندر، وهو يسأل، هل تريد ياديوجين شيئًا، فأجابك نعم... فسأله وماذا تريد!! قال : إن تتحول عن مكانك لأنك منعت الشمس من أن تصل إليّ بظلك!!.. وقال الإسكندر متعجبًا : لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين ويجيب ديوجين : لو لم أكن ديوجين لوددت أن أكون أي إنسان على الأرض إلا الإسكندر!! هذا النوع من الاستعلاء قاد الفريسي في صلاته إلى الله، أن يقول إنه ليس مثل باقي الناس الزناة والخاطفين،أو مثل العشار، والمنعزل المتكبر - وقد أمعن في التفسير والشرح، وانتهى إلى ما لا يمكن تطبيقه حتى ولو بالمشقة البالغة - سيصل إلى نوع من الازدواج أو الرياء، وقد صب المسيح سخطه على الرياء الفريسي، الذي عشر النعنع والشبت والكمون، وترك أثقل الناموس : بالرحمة والحق والإيمان، ومن الغريب أن ينشأ نوع من الانفصام الروحي «الشيزوفرينا» في الحياة الفريسية، وعلى الفريسي ألا يتزحزح عما يعلمه بشرط أن الأحمال الثقيلة العسرة الحمل، لا يحملها هو، بل يحملها غيره، وهو لهذا كله متعصب يندفع في تعصبه إلى العداء القاسي بغير حدود، وهو يتصور أن المنازعات ولو إلى الموت، هي نوع من الغيرة المقدسة التي يلزمه ألا يتخلى عنها حتى إلى الموت، وقد انذر بولس نفسه في مطلع الأمر لإبادة المسيحية تعصبًا وغيره وتحزبًا، وقد نشأ عن هذا كله صلابة القلب والقسوة، وبرود العطف والمحبة تجاه الآخرين!!