رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زربابل والعمل الجبار لم يعد المسبيون من السبى دفعة واحدة إلى أورشليم ، بل انقضت خمسون سنة تقريباً بين الفوج الأول والفوج الثانى من العائدين ، فعندما أذن لهم كورش الفارسى بالرحيل ، رجع نحو خمسين ألفا منهم تحت قيادة زربابل عام 536 ق.م. ومن الملاحظ أن المسبين لم يكن شغلهم الشاغل عند عودتهم ، هو بناء بيوتهم ودورهم ، أو غرس كرومهم وحدائقهم ، بل كان أولا وقبل كل شئ بناء مذبح اللّه ، أو بمعنى آخر ، إن التفكير الدينى عندهم كان سابقاً على التفكير الاقتصادى أو الاجتماعى أو السياسى ، وقد بدأوا فى إقامة المذبح حال وصولهم ، وقدموا التقدمات والمحرقات ، وعيدوا الأعياد وحافظوا على الطقوس والفرائض التى أمر بها موسى وفى العام التالى وضعوا أساس هيكل اللّه ... وتاريخ زربابل يرتبط أولا وقبل كل شئ ببناء الهيكل ، ونحن لا نسمع عنه ، كقائد لأمته وشعبه ، أية أفكار أو ميول أو اتجاهات أو إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، ولكننا نسمع فقط عن علاقته بهيكل أورشليم واهتمامه ببنائه وإعادة العبادة فيه . ولعل قصة السبى نفسها كانت أعمق المواعظ فى نفسه ، وأبعدها أثراً ، ... فالسبى لم يحدث للشعب بسبب أحداث أو حوادث سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية - كضعف البلاد أو قلة سكانها أو عدم تسلحها أو ما إلى ذلك من الأسباب التى قد تكون هناك ويؤمن العالم أنها السر الأول والأخير فى انهيار المالك وسقوطها وزوالها - لكن السبب - على الدوام - أعمق كثيراً من ذلك ، فهو الخطية والبعد عن اللّه ، وستسقط أعظم الممالك وأقواها ، يوم تبتعد عن السيد ، أو تنحرف نحو الآثم والخطية .. كلنا يعلم من هو أرثر بلفور السياسى الانجليزى المشهور، صاحب وعد بلفور ، ... لقد ألقى هذا الرجل ذات يوم فى جامعة أدنبرة محاضرة عن « القيم الأدبية التى تعمل على توحيد الجنس البشرى » وكان بين المستمعين طالب يابانى ، أخذ ينصت بكل إصغاء وتأمل إلى المحاضر ، كما كان يدون فى مفكرته كل ما يسترعى انتباهه من النقط الرئيسية البارزة فى المحاضرة ، ... وبعد أن انتهى بلفور من إلقاء محاضرته ، دوت القاعة بتصفيق حاد ، إعجاباً بالمحاضر الذى تحدث فى إسهاب ودقة عن الروابط المختلفة التى تربط العالم ، والمصالح المتشابكة فيه ، كالعلم والتجارة والصناعة ، وما أشبه وبعد فترة من الصمت وقف المشرف على الاجتماع ليشكر المحاضر على محاضراته ، ولكنه قبل أن ينطق بكلمة واحدة وقف الشاب اليابانى ، وصاح بصوت واضح مسموع . ولكن يامستر بلفور ... أين يسوع المسيح !! ؟ وران على القاعدة صمت بليغ ، حتى ليسمع فيها وقع سقوط الإبرة ، إذ كانت العبارة شديدة الوقوع على الجميع ، وعلى مستر بلفور أيضاً ، إذ كيف لا يشير رجل لعب دوراً هاماً فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية ، التى قيل إن الشمس لا تغرب عن ممتلكاتها ، إلى المسيح كالركن الأعظم والأول فى بناء الجنس البشرى ؟! ، .. لم يعش بلفور ، ليرى كيف تقلصت بريطانيا ، وهوت من مجدها العظيم ، رغم قوتها وثرائها وسيطرتها ، لأنها أهملت الاتجاه الدينى الذى ساد فى أعظم وأزهى عصورها !! .. كان الهيكل أهم شئ فى أورشليم بالنسبة للأمة ، فى حاضرها ومستقبلها وكان على المسبين جميعاً ، الذين عادوا من السبى ، أن يدركوا هذه الحقيقة ، ولا يتغافلوا عنها،... وقد تحدث زكريا النبى ، وكان شاباً فى ذلك الوقت ، فى رؤياه عنها إذ قال : «فرجع الملاك الذى كلمنى وأيقظنى كرجل أوقظ من نومه ، وقال لى ماذا ترى ؟ فقلت قد نظرت وإذا بمنارة كلها ذهب وكوزها على رأسها وسبعة سرج عليها وسبع أنابيب للسرج التى على رأسها وعندها زيتونتان إحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره » " زك 4 : 1 - 3 " .. كان على زكريا أن يستيقظ تماماً إلى حقيقة المنارة التى تغذيها شجرتا الزيتون بالزيت ، لتبقى سرجها دائماً موقدة تعطى النور ... وهذا يقودنا ، فى الرؤيا الممتدة ، إلى السبع المنابر الذهبية فى سفر الرويا ، بل يقودنا إلى المسيحية كلها كنور للعالم ، وحاجة البشرية إلى هذا النور العظيم ليهديها سواء السبيل . قال الجنرال عمر برادلى الذي كان من أبرز القواد الذين ظهروا فى الحرب العالمية الثانية ، ومن أكثرهم صلة باللّه ، وهو ينظر بحزن إلى العالم : « عندنا كثيرون من رجال اللّه ، .. ولكننا تطلعنا لبحث أسرار الذرة ونسينا الموعظة على الجبل ، .. وها الإنسان يتعثر فى الظلام الروحى الدامس ، وهو يعبث بأثمن أسرار الحياة والموت ،... ولقد حصل العالم على نور دون حكمة ، وعلى قوة دون ضمير ، .. ونحن نعلم عن الحرب أكثر مما نعلم عن الحياة ، وعالمنا عالم جبابرة المادة ، وأطفال االمبادئ والأخلاق » ... وفى الحقيقة ، إن السبى لم يكن مجرد عقاب من اللّه للخطية أو انتقام من شعبه ، بل إنه فى الواقع ، كان عدالة من اللّه تنتهى إلى الرحمة ، إذ هى عدالة الأب الذي يؤدب أبناءه ليرحمهم مما يتهددهم من المآسى والتعاسات التى يمكن أن يحصدوها من وراء حماقاتهم وشرورهم وخطاياهم . ولقد حدد اللّه مدة السبى بسبعين عاماً ، لابد أن يقضيها الشعب مشرداً قبل أن ينضج ويعود إلى حياة الحق والبر والقداسة والتكريس ، وحذر اللّه المسبيين على لسان إرميا ، من الأنبياء العرافين المدعين الكاذبين ، الذين يحاولون أن يخدعوهم بالقول إن اللّه سيرجعهم سريعاً إلى بلادهم ، وطلب إليهم أن يبنوا بيوتاً ، ويغرسوا جنات ، ويتزوجوا ، ويصلوا لأجل البلاد التى هم فيها إذ أن وقتاً متسعاً لهذا كله لابد أن ينقضى قبل رجوعهم ، كما بين لهم أنه سيكون رفيقاً بهم مشفقاً عليهم ، إذ سيسمح لهم بألوان سعيدة فى السبى ، تجيز لهم أن يفعلوا هذه كلها ، وهو يقصد بذلك أن يظلوا محتفظين بإيمانهم وشجاعتهم ، وقوميتهم وعقائدهم ودينهم !! ... وإذا ظن البعض أن السبى شر مطلق ، فإن اللّه يؤكد لهم العكس ، إذ أنه سباهم لأنه يفكر فيهم ويحبهم ويقصد لهم آخرة فياضة بالسلام والرجاء ، أو كما يقول إرميا : « لأنى عرفت الأفكار التى أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب ، أفكار سلام لا شر ، لأعطيكم آخرة ورجاء ، فتدعوننى وتذهبون وتصلون إلى فأسمع لكم . وتطلبوننى فتجدوننى إذ تطلبوننى بكل قلبلكم ، فأوجد لكم يقول الرب وأرد سبيكم وأجمعكم من كل الأمم ومن كل المواضع التى طردتكم إليها يقول الرب وأردكم إلى الموضع الذى سبيتكم منه » .. " إر 29 : 11 - 14 " . كل هذه الحقائق كانت ماثلة فى ذهن زربابل بعد عودته ، فأدرك أن رسالته الأولى والأخيرة فى قيادة أمته وشعبه ، هى جمع الكل حول العودة إلى اللّه والرجوع من سبى الخطية والشر ، ... وأن الفلاح والنجاح والسعادة جميعها ، مرتبطة بمدى نجاحه فى هذا العمل |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيها الجبار أيها الجبار المصلوب |
زربابل |
زربابل |
فَدَايَا أبو زربابل |
شِمْعِي أخو زربابل |