منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 18 - 06 - 2013, 01:49 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

راحيل


«وأحب أيضًا راحيل أكثر من ليئة....»

راحيل
مقدمة
تدور قصة راحيل من أولها إلى آخرها، حول كلمة الحب، وقصة حب يعقوب لراحيل، يمكن أن ترتفع إلى مصاف أعلى قصص الحب التي عرفها الإنسان على هذه الأرض، فهو الرجل الذي أحبها منذ النظرة الأولى حبًا ملك عليه الفكر والخيال والمشاعر، ولم يشتغل من أجلها سبع سنوات فحسب - وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها - بل خدم أربع عشرة سنة - بعد أن خدعه خاله، اذ استبدلها يوم الزفاف بليئة أختها، وليس أدل على ذلك من قول هوشع : «وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم إسرائيل لأجل امرأة، ولأجل امرأة رعى».
ومع أن يعقوب تزوج ليئة وبلهة وزلفة، لكن واحدة منهم لم تأخذ على الإطلاق مكان راحيل التي ملكت عليه شغاف قلبه، طوال حياتها أو حياته على هذه الأرض، فعندما ماتت لم يدفنها في طريق أفراته التي هي بيت لحم فحسب، بل خلد ذكرها بنصب أقامه في المكان وأطلق عليه عمود قبر راحيل، ليراه الغادون والرائحون كلما اقتربوا من المكان أو مروا به وانعكس حبه أكثر من ذلك على ولديه منها، فيوسف كان الابن الحبيب المدلل بين إخوته، على نحو ظاهر ملحوظ غير خفي، وبنيامين الصغير الذي احتواه في حضنه بعد غيبة أخيه، وكان من المحقق أن يموت، حزنًا وكمدًا لو أنه لم يعد من رحلته مع أخوته، أو أصيب بأذى في الطريق، وهكذا ظل حب يعقوب لراحيل دون أن يخمد أو يفتر أو يضعف حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وهو يعود بالذكرى إلى الأيام البعيدة القديمة الماضية ليقول ليوسف ابنه في مرض الشيخوخة الأخير وهو يبارك ولديه : «وأنا حين جئت من فدان ماتت عندي راحيل في أرض كنعان في الطريق اذ بقيت مسافة من الأرض حتى آتى إلى افراته فدفنتها هناك في طريق افراته التي هي بيت لحم...» ولعل هذا الحب بعينه هو الذي يكشف لنا شخصية راحيل وما امتازت أو بالحري امتزجت به حياتها من قوة أو ضعف أو خير أو شر على حد سواء.
راحيل ولماذا أحبها يعقوب؟
للحب كما هو معلوم طريقان إلى القلب، فهناك الحب السريع المشتعل الذي يطلق عليه الحب الخاطف، أو الحب من النظرة الأولى، وهناك الحب الآخر البطيء الذي يأتي إلى النفس في هدوء وأناة وتأمل، وبعد طول عشرة أو اختبار، ولا يستطيع الإنسان أن يوازن بين الحبيبن إلا من ذلك الأثر أو الطابع، الذي يمكن أن يطبع به المحب أو المحبوب في السنين اللاحقة الطويلة بعد ذلك، فقد ينطفي الحب السريع بنفس السرعة التي اشتعلت بها ناره، وتتحول آثاره رماداً تذروها الأيام أو قد يتطور إلى ما هو أسوأ من ذلك، إذ يتحول إلى عداوة قاسية تأخذ مكان الحب القديم، بنفس الشدة والعنف والقوة والالتهاب، وقد يأخذ الحب البطيء من القوة والعمق والجلال مالا تستطيع أعاصير الحياة أو زوابعها أو أزماتها أن تنال منه قليلاً أو كثيرًا على وجه الإطلاق، غير أن حب يعقوب لم يكن واحداً من الاثنين بل كان كليهما معاً، فقد أخذ قوته من اللحظة الأولى على وجه غريب وعجيب وجنوني،. واستمر كذلك دون أن يضعف على مر الأيام أو مر السنين، ترى ما السر في ذلك؟ وما هي العوامل الخفية الدفينة والعميقة وراء جذوته الملتهبة المشتعلة القوية؟ لاشك أن جمال راحيل النادر والعجيب كان أول هذه الأسباب جميعها وأسبقها إلى قلب يعقوب، وعاطفته، وقد عرف لابان قدر هذا الجمال، وعرف كيف يستغل ابن أخته من ورائه، إلى هذه الدرجة الرهيبة الباهظة التي استخدم فيها يعقوب بما يقرب من الاستعباد ليلاً ونهاراً لمدة سبعة أعوام، قابلة للتكرار، بعد الخديعة التي خدعه بها إذ أعطاه ليئة عوضاً عن راحيل، بل لعل هذا الثمن الباهظ، كان في حد ذاته، ملهبًا لمشاعر يعقوب، إذ أن الممنوع مرغوب فيه، كما يقولون، لأنه يثير في الإنسان غريزة الامتلاك، التي لا تهدأ أو تستقر حتى تمتلك ما تطلب أو ترغب أو تريد! وربما كان الأمر أعمق من ذلك كما يتصور بعض الشراح، إذ أن حب يعقوب لراحيل كان نوعًا غريبًا من عقدة أوديب، الشاب اليوناني القديم، الذي أحب أمه، أو كما يصورها علماء النفس في العصر الحاضر، في رغبة بعض الشباب المفتونين بحب أمهاتهم، في أن تكون زوجاتهم صورة متكررة للأم العزيزة الجميلة المحبوبة، وكلما كانت الزوجة عند الشاب أقرب إلى أمه شكلاً وطباعًا كلما فتن بها إلى ما يقرب الهوس والجنون، ونحن نعلم أن يعقوب كان يتبادل مع أمه حبًا عميقًا قويًا غائرًا، وأنه وقد خرج للمرة الأولى، بعيدا عن بيته، حن إليها، وراح يفتش، يدري أولا يدري، على شكلها، وصورتها حتى عثر عليها مرة أخرى في ابنة خاله راحيل!! وفي الحقيقة أن راحيل تكاد تشبه رفقة تمام الشبه حتى يمكن أن تتعرف على الواحدة من الأخرى شكلاً وموضوعًا، فمن حيث الشكل كانت الاثنتان تتمتعان بجمال فائق مذهل للعقول، ومن حيث الأخلاق كانت مواطن القوة والضعف متقاربة عند الاثنتين، فكلتاهما كانت قوية في تأثيرها على زوجها، وكلتاهما لم تتحرر من الأثرة والأنانية والحزبية، في معاملة أقرب الناس إليها!! على أي حال كان حب يعقوب لراحيل نوعًا من الاستبدال والتعويض لحبه لأمه.
كما لا يجوز أن ننسى أن هذا الحب كان أعلى من حبه لليئة، لأن هذه الأخيرة أقحمت عليه إقحامًا، وفرضت عليه فرضًا، وكانت في تصوره نوعًا من الغش الذي لا يطيب له أو يقبله، ومع أنه فعل الشيء المماثل، عندما خدع أباه وغشه، ولكنها النفس البشرية التي لا يسهل عليها أن تكيل بكيل واحد، أو تزن الأمور بميزان واحد، فتقبل للآخرين، ما ترفضه لنفسها، وترضي للغير ما لا تتصوره لحياتها!.. ولعل هذه كلها ترينا لماذا أحب يعقوب راحيل إلى هذا الحد من الحب البشري العظيم القاهر القوي وما لاحق هذا الحب من مظهر فعكر ماءه الرقراق، وخدش صورته العظيمة وأرسل بعض النشاز إلى لحنه الموسيقي الجميل، وليس أدل على ذلك من أن لابان جعله من أول الأمر سوق متاجرة، ومصيدة ثراء، فالحب عنده يقوم أو يسقط على قدر ما يمنح أو يمنع من مال وعطاء.
وليس أبشع في الوجود من أن تقاس المعنويات بالماديات، أو تشتري وتباع على الصورة التي ذكرتها راحيل وليئة بالقول عن أبيهما : «ألم نحسب منه أجنبيتين لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننا»... ومن ذا الذي يستطيع أن يعطي ثمناً لحنان أب أو قبلة أم أو عطف أخ أو تضحية جندي أو مواساة صديق! بل من ذا الذي يمكنه أن يعطي بديلاً لمحبة المسيح الباذلة على هضبة الجلجثة! على أنه إذا كان الحب قد فعل هذا مع لابان... فإنه قد كشف عن أثرة بالغة عند يعقوب وراحيل فقد أنساهما حب الذات حب الآخرين، فقد أعرضا كلاهما عن ليئة الزوجة والأخت، ومع أن ليئة أحبت، ولاشك يعقوب حبًا لا يقل بحال ما عن حب أختها راحيل، لكن يعقوب وراحيل حولا من هذا الحب ينبوعًا دافقا من الألم للمرأة التعسة المنكوبة، وكم أتصورها في ليال متعددة تسهر طوال الليل تجرع من مرارة الصد والإهمال والقسوة المنكرة البالغة في أقرب الناس إليها... بل لقد تحول هذا مع الأيام إلى نوع قاس من الصراع أو الحرب الخفية والمنظورة بينهما، فكل منهما تحاول أن تستأثر بيعقوب، وأن تأخذه على حساب الأخرى، أو تدفع الثمن في سبيل اجتذابه إليها، فإذا انصرف يعقوب إلى راحيل أحست ليئة أنها مكروهة، وإذا اقترب من ليئة لأنها تنجب وتعطيه أولاداً، غارت راحيل إلى الموت، وهكذا قامت المعركة لتستمر بين الاثنتين في بيت واحد!
وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل أنه وضع بذرة الانقسام والحسد في الأسرة كلها، وبين يوسف وإخوته فيما بعد.
راحيل وتدخل الله الموازن لهذا الحب
على أن أبلغ منظر وأعظمه في مسرحية الحب القديم هذا، كان المنظر العلوي الإلهي، الذي يواجه على الدوام، لا ما يظهره الإنسان بل ما يبطنه أيضًا والذي يظهر الله فيه صديقًا للمحروم والمنكوب والتعس والمكروه، كانت الكفة تميل باستمرار ناحية راحيل المدللة المحبوبة وكانت الأخرى تعيش في عزلتها ونكبتها، لا لذنب جنته، بل لأنها كانت أقل جمالا وأضأل منظرًا، إذ كانت عيناها ضعيفتين، وفي الواقع إن اللوم لم يكن يوجه إليها، بقدر ما هو موجه إلى الله الذي خلقها هكذا، وهل يقبل السيد أن يذهب أحد ضحية لما عمل هو فيه، دون أن يمنحه من البدل أو التعويض ما يمكن أن يقلب الكفة أو يرجحها في الاتجاه الآخر!!... ورأى الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها وأما راحيل فكانت عاقراً، فحبلت ليئة وولدت ابنا دعت اسمه راؤبين لأنها قالت أن الرب قد نظر إلى مذلتي أنه الآن يحبني رجلي وحبلت أيضاً وولدت ابنا وقالت إن الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضًا فدعت اسمه شمعون، وحبلت أيضًا وولدت ابنا وقالت هذه المرة يقترن بي رجلي لأني ولدت له ثلاثة بنين لذلك دعى اسمه لاوي، وحبلت أيضًا وولدت ابنا وقالت هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهوذا...
ولعل الله قد قصد هذا، لا ليقلب الكفة، ويعيش المضطهد والمظلوم بل ليعيد للطرف الآخر الفكر والتأمل والعاطفة، وهو في محنة لم يكن يتصورها أو يحسب لها حسابا، ويرى في الضيق ما لم يكن يفكر فيه في السعة، ويرى في التعب، ما لم يكن يفكر فيه في الراحة، وهذا ما حدث على الأغلب مع راحيل التي تساقط زهوها أمام نفسها، وتناثرت كبرياؤها أمام عقمها، وعلمتها آلامها ومذلتها، أن تذكر آلام الآخرين وأحزانهم وتعاستهم ومدى ما يلاقون من ضيق وحرمان، وإذ تابت المرأة عما كانت عليه، وانحنت أمام الله في اتضاع وضراعة وأمل «ذكر الله راحيل وسمع لها الله وفتح رحمها» وجاءت بيوسف الابن الحلو الجميل، ثم تلته بابنها الثاني الأخير، وكان مولده بمثابة المصفاة الأخيرة من الآلام تطهرها من كل ما علق بها من شوائب وضعفات ونقصات!! فدعته وهي تجود بالنفس الأخير لتعسرها في ولادته بن أوني أي ابن أحزاني غير أن أباه أطلق عليه بنيامين أي ابن يميني.
ومهما يحمل الإنسان من شتى المعاني أو المشاعر أو الأحزان، فمما لاشك فيه أن المرأة وهي تموت في سن الشباب وبكور الأيام تألق وجهها بهالة من نور سماوي عظيم، كان من المستحيل أن تصل إليه دون يد الله التي عملت على تصفية جمالها وتطهير حبها لتدخل في ركب الخالدين وموكبهم، وتضحى في كل عصر وجيل قصة تروى مع الزمن وتعاد مع الأيام.

التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 18 - 06 - 2013 الساعة 02:02 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
(تك 29: 30) فدخل على راحيل أيضا، وأحب أيضا راحيل أكثر من ليئة
راحيل الحزينة
من هي راحيل وعلام تبكي راحيل وحادثة قتل اطفال بيت لحم
🔸«راحيل»
راحيل


الساعة الآن 08:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024