رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ديماس ومصيره ليس من السهل أن نتحدث عن مصير ديماس الأبدى ، كما أسلفنا سابقاً ، إذ أن المصير بين يدى اللّه، ولكنه من الممكن مع ذلك أن نتحدث عن أى إنسان يمكن أن يقال عنه : «تركنى إذ أحب العالم الحاضر» ... وهل يمكن أن تعطيه تسالونيكى ما كان يحلم به أو يتخيله أو يتصوره، لندع أحد رجال اللّه يتخيل هذه الصورة ، .. لقد تعقب هذا الرجل ديماس فى مدينة تسالونيكى ، وقد مارس التجارة وأثرى منها ، ثراء فاحشاً ، فبنى لنفسه قصراً عظيماً ، وأصبح من وجهاء المدينة ، وقد دعا ذات مساء أكابر القوم ، وصنع لهم وليمة فاخرة حافلة بالأطايب والمشروبات، وظلوا فى سهرتهم بين النغم والطرب ثم تفرقوا فى آخر الليل ، ولم يبق أحد مع ديماس سوى صديق تعرف عليه وكان بين المدعوين ، وقد لاحظ هذا الصديق علامات الحزن واليأس على وجه ديماس ، والضحك المصطنع الذى كان يلتزم به وهو يحيى ضيوفه ومدعويه ، فسأله : ماذا بك من ألم أو تعب ، وأنت لا يعوزك شئ البتة ، وضحك ديماس بمرارة وهو يقول : فى الحقيقة يا أخى إنى لا أعرف قط طعم السعادة أو مذاقها رغم كل ما تراه من أسباب الترف والنعيم !! .. وقال الآخر : أنا أستطيع أن أدلِّـك على رجل ، موجود الآن فى مدينة روما ، وهو وحده الذى يستطيع أن يعطيك نبعاً لا ينقطع من السعادة ، ويكفى أن تعلم أنه وهو سجين ، هو أسعد الناس على ظهر هذه الأرض ، واسمه بولس !! .. بولس الرسول !! .. بوغت ديماس وصاح : هل تعرف الرجل!!؟ .. فأجابه نعم !! .. فقال له : وأنا أيضاً أعرفه ، .. وأؤكد لك : أن الفترة التى قضيتها مع الرجل هى الواحة الوحيدة التى عرفتها فى صحراء حياتى !! .. كان ديماس يظن أنه سيجد فى تسالونيكى كل سعادة وبهجة وعزاء وراحة ، ولكنه على العكس وجد السراب فى كل شئ !! .. وإلى اليوم سيجد كل « ديماس » نفس المصير وهو يولى ظهره لبولس ولمسيح بولس، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله (وليس تسالونيكى فقط) وخسر نفسه . أو «ماذا يعطى الإنسان فداء عن نفسه» !! ( مت 16 : 26 ) . على أن مصير ديماس يمكن أن نراه من وجهة أخرى ، كان الفرق بينه وبين بولس ، هو الفرق بين الأخذ والعطاء . كان ديماس يريد أن يأخذ ثروة ومالاً وجاهاً وقصراً ومتعاً ، وجرد بولس نفسه اختياراً من كل هذه ، وهو يعيش فى زنزانته ، وأوشك الشتاء أن يجئ ، وهو لا يجد ثوباً يغطى به جسده المقرور ، بعد أن ترك رداءه فى ترواس وهو يدعو تيموثاوس أن يسرع إليه ، ويحمل معه الرداء والكتب ولا سيما الرقوق ، .. فى قصة عن فتاة رائعة الجمال اسمها بورتيا وضع أبوها امتحاناً لمن يتقدم ليخطبها ويتزوجها ، إذ وضع ثلاث قبعات ، وفى واحدة منها صورتها ، .. القبعة الأولى مصنوعة من الذهب ، وداخلها شعار يقول : « من يختارنى سيصل إلى ما يطلبه الكثيرون من الناس » ... والقبعة الثانية من فضة ، وقد كتب داخلها : « ومن يختارنى سيحصل على ما يستحق » .. وكانت الثالثة من قصدير وفيها صورتها وإلى جانبها : « من يختارنى يلزم أن يعطى ويجازف بكل شئ » . كان ديماس يبحث عن الأخذ ، وبولس يجازف بالعطاء ، .. ونحن نعلم من الذى كسب ، ومن الذى ضاع ، والحياة «لا يمكن» أن تقدم لمن يعيشون لنفوسهم ، ولا يفكرون إلا فى الحصول على مشتهياتهم أو متعهم ، ولكنها تعطى عطايا عظيمة جليلة كريمة لمن يبذل ويقدم للآخرين لمجد اللّه !! .. فإذا عدنا إلى الأمر من زاوية ثالثة ، حيث نرى السجين العظيم القديم يتلفت حوله يمنة ويسرة ليرى المخلص والمحب والأمين والغادر والشرير !! .. ويرى واحداً يدير ظهره له فى أدق اللحظات وأقساها ضيقاً ومشقة ومرارة ، ولعله كتب والدموع فى عينيه : « ديماس تركنى » ... ألست تحس معى أنها طعنة خنجر أقسى من ذلك الخنجر الذى أبصره يوليوس قيصر فى يد بروتس فصاح صارخاً : « حتى أنت يابروتس!!..) .. وذهبت العبارة فى كل الأجيال تعبيراً محزناً عن الغدر والخيانة .. وهل يمكن للإنسان الذى يتخلى عن صديقه أو حبيبه فى أدق الظروف وأشد الأوقات أن يجد سلاماً أو راحة أو خيراً ، ... كلا !! وإلى الأبد كلا !! .. ومهما تحرر ديماس من هذا الالتزام أو ذلك ، فإنه لا يمكن أن يتحرر قط من عذاب الضمير الذى سيلاحقه إلى آخر العمر ، وهو يترك بولس يواجه الجلاد ، وهو يهرب بعيداً عنه عبر المسافات الشاسعة بين تسالونيكى وروما !! .. مسكين ديماس ، مسكين الرجل الذى فقد فى هروبه شهامة الرجال ، وعظمة الأبطال ، وضاعت منه الفرصة الخالدة التى لو أحسن انتهازها لما لحقه العار الخالد إلى الأبد !! .. على أنه مهما يكن هذا كله يتحدث عن البشاعة والرهبة إلى أبعد حدودها ، فإن أبشع ما فى القصة ارتداد ديماس عن الخدمة المقدسة ، التى سار خطاها الأولى ، وقطع فيها شوطاً بعيداً ، لم يستطع أن يسلك فيه للنهاية !! .. ماذا حدث له بعد ذلك !!؟ وكيف عاش بقية حياته !! .. وهل جاءه التأديب من الرب، فعاد إلى الخدمة مرة أخرى ؟ أم استمر فى غيه وضلاله وضياعه فضاع إلى الأبد !!؟ . نحن نعلم باليقين أن بولس الذى غضب على يوحنا مرقس ، عاد فحياه لعودته مرة إلى طريق الخدمة التى تنكب عنها !! . هل فعل ديماس شيئاً من هذا القبيل ، حتى ولو لم يأت ذكره فى سفر من أسفار الوحى المقدس !! .. لا نعلم !! ... وكم نتمنى لو أنه كان قد عاد !! .. وإن كان الإيماء الذى تتركه لنا القصة لا يشجع على ذلك ، .. ومن المظنون أنه وقد تخلى فى الوقت الدقيق عن الخدمة مغلوبا من العالم الحاضر الشرير ، فإنه ذهب لينال مصيره التعس بعد أن تعلق بتراب تسالونيكى أو بالحرى بسرابها . وجاء فى بعض التقاليد التى لا نجد لها سنداً لتقول إنه أصبح كاهناً وثنياً يعبد الأصنام، .. أما نحن فأضعف وأعجز من أن نحكم الحكم النهائى ولا نملك أكثر من قول بولس: «لأن ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر»..!!. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ربط يسوع بين مصير التَّلاميذ ومصيره |
سليمان ومصيره |
(يسلم عليك..ديماس ولوقا)ثم بعد ذلك(يسلم عليك لوقا الطبيب وديماس) يا خسارتك يا ديماس |
ناسا: ضفدع الفضاء حقيقي.. ومصيره مجهول |
سليمان ومصيره |