منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 03 - 06 - 2013, 08:19 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

أندراوس
«هذا وجد أولاً أخاه سمعان» (يو 1 : 41)
أندراوس
مقدمة
صرخ أحد المؤمنين أمام الله في الصلاة : «في كل مكان تبنى كنيسة، يبني الشيطان مقابلها قاعة واسعة، وقد علمنا الاختبار أن رواد القاعة في العادة أكثر وأنشط» ولهذا فالمؤمنون يحتاجون إلى كل جهد وصراع ليخلصوا علىكل حال قومًا! وليس من قبيل الصدف أن تلاميذ المسيح الأوائل كانوا صيادين متميزين قبل كل شيء، وبعد كل شيء، بالجهد والبذل والأناة والصبر، ومهما يكن من طريق الصيد، وجهود الإنسان فيها، إلا أن هناك أسلوبين واضحين بينين، وهما الصيد بالشص، والصيد بالشبكة، والفارق بين الأسلوبين ظاهر، إذ الصيد بالشص للسمكة الواحدة، والصيد بالشبكة للمجموع المتعدد! وإذ كان ثمة فرق ما بين أندراوس وبطرس كصيادي للناس، فإن اندراوس كان أدنى إلى النوع الأول الذي يصطاد بالشص، وكان بطرس أدنى إلى الثاني الذي يصطاد بالشبكة، ومع أننا قد نعجب بصيد بطرس في يوم الخمسين عندما خرجت شبكته في ذلك اليوم محملة بثلاثة آلاف نفس، إلا أنه لا ينبغي أن ننسى أن بطرس نفسه قد أمسك به شص أندراوس الذي قاده إلى المسيح، ومع أن أندراوس كما ظهر بعد، لم يكن ندًا لأخيه الأكبر، إلا أنه هو ويوحنا الرسول كانا أول اثنين التقيا بيسوع المسيح، ومع أنه لم يتفوق في مركزه على الثلاثة الأول، بطرس ويعقوب ويوحنا، إلا أنه كان في مقدمة الثمانية الآخرين، بعد استبعاد يهوذا الاسخريوطي من الدائرة كلها، والميزة الواضحة للرجل، أنه كان من أوائل الباحثين عن الآخرين والاتيان بهم إلى يسوع المسيح! ولعنا نراه في قصة الإنجيل فيما يلي :
أندراوس الرجل
الكلمة «اندراوس» كلمة يونانية، من أصل يفيد معنى الرجولة، حتى إنك يمكن أن تقول إن «أندراوس» رجل بكل ما في الكلمة من معنى، وقد ترجمها البعض «رجولة» أو «شهامة» أو «شجاعة» وآخرون «همام» «شجاع» «شهم»، وكان من بيت صيدا المدينة التي كانت في الطرف الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية، وكان يسكنها خليط من اليونانيين واليهود، وكانت اللغة اليونانية معروفة فيها، ويتعلمها اليهود أنفسهم، وربما أعطى هذا الاسم اليوناني، لهذا السبب، والذي يعتقد معه كثيرون، أنه كان تعبيرًا عن جمال الرجل، وجلال هيئته وبنيانه، على أنه مهما يكن حظه من هذا القبيل فإن جمال روحه كان أعظم وأروع، لقد كان نموذجًا رائعًا للرجولة المسيحية، وهي الرجولة التي تأخذ مكانها الذي وضعها فيه السيد دون أن تتجاوزه على الاطلاق، كان بطلاً مسيحيًا، وكانت بطولته أشبه ببطولة بنايا هو بن يهوياداع : «وبناياهو بن يهوياداع ابن ذي بأس كثير الأفعال من قبصئيل هو الذي ضرب أسدى موآب وهو الذي نزل وضرب أسدا في وسط جب يوم الثلج. وهو ضرب رجلاً مصريًا ذا منظر وكان بيد المصري رمح فنزل إليه بعصا وخطف الرمح من يد المصري وقتله برمحه، هذا ما فعله بنايا هو بن يهودياداع فكان له اسم بين الثلاثة الأبطال وأكرم على الثلاثين إلا أنه لم يصل إلى الثلاثة فجعله داود من أصحاب سره» (2صم 23 : 20-23) إن الرجل المسيحي أشبه الكل بالجندي الذي لا يتخير مكانه في الجيش، بل يذهب حيث يضعه القائد، ويثبت هناك في موقعه، ومع أن أندراوس سبق أخاه بطرس إلى معرفة المسيح، بل هو الذي جاء بأخيه، إلا أنه مع ذلك لم يصل إلى الثلاثة : «بطرس ويعقوب ويوحنا». إذ كانوا مقدمين عليه، ومع أنه أكرم كواحد من الأثنى عشر، إلا أنه عرف مكانه وقبله بدون احتجاج أو شكاية أو تذمر! إن للسيد أن يعطي كل واحد وزناته، فهو يعطي الخمس وزنات، والوزنتين والوزنة، وليس من حق صاحب الوزنتين، أن يأخذ الخمس، أو يتذمر أو يشتكي أو يحتج. وهنا نرى الرجولة التي تنتصر على الحسد، لم يحاول قط أن يقول لقد كنت ويوحنا أول من عرف المسيح، فلماذا يسبقني هذا أو ذاك؟ عندما نشبت الحرب بين اليونان والفرس في أثناء حكم زركسيس الفارسي (أخشويرش) كان على رأس الأمة اليونانية قائدان عظيمان ثمسثوكليس وأرستيدس، ومع أن ثمستوكليس كان قائدًا من أبرز القواد وخطيبًا عظيمًا، ومحبًا لبلاده، لكنه لم يستطع أن يرى في أرستيدس ذلك وسعى لنفيه من بلاده، أما أرستيدس فكان رجلاً لا يهمه نفسه أو مصيره أو مجده بقدر ما تهمه بلاده، فقبل ما فعل به ثمستوكليس بصبر وشجاعة ورحابة قلب، ودارت الأيام حتى أحست أثينا بالحاجة إلى ابنها العظيم، ومع أنه أسيء إليه وأهين، لكنه نسى كل شيء من أجل الواجب، ورجع إلى بلاده، ولماتم النصر، لم تنس بلاده أن تكافئه وتحسن إليه!! كان توماس شبرد من البيورتان القدامى الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، وهو الذي أنشأ جامعة هارفارد.. ومع أن هذا الرجل كان خادمًا عظيمًا، وواعظًا قديرًا، لكنه تعرض لمحنة الحسد عندما وفد على المدينة واعظ شاب استرعى انتباهها وأخذت مواعظه تزحزح مكانة شبرد في الصحف وأمام الناس، وقد قيل إن شبرد وهو يقرأ عظة للشاب في إحدى الصحف، اجتاز جثسيماني في ليلة من الليالي، وهو يصارع العاصفة التي اجتاحت مشاعره، وظل يصلي حتى الفجر، إلى أن أمتلأ بروح المسيح، وهدأت نفسه. وهو يطلب من أعماق قلبه النجاح لزميله في خدمة يسوع المسيح، ونحن لا نعرف ذلك الواعظ الشاب، ولكننا نعرف توماس شبرد الذي انتصر على عاطفة الحسد البغيضة التي تجتاح المؤمنين في كثير من الأوقات!
كان أندراوس الرجل الوديع الذي يعمل في صمت، والذي لا يهمه أن تعرف من الذي يعمل، بقدر ما يهمه العمل نفسه، ومن الناس من يهمه أن يأخذ المكان الأول ليتفانى فى العمل، لكن أندراوس كان له من الوداعة ما يجعله غيورًا في العمل حتى ولو كان في المكان الأخير!! وفي تقليد قديم أن التلاميذ صامو ا وصلوا ثلاثة أيام، ليعلن لهم الله عمن يكتب إنجيلاً رابعًا يتحدث عما بقي ويلزم ذكره في الأناجيل، وجاء الإعلان إلى أندراوس بأن يوحنا هو الشخص المعين من قبل الله لهذا الأمر، وبكل سرور أعلن أندراوس هذا ليوحنا، وقد له المواد التي يعرفها!!
كان أندراوس أشبه الكل بذلك المؤمن الذي صورته الكاتبة والشاعرة المسيحية كريستنا روسي، وهو يصلى إلى الله قائلاً :
أعطني أصغر مكان، إذ ليس من حقي.
أن أجرؤ وأطلب حتى هذا المكان!!
لكنك مت لكي أحيا وأشاركك المجد.
أعطني أصغر مكان، فإذا بدا
هذا المكان أعلى من قدري!!
فانزل بي إلى مكان أدنى.
لكي أجلس وأرى إلهى الذي أحبني!!
قال أحدهم : إن الله لو أرسل ملاكين إلى الأرض ليحكم أحدهما المدينة ويكنس الآخر شوارعها، لما طلب أحدهما أن يستبدل مكانه بمكان الآخر!!
أندراوس الذي وجد المسيح
كان المسيح هو كل شيء بالنسبة لأندراوس، وعندما أشار المعمدان إلى السيد، أسرع تلميذاه وراء المسيح، ومن تلك اللحظة تحولا إلى الأعظم والأمجد، ومن المؤكد أن أندراوس ما كان ليستبدل ولاءه للمعمدان بأي ولاء في الأرض، إلا لشخص واحد هو المسيا غاية المنى، وقبلة الأنظار، ولعلنا نلاحظ قول أندراوس وهو يدعو أخاه بطرس : «قد وجدنا مسيا» (يو 1 : 4).. ويمكن أن نتذكر هنا صيحة أرشميدسالمشهورة «يوركا» (Eurka) وكان الملك هيرو ملك سركوسا قد أعطى أحد الصناع كمية من الذهب الخالص، ليصنع له منها تاجًا، وكان الملك يخشى أن يخلط الصانع الذهب الصافى بالزغل، وترك أرشميدس ليحل له المشكلة ويتأكد من نقاوة الذهب، وحار أرشميدس، ماذا يفعل؟ غير أنه وهو في الحمام - عندما ألقى بنفسه في لماء، ولاحظ ارتفاع الماء وجد الحل، إذ يستطيع أن يضع ذهبًا مماثلاً في وزنه لما أخذ الصانع، ويقيس الأرتفاع، ومن فرط بهجته وسروره، خرج من الحمام عاريًا يركض في الشوارع، وهو يقول : «يوركا يوركا» وجدتها وجدتها وأضحى التعبير في قصة التاريخ مثلاً لمن يجد الحل للمشكلة المستعصية العسرة القاسية!!
ذهب أندراوس ويوحنا وراء المسيح، وقضيا معه يومًا بأكمله، وخرج كلاهما يركضان في كل التاريخ صائحين : «وجدناه . وجدناه وجدناه» وبعد عام تقريبًا ودع أندراوس شباكه الأرضية، وسار هو وأخوه في موكب الخالدين الذين وجدوا يسوع المسيح!!
هل وجدت المسيح؟ هذه هي نقطة الحياة الأساسية، بل هذا هو المحور المجيد الذي تدور حوله قصة الوجود ذاته. والإنسان منا سيبقى تائهًا حتى يعثر عليه، كانت مأساة الإبن الأول في الأرض أنه خرج من لدن الرب ليضرب في أرض «نود» أو أرض «البعد» وليبقى تائهًا وهاربًا ومختفيًا عن وجه الله، طريدًا معذبًا لا يلوي على شيء، وذهب قايين في الاتجاه المضاد للاتجاه الصحيح، وكانت الخطية هي القوة الطاردة له في كل مكان، وسيبقى الضال هكذا في الكورة البعيدة في أرض الضياع والجوع والخنازير حتى يتمم وجهه مرة أخرى إلى بيت أبيه لينعم بدفء العواطف الأبوية، وعندما يقر رأيه على ذلك، سيصرخ في رحلة العودة قائلاً : «وجدتها وجدتها. »
ترى، هل وصلت أيها القاريء العزيز إلى هذا الاختبار؟! ليتك تبلغ الحكمة والتعقل والفهم، لتفعل هكذا!
الرجل الذي جاء بأخيه إلى المسيح :
كان العمل الأول الذي قام به أندراوس بعد أن عرف المسيح، أنه جاء بأخيه إلى المسيح : «هذا وجد أولا أخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح». ومهما تعددت البواعث، فإن الكلمة «أولا» هي التي تهز مشاعرنا في الاتجاه إلى المسيح!! والسؤال لماذا جاء بأخيه أولاً، هل للمحبة الفائقة لأخيه!؟ لا شبهة في أن المحبة تقف على رأس الدوافع التي تدفعني لأن أتجه إلى أخى، ولا أتركه حتى آتى به إلى يسوع المسيح، بل لا شبهة أيضًا إلى يسوع المسيح، من المحزن أن الكثيرين من الأخوة - رغم حبهم العميق لأخوتهم - قد يغفلون عن هذه الحقيقة، فيفعلون كل شيء لأخوتهم إلا ربطهم بالسيد المسيح.
قد تصور آخرون أن هناك باعثًا آخر ملحًا دفع أندراوس، ونعني به باعث الاشفاق على بطرس، وعلى البيت جميعًا، إذ كان بطرس - كما يتخيل هؤلاء - متعبًا لأخيه ولجميع من في البيت على حد سواء، ولا سبيل له!! ومع أن هذا السبب ربما لم يكن واردًا في ذهن أندراوس، لكنه يصلح كقاعدة مباركة مجيدة في علاقة المؤمن بكل أخ متعب قاس مفسد شرير!! قدم أخاك للمسيح وأنت تصل إلى العلاج الصحيح لكل أدوائه وأمراضه! والمسيح عندما يتولاه، سيجري عمليات الإزالة لكل أورام خبيثة يمكن أن تكون قدتشعبت وتغلغلت في حياته وكيانه، كان العمل الأول الذي بدأ به أندراوس هو «إرسالية البيت» أو ارسالية الداخل قبل أن يشق طريقه إلى الحقول الأجنبية، وما أجملها وأروعها من نقطة التحرك والوثوب، ينسى الكثيرون الاهتمام بها أو البدء منها!! بل لعلها محك الانطلاق والبعث الصحيح، وما أعظم أن يقف الإنسان في مواجهة الآخرين ليقول : «أما أنا وبيتي فنعبد الرب» (يش 24 : 15) ومن الملاحظ أن أندراوس في أنطلاقه الأول لم يهتم بالكم بقدر اهتمامه بالنوع، ولم يعن بالاسراع بالاتيان بأعداد كبيرة قبل أن يبدأ بأخيه «بواحد» وأي واحد هذا، إنه بطرس الذي جاء بثلاثة آلاف نفس للمسيح في مرة واحدة.... عير الثعلب اللبؤة بأنها لم تلد سوى مرة واحدة في حياتها فأجابته بالقول : «ولكنه أسد. »
على أن السؤال الذي يعرض لنا بعد ذلك : ولكن كيف جاء بأخيه!؟ هل جاء به بمجرد الحديث أو الكلام معه؟! من المعتقد أنه جاء به قبل ذلك بحياته وتصرفه، وأغلب الظن أن سلوك أندراوس كان ولاشك مشجعًا لأخيه على المجيء للمسيح، لقد كان أندراوس من أول المستجيبين للمعمدان، وقد ذهب إليه، وتعمد في الأردن، وتتلمذ عليه، وكانت خلاله وتصرفاته - كما أشرنا - تصرفات ممتلئة بجلال الشهامة والوداعة والرجولة!! إن الحياة التي يعيشها الأخ هي الباعث الأقوى، والمشجع الكبير على خطى الأخوة إلى يسوع المسيح! وعلى العكس فإن أية لغة يتحدث بها الأخ خلاف ذلك، ستقابل بقول توماس كارليل يوم قال : «لا تكلمني، فإن صوت أعمالك يدوي في أذني أكثر من صوت كلامك».. على أنه من الجانب الآخر، إن الحياة وحدها على ما يمكن أن تصل إليه من المثالية الجاذبة لابد تحتاج أيضًا إلى النداء والتبشير والصيحة الممسكة بالأخ والفائدة والقائدة إلى المسيح بكل حزم وعزم : «قد وجدنا مسيا» والكلام هنا ليس نداء فلسفيًا أو بحثًا نظريًا أو «شعر أشواق لجميل الصوت يحسن العزف» إن المسيح أعظم وأجمل من هذه كلها، وببساطة الحياة والاختبار يمكن أن تقود أخاك بمجرد القول : «قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح، فجاء به إلى يسوع».. وترك للمسيح كل شيء بعد ذلك! إن التركيز في الحديث على المسيح، مسنودًا بلغة الاختبار. هو أعلى أسلوب يمكن أن يصل إليه الواعظ في منبره ووعظه! كان أندراوس هو الأخ الأصغر لسمعان بطرس، ولكنه أضحى على حد تعبير دكتور هربرت لوكير أباه الروحي وبطرس وجد الثلاثة آلاف الذين جاءوا يوم الخمسين!
ماذا فعلت بأخيك! قال قايين : لقد حسدته وقتلته، أحارس أنا لأخي (تك 3 : 9) .. وقال أخوة يوسف : لقد بعناه وغمسنا قميصه بالدم ونحن نأتي إلى أبينا صائحين : حقق قميص ابنك هو أم لا؟ ولم يكذب الرجل وهو يصرخ : «قميص ابني وحش رديء أكله، افترس يوسف افتراسًا» (تك 37 : 32 و33)، وكان الوحش هم إخوته أبناء أبيه، أما أندراوس : «فجاء به إلى يسوع»..
أندراوس الذي جاء بالصغير إلى المسيح :
ثمة أمر آخر فعله أندراوس وهو يقدم الآخرين إلى المسيح، إذ كان هو الذي جاء بالغلام الصغير صاحب الخمسة أرغفة الشعير والسمكتين، والتي أطعم بها المسيح خمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد، ومن الناس من يطلق على هذا الغلام «المساعد الصغير للمسيح» ويمكن أن نضعه في الكفة الثانية ونحن نذكر بطرس المساعد الكبير للمسيح.. فأندراوس يأتي بالكبير والصغير ليسوع المسيح، وهو بارع الصيد بالشص، يصطاد السمك الجيد سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.. وما أروعه من عمل أن نهتم بتقديم الصغار للسيد. ونحن نعلم - أو لا نعلم - أنهم سيصبحون في يد المسيح سر المعجزات الكبيرة في قصة الحياة!! من سنوات كثيرة أراد شيوخ الكنيسة صغيرة في اسكتلندا أن يحيلوا راعيهم الشيخ إلى التقاعد لأنه لم يربح في عام كامل واحدًا للمسيح، وقال الواعظ الشيخ : ولكننا ربحنا نفسًا واحدة، فسألوه من هو!! ؟ فقال : ألا تذكرون الصبي بوبي.. وذكروا الصبي الصغير الذي لم يعترف بالمسيح مخلصًا فحسب، بل جاء إلى الراعي الباكي، وهو غارق في دموعه لما سمعه من الشيوخ : وسأله هل إذا كبر وتعلم يمكن أن يكون مرسلاً في البلاد البعيد؟ ومسح الراعي دموعه وهو يقول له : نعم يا بني يمكن أن نفعل هذا، وفي أحد الأيام وهم يجمعون للمرسليات. طلب هذا الصبي من الجامعين أن يضعوا الصندوق على الأرض، وقفز إليه وهو يقول : «إني أعطي حياتي كلها للعمل المرسلي» وكان هذا الغلام هو الرجل العظيم الذي عرف فيما بعد باسم روبرت موفات المرسل الكبير إلى القارة الأفريقية!! كان أحد الرعاة يوجه جهده الأكبر إلى خدمة الصغار، وقيل إن الشيطان جاءه ذات مرة، ليقول له : إنك تدفن جهدك مع صغار لا يعرفون قيمتك، لماذا لا تهتم بالكبار الذين يمكن أن يعرفوا مواهبك ليقدروها؟! وقال الراعي : اذهب عني يا شيطان إذ اضطررت أن أختار خدمة الصغار أو خدمة الكبار، لفضلت الخدمة بين الصغار إذ الأمل فيهم أوفر وأغزر وأعظم، إذا نحن بدأنا معهم قبل أن يلوثهم العالم وتتقسى قلوبهم بالشرور وغرور الخطية!
أندراوس الذي جاء بالغريب إلى المسيح
لم يهتم أندراوس بأخيه أو الصغير فحسب، بل تحول من الحقول الوطنية إلى الحقول الأجنبية، إذ قاد مع فيلبس اليونانيين الذين جاءوا ليسجدوا في العيد، وكان شوقهم أن يروا يسوع، وحقق لهم الرجل هذا الشوق المجيد!! ومن هنا يصح القول إنه كان أول التلاميذ الذي يستحق أن يطلق عليه اسم «أبي الارساليات الأجنبية» والذي أدرك من اللحظة الأولى إلى أي حد تمتد رسالة المسيح، لقد كان من الواضح أن العلاقة بين اليهودي واليوناني - مهما بلغت من رغبة التلاقي - تتسم بالتحفظ، ولكن الرجل كان من أوائل من ساروا وراء السيد الذي «نقض حائط السياج المتوسط،أي العداوة. مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا صانًعا سلامًا، ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به. فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين، لأن به لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب. فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله» (أف 2 : 14-19).
ومع أننا لا نعلم بالضبط أين خدم أندراوس إلا أن التقاليد تشير إلى نشاطه العظيم، وقوته الموثرة في الجماهير، ومعجزات إقامة الموتى، وشفاء المرضى، بصورة جعلته محط أنظار الناس أينما ذهب هنا أو هناك، وقد قيل إن خدماته كانت على الشاطيء الجنوبي للبحر الأسود، وإنها امتدت إلى بيزنطة وروسيا، ووصلت إلى اليونان حيث مات هناك مصلوبًا عم 60 م في بتراس على يد أجتياس الحاكم، الذي استبد به الغضب، لأن زوجته جاءت إلى الإيمان المسيحي بوعظه وتبشيره، وإذ حاول عبثًا أن يثنيها عن ذلك، ولم يفلح، أمسك بأندراوس، وحكم عليه بالموت صلبًا على صليب هو أدنى إلى شكل المقص المفتوح والمثبت من طرفيه في الأرض، وقد تركه معلقًا لمدة يومين، واجتمعت الجماهير التي هالها المنظر، ولكنها سمعت أندراوس وهو يقول لها : أيها الرجال الحاضرون هنا أنتم والنساء والأولاد الكبار والصغار، العبيد والأحرار، وكل من يسمع، لكي لا تؤخذوا بخداع الحياة الحاضرة، بل بالحري تنصتون إلى المعلق أمامكم هنا من أجل الرب، وعما قليل سيرحل عن هذا الجسد، ارفضوا كل شهوات هذا العالم، واحتقروا عبادة الأصنام،واجروا وراء عبادة إلهنا الحي الحقيقي الصادقة، واجعلوا أنفسكم هيكلاً نقيًا لله الذي سيد ركني سريعًا ليأخذني إلى مجده السماوي، وبالجملة احتقروا الأمور الوقتة وثبتوا أذهانكم كرجال يؤمنون بيسوع المسيح» وقد قيل إن منظره ألهب مشاعر الجماهير حتى إن الحاكم فكر أن ينزله عن الصليب ولكنه رفض وهو يقول : «يا يسوع المسيح لا تدع عدوك يحل الذي أمسكته نعمتك، ولا تسمح أيها الآب أن يضع هذا الصغير أيضًا من أدركته عظمتك» ثم أسلم الروح!
ولا نظن أنه يفيدنا كثيرًا أن ننهمك في البحث عن أين ذهب جسده فيما بين اليونان والقسطنطينية وإيطاليا والعودة مرة أخرى إلى بتراس في اليونان ليدفن هناك في كنيسة الروم الأرثوذكس التي أخذت عظامه من روما بأمر البابا بولس السادس من عام 1964، وإنما يهمنا بالدرجة الأولى خدمته لسيده، وقد جاء عنه في كتاب قديم : «كان القديس أندراوس الإبن البكر في مجموعة الرسل، والعمود الأساسي والهام في الكنيسة، والباكورة بين الأوائل، والمنادي بالإنجيل الذي لم يكن قد أعلن بعد، وتحدث به إلى أخيه قبل أن يصل أحد إلى أعماقه» والسؤال كيف أصبحت نبيًا ومن أين جاءك هذا النشاط الإلهي، وأنت تصب في أذني أخيك : «لقد وجدناه! لقد وجدنا ذاكالذي افتقده آدم، وحجبته غيوم الخطية عن عيوننا، وجعلته ذنوبنا يبدو كغريب عنا!!؟
على أي حال كان أندراوس أول تلميذ عرفناه من تلاميذ المسيح، وأول من علمنا - وإلى اليوم ما يزال يعلم - أن التلمذة المسيحية تعني أولا وأخيرًا أن تجد المسيح ونأتي بالآخرين من القريبين والبعيدين إلى ملكوته الأبدي المجيد!!..
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أندراوس
أندراوس
أندراوس
أندراوس
أندراوس


الساعة الآن 06:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024