رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النبي والأسد كان مصرع النبي قاسياً بشعاً: "فصادفه أسد في الطريق فقتله" ولابد لنا أولاً وقبل كل شيء أن ندرك هذه الحقيقة أن ما يأتي في فهم الناس على أنه "مصادفة" سيئة، لا يمكن أن تكون في واقعها إلا أمراً إلهياً معيناً،... ومهما كانت المصادفة رهيبة، فإنه لا توجد بلية في الأرض إلا والرب صانعها،... والمصادفة عند الناس مردها في الواقع صعوبة التحليل، ومعرفة الخط الإلهي، في الأحداث والحوادث، ويكفي أن تقرأ مثلاً ما جاء في المزمور المائة والرابع: "الأشبال تزمجر لتخطف ولتلتمس من الله طعامها"... والشطر الأول يتحدث عن الظاهرة في الحيوان الأعجم الذي يحركه الجوع إلى الزمجرة والخطف،... والشطر الثاني يتغور إلى الأعماق، إذ تتحول الزمجرة إلى ما يشبه الصلاة والالتماس من الله أن يعطيها الطعام،.. وفي مصرع النبي جاء الجواب هنا بالدليل العكسي، إذ أن الأسد لم يأكل الجثة أو يفترس الحمار، ووقف إلى جوارهما حتى جاء الشيخ وأخذ الجثة ليدفنها!!... ولعلنا نستطيع أن ندرك هنا، أن المادة الصماء، والغريزة المنفعلة، والعقل المفكر، والقلب الواعي: تخضع جميعها، وتتحرك تحت سلطان الله وأمره وسيطرته، وأن كل ما في الوجود، يتمم مشيئته، ويعمل لمجده، وينتهي إلى إثبات مقصده العلوي العظيم!!... والسؤال بعد هذا كله لماذا قضى الله على نبيه بهذه الصورة القاسية الشديدة البشعة؟ هناك أكثر من تفسير لذلك،... والتفسير الأول: أنه ابتداء القضاء من بيت الله، وأن الله يحكم كل شيء، لا بحسب مفهوم الترتيب البشري، بل بحسب الحكمة العلوية الخفية، التي تختلف أفكارها عن أفكار الناس، وطرقها عن طرقهم،... ولو وضع الأمر بحسب الترتيب البشري، لكان المتصور أن الضربة الأولى لابد تقع على يربعام بن نباط، ولكن الله أرجأ هذه الضربة اثنين وعشرين عاماً ليقضي عليه بعد أن تمادى في شره، ولم يرع، أو يتنبه أو يقبل أصوات الله المتلاحقة،... وكان التصور الآخر أن الضربة الثانية تقع على عاتق الشيخ الذي كذب عليه، وكان السر والمشجع على ضياعه ولكن الشاب مات قبل الشيخ، ودفنه الشيخ في قبره، وتصورناه أنه يمكن أن تقع عليه الضربة الثالثة جاء ترتيبه أولاً لكي يتأكد الناس أن الله لا يمكن أن يتحيز أو يحابي الوجوه أو كما يقول الرسول بطرس: "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله، فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله، وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطيء أين يظهران... وسندع الله يضرب ضرباته الرهيبة التي ستأتي فيما بعد، لكن على المؤمن أن يتحذر لأن الله قد يجعله أولاً عبرة للآخرين، وإذا كانت خطية النبي قد عوملت هذه المعاملة، فستكون معاملة يربعام أقسى وأشد وأشنع، وستبقِى عظام النبي ثلاثمائة عام في قبرها، أما يربعام فسيلحقه الدمار الرهيب: "لذلك ها أنذا جالب شراً على بيت يربعام، وأقطع ليربعام كل بائل بحائط محجوزاً ومطلقاً في إسرائيل وأنزع آخر بيت يربعام كما ينزع البحر حتى يفنى من مات ليربعام في المدينة تأكله الكلاب ومن مات في الحقل تأكله طيور السماء لأن الرب تكلم".. لقد قضى الله على نبيه أولاً، لأن انتظاراته من هذا النبي كانت أكثر وأعظم، ولأنه بدأ حسناً، وانتهى سيئاً، أو لأنه -في عرف تفسير آخر- كان في انحداره النفسي يخشى أن تكون حياته لو عاش أسوأ بما لا يقاس منه عند مماته،.. ووجد من قال آخر الأمر: إن أحكام الموت في حد ذاتها تعلو على كل فهم بشري، وتنتظر يوماً لم يأت بعد عندما يقف الجميع أمام العرش العظيم الأبيض: "ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات كما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم".. ولعله من الواجب أن نتريث فلا نتعجل الحكم قبل هذا اليوم الرهيب العظيم!!... على أن بعض المفسرين -مع تسليمهم بهذا كله- رأوا النبي في موته رمزاً لإسرائيل بأكملها، لقد قتله الأسد، ولم يفترس الحمار، لأنه وصل إلى مركز أسوأ من الحمار نفسه، لأن الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف وشعبي لا يفهم، والذي يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر، وعندما سقطت المملكة وتبادعت عن الله، أرسل إليها السباع لتفتك بالناس، وكانت جثة النبي وقد قتلها الأسد رمزاً لجثة إسرائيل بأكملها، بعد أن قضى عليها الله قضاءه العظيم العادل!!... مهما تكن الصورة،.. فإن قصة الرجل ظلت محفوظة عند الناس حتى جاء يوشيا الملك بعد ثلاثمائة عام ليراها معروفة للجميع، وغير مجهولة من أحد!!... وعلى أي حال فإن مصرع النبي سواء في المفهوم الشخصي أو الرمزي كان عميق الدلالة، ممتد المغزى بعيد الأثر!!... |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس مارمرقس والأسد |
قصة الفأر والأسد |
نسر البرية والأسد المرقسى |
الراهب والمشى |
الناسك والأسد |