"إذ لم يكن لهما موضع في المنزل"
(لوقا 7:2)
يقول الكتاب المقدس عن ولادة يسوع أن مريم العذراء ولدت ابنها البكر وقمطّته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل.
ولد يسوع غريباً في هذه الدنيا وعاش فيها غريباً. حيث يقول الكتاب المقدس أن "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه". وفي ختام حياته تحملّ آلامه المريرة مطروداً خارج الأسوار.
إن رواية الإنجيل بأكملها رواية غريبة عن شخص غريب. وتلك الغرابة هي مفتاح ذلك السجل والأساس الذي شيّدت عليه حياة الناصري الغريب. لم يكن له موضع في المنزل حتى ولا في الفندق مجتمع المسافرين في تلك الأيام. فولد في مذود حقير وفي زريبة للحيوانات، لا في بهو مزدان بالشعر والموسيقى وأنواع الفنون الجميلة.
إن حياته مثل يظهر كيف أن روح يسوع ومبادئه نبذتها أعمال البشر وكيف أن أعمالاً خطيرة تُنجز بدون ذكر اسمه. هكذا هي الحال في الوقت الحاضر كما كانت خلال الأجيال المُتعاقبة منذ كان المسيح على الأرض بالجسد.
إنها أحجية عجيبة. فهنا شخص شعرت الإنسانية مدى العصور بأنه كان الشخص الوحيد الذي أرانا ما هو لله ومن هو الله وكيف هو الله. ومع ذلك فقد تركناه يعيش خارج السياجات ويموت خارج أسوار المدينة. إننا نعبد الله ولكننا لا نُطيعه... فهو غريب عنّا ومنبوذ في عالمه الخاص. إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله.
وهذا هو السبب للاضطراب المستولي على العالم وللحيرة التي يتخبّط فيها. نعم قد يعترف أُناس يإيمانهم بالله وقد ينحنون أمامه في الصلاة الطقسية ولكنهم يحيون كأنه غير موجود. وممّا لا شكّ فيه أن بإمكان العالم أن يخطو إلى الأمام مقدار قرن في مدة أسبوع من الوقت لو كان الناس يؤمنون بما يدعونه ويتقيّدون به ويفعلونه...
لقد كان المسيح ابن الله وابن الانسان كان إنساناً إذ عمل ما كان منتظراً منه أن يعمل كإنسان، وكان إلهاً إذ أدهش العالم وأخذه على حين غُره.
فمن بين جميع الأبطال الذين كانوا في الحياة الأرضية كان الرب يسوع المسيح أكثرهم دهشة وأقلهّم انتظاراً وأعظمهم ندرة. فلم يكن يتوقّع الناس ماذا كان يعمل وكيف يتصرّف وكانت كلماته أفضل وألطف أقوال نطق بها. فهي تدهشنا بمعناها الخارق وتُبهرنا بجمالها وتسحرنا بعذوبتها وبيانها.
لننظر إلى السجل المكتوب. فليس من يجهل كيف أن يسوع خصّ الغريب بواجب العطف واللطف والمُعاملة الإنسانية الشريفة. فمن أول عظة قدّمها وأظهر فيها روحه وبرنامج عمله يذكر مواطنيه كيف أن اثنين من تابعيه ، في أيام إيليا وأليشع كانا علامة لنعمة إلهية.هما الأرملة في صرفة صيداء ونعمان السرياني (لو ٢٦:٤ و ٢٧).
وبعبارة أخرى "غريبان رديئان" في نظر مواطني المسيح... لقد تهيّج ذووه وحاولوا أن يهلكوه لأنه علم بأن عناية الله كانت تمتدّ إلى شعوب أخرى من غير جنس اليهود ومن غير دينهم. فحسبوه خائناً لبني جنسه ولدينه.
ومع ذلك يُشير الرب يسوع مراراً إلى كون السامريين – وهم مزيج من يهود وأمم وكانوا محتقرين في نظر اليهود ولا يتعاملون معهم بسبب نجاستهم على حد تعبيرهم هم أقرب إلى معرفة مشيئة الله من اليهود الأدعياء وإنهم أظهروا روحاً محبة وعرفاناً للجميل. فالأبرص الذي عاد ليقدّم الشكر ليسوع لأجل شفائه كان سامرياً فقال يسوع:
ألم يكونوا عشرة؟
فأين التسعة؟
ألم يوجد من يقدم المجد لله سوى هذا
السامري الغريب الجنس؟
وفي مثل السامري الصالح جعل الرب يسوع السامري قريباً للذي وقع مُحطمّاً على أيدي اللصوص واحتاج إلى نوع من المُساعدة. ومع امرأة سامرية مشبوهة المسلك في حياتها الماضية تحدّث يسوع على البئر بأسمى عبارات فاه بها وأنبل تعاليم روحية سماوية حفظها التاريخ.
لم يشمل الرب يسوع في محبته الغريب الديني فحسب بل والغريب الاجتماعي. فهو نفسه كان بنظر رؤساء اليهود صديقاً للخُطاة والعشارين يأكل معهم ويتعامل وإيّاهم.
ألم يدع زكا العشار من الجُميزة ويطلب
أن يكون ضيفه في ذلك اليوم؟
ألم يجد في إيمان قائد المئة الغريب إيماناً
لم يرَ مثله في كل إسرائيل؟
نعم إن الله غريب فريحه تهبّ حيث تشاء وليس شيء في مجتمعنا الجنسي أو الوطني أو الطائفي ولا اللوني أو الطبقي بنظراته الضيقّة يقدر أن يحصره أو يحتكره. فالشكر لله من أجل محبته التي لا تتعب ولا تكلّ ولا تتأخر ولا تسقط أبداً. إن الخراف الضالة والأبناء الشاردين سيكتشفون أخيراً بواسطة ذلك المفتش الأعظم.
في غمرة ميلاد الرب يسوع نشعر بعظم محبة الله للعالم فنجدها أوسع من الجلَد وأعمق من البحر وأقوى من الصخر وألطف من ابتسامة الطفل. قد يكون بمقدورنا أن نستظلّ تحت أشجار الحديقة في فصل الصيف وأن نلجأ إلى المنازل الدافئة في أيّام الشتاء ولكننا لا نستطيع أن نتصوّر نفساً خارج نطاق محبة الله وعنايته وبعيدة عن مراحم الله الغنية وحضوره الدائم وعلمه الذي لا يحدّ.
واليوم وسط عالم مُصاب بالألم والحيرة والاضطراب وقد ذهب مع كل ريح، لا يزال يسوع غريباً حتى عن الميلاد بالذات لبعضهم. فهو مطرود من قبل شيخ الميلاد كأنه غريب. ولكن يبقى هنالك أمر واضح:
إلى أن يدخل يسوع إلى بيوتنا وإلى داخل منازلنا – إلى قلب الفندق وإلى وسط الكنيسة وإلى أعماق قلوبنا لا يُمكن أن يحصل سلام على الأرض بين أبناء أهل الأرض وأجناس الشعوب القاطنة على سطحها دون ذلك الذي فدانا بروحه القدوس وغسلنا
بدمه الطاهر النقي الزكي
ربنا يسوع المسيح له المجد آمين .
أحبك وأحمدك وأعبدك
وأشكرك كثيراً...كثيراً
يسوع المسيح ينبوع الحياة
بيدو...