رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إشعياء ورؤياه وكانت هذه الرؤيا نقطة التحول فى تاريخ الرجل ، أو بتعبير أدق ، هى دعوة اللّه العليا التى بها ناداه إلى الخدمة العظيمة ، ... ومن العجيب أن أعظم الرجال على الأرض ، هم الذين تغيرت حياتهم ، وغيروا حياة الناس ، لأن رؤيا اللّه حولت تاريخهم بأكمله ، .. ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم ، فقام برحلته الخالدة ، ... وظهر لموسى فى العليقة ، فقام برسالته العظيمة ، ... وظهر لجدعون ، فحوله من الخائف من ظله إلى بطل من أبطال الأجيال ، ... ومن المثير أن الجنرال فوشى الذى كسب الحرب العالمية الأولى يقول إنه فى 26 مارس عام 1918 ظهر له اللّه فى رؤيا وأعطاه يقيين النصر!! ولم يكن هذا الجنرل خرافيا ، ولكنه آمن باللّه ورؤيته وانتصر !! ... وها نحن الآن نتابع رؤيا إشعياء من جوانبها المختلفة : الرؤيا والسيد قال إشعياء فى مطلع الأصحاح السادس : « فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل ، فإذا قارنا هذا بما جاء فى إنجيل يوحنا الأصحاح الثانى عشر والعدد الحادى والأربعين : « قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه » ... أدركنا أن السيد المسيح هو الذى ظهر لإشعياء فى مجده وجلاله وعظمته فى هيكل اللّه فى أورشليم ، ... وقد حدثنا إشعياء عن وقت الرؤيا ، غداة وفاة الملك عزيا ، ولعل إشعياء كان ذهنه مشغولاً وممتلئاً بعزيا الملك ، وكان عزيا من أعظم الملوك الذين ظهروا فى حياة إسرائيل ، ... ولكنه فعل فى أخريات حياته شيئاً تعساً محزناً ، إذ حاول أن يكول ملكاً وكاهنا معاً ، فطرده اللّه لكبرياء قلبه ، بعد أن أصيب بالبرص ، وبقى فى بيت برصه إلى يوم وفاته ، ... إنه على أية حال كان يمثل الإنسان البشرى العظيم ، ونقطة النقص والضعف اللاحقة بعظمته .. لكن إشعياء تحول من الملك الناقص ، إلى الملك القدوس ، رب الجنود ، الذي له وحده عرش الجلال والكمال ، ... تحول من المشهد الأرضى إلى اللّه الذى السماء ليست بطاهرة أمام عينيه ، وإلى ملائكته ينسب حماقة !! ... والمسيح دائماً هو مثال الكمال ، عندما ما نفجع فى برص الناس ونقصهم وضعفهم وخيانتهم وقصورهم ، ... على أن الرؤيا تكشف عن جانب آخر ، إذ تكشف عن الملك الدائم ، عندما يتحول الملك من إنسان إلى آخر ، أو عندما نتطلع فلا نجد أحداً يملأ المكان ، ويستولى علينا اليأس والقنوط ، ... مات عزيا الملك وبقى الملك السرمدى الأبدى الحى الذى لا يموت ، وهى الرؤيا التى نحتاج إليها فى أتعس الأوقات وأحلك الليالى ، عندما صرخ دوجلاس زعيم العبيد فى الولايات المتحدة ، وهو يعدد الظروف التعسة القاتلة التى تواجه العبيد البائسين هناك وهو يقول : كل شئ ضدنا !! .. الظروف ضدنا !! .. الناس ضدنا !! .. صاحت فيه امرأة زنجية : ولكن يا دوجلاس اللّه حى ولم يمت !! .. فثاب الرجل إلى رشده ، وأدرك أن العروش على الأرض تهوى ، ولكن اللّه يسود فى عرشه ويملك ويحكم !! .. هل نستطيع أن نرى اللّه مستقراً وجالساً على كرسى عال ومرتفع مهما أحاط بنا الظلام والفزع والضيق والحزن والأضطراب ؟؟ . الرؤيا والملائكة لم يكن إشعياء محتاجاً أن يرى اللّه فحسب ، بل كان عليه أن يرى كيف يخدم السرافيم اللّه والكلمة « سرافيم » من أصل عبرى معناه « الملتهبين » « الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة » " مز 104 : 4 " وكان لكل واحد ستة أجنحة ، فهناك جناحان للطيران ، وبهما يطير ملتهباً فى غيرته لخدمة اللّه !! ... والخدمة المسيحية ، لابد أن تكون هكذا ، ... كان واحد من خدام اللّه الصينيين ، وكان غيوراً للمسيح ، فى الولايات المتحدة ، ينتقل فى القطارات وهو يوزع النبذ المسيحية ، وذات مرة رأى أمامه سيدة تبدو غنية وأنيقة ، وقدم لها نبذة عن الخلاص ، ... وإذا سألته عما فيها قال : إنها قصة جميلة أرجو أن تقرأيها ، فصاحت في ووجهه : لا أريد ، وألقتها فى وجهه ، .. وقد راعه أكثر أن الكمسارى قال له : إن هذا ممنوع وتألم الرجل ، وهو يسأل نفسه كيف يمكن أن يمنع هذا فى بلد خرج منه المرسلون إلى العالم لينادوا ببشرى الخلاص ؟ ... ولكن واحداً من الجالسين تقدم إليه وهز يده قائلا : إنك هززت قلبى من الأعماق ، إذ أرى أحدهم يشتغل بعمل سيده !! ... كان هذا الخادم يأخذ أجنحة السرافيم وهو يقف فى الطريق يصلى ويرنم بالأغانى المسيحية ، وقد هز نفوساً كثيرة بحياته الملتهبة فى خدمة سيده !! ... على أن السرافيم يعطوننا صورة أخرى ، صورة الإتضاع فى حضرة اللّه ، إذ يغطى كل واحد منهم وجهه بجناحين ، لأنه لا يجسر أن ينظر إلى وجهه اللّه !! ... وفى الحقيقة إن الاتضاع من أهم صفات الخادم المسيحى ، وما ير هذا الخادم نفسه على وضعها الحقيقى فى حضرة اللّه ، كما كان يرى داود نفسه كبرغوث أو كلب ميت أو لا شئ على الإطلاق ، ... فإنه لا يستطيع أن يقوم بالخدمة أبداً !! .. تقابل أحد خدام اللّه مع عضو ثرثار ، وكان هذا العضو يتحدث كثيراً ، ويكرر الكلام ، والراعى مستعجل يريد الذهاب إلى مكان ما ، وأخيراً قال له : أنا مشغول وينبغى أن أذهب بسرعة !! ... ألا تعرف من أنا !! ؟ ... وقال العضو : نعم أعرف ، فانت الواعظ !! ... ولكن هذه الكلمة رنت فى أذن خادم اللّه وقال : هل ينظر الناس إلى أنا ، وهل أوجه الالتفات إلى نفسى أم إلى المسيح!!؟… وذهب إلى بيته ، وأغلق على نفسه ، وظل هناك حتى صلب الإنسان العتيق … وعاد ليعظ : « ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص » " يو 3 : 03 ز .. كان هناك واعظ ينقلونه من كنيسة إلى كنيسة ، لأنه كان جافاً ويترك الجفاف فى كل مكان ذهب إليه!!.. وقال له الشخص المسئول فى المجمع : أنا لا أستطيع أن أعينك فى كنيسة ، إنهم يصفونك بالقصبة العجوز الجافة … وبكى الرجل العجوز وقال : أعطنى هذه الفرصة الأخيرة … فعين فى قرية ، وفزعت القرية إذ سمعت بخبر تعيينه .. لكنه دخل إلى مخدعه ، وصارع مع اللّه ، وعندما خرج ، خرج إنساناً آخر ، حتى كانوا يصفونه بالقول : إن القصبة العجوز اشتعلت فيها النار بعد الاتضاع والبكاء فى حضرة اللّه !! … وكان الجناحان الأخيران يغطيان القدمين ، وهو الأمر الثالث فى الخدمة ، ونعنى به الاحترام الكلى لعمل اللّه ورسالته ، … تعود أحدهم أن يدخل الكنيسة دون أن يرفع قبعته ، وإذ سأله الراعى عن السر فى ذلك … قال : لا تؤاخذنى لعدم رفع القبعة ، فقال الراعى : لا مؤاخذه . فهذا ليس بيتى !! … إن من أهم مقومات الخدمة المسيحية الإجلال والاحترام الكامل للّه وبيته وخدمته ورسالته !! الرؤيا والنفس بعد أن أبصر إشعياء اللّه ، والملائكة ، رأى نفسه وحالته فصاح : « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين » ( إش 6 : 5 ) هذا ما أحس به إشعياء وهو فى بيت اللّه ، ونحن فى العادة نرى تصرف الناس فى بيت اللّه يختلف إلى حد كبير عن هذه الرؤيا إذ عندما يحضرون ، ما أكثر ما يهنئون الواعظ على العظة البليغة الممتازة الى ألقاها ، وينصرفون إلى الراعى دون أن يروا أنفسهم !! ... وقال أحدهم : إن الكثيرين يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم يههنئون أنفسهم بالبركة والتعزية التى حصلوا عليها ، ثم يأكلون طعامهم ويشربون شرابهم ، ويمكن أن يقال لهم : لقد أكلتم ، واحتسيتم وامتلأتم من القهوة أو الشاى ، لأنكم لم تروا أنفسكم وخطاياكم لكى يصيح الواحد منكم : ويل لى إنى هلكت » .. جاء فى قصة قديمة أن شاباً غنياً استجاب لرسالة المسيح ، وعمده الرسول يوحنا ، وعندما علم أبوه بذلك خيره أن يختار فى أربع وعشرين ساعة بين دينه القديم وثروة أبيه ، أو المسيح يسوع !! ... وقال الشاب : إنى أختار المسيح ، وخرج من بيت أبيه وعاش فى أوساط المسيحيين الفقراء مدة عامين ، ... وفى يوم عيد الميلاد كان يتجول فى غابة ، وكانت نفسه فى أقسى حالات التجربة ، وتصادف أن تقابل مع كاهن وثنى ، وسأله الكاهن : لماذا يتجول بعيداً عن أصحابه وهداياهم !! ؟ … ثم ابتدره – على ما تقول القصة – بالسؤال : هل يمكن أن يعطيه – أى للكاهن - اسم المسيح ، وفى مقابل ذلك سيعطيه الكاهن ما يشتهى من ثروة وجاه ونفوذ ؟!! ... وقبل الشاب المبادلة ، وسار فى إتجاه بيته القديم ، ليجد أباه فى ضجعة الموت ، وقال له الأب : إنى آسف يابنى لأنى عاملتك هذه المعاملة القاسية ... هل لك أن تعلمنى عن السر المسيحى ؟ وارتبك الشاب وهو يقول : « انتظر يا أبى قليلا ... حتِى أشرح لك السر !! . وقال له الأب : لا أستطيع الانتظار ، ومات بين يديه !! ... وصرخ الشاب وهو يدرك أن سر تلعثمه راجع إلى أنه خضع للتجربة ، فبكى وهو يقول « ويل لى إنى هلكت » وانحنى أمام اللّه تائباً !! ... لقد عرت الرؤيا الإلهية إشعياء وشعبه ، فرأي البرص يملأه ويملأ الأمة بأكملها !! ... عندما رأى بطرس جلال المسيح صاح : « أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطئ» "لو 5 : 8 " نرى هل رأيت هذه الصورة أيها القارئ وأنت فى حضرة اللّه ؟!! . الرؤيا والتطهير ما أن اعترف إشعياء بخطيته حتى أدرك فى الحال ما قاله الرب على لسانه : « هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصـــــوف » ( إش 1 : 18).. ولم يحتج إلى وقت حتى يظهر ، إذ طار واحد من السرافيم ، وقد أخذ جمرة من على المذبح ومس بها شفتيه ، والسؤال : لماذا هى جمرة ، ولماذا أخذت من على المذبح !!؟ إنها جمرة لأنها تشير إلى عمل الروح القدس النارى . .. ومن على المذبح لأنها تشير إلى عمل المسيح الكفارى ... واللّه ينتزع خطايا إشعياء وخطاياى وخطاياك بفداء المسيح ، وتأثير الروح القدس ، ... ولعلنا نلاحظ هنا أن السيد لم يوبخ إشعياء على خطاياه ، أو ينظر إليه بغضب ، أو يذله بها، بل سارع فى الحال إلى تطهيره عندما اعترف بها . جاء فى قصة أن أحد المؤمنين القديسين بعد أن تتجدد عرض للكثير من الضعفات والتجارب التى أسقطته ، وحلم ذات يوم أنه ذهب إلى السماء ، وإذ رأى المسيح أحنى رأسه خجلا ، وقال : يا سيدى إن خطاياى كثيرة ... وأنا حزين عليها !! ... ولشدة دهشته سمع السيد يقول : « إنى لا أذكر البتة خطية لك ، لقد محوتها جميعاً !! .. الرؤيا والرسالة «من أرسل ومن يذهب من أجلنا ؟ » .. " إش 6 : 8 " ونحن نلاحظ هنا أن اللّه لم يوجه الدعوة مباشرة إلى إشعياء أو يأمره بها ، لقد أعطاه مطلق الحرية للاختيار أو الرفض ، … وهو القائل دائما : إن أراد أحد أن يأتى ورائى !! .. " مت 16 : 24 “ ومن العجيب أن الدولة لا تترك لأحد أبنائها الحرية ليقبل الواجب أو يرفضه ، فالمواطن لا يدفع الضريبة بالاختيار ، والجندى لا يذهب إلى الجندية بملء إرادته ، لكن اللّه لا يرغم أحداً على الرسالة التى يلزم أن يؤديها !! .. إنه يطلق النداء العام ، وعليك أن تقبل أو ترفض ، .. وقد أجاب إشعياء على الرسالة بالإيجاب وهو يقول : « ها أنذا أرسلنى » … " إش 6 : 8 "… ومع أن الرسالة كانت من أصعب الرسائل وأقساها ، إذ تحدث عن خراب بلاده لأنها لا تطيع اللّه ، والنفس التى لا تطيع ، معرضة للضياع على الدوام !! ،كان على الرجل الذى ترك حياة القصور أن يدفع الضريبة ، فى سبيل الخدمة ، … وقد فعل على أعظم وجه يمكن أن يفعله نبى أو رسول أو خادم للّه فى الأض !! .. |
|