رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أحشويرش وهامان الأجاجى من الغريب أن الشعوب تذهب - فى العادة - ضحايا تصرف الأفراد ، وأن المشاكل والمؤامرات والحروب كثيراً ما ثارت ، دون أن تكون هناك ضرورة لقيامها ، فحروب تروادة قامت من أجل امرأة ، وحرب البسوس من أجل ناقة ، والحرب العالمية الأولى من أجل مصرع أمير من الأمراء !! .. وهكذا تأتى النار من مستصغر الشرر ، .. وإبادة شعب بأكمله ، جاء من وراء خلاف بين رجلين ، فهامان الأجاجى وصل إلى مركز رئيس الوزراء ، وقد أكرمه الملك ، باعتباره ممثلاً له ، فأمر بأن ينحنى أمامه الجميع ويسجدون ، غير أن مردخاى اليهودى من حقه أن يحترم الرجل ، ولكن لا يمكن أن يسجد لإنسان مثله ، لأن عقيدته الدينية تمنعه من السجود إلا للّه وحده، وهو يقبل الموت دون أن يسجد للإنسان ، حتى ولو كان أحشويرش نفسه وهنا نقف أمام نقطة هامة ، بل هنا نقول مع مارتن لوثر : " هنا أقف ولا أفعل غير ذلك ، وليعنى اللّه " !! .. فى مدينة أفسس طلب من فتاة مسيحية فى عصور الاضطهاد ، ألا تفعل شيئاً سوى أن تقدم قليلا من البخور فى المبخرة للآلهة الوثنية .. ورفضت الفتاة ، وهى تقبل أن تحترق، هى بنفسها ، دون أن تتجاوز الخطر الإلهى فى الولاء للّه !! .. وإذا صح أن " تل " السويسرى رفض أن ينحنى بدافع الوطنية أمام قبعة الغاصب المحتل ، وعندما أكره على أن يصوب سهماً إلى تفاحة وضعت على رأس ابنه ، وأى انحراف للسهم قد يقتل الابن فى الحال ، وقبل ، وقد وطن نفسه على أن يجهز سهماً آخر للغاصب لو أن ابنه قتل من السهم الأول ... وإذا صح أن الوطنية دفعت ملايين الناس على الأرض إلى أن يمحوا تراب وطنهم بالدم وأن يدفعوا الغاصب أو المستعمر أو العدو ، ولو قدموا حياتهم رخيصة بلا تردد من أجل الوطن ، ... فكم يكون الأمر إذا تتعلق بعقيدة الإنسان وضميره ، وهو يعيش تحت شعار الأمانة الدينية منصتاً إلى صوت السيد : " كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة " ، ... " رؤ 2 : 10 " هذا هو السبب الذى دفع مردخاى لأن يقف على النقيض من عبيد الملك جميعاً ، الذين كانوا يجثون ويسجدون لهامان ، كأمر الملك ، ... وهذا هو السبب الذي أثار هامان ، وطعن كبرياءه. فى الصميم ، وملأه بالحقد والضغينة والانتقام ، ... وهو فى كل الحالات على النقيض من مردخاى ، رجل وصولى نفعى لا يبحث إلا عن مجده وكرامته وعظمته وثروته ، وهو يصل إليها جميعاً بمختلف الوسائل والأسلحة . والإنسان ، فى الكبرياء ، يعمى عن الحقيقة ، إنه لا يختلف عن أى إنسان آخر ، مهما كان حظه ومركزه ونصيبه من الحياة ، وقد رأى أيوب نفسه لا يختلف عن عبده وأمته فقال : " إن كنت رفضت حق عبدى وأمتى فى دعواهما على ، فماذا كنت أصنع حين يقوم اللّه ، وإذا افتقد فبماذا أجيبه ، أو ليس صانعى فى البطن صانعه ، وقد صورنا واحد فى الرحم " " أيوب 31: 13 - 15 " .. وقد بلغت كبرياء هامان الحد الذى فيه رأى أن إساءة مردخاى لا يمحوها دمه وحده، بل لابد من أن يكون دم شعبه بأكمله فى كل البلاد هو التعويض عن الكبرياء المجروحة والمساء إليها !! ... أية وحشية يمكن أن تكون كهذه الوحشية ؟ وأية قسوة يمكن أن تصل إلى هذه القسوة ؟ ... وفى الحقيقة أن أى وحش يلغ فى الدماء لابد أن يتوقف عن التعطش إلى الدم ، مهما كانت وحشيته ، ليعطى المكان الأول لهامان الأجاجى وأمثاله فى كل التاريخ ، الذين لا يشبعون من أنهار الدماء التى تفيض أمامهم دون توقف !! .. وقد كان على هامان ليتمم رغبته الوحشية - أن يقدم رشوة للملك أحشويرش وهو لا يكتفى بأن يبرر أن الشعب اليهودى شعب منعزل بسنين مختلفة عن الشعوب ، وهو لا يعمل سنة الملك ، بل إنه سيعطى عشرة آلاف وزنه تقدم لخزانة الملك مقابل هذا القضاء الذى يلزم إتمامه ، ... وما من شك بأن هامان وضع عينيه على ثروة هذا الشعب ، وهى أضعاف مضاعفة لما يقدم لخزانة الملك ، وسيكون له النصيب الوافر من الثروة المحمولة إليه منهم !! .. ومثل هذا الإنسان ليس قاسياً أو راشياً مرتشياً فحسب ، بل هو أكثر من ذلك ، إنسان خرافى يؤمن بالوساوس والخرافات ، ومن ثم فهو يلقى القرعة فى الشهر الأول - أي شهر نيسان - ليقع القضاء فى آخر السنة فى الثالث عشر من الشهر الثانى عشر شهر آزار لإهلاك وقتل وإبادة جميع اليهود من الغلام إلى الشيخ ، والأطفال والنساء فى يوم واحد ، وأن يسلبوا غنيمتهم !! ... ومع أن الملك قد ختم الكتاب إلا أن غيظ هامان من مردخاى وبالمشورة مع زوجته ومشيريه ، لم يستطع أن يصبر إلى الزمن المحدد للقضاء عليه ، بل أسرع ليجعله عبرة منفردة للآخرين ، فصنع خشبة طولها خمسون ذراعاً ليصلب عليها عدوه اللدود !! .. ولم يعلم هامان ، وهو يصنع الخشبة الطويلة ، أن يضعها لنهايته وللقضاء عليه هو ، وفقاً لقول الحكيم : " من يحفر حفرة يسقط فيها ومن يدحرج حجراً يرجع عليه !! .. " . " أم 26 : 27 " وأعتقد أننا فى حاجة إلى مصور بارع يصور لنا هامان الأجاجى ، وهو يلبس مردخاى الذى سر الملك بأن يكرمه ، اللباس الملكى ، ويركبه فرس الملك ، وينادى فى ساحة المدينة : هكذا يصنع للرجل الذى يسر الملك بأن يكرمه !! .. وأعتقد أننا فى حاجة إلى صورة أكبر لذلك الصليب ، وقد أنتزع من فوقه مردخاى ليأخذ هامان مكانه !! إنه اللّه ، صديق البائس والمنكوب والمظلوم ، والبرئ ، يفعل هذا وهو القادر على كل شئ فى كل عصور التاريخ !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الملك وهامان يشربان |
كذلك في قصة مردخاي وهامان |
أحشويرش وهامان |
الملك وهامان |
سفر استير 10: 7 و التنينان انا وهامان |