"غفران الله"
يقول الكتاب المقدس: {لأن المسيح إذ كنّا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيّن لأجل الفجار، فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار، ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت، ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب} (رومية ٦:٥- ٩). ويقول بولس الرسول أيضاً: {فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح} (رومية ١:٥).
يا لها من كلمات مطمئنة تبعث في النفس سلاماً وفي القلب ارتياحاً، لأن الله يهب كل تائب، مؤمن بالمسيح، الغفران والتبرير، ويغمره بسلامه العجيب وفرحه المجيد. إنّ المسيحيّة تعلن للجميع غفران خطاياهم متى رجعوا للرب بكل قلوبهم تائبين، وتركوا الشر نادمين، واحتموا بالصليب خاشعين. إنّ الله ينادي للجميع كي ينالوا هذه المغفرة العجيبة. لقد دفع المسيح أجرة خطايانا على الصليب، ودفع ثمن فدائنا دمه الزكي الثمين. لم يكن الفداء رخيصاً هيّناً، لكنه كلف ابن الله القدوس أن يذوق آلام الصليب المبرحة نيابة عنا. كان الغفران مكلفاً، لأن الله قد قام بعملية المصالحة في شخص ربنا يسوع المسيح.
إنّ الله لا يمكنه التساهل مع الخطية، {لأن أجرة الخطية هي موت} (رو ٢٣:٦). فالله لا يتغاضى عن الشر، ولا يترك الإثم، لكنّه يدين الخطية في أيّ صورة من صورها، وفي أيّ إنسان، أو ملاك. من أجل هذا كانت هناك ضرورة محتمة لموت ابن الله نيابة عنّا، حتى يتمكن الله من غفران خطايانا، ولولا موت المسيح الكفاري عنّا لما استطاع الله أن يهبنا غفرانه العجيب، لأن عدله يتطلب إدانتنا. ففي صليب المسيح التقت الرحمة بالعدل، واستوفت عدالة الله قصاص خطايانا كاملاً في شخص المسيح له المجد. من أجل هذا يقول إشعياء النبي: { وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. } (إشعياء ٥:٥٣).
على هذا الأساس، فإنّ غفران الله مقدّم للجميع بلا مقابل على حساب دم المسيح المسفوك لأجلنا. وكل من يُقبل إلى الصليب تائباً عن خطاياه، مؤمناً بكفارة المسيح، طالباً الخلاص من خطاياه من المصلوب، فإنّه ينال غفران خطاياه في الحال. إنّ صوت الله ينادي الجميع، إذ يقول إشعياء النبي بروح النبوّة: {هلّم نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيّض كالثلج، إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف} (اشعياء١٨:١).
الغفران تام
حقاً إنّه شيء مفرح ومطمئن عندما ندرك هذه الحقيقة المباركة. ففي اللحظة التي نعترف بخطايانا تائبين، ونترك شرورنا نادمين، ونهرع للمخلّص مؤمنين، في هذه اللحظة نسمع كلمة الغفران من رب السماء. {يا بنيّ. مغفورة لك خطاياك} (متى ٢:٩). هذا الأمر لا يتطلب وقتاً طويلاً، لأنّ الله في مراحمه يُسرّ بالخاطئ التائب الراجع إليه من كل قلبه، ويسرع لقبوله فاتحاً أحضان المحبة له، مؤكداً له الغفران، هذا ما يقوله إشعياء النبي: {اطلبوا الرب ما دام يوجد، ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران} (إشعياء ٦:٥٥ - ٧)
لكنّ أهم شيء – كي نتمتع بالغفران التام – هو التوبة الصادقة من القلب النادم والإيمان بالرب. لقد كان أوغسطينوس في أيام شره يصلّي هذه الصلاة: {يا رب، اجعلني طاهراً، لكن ليس الآن}. هذه توبة غير حقيقية، ولا يمكن لصاحبها أن ينال الغفران. لكن حين عملت فيه نعمة الله، ورجع من كل قلبه تاركاً خطاياه، وصرخ للرب كي يرحمه، في الحال سمع كلمة الغفران ترنّ في أذنه، وتدخل إلى قلبه، وسلام الغفران يملأ قلبه وكيانه، فهتف شاكراً للرب لأجل مراحمه وصلاحه.
الاعتراف ضروري
إنّ الغفران يتبع التوبة والاعتراف. يقول يوحنا الرسول: {إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم} (١يو ٩:١). قد يتساءل الكثيرون: {هل هناك ضرورة ملحة للإعتراف بالخطأ للناس ؟
وإن كنا قد تبنا عن خطايانا، واعترفنا لله بشرورنا، فهل نعترف للبشر بهذه الخطايا؟}. إنّ بولس الرسول يشجع الاعتراف بالخطأ للقادة الروحانيين، وينصح هؤلاء بالقول: {أيّها الإخوة إن انسبق إنسان فأخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظراً إلى نفسك لئلا تُجرّب أنت أيضاً} (غل ١:٦).
إنّ الاعتراف ينبغي أن يكون مصحوباً بتصحيح الأوضاع المغلوطة ورد الأشياء المسلوبة لأصحابها. إن كان صاحب الشأن قد مات، فالأشياء المسلوبة تُرد إلى الأولاد أو الورثة. وإن تعذّر ذلك فقيمة الشيء المسلوب توضع في صندوق الفقراء أو في أي مشروع خيري. بهذا تكون التوبة صادقة، والاعتراف حقيقي، والغفران تام.
يقول داود النبي في صلاته لله: {أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت اعترف للرب بذنبي، وأنت رفعت آثام خطيتي} (مز ٥:٣٢). لقد علم داود أنّ الأمانة في التوبة عن كل شر لازمة جداً، فلم يخبئ خطيته، ولم يتساهل معها، لكنه فحص قلبه في محضر الله واعترف بها اعترافاً صريحاً. لقد عرف قيمة الغفران، إذ قال: {طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش} (مز ١:٣٢ – ٢).
وبعد توضيح هذا المفهوم الشامل لمعنى الغفران، نأمل أن تكون قد اختبرت غفران الله وإن لم تكن قد اختبرت هذا الغفران نرجو ألا تحرم نفسك من هذه النعمة المعطاة لك مجاناً بيسوع المسيح. في نهاية حديثي هذا أتمنى أن تكون قد اختبرت غفران الله في حياتك لتعيش توبة صادقة مع إلهك متمتعا بسلامه العجيب .
أشكرك أحبك أحمدك كثيراً
يسوع المسيح العشق الذي لن ينتهي
لأنه هو ينبوع الحياة
الى الأبد...آمين
بيدو...