رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تلمســيـني القديس أغسطينوس
قد قُرأت اليوم أيضاً حادثة قيامة الرب من الإنجيل المقدس بحسب القديس يوحنا البشير. وقد سمعنا شهادات لم نسمعها في كتب الإناجيل الأخرى. في الحقيقة، إن التبشير بالحق مشترك عند كل الإنجيليين، إذ أن جميعهم شربوا من الينبوع ذاته. لكن في كتابة الإنجيل – كما أوضحت مرات عديدة – بعض الأحداث سردها الأربعة كلهم، وبعض الأحداث سردها ثلاثة، وبعض الأحداث سردها إثنان، وأحداث أخرى سردها إنجيلي واحد بشكل منفرد. وهكذا نرى أن يوحنا البشير وحده هو الذي يذكر الحادثة التي سمعناها الآن بحسب إنجيل يوحنا، أن مريم المجدلية رأت الرب وأنه الرب قال لها: “لا تلمسيني، لأنني لم أصعد بعد إلى أبي” (يو 20). على هذا الموضوع، يجب أن أتكلم مع قداستكم. النساء بعد أن رأوا القماش الكتاني في القبر، آمنوا ليس بقيامة الرب بل آمنوا أنهم قد أخذوه. إن يوحنا ذاته – الذي كان يسوع يحبه كما قال هوعن نفسه – عندما سمع النساء اللواتي صرَّحن بذلك قائلاً: “أخذوا السيد من القبر”، ركض مع بطرس وفحص القبر، ورأى الأكفان وآمن. لكن بما آمن؟ ليس بأن المسيح قد قام، بل بأنه قد أختفى من القبر. الكلمات التالية تثبت هذا، كما سمعنا الإنجيل يُقرأ علينا اليوم: “ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات”. ما آمن به كان واضحاً، لقد آمن بما لا علاقة له بالإيمان. لقد آمن، لكن ما آمن به كان باطلاً. فيما بعد، ظهر له الرب وبدَّد الخطأ وزرع الحق. إن معنى هذا القول: “لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي”، قد يزعج القارئ والمستمع المنتبه والفطن. هلما ندرس هذا القول بمساعدة الرب. حقاً هذا القول المهم تفسيره عسير. إذ أنه متى صعد الرب إلى الآب؟ في يوم الأربعين بعد القيامة، كما يشير سفر أعمال الرسل، هذا اليوم الذي سوف نحتفل به قريباً تكريماً للرب. صعد آنذاك للآب، والتلاميذ الذين لمسوه بأيديهم تبعوه بعيونهم، إلى أن نطق الصوت الملائكي هذه الكلمات: “ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء” (أع 1). إذا كان الرب قد صعد إلى السماء في يوم الأربعين، فأي جواب نقدمه يا أخوتي؟ هل مريم لم تكن قادرة على لمسه وهو واقف هنا على الأرض، لكن قادرة على لمسه وهو جالس في السماء؟! إذا كانت هي غير قادرة على فعل ذلك هنا، فكم يكون الأمر أصعب لتفعله هناك؟ ما إذن معنى الكلمات: “لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي”؟ في واقع الأمر، الكلمات تبدو لي كما لو أنه يقول: “ألمسيني آنذاك عندما أصعد، لا تلمسيني قبل أن أصعد”. آه أيها الرب، أنت هنا ولا يمكنني لمسك، فهل عندما تصعد يمكنني لمسك؟! علاوة على ذلك، إذا كان الرب قد إمتنع عن اللمسة الإنسانية قبل أن يصعد إلى الآب، فكيف قدّم نفسه لتلاميذه ليس للرؤية فقط بل لكي يمسكوه ويجسوه، إذ أنه قال: “ما بالكم مُضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. أنظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” (لو 24). وأيضاً التلميذ المرتاب توما لمس جنبه المطعون وصاح: “ربي وإلهي” (يو 20). وعندما لمسه أيضاً لم يكن الرب قد صعد بعد إلى الآب. ربما يصرح شخص تنقصه الحكمة: أنه قبل الصعود للأب كان يمكن للرجال أن يمسوه، لكن بالنسبة للنساء فيمكنهم فقط أن يمسوه بعدما يصعد إلى الآب. هذا فكر سخيف ورأي منحرف. بإختصار، دع الكنيسة تسمع ما سمعته مريم، ليسمع الجميع هذا الكلام الذي قاله الرب وليفهم الجميع. إذن ما معنى “لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى الآب”؟ معناه الآتي: “لأنك تنظريني، تعتقدين أنني مجرد إنسان، فأنت لا تعلمين حتى الآن أنني مساوي للآب. لا تلمسيني بهذه النية كمجرد إنسان، لا تعتقدي أنني مجرد إنسان بل أفهمي أن الكلمة مساوي للآب”. إذن ما معنى “لا تلمسيني”؟ أي لا تعتقدي. لا تعتقدي بماذا؟ لا تعتقدي بأنني مجرد ما تنظرينه. أنا سوف أصعد إلى أبي، آنذاك ألمسيني. عندما تفهمين أنني مساوي إلى الآب سوف أصعد بالنسبة إليك. طالما تعتبرينني أقل من الآب فأنا لم أصعد بعد بالنسبة إليك. علاوة على ذلك، أعتقد أنه من قصة المرأة التي شفيت بلمسها طرف ثوب المسيح، يمكننا بسهولة فهم اللمس على أنه الإيمان. لنذكر الإنجيل: “إذا رئيس قد جاء له قائلاً إن ابنتي الآن ماتت لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا فقام يسوع وتبعه هو وتلاميذه. وإذ امرأة نازفة دم منذ اثنتى عشرة سنة قد جاءت من ورائه ومسَّت هدب ثوبه لأنها قالت في نفسها: إن مسست ثوبه فقط شفيت” (مت 9، لو 8). وبقولها هذا الإقرار الإيماني لمسته. لنسمع كلمة الرب يسوع بعد أن شفيت نتيجة لإيمانها: “من الذي لمسني”، وجاوب التلاميذ: “يا معلم الجموع يُضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني”؟ لكنه أجاب: “قد لمسني واحد لأني علمت أن قوة قد خرجت مني”. النعمة إنطلقت لكي تشفى دون أن تنقص منه. لذلك قال التلاميذ: الجموع يضيقون عليك من كل جانب، وأنت تلاحظ هذا الرجل أو تلك المرأة؟ لكنه أجاب: “لمسني واحد. الآخرون يضيقون علي، لكن واحد فقط لمسني”. ما معنى هذا؟ معناه: مازال اليهود (غير المؤمنين) يكافحون لكن الكنيسة (ممثلة في نازفة الدم) قد آمنت. طبقاً لهذا التفسير، الذي نرى فيه المرأة لمسته بمعنى أنها آمنت، نفهم الكلمات التي قيلت لمريم المجدلية: “لا تلمسيني، أصعد أولاً (بالنسبة إليك) وبعد ذلك ألمسيني. في الحقيقة، ألمسي آنذاك عندما تكوني قد فهمت هذه الكلمات: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله”. حقاً “الكلمة صار جسداً” لكنه بقي بلا عيب وبلا تغيير وبلا مساس. لكن لأنك ترين فقط إنسان، لا ترين الكلمة (اللوغوس). أنا لا أريدك أن تؤمني ببشريته وتتجاهلي إلوهيته. ليكن المسيح كله مرئي لديك، لأن الكلمة هو مساوي للآب. لذلك قال المسيح: “لا تلمسيني الآن، لأنك لا ترين حتى الآن من أنا”. لذلك، لتسمع الكنيسة – والتي تمثلها مريم بشكل رمزي – ما سمعته مريم. نحن نلمس الرب كلنا عندما نؤمن جميعاً. لقد صعد الرب إلى الآب، وهو يجلس عن يمين الآب. تعترف الكنيسة كلها بهذا اليوم قائلة: “صعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب”. أولئك الذين تعمدوا يسمعون ذلك، ويؤمنون بذلك قبل عمادهم. لذا، عندما يؤمنون، مريم (الكنيسة) تلمس المسيح. المفهوم غامض لكنه عميق. أنه مغلق على غير المؤمنين لكنه منفتح على الشخص الذي يقرع في إيمان. لذا، الرب يسوع هو هناك وهو أيضاً معنا هنا، هو مع الآب وهو أيضاً فينا، هو لا ينسحب من الآب ولا يغادر منّا، وكسيد يعلمنا كيف نصلي، وكابن يستمع إلينا مع الآب. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حياة القديس أغسطينوس |
القديس أغسطينوس |
القديس أغسطينوس |
القديس أغسطينوس |
القديس أغسطينوس |