رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حَمَام محشى بالمؤامرات جاء إلى القاهرة ضابط مخابرات إنجليزى ليرأس عمليات المخابرات فى الشرق الأوسط فى أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكانت ألمانيا قد سجلت انتصارات كبرى وكاد الوضع ينتهى إلى هزيمة مروعة لبريطانيا والحلفاء، وفى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه جاء هذا الضابط الكفء اليقظ ليقود أخطر جهاز فى أخطر عاصمة يتحدد منها مصير العالم. وقام الضابط بمهامه على خير وجه، وبينما هو فى حماسه ذهب إلى الكنيسة يوم أحد كى يعترف للقسّ، وما لبث أن ألقى القبض على القسّ بعد دقائق من اعترافه لأن القسّ سأله أسئلة عسكرية مهمة (...). لقد كان إحساس الضابط بالخطر وتوجسه من كل شىء سببًا فى أن يعتبر أسئلة القسّ له فى أثناء الاعتراف أسئلة عسكرية وراءها عملية تجسس كبيرة. وتذكِّرنى هذه الواقعة بالصديق المهندس علاء الرياش الذى كان فى السبعينيات رئيسا لاتحاد طلبة جامعة عين شمس حين زار صديقه السياسى الشاب حمدين صباحى فى مدينة بلطيم، فلم يجده هناك، ولما كانت بلطيم ريفًا طيبا شأن كل بلدان مصر فقد أصرت والدة حمدين صباحى على أن تعطى صديق ابنها العائد إلى القاهرة زيارة من البلد عبارة عن بطة وأرز معمر وغيرهما من لزوم الزيارة للابن الغريب فى العاصمة البعيدة! وجاء المهندس الشاب إلى مصر وذهب إلى حمدين فى شقته فلم يجده أيضا، فترك له الزيارة وترك معها خطابا يداعبه فيه «حضرت ولم أجدك، معى زيارة عبارة عن بطة محمرة معدلة مثل سيارات C.L المعدل يا عم، وأرز إنما إيه معمر ويملا مركزه، وكام حمامة محشية لزوم ما يلزم، وكله تمام. حاول أن تسأل عن الوالدة، وهى تسلّم عليك، وخلّى بالك من البطة»، وأشياء من هذا القبيل الضاحك. بعدها بيوم ألقت المباحث القبض على حمدين صباحى (المناضل الحقيقى الذى منحه الشعب المصرى محبة كادت لولا أيدى البغى تصل به إلى مقعد الرئاسة) وقَلَب الضابط الشقة رأسًا على عَقِب بحثًا عن وثائق تدين حمدين وأحراز يمكن أن تلبسه أى تهمة، وفجأة اكتشف الضابط هذا الخطاب (خطاب البطة) الذى تركه صديق حمدين، فإذا به يشعر أن كنزًا وقع فى يده، ومضى ضابط المباحث يحقق مع حمدين صباحى أياما فى هذا الخطاب، ماذا يقصد بالبطة؟ هل هى الأسلحة؟! وحمَام يعنى إيه؟ جاهزة للتسليم مثلًا، أم أنها تحتاج إلى أموال؟ والأرز المعمر هل يعنى أن التنظيم مستعدّ، أم التمويل ليبى من معمر القذافى؟ ومَن الوالدة؟ هل هى زعيم التنظيم أم أنها رمز لمكان اللقاء؟ وهكذا أسئلة تنهال على الشاب المتهَم وحصار من الضباط وضغوط وقهر لا ينتهى يحاول انتزاع اعترافه بأسرار هذا الخطاب وسقوط التنظيم كله، انطق يا حمدين، اتكلم يا حمدين، مَن البطة؟ وحاول حمدين صباحى أن يشرح لهم أن البطة هى البطة والحمَام هو الحمَام والأرز هو الأرز والوالدة هى الوالدة، لكن أحدا لم يقتنع. ولا أعرف حتى الآن هل أكل حمدين صباحى يومها البطة أم لا، لكن ما أعرفه أن كثيرين جدا من أصدقائنا المثقفين أُصيبوا بعُقدة البطة، فهم لا يريدون أن يصدقوا ما هو عادى وطبيعى ويصرّون على أن كل ما نكتبه أو نقوله إنما وراءه خطة أو تنظيم أو صفقة خفية أو جهات أو مؤسسات، ثم إن الإخوان الذى تربَّوا فعلا فى تنظيمات سرية وضمن شبكة دولية من الخطط والتمويل والتآمر والأوامر والذين يعيشون على الكذب والخداع، يمارسون الآن هوس اتهام خصومهم ومعارضيهم بالتآمر، ولأن عقلياتهم محدودة وخيالهم تافه فإنهم يذهبون فى اتهام حمدين اتهامات مضحكة وبلهاء كأنهم لا يمكن أن يصدقوا أن البطة لا تعنى شيئا سوى أنها بطة! |
|