السياسة هى أن تستعير «لغة القرآن»
«ممنوع استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية».. الجملة ليست جديدة، والصراع حولها لن يشهد جديداً أيضاً، إذ يتكرر مع كل انتخابات تخوضها «المحروسة»، ولأنها أول انتخابات رئاسية حقيقية، فإن التعاطى معها بدا مختلفاً، على الأقل حتى الآن، هذا ما دعا أنصار مرشحى الرئاسة إلى تشبيههم بالأنبياء، حتى مع المستبعدين منهم، فصار مهندس النهضة خيرت الشاطر بسبب سجنه «صِدّيق هذا العصر.. الذى خرج من السجن ليحكم مصر»، وجعلت حكمة رئيس حزب الجماعة منه «لقمان هذا العصر»، وأدوات الدبلوماسى «عصا موسى»، ونفوذ رجل المخابرات «سليمان وجنوده»، وسقوط الشيخ فى فخ الجنسية «حديث الإفك».
لم يقف الأمر عند حد المرشحين، بل شاع استخدام الدين فى السياسة فى مواقف أخرى، حين وصف الشيخ يوسف القرضاوى مهاجمى الإخوان بأنهم مثل «قوم لوط» ثم تراجع عن الوصف فى بيان صادر عن مكتبه، وحين وصف محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين الإعلاميين بأنهم «سحرة فرعون».
لبديع صولات وجولات أخرى مع القَصَص القرآنى، منها ما قاله فى وصف الشاطر - قبل استبعاده - «سينصره الله بالجلوس ملكاً على خزائن الأرض»، وفى الوقت الذى لم ينجُ فيه د.محمد مرسى من سهام ناشطى مواقع التواصل الاجتماعى، اعتبره أحمد أبوبركة - المستشار القانونى لجماعة الإخوان المسلمين - «لقمان هذا العصر».
ربما كان مبرراً أن تأتى الإشارات الدينية من جماعة تنتمى للفصيل «الإسلامى»، غير أن الأمر لم يتوقف عند التيار الدينى فحسب، ففى ظهيرة الجمعة 8 أبريل الماضى، قاد «الدكتور» توفيق عكاشة مظاهرة من «العباسية» فى اتجاه منزل السيد عمر سليمان لمطالبته بخوض انتخابات الرئاسة، مناشدين إياه حمايتهم من «تكويش الإخوان» فهتف أحدهم: «يا أيها الإخوان أدخلوا مساجدكم حتى لا يحطمنكم سليمان وجنوده» فى إشارة لقصة نبى الله «سليمان» مع «النمل»، فيما اكتفى النشطاء كعادتهم بالسخرية من تعليقات أنصار نائب المخلوع، بقولهم: رشحوا سليمان الملقب بـ«هامان مبارك».
عمرو موسى خاض هو أيضاً غمار التصريحات المثيرة بقوله: مصر تحتاج عصا موسى، الأمر الذى استنكرته القوى السياسية من رجل صاحب باع كبير فى بحر الدبلوماسية، مما أرغم موسى على التعقيب، فى محاولة لتصحيح المعلومة «أقصد عصا موسى.. لاستخدامها فى هدم الفساد وبناء الأمجاد»، ورغم اقتراب مرشحى الرئاسة من نقطة الحسم، ما زال هناك من يؤيد ترشيح حازم صلاح أبوإسماعيل رغم استبعاده رسمياً، لدرجة أن أحد مريدى الشيخ ربط خروجه من الماراثون الرئاسى بـ«الفتنة»، وشبه أحد شيوخ الفضائيات - فى فيديو منتشر على صفحات الإنترنت - ما حدث مع أبوإسماعيل بما مر به رسول الله «محمد» فى حادثة «الإفك» الواردة تفاصيلها فى سورة النور.
الأسلوب نفسه انتهجته حركة «6 أبريل» عندما شبهت المجلس العسكرى بفرعون وهامان، ووجهت إليه رسالة مفادها «لكم فى فرعون وهامان وجنودهما عبرة وآية» وذلك على خلفية أحداث العباسية.. كل هذا نوع من المبالغة ليس أكثر، فى رأى د.آمنة نصير - أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر - لأن ما ورد فى القصص القرآنى هو قول الحق وتشبيه إلهى لكل فريق بما استحقه - تقول - أما أن نأخذ هذه الأوصاف وننزلها إلى خلافاتنا المعاصرة، فلا يجوز.. أستاذة العقيدة تراها أيضاً فشلاً سياسياً، أن يلجأ هؤلاء إلى القصص القرآنى بديلاً عن لغة السياسة المفترض فيها الكياسة، والبعد عن دغدغة مشاعر المصريين باسم الدين.
الوطن
12/5/2012