ها أنت سيدي من جديد أراك تبكي
حينما أراك تبكي ... يتجمد الدمع في عيني فلا ينزل
لأني اخاف انهمار دموعي يحجب عني هذا المشهد
يجذبني بعيداً عن التدقيق في دموعك انت
وتسطع في سماء فكري شمس سؤال واحد وحيد
لماذا تبكي .....؟!
مالذي يبكيك ياسيد بكاء المطر
يا خالق الأكوان والأرض والكواكب وسماء السموات
يا آله الافلاك والنجوم .. والشمس والقمر
يا رب الملائكة والمخلوقات الروحية حتى الساقط منها
ما الذي يبكيك .... يا محب البشر....
نعم .. انهم البشر.. تلك المخلوقات التي تتفنن في إيلامك
من يوم نمت بذار زرعهم بيدك في الأرض
ألم تبكي على أبينا آدم الذي رفض محبتك وباع ملكوتك وعشرتك
وخان مراضاتك وسعى في طلب رضاء إمرأته تلك التي وهبتها أنت له ..!
ألم تبكي على هابيل إبنك وأنت تراه يُذبح بيد إبنك الآخر قايين
ومن أين جاء بهذه القساوة؟ .. وكيف يظن أنه سيُكمل أيامه من دون أخيه ..!
ألم تبكي وأنت تراه يدفن أخاه .. وصوت دماه تصرخ اليك في سمائك
ألم تبكي والطوفان يضرب الأرض من أجل عهد جديد ووعد جديد
ألعلها تكون بداية حقيقية بنوح وأولاده ... وما كانت ...
ألم تبكي على إبراهيم وأولاده .. في أوقات شرودهم وتيهانهم عنك ..
ألم تبكي على يوسف وكل ما عناه ... وأنت ترى من جديد كيف يذبح الأخ أخاه ..!
ألم تبكي على شعبك الذي أنقذته من المذلة وحررتهم من عبودية المصريين
ثم بعد ذلك تركوك أنت صاحب المعجزات والعشر ضربات
وآمر البحر أن يصير طريق ليعبروا عليه
تركوك أنت ... ليعبدوا عجلاً من صُنع أيديهم..!!!
ألم تبكي قضاة شعبك الذين ضلوا بشعبك ....
ألم تبكي داود الذي إخترته ومسحته فخانك وأخطأ أمام عينيك ..!
ألم تبكي سليمان الذي ترائيت له ووهبته حكمة ليست بأرضية
وأنعمت عليه بمملكة راسخة وغنى وثروات لم يُسمع من قبل عن قشورها حتى..!
هذا الذي إئتمنته على بناء هيكلك ....!
أغوت النساء قلبه وباعك ....
وبعد أن كان باني هيكل الرب .. بنى هياكل الأوثان ....
ألم تبكي حينما رأيت شعبك يتحاربون وينقسمون .. وقد ضاع منهم تابوت عهدك ...
ألم تبكي أنبيائك وكهنة هيكلك وهم يضلون الشعب عن طريقك
يعوجون المستقيم .. ويتركون الجريح يموت بجرحه..!
حقاً إنها قصة مأساة آله .. مأساتك مع الإنسان من يوم خلقته
الى يوم مجيئك اليه متجسداً عله يفهم ويشعر بمقدار حبك له
والأن في حياتك على الأرض أرني أين لم تبكي ..؟ ومتى لم تبكي...؟
وأنت في حياتك وخدمتك عانيت كل المعاناه ..
بكيت عند قبر لعازر وانت عالم بإقامتك له بعد لحظات..
ألم تحتمل حزن ودموع الأختين مرثا وحاملة الطيب ..؟!
هل حنت أحشاؤك على لعازر .. وعذبك بقائه في الجحيم أربعة أيام...!
أم أن المشهد أثار مشاعرك وأفاض دموعك وتعجل ذبحك وخلاصك
من أجل كل أحبائك أسرى الجحيم ...
وهاهي أورشليم مدينتك وهيكلك تأتي اليها في موكب ملك السلام ...
وما أن أقتربت حت رحت تبكي من جديد..
بكيت عليها لأنها لم تعرف زمن إفتقادها
ولا استطاعت أن تتّعرف على مخلصها الحقيقي وفاديها
بكيت عليها بكاءً عالياً ومسموعاً لأنك رأيتها وهي محاطة بمترسة وجيوش تيطس
تُقطع بالسيف رقاب شعبها وتُبقر بالسيف بطون نسائها
وتُعلق أطفالها على أسنة الرماح وهي تتلوى - هذا ما ذكره التاريخ اليهودي –
اخبرني سيدي ...
ألم تبكي على خيانة يهوذا تلميذك وحافظ الصندوق والأمانة
ألم تبكي على نكران بطرس وأنت تسمعه يشتُم ويسُب فيك
ألم تبكي حين هرب أحبائك وبقيت وحدك ...
ألم تبكي خيانة الشعب الذي إستقبلك بالهتاف والزعف
ألم تبكي خيانة الشعب الذي شفيت مرضاه وجبرت كسره
وعصبت جراحه وأقمت موتاه
ألم تبكي حينما تقابلت مع أمك في طريق الجلجثة
وانت تنزف .. وهي تنزف ...
نعم سيدي بكيت في كل هذا ... وفي أكثر من هذا وذاك
بكيت ... وبكيت .. وبكيت
ومازلت تبكي حتى الأن ...
فالدم ينزف وما أوقفنا نزيفه
والنكران مستمر .. والخيانة متخفية
والألام متواصلة .. لم تهدء السياط
ولم تنتهي عقوبتك مصلوباً
.......نحن أولى الناس ببكاؤك ودموعك ..
فلا تكف عن البكاء ولا تدعنا نهدء لحظة ونكف عن البكاء
ونادي بصوت عظيم أمام قبورنا
" .... شعبي هلم خارجاً ..."