رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جماعة قمران I-نظرة سريعة على نصوص قمرانكانت بداية اكتشاف نصوص قمران مجرد وصفة حيث طارد راع صغير جدياً شارداً فرأى مدخل مغارة عميقة لم يجرؤ على دخولها فاستدعى ابن عمه في اليوم التالي فوجدا في المغارة عدداً من الجرار بداخل بعضها بعض المخطوطات (البداية كانت سنة 1947) وتوالت الاكتشافات بلغت 11 مغارة سنة 1956 أهم المخطوطات وجدت في المغارة 1 و 4 طريقة ذكر المخطوطات الرقم + مغارة + حروف بداية المخطوط: قانون الجماعة؛ = تفسير حبقوق… 1) الاكتشافات التاريخية على مسافة ليست بعيدة من ضفاف البحر الميت وبالقرب من المغارة التي اكتشفت سنة 1947 كانت ربوة من الخرائب. وتساءل العلماء عما إذا كانت هناك صلة بين هذا المكان "خربة قمران" وبين المخطوطات المكتشفة. وحصل العلماء على إجابة إيجابية من خلال الحفريات. لقد كشفت الحفريات من مكان إقامة جماعة يهودية: مبنى مساحته 37 × 30م به برج/ حصن وقاعة اجتماعات فسيحة وكانت تستعمل أيضاً كغرفة طعام جماعية وبجوار هذه القاعة مخزن مؤن به الأواني الفخارية التي كانت تستعمل في غرفة الطعام، ثم مكان لتصنيع الفخار، قاعة تستعمل لنسخ ودراسة المخطوطات وأماكن أخرى للاستعمال الجماعي. وكانت توجد خزانات مياه كثيرة لحفظ مياه الأمطار يغذيها قناة مياه تنزل من الجبل. وكانت المياه تستعمل للشرب ولطقوس التطهير. يضم المكان غرف نوم أو عنابر. لذلك من المرجح أن الجماعة كانت تقضي النهار في هذا المكان حيث تعمل في المخطوطات والخزف والليل في المغاور الكثيرة المنتشرة بالقرب من المكان. ووجدت بعض المخطوطات في بعض المغاور الحالة التي وجدت فيها المخطوطات تشير إلى أن المغاور كانت مقراً مسكوناً. أما طريقة حفظ مخطوطات المغارة 1 تدل على أن المغارة استعملت قصداً لمخبأ. والمغارة 4 كانت مكتبة عامة لاستعمال الجماعة. كما وجد عدد كبير من العملات المعدنية مما ساعد على تحديد فترات استعمال المكان. أقدم العملات ترجع إلى عصر يوحنا هرقانوس (134-104ق.م) ويدل هذا على أن المكان استخدم كمقر منذ منتصف القرن الثاني ق.م وتدل الأشياء الموجودة في المكان على أنه سُكن لمدة قرن. أطاح زلزال اجتاح المكان سنة 31 ق.م بمعظم أجزاء المبنى فهجرته الجماعة. ثم توجد عملات تحمل صورة أرخيلاوس (4ق.م – 6م) وعملات أخرى تصل إلى فترة ثورة اليهود على الرومان. هناك أثار حريق شديدة مما يشير إلى أن المكان تعرض للهدم بطريقة عنيفة لقد احتلته بالتأكيد القوات الرومانية سنة 68م عندما اجتاح فسبيزيانوس لجيشه منخفض الأردن حتى البحر الميت ليعيد سيطرة الرومان على البلد. وربما تكون الجماعة سمعت أخبار اقتراب الرومان من المكان ولذلك خبأت المخطوطات في الجرار الفخارية في المغارة ولكي تستعيدها بعد أن تهدأ الأحوال ولكن الجماعة ذابت وانقرضت في أحداث الحرب. بعد الحرب استقرت الفرقة العاشرة من القوات الرومانية كما استقر في المكان أتباع بار كوكبة أثناء ثورته. ثم ينتهي تاريخ سكنى المكان ويظل أكوام خرائب إلى أن اكتشف. شرقي المكان توجد مدفنه كبيرة أكثر من 1000 متر يدفن فيها أعضاء الجماعة وأثبتت دراسات بالقرب من "عين فيشكا" وهي تقع جنوباً أن الجماعة كانت ترمي الماشية هناك، كما كانت أشجار النخيل وبعض الأراضي المزروعة لسد احتياجات الجماعة الأساسية. وتساعد الدراسات العلمية على تحديد زمن نسخ المخطوطات بدقة عاشت الجماعة في قمران منذ منتصف القرن الثاني ق.م حتى سنة 68. لذلك تقول إن المخطوطات التي وجدت في قمران هي مخطوطات يهودية ناتجة عن جماعة عاشت حياة جماعية في زمن يسوع في قمران. 2) النصوص الكتابية عدد كبير من المخطوطات التي وجدت في قمران مخطوطات كتابية ففي المغارة1 وجد ملفان كبيران من كتاب أشعيا، أحدهما في حالة جيدة جداً ويشمل معظم كتاب أشعيا والآخر في حالة سيئة وأكثر إيجازاً من الأول ويعتبر المخطوطان أقدم 1000 سنة من أقدم المخطوطات الكتابية للعهد القديم. ويختلف المخطوطان من حيث طريقة الكتابة ومن حيث الكلمات عن النص الذي وصلنا (النص المسوّر) ولكنهما إجمالاً لا يختلفان كثيراً عن هذا النص أما صموئيل فإنه يتفق مع نص الترجمة السبعينية ويختلف عن النص المسور ومن المعروف أن المسور يختلف كثيراً عن السبعينية بالنسبة لصموئيل وهذا يجعلنا نؤكد أن الترجمة السبعينية لكتاب صموئيل لم تكن ترجمة تقريبية حرة إنما كانت ترجمة أمينة لمخطوط يختلف عن مخطوط المسور وبذلك نقول إنه حتى زمن جماعة قمران لم يكن هناك اتفاق على نص عبري موحد. توحيد النص تم بمجهودات علماء عظام بعد سنة 7م وبذلك حصلنا على النص الرسمي. لقد حسم الربيون أمر قانونية كتب العهد القديم في نهاية القرن الأول الميلادي، إلا أن جماعة قمران كانت قد استقرت على مجموعة الكتب وبذلك نقول إنه بالنسبة لهم كان القانون قد أختتم وتوجد أجزاء من كل كتب العهد القديم ماعدا كتاب استير ربما يكون غياب أجزاء من هذا الكتاب مجرد صدفة وربما يكون مقصوداً حيث أن كتاب يصف الاحتفال بعيد بعدريم وهو عيد لا تقبله جماعة قمران ولذلك لم يكن قراءة الكتاب مسموح بها. 3) نصوص يهودية (غير كتابية) إذا كانت المخطوطات الكتابية هامة بالنسبة لدراسة تاريخ النص والقانون، فإن المخطوطات الغير كتابية لا تقل أهمية. والآن نصف بإيجاز شديد أهم هذه المخطوطات التي تساعد على إعطاء صورة دقيقة لإيمان وحياة الجماعة. وجدير بالذكر أن بعض أجزاء المخطوطات وصلت في حالة سيئة جداً، والبعض الآخر وصلنا ناقصاً ولكن هذا لا يمنع استنتاج ما ينقص وبطريقة شبه أكيدة. أ) قانون الجماعة وصلتنا كاملة في مخطوط مكون من 11 عاموداً كما أنه وجدت أجزاء من 11 نسخة في المغارة 4. وتتكون القانون من أجزاء فير متناسقة. ويبدأ بتعليمات وتنظيمات طقسية خاصة بالاحتفال السنوي بتجديد العهد (1: 1-3: 12) يلي ذلك تعليم خاص بالروحيين اللذين يؤثران في حياة الإنسان روح الحق وروح الضلال (3: 13-26). ثم يلي ذلك قواعد خاصة بتنظيم الجماعة وسلسلة العقوبات التي توقع على مخالف الشريعة والقانون (5: 1-9: 25). وأخيراً بعض الصلوات + مزمور يعلن فيه المصلي عدل الله وفرحه بشكره (9: 26-11: 25) . والقانون مصافح بلغة عبرية جيدة. والمواد المكتشفة تشير إلى تطبيق القانون وحياة الجماعة بموجب الشريعة. لذلك فالمخطوط هو وصف لأداء المراسيم الطقسية ومعتقدات الجماعة وحياتها. وهناك ملحقان قصيران لهذا القانون. قانون الاجتماع وبه ترتيبات لبني إسرائيل حتى نهاية الأزمنة فيه وصف الاجتماع العام للجماعة وترتيب جلوس الأعضاء على المائدة المسيانية والملحق الآخر البركات نجد بركات للمؤمنين وللكاهن الأعظم والكهنة ورئيس الجماعة وليس من المؤكد أن تكون هذه الترتيبات اتبعت نقلاً في الطقس. ويمكن أن تفترض أنها كانت قواعد طقسية تستعمل في المستقبل (زمن الخلاص). ب) وثيقة دمشق اكتشفت سنة 1896 في مجمع عين عزرا بمصر القديمة. ولا يحمل عنواناً لأن الجماعة تطلق على ذاتها اسم جماعة العهد الجديد في دمشق (قارن عا 5: 27) لذلك سمي النص وثيقة دمشق. مخطوط 1 وهو عبارة عن 4 ورقات مكتوبة على الوجهين (عا 1-8) ومخطوط آخر لناسخ آخر أيضاً من 4 ورقات على الوجهين (9-16) والمخطوط b والذي يوجد في ورقة واحدة على الوجهين (19-20). وقد وجدت في المغاور 4و5و6 أجزاء عديدة من الوثيقة ويظهر مضمون هذه الأجزاء صلة الوثيقة بقانون الجماعة ولذلك من المرجح أن تكون الوثيقة نشأت في جماعة قمران. صفحات 1-8 عبارة عن نصائح منها أن تاريخ الجماعة ناتج عن قراءة أحداث تاريخ بني إسرائيل. وهذه النصائح تتر في نهاية صفحة 8أ ب ولكنها تستوقف مرة أخرى في المخطوط Bالذي يعتبر نصاً موازياً لصفحات 7-8. صفحات 9-16 عبارة عن تقنين للشريعة ونلاحظ أن وثيقة دمشق تفترض أشخاصاً متزوجين في الجماعة بعكس قانون الجماعة. لذلك لا تصلح توجيهات الوثيقتين لنفس الجماعة. فالجماعة التي تتحدث عنها وثيقة دمشق تعيش معاً مع التمييز واحترام الدرجات (كهنة- لاويون- علمانيون) وهذا يوجد أيضاً في قانون الجماعة. وليس من السهل الكشف عن العلاقة بين وثيقة دمشق وقانون الجماعة، من المرجح أن تكون الوثيقة أحدث من قانون الجماعة. جـ) الأناشيد = 18 عاموداً وعدد من الأجزاء المتناثرة القصيرة الموجودة في المغارة 1 والمغارة 4. إنها قريبة جداً من حيث المضمون والشكل من مزامير العهد القديم. ويبدأ عادة النشيد بعبارة أمجدك يا إلهي ثم يصف المصلي حالته واحتياجه وشدته التي خلصه الله منها ويشيد بالخلاص الذي ناله، ويمدح الضمير الصالح الذي يهبه الله للمستقيمين ويطلب من الله الحماية ولا يمكن اعتبار هذه المجموعة عملاً أدبياً متناسقاً. وتعبر بعض القطع عن خبرات أليمة وتطلب الخلاص عن طريق التعليم القويم، مما يرجح احتمال نسبتها إلى شخص محدد ربما معلم العدل (مثلاً 7: 6-25) وفي أناشيد أخرى نجد العبارات التقليدية المستعملة في العهد القديم للتعبير عن حاجة المصلي. ويعبر في هذه الأناشيد عما يمكن ويجب أن يشكر به عضو جماعة العهد، لذلك ترد عبارة "أنا" ولا يجب فهمها بالمعنى الفردي (الجماعة كلها تصلي وتقول أنا). د) درج الحرب حرب أبناء النور مع أبناء الظلام. به 91 عاموداً. وجدت أيضاً بعض الأجزاء في مغارة 4 تعود صياغتها إلى فترة سابقة لصياغة نص مغارة 1. واكتشاف الأجزاء الصغيرة في مغارة 4 ثبتت أن نص مغارة 1 هو عبارة عن نتيجة تطور نص. إنه وصف للصراع في الأيام الأخيرة بعبارات متخذة من نصوص العهد القديم. تتناول أسباب الحرب المقدسة التي عادت أشد ما يكون في الجماعات التقية أيام المكابيين. وهناك تعليمات واضحة ومحددة لترتيب القوات وطريقة القتال. من هذه الترتيبات يتضح أن الحرب حقيقية وتتخذ أبعاداً رؤيوية: بليعال قواته في ناحية وميخائيل وملائكته في ناحية أخرى. ويقطع وصف الحرب، تدخلات طقسية (صلوات شكر، أناشيد، خطب كهنوتية). وهناك بعض التكرارات المثيرة للدهشة. يتكرر نشيد طويل بالنص. وهذا يدل على تجميع تقاليد مختلفة في وثيقة واحدة دون الاهتمام الشديد بالتوحيد والربط. هناك اهتمام جماعة قمران بدراسة الكتاب المقدس شديداً جداً. الاهتمام الأكبر كان للشريعة ثم باقي الكتب: الأنبياء والمزامير. هـ) تفسير حبقوق عبارة عن تفسير حبق 1-2 آية آية وتطبيق النص على الظروف الراهنة للجماعة. لم يكن هدف المفسر هو دراسة وتوضيح الحالة التاريخية لجماعة بني إسرائيل وقت كتابة النص، إنما حالة جماعة أبناء النور الإسكاتولوجية على ضوء رسالة النبي. فيرى المفسر في "الكلدانية" (نص حبقوق) السلوقيين والرومان. ويطبق عبارات: يقدمون الذبائح حرياتهم على الرومان. بالتالي تقول إن المفسر كتب تفسيره أثناء الاحتلال الروماني ملقياً نظرة إلى التاريخ الماضي للجماعة. لقد اضطهد معلم العدل الذي منحه الله موهبة النبوة. واضطهد كذلك أتباعه، فهربت جماعة الفقراء إلى السبي معه. ويحكم في أورشليم الكاهن الشرير، الذي دُعي إلى الحق عندما تسلم مهام عمله، إلا أنه خالف الوصية حراً في المال والغنى. و) كتاب التكوين الأبوكريفي يتناول بتوسع وحرية نص التكوين القانوني. فنجد فيه وصف مولد نوح، ووصف جماله في حوار بين لامك وزوجته وفي سياق الحديث عن إبراهيم يرد وصف لجمال سارة الباهر: وجهها، شعرها، عيناها، أنفها، خصاصة جسمها، نهداها، ذراعاها، يداها، أصابعها، مقدماها، روقاها، حكمتها! ز) درج النحاس به تحديد مكان الكنز. يذكر أن 200 طن من الأغذية والذهب والفضة مخبأة في أماكن محددة الرقم يجعلنا نستبعد حقيقة هذا الأمر. ربما يكون في ذلك أثار وصف غنى وكنوز الملك والكهنة في التقاليد الطقسية لبني إسرائيل. مجموعة 41 مزمور (مزامير ثانوية) + 7 مزامير غير كتابية وقطعة نثرية تذكر أن داود ألّف 4050. 2. إيمان وتعليم جماعة قمران يعود أصل جماعة قمران إلى الأوساط الكهنوتية بأورشليم، التي كانت أخذت على عاتقها المحافظة الشديدة على أدق تفاصيل الشريعة. ويحتل الكهنة المكانة الأولى بين أفراد الجماعة حتى المسيا المنتظر هو مسيح كاهن إلى جوار المسيا الملك. ويرد ذكر معلم العدل كثيراً في التفاسير الكتابية. هذا المعلم هو مؤسس الجماعة في نظرهم. واجتمع حوله عدد من الكهنة واللاويين والمؤمنين الأتقياء المحافظين على الشريعة والذين يحاولون ضمان نقاء العبادة والمحافظة على التقويم الوحيد الصحيح في نظرهم. اتبع كهنة أورشليم تقويماً قمرياً بينما اتبعت جماعة قمران تقويماً شمسياً يتكون من 12 شهراً من 30 يوم كل شهر ويضاف يوم زيادة كل ثلاثة شهور. هكذا كان العام يبدأ دائماً بنفس اليوم: يوم الأربعاء وهو يوم عيد رأس السنة وكل أيام الأعياد تقع في ذات الأيام في الأسبوع، ولا يقع يوم عيد إطلاقاً يوم سبت ولكن الجماعة لم تتمكن من فرض هذا التقويم الذي يساعد كثيراً على الحفاظ على قدسية يوم السبت. واصطدمت جماعة قمران مع رؤساء الكهنة الذين اتهمتهم بالإهمال في المحافظة على تنظيمات الشريعة. أدى هذا التصادم مع رئيس الكهنة الذي أطلقوا عليه الكاهن الشرير إلى طرد معلم العدل وجماعته من أورشليم وانسحابهم إلى الصحراء على ضفاف البحر الميت. وتتهم الجماعة الكاهن الشرير بأنه لا يحافظ على وصايا الله في ممارسته مهام وظيفته. دعاه إلى هذه الوظيفة صوت الحق ولكنه بعد أن حصل على حكم أسر وقبل تكبر قلعه وترك الله وخالف دساتيره بسبب الغنى، ونهب وكنز أموال الأشرار الذين تمردوا على الله. أخذ غنى الشعوب مثقلاً نفسه بالذنوب وسلك طريق الأشرار القذرة. وظلم معلم العدل وعامله بعنف في مكان منفاه وفي أيام عيد الراحة، يوم التكفير، ظهر لكي يبتلع معلم العدل وأتباعه ولكي يقضي عليهم في يوم الصوم، يوم السبت يوم الراحة. ولكن الله عاقبه نتيجة ظلمه واضطهاده لمعلم العدل فأسلمه إلى أيدي أعدائه: لكي يذلوه بضربات مميتة. وتتفق هذه الإشارات إلى الكاهن إلى الشرير والأحداث التي جرت أيام يوناثان المكابي. لقد خلف يوناثان أخاه يهوذا المكابي في قيادة الثورة وتزعم الحرب ضد سوريا فاغتصب لنفسه وهو أول من فعل ذلك من الحشمنايين كرامة الكاهن الأعظم حتى وإن لم يكن من نسل صادوق. ولم تكن ظروف حياته وحروبه تتفق ومتطلبات خدمة الكاهن الأعظم من استعداد وطهارة شرعية، ومات على أيدي أعدائه. أما تعب معلم العدل فإنه يظل مجهولاً ولا يرد ذكره في أي مكان آخر. إنه هو الذي قاد الجماعة إلى الصحراء مستوحياً هذا الاتجاه من أش 40:3 "البرية أعدوا طريق الرب..." ويرد هذا النص في قانون الجماعة وبعده هذا التعليق: إنها دراسة الشريعة التي أعلنها على يد موسى لكي يتم كل شيء قد أعلن عبر الأزمنة كما أعلن الأنبياء وبواسطة الروح. تعرف الجماعة أنها مدعوة لإعداد طريق الرب بدراسة الشريعة وطاعتها بأمانة وتعرف أنها قادرة بفضل روح الله على فهم كلام الأنبياء وبفضله تميز الأزمنة. كانت الجماعة الكهنوتية في قمران المحرومة من الخدمة الطقسية في الهيكل، كانت تنتظر الخلاص الآتي والذي سيبقى العبادة ويعيدها إلى بهائها الأول. إن ابتعاد الجماعة عن الهيكل لا يعني رفضها للعبادة الطقسية في حد ذاتها، بل كانت رفض للطريقة التي تتم بها العبادة في هيكل أورشليم آنذاك. ظلت الجماعة دائماً على أهبة الاستعداد تحت قيادة الكهنة للصراع في الأيام الأخيرة والانتصار واستعادة شرعية العابدة. لذلك حافظت الجماعة كلها على الطهارة الشرعية المفروضة على الكهنة وابتعدت عن كل نوع من النجاسة الشرعية عن طريق الغسولات الشرعية يومياً. ولم يكن الاغتسال وحده يكفي للحصول على الطهارة الشرعية، إنما يجب أن تصاحبه التوبة وطاعة الشريعة. "إنهم أولئك الذين تنجسوا لا يتطهرون إلا بالابتعاد عن الشر، لأن عدم الطهارة قائمة في كل المخالفين لكلمته (الله)". لذلك فالتوبة هي الابتعاد عن عالم الشر والكذب والاتجاه إلى الله والبحث عنه بكل القلب والنفس وعمل ما هو مستقيم أمامه كما أمر بواسطة موسى وكل عبيده الأنبياء ولحب ما اختاره هو وكره كل ما يرفضه للابتعاد عن كل شر والاتجاه لكل عمل صالح وممارسة البر والعدل والحق على الأرض" . وخضعت الجماعة لنظام دقيق لكي تستطيع محاربة أبناء الظلام. فعلى رأسها كان أبناء صادوق- الكهنة- يليهم اللاويين وأخيراً بقية المؤمنين، أبناء العهد ثم المبتدئون وكان على المبتدئين المرور بفترة اختبار لا يحق لهم أثناءها المشاركة في الوجبات الجماعية. وبعد مرور سنتي الاختبار يخضع المبتدئ لامتحان بحسب رأي الكثيرين (الجمعية العمومية) "فإذا كان الحكم في صالحه يدخل ضمن الجماعة ويكتب اسمه في درجته بين اخوته في الشريعة والعدل والطهارة والشركة في الممتلكات. وكان عليه أن يتلو قسماً محنثاً "أن يلتزم بشريعة موسى كما أمر الله بذلك بكل قلبه وكل نفسه على أساس كل ما كشف لأبناء صادوق، الكهنة الذين يحافظون على العهد ويحنون عن إرادة الله، وعلى أساس أغلبية الناس الذين أعلنوا استعدادهم لقبول حقيقته والسير بما يرضيه" . وعندئذ كان المرشح يضم كل ممتلكاته إلى ممتلكات الجماعة والتي كان يديرها مدير تعيين الجماعة وكان يمكنه ممارسة "طهارة العديدين" أي الغسولات العامة للجماعة وكانت الطهارة الكهنوتية هي العامل المسيطر على حياة أعضاء الجماعة، كان عليهم أن يظلوا دوماً مستعدين متخبين الزواج لكي لا يتنجسوا مع امرأة. وكانت الجماعة الكهنوتية تجتمع للوجبات والعبادة ودراسة الكتب المقدسة: "يأكلون ويتلون البركات ويتشاورون جماعة. وفي كل مكان يوجد فيه عشرة رجال من مجلس الجماعة يجب أن يوجد فيه كاهن: يجلسون أمامه كل حسب درجته ويستشيرونه في كل شيء. وعندما يمدون المائدة للأكل ويعدون النبيذ للشرب ليكن الكاهن أول من يمد يده بالبركة على بواكير الخبز والخمر. لا يجب أن يغيب عن مكان به عشرة أفراد من يبحث في الشريعة ليل نهار وبالدور " كانت الجماعة تخضع لنظام صارم. كان كل عضو منتمياً إلى درجة معينة ويعيش بموجب هذه الدرجة. وكل من يخالف نظام الجماعة ينال عقاباً مناسباً ومخالفته: "إذا أعطى أحدهم معلومات كاذبة عن ممتلكاته، يفصل من طهارة الجماعة لمدة سنة ويعاقب بحرمانه من ربع حصته في الطعام". حتى المخالفات الصغيرة كان لها عقابها الصارم: "من يتلفظ بكلمة زائدة، يحرم 3 شهور ومن يقاطع حديث غيره 10 أيام، من ينام أثناء الاجتماع 30 يوماً" ومن يقهقه يعاقب بـ30 يوماً. أقسى ما في العقاب هو العزل عن الجماعة: فلا يتناول معها الطعام ولا يمكنه الحصول على طعام من الخارج، لأن الخارج على صلة بعالم الكذب وبالتالي يتنجس فكان عليه أن يبحث في الصحراء عما يقيه شر الموت جوعاً إلى أن تضمه الجماعة ثانية إلى حضنها. لم تكن جماعة قمران تلجأ أو تسمح لتفاسير سهلة لكي تساير الشريعة والحياة اليومية لليهود والواقع التاريخي، بينما لجأ الفريسيون إلى ذلك كما سبق وأشرنا. كانت الجماعة تحافظ وتطالب بالمحافظة على كل الشريعة بكامل تفاصيلها ومتطلباتها. وانطلاقاً من هذا المفهوم الصارم نجد سلسلة طويلة من الشروط الخاصة بيوم السبت في وثيقة دمشق وللمحافظة على السبت بدقة، كانت هذه الترتيبات تتلى عصر الجمعة وتتضمن أنه لا يجب العمل عندما يكون بُعد الشمس عن الباب مقدار محيطها ولا يستطيع المرء أن يتفوه بكلمة تافهة يوم السبت. لا يمكن الابتعاد عن المدينة أكثر من 1000 خطوة بينما يرى الفريسيون أنه يمكن السير 2000 إذا وقع حيوان في داخل حفرة لا يجب جذبه خارجاً يوم السبت ونعرف أن يسوع يعتبر أن ذلك شيئاً مفروغاً منه مساعدة من يحتاج حتى يوم السبت (مت12: 11 ولو 14: 5). والعهد الذي ترتبط به الجماعة هو عهد موسى، وكما تسميها وثيقة دمشق "العهد الجديد" ولا يقصدون بالجديد عهداً جديداً حل محل الأول ولكنهم يقصدون عهد الله مع موسى الذي تعيد الجماعة أحبائه. من يبتعد عن الغش والكذب يصبح عضواً في الجماعة ويهتدي إلى شريعة موسى وينزع من عالم الكذب الذي يسقط فيه الوثنيون ومن لا يعيش بمقتضى الشريعة من بني إسرائيل أما المختارون فيقودهم الحق والنور. يعيش جماعة قمران أو جماعة العهد الجديد حالة صراع تصفها الوثائق بطريقة رمزية بالتضاد بين النور والظلام في الخارج مصير أبناء الظلام، قوات بليعال والشعوب الوثنية التي يذكرها العهد القديم باستمرار (أدوم، موآب، عمون، الفلسطينيين، الكلدانيين). ويعضد حامي شعب الله ميخائيل وقواته أبناء النور. ويوسع الصدام في قالب تعليمي ويتم بأمر ترتيب إلهي لأنه من إله المعرفة يأتي كل إنسان وكل عمل. وهو خلق الإنسان لكي يسيطر على الأرض وأولاه روحين لكي يسير حتى نهاية الزمن المحدد لافتقاده وهما روح الحق وروح الضلال "أساس النور هو الحق بينما أساس الظلام هو الضلال". فمن ناحية نجد أمير النور الذي عهد إليه الأبرار البر الذين يسيرون في طريق الظلام، وينبع من خلال الظلام، حسب مخطط الله منذ البدء" وتحاول قوى الشر أن تجر أبناء النور ولكن إله إسرائيل وملاك الحق يساعدان أبناء النور. وتكشف أعمال الإنسان في العالم الجهة التي ينتمي إليها. حتى الإنسان الذي يعمل الخير لا ينجو من القتال، بل يجب عليه دوماً محاربة الكذب الضلال والظلام بثبات. يتصارع في قلب الإنسان ملاك النور وملاك الظلام حتى النهاية الأزمنة. ولا يستطيع أحد التهرب من هذا الصراع حتى الصديقون يواصلون الحرب. بقدر ما يرث الإنسان الحق والعدل يكره الظلم، وبقدر ما يرث من الظلم يحارب ويكره الحق" وهكذا يظل القتال محتدماً إلى أن يضع الله له حداً. لأن الله وضع كل منهما (الروحيين) مقابل الآخر إلى الزمن المحدد والخليقة الجديدة. يرد ذكر ووصف التضاد بين النور والظلام في العهد القديم أكثر من مرة (راجع تك 1: 3-5؛ 1: 14-19؛ عا 5: 18..)، وتقليد الحرب المقدسة، التي فيها يقاتل إله إسرائيل مع أو عن شعبه المعروفة منذ القدم وازدهرت مرة أخرى في عصر المكابيين. الشيء الجديد والذي لا ذكر ولا مثيل له في العهد القديم ولا في التقليد هو الصراع بين الروحين. ولكن هناك أراء شبيهة في دبابات فارس حيث تفهم الحياة على أنها صراع بين الخير والشر، وبدأ هذا الصراع منذ البدء ويستمر حتى ينتصر إله الخير على إله الشر. فالروح الصالح يحث الإنسان على العمل الجيد المنظم المفيد بينما يدفع الروح الشرير الإنسان إلى ارتكاب المعاصي وعمل الشر. كما أن الأفكار والمفاهيم الفارسية أثرت على الأدب الرؤيوي عند اليهود، كذلك أثرت الثنائية الحرب بين روح الحق وروح الغش قد تكون متأثرة بالأفكار الفارسية. ولا يعني ذلك أن التأثير الفارسي على جماعة قمران هو تأثير مباشر. من المحتمل أن يكون التأثير الفارسي انتقل بطرق لا نعرفها حتى الآن عن طريق يهود الشتات (بلاد ما بين النهرين) ولكن هذه الآراء والأفكار لم تُقبل على علاتها ولكنها خضعت لتغير وتعديل حسب إيمان بني إسرائيل: الله هو خالق وسيد التاريخ وهو الذي خلق كل شيء وهو الذي سمح بالصراع بين الروحين والذي سيضع نهاية له في يوم من الأيام. وهكذا استخدمت جماعة قمران فكرة الثنائية للتعبير عن قدرة الله من ناحية ولشرح وتبرير الصراع والقتال الذي تتعرض به الجماعة حتى اليوم الأخير. كما استخدمت الثنائية كنوع من التضاد فهي تدخل من ناحية في مخططات الله منذ البدء ومن ناحية أخرى تتحقق بفعل اختيار الإنسان الانحياز للخير أو للشر. فمن ناحية هناك تأكيد على أن الله يقود التاريخ وأن اختياره هو الذي يحدد مصير اٌلإنسان ومن ناحية أخرى التأكيد المستمر على أن الشريعة تلزم الإنسان بالطاعة المستمرة والهداية واتباع الصراط المستقيم وتتميم جميع الوصايا لأنه مسؤول تماماً عن أعماله. لا يمكن للإنسان أن يقاوم الله. هذا ما تعبر عنه صلاة الأبرار: "أنا أنتمي للبشرية الضالة لجماعة الجسد الشريرة. خطاياي وشروري وآثامي وميول قلبي الشريرة تضمني إلى جماعة الديدان فهو السائرين في الظلام. ولأنه لا يوجد إنسان يستطيع أن يكون سيد طريقه ومسدد خطواته لأن العدل هو ملك الله ومن يده السلوك الكامل وبقدرته توجد الحياة . إنه يوجه كل كائن حسب خطته ولا يتم شيء بدونه. فإذا تزعزعت فإن جودة الله هي خلاص دائماً وإذا عثرت قدماي بسبب فساد جسدي فإن تبريري يأتي من عدل الله. ويصبح الإنسان الساقط مقبولاً فقط بفضل نعمة الله فهو الذي يخلصه ويضعه على الطريق المستقيم: أي مخلوق من تراب قادر على هذه العجائب؟ إنه في الخطيئة منذ الحبل به في بطن أمه وإلى الشيخوخة يظل مديناً. أعرف أنه لا عدل في الإنسان ولا سلوك كمال في بني البشر الله وحده هو صاحب العدل بينما طريق الإنسان لا يستقيم إلا بقدرة الروح الذي خلفه الله لذاته لكي يجعل حياة بني البشر كاملة، ليعرفوا كل أعماله في قوة سلطانه وعظم رحمته على كل الأبناء الذين رضي عنهم. وتظهر هذه العبارات ضعف وهشاشة الإنسان الترابي لأن جسده فانِ ضعيف واهِ. وينفصل الإنسان عن الله بسبب خطيئة لأنه لا بر فيه وارتكب المعاصي. نعمة الله هي التي تخلصه وتقربه منه تعالى وتدخله في جماعة العهد وتجعله عضواً في زمرة القديسين. لا ينقذ ولا يخلص الشرير إلا رحمة الله. فإذا تبرر الشرير لكنه إن يسلك الطريق المستقيم وحفظ الشريعة ومتطلباتها. لا يحجم تبرير الخاطئ الذي تتكلم عنه جماعة قمران الشريعة لأنها هي طريق الخلاص الوحيد. نعمة الله ورحمته ينعشان ويقويان الخاطئ لكي يستطيع أن يحافظ على الشريعة. تفسر جماعة قمران الآية البار بالإيمان يحيا (حبق 2: 4) بالطريقة التالية: ينطبق هذا على الذين يحافظون على الشريعة من بني يهوذا. الله يخلصهم من بيت الحكم (المحكمة) بسبب آلامهم وإيمانهم بمعلم العدل. تحفظ جماعة قمران الشريعة كما يفسرها معلم العدل. بهذا تضمن الجماعة أنها تنال الخلاص الآتي. ولا تذكر نصوص قمران شيئاً عن قيامة الموتى. تعليم الجماعة لم يسلك نفس الاتجاه الذي سلكه تعليم الفريسيين. إنها تتوقع في كل لحظة قدوم المسيا. يهمها هذا الأمر أكثر من المستقبل. الرجاء الإسكاطولوجي: موجه إلى مجيء النبي وإلى مسيحي هارون وإسرائيل ففي نهاية الأزمنة ستظهر 3 شخصيات: أولاً النبي الذي يعشر بالزمن المسياني ثم المسيحان . سيكون المسيح الكاهن والمسيح الملك جنباً إلى جنب، القيادة الروحية والقيادة الزمنية لجماعة الخلاص كما ورد في زكريا النبي (زك4) زيتونتان = مسيحان سيكون المسيح الملك على غرار داود ويملك على الشعب، والمسيح الكاهن يسهر على طهارة ونقاء وأمانة الجماعة الإسكاطولوجية . وللمسيح الكاهن المكانة الأولى كما يتضح من ترتيب أماكن الجلوس في مراسيم العشاء المسياني في قانون الجماعة: "لا يستطيع أحد أن يمد يده إلى بواكير الخبز والخمر قبل الكاهن، لأنه هو الذي يتلو البركة على بواكير الخبز والخمر. هو الذي يمد يده أولاً إلى الخبز، بعده يمد مسيح إسرائيل يده إلى الخبز. وبعد أن يتلو البركة يمد كل واحد من الجماعة حسب ترتيب كرامته. ويقدمون دليلاً كتابياً على ذلك: نبوءة بلعام (عدد 24: 17) سيخرج نجم من يعقوب وصولجان من إسرائيل. وينال المؤمنون المعرفة والفهم عن طريق الوحي كما يقول المصلي: من نبع علمه أشرق الله نوره فرأت عيناي عجائبه ونور قلبي فهم سر ما يحدث ورأت عيناي ما هو أبدي الفهم العميق الخفي على البشر، المعرفة والأفكار الحكيمة المستورة عن بني البشر. لذلك تباركت يا إلهي يا من يفتح قلب عبده للمعرفة أنت علمت كل معرفة وموضوع هذا المعرفة يختلف عن موضوع الغنوسية. معرفة أسرار الكون وأساطير خاصة بالوطن السماوي للإنسان المحكوم عليه بالسجن في المادة. وثنائية النور والظلام لا تطبق على الروح الجسد على كل إنسان أن يقرر اتباع نداء التوبة والهدى. فإذا اهتدى وتبع شريعة موسى وضع ذاته في جانب الفوز وبنعمة الله يحصل على المعرفة الحقيقية. إنه يعترف الله هو الخالق والسيد ويفهم إرادته التي تتضمنها الشريعة ويفهم أن الإنسان لا يقوم أمام الله ويختبر جودته ورحمته. ويظهر الإنسان بتصرفاته لأي روح ينساق، روح الحق والبر أو روح الضلال والشر. بدراسة حياة وإيمان جماعة قمران من المخطوطات يجب أن نقر أن نسبة احتمالها جماعة اسنيين عالية جداً. فالمكان إقامة جماعة قمران هو ضفاف البحر الميت مثل جماعة الإسنيين. يقود الجماعة كهنة وتقوم بغسولات شرعية يومية لكي تحافظ على الطهارة الكهنوتية، وتفضل ذاتها بدقة وحرص عن بقية أفراد الشعب لكي تحيا كجماعة قديسين بموجب الشريعة على من يريد الانتماء إليها أن يمر بفترة اختبار قبل قبوله عضواً فيها. عليه أن يتفوه بقسم محنث مغلظة يلزمه بطهارة الجماعة وواجباتها لا يتصرف أحد في أي ممتلكات والجماعة منقسمة إلى درجات ورتب متميزة. تحافظ بدقة على الشريعة وترفض الزواج لتتجنب النجاسة. ويذكر فلافيوس أنه كانت هناك جماعة من الإسنيين المتزوجين ونعرف من وثيقة دمشق أن بعض الجماعات القريبة من قمران كان أفرادها متزوجين ولهم حرية محدودة في التصرف في الممتلكات الخاصة. والسبب الذي قد يبرر عدم ورود كلمة "اسنيين" في نصوص قمران ربما يكون أن آخرين أطلقوا عليهم هذا الاسم. الجماعة تعرف أنها هي إسرائيل الحقيقي، جماعة القديسين المختارين الذين كشف لهم الله أسراره. 3) نصوص قمران والعهد الجديد ترد في العهد الجديد نصوص تظهر علاقة واحتكاك يسوع والمسيحيين الأوائل بالفريسيين والصادوقيين بينما لا يرد أي ذكر للإسنيين ولجماعة قمران. حتى وإن كانت جماعة قمران معتزلة في الصحراء على ضفاف البحر الميت إلا أن ملكهم ونفوذهم مدت أشعتها إلى أبعد من ذلك وأثرت في اليهود المعاصرين. لذلك لا عجب إن كان هناك تشابه بين أفكار وتعاليم جماعة قمران مع لاوي الرؤيوي وكذلك مع بشارة وحياة المسيحيين الأوائل. لا يمكن أن ننسب هذا التشابه إلى تأثير المسيحية على جماعة قمران بالعكس استلهم المسيحيون الأوائل كما يتضح من نصوص عديدة في العهد الجديد بعض أراء جماعة قمران وتبنوها وأدخلوا عليها بعض التعديلات. لقد ظهر يوحنا المعمدان على ضفاف الأردن ليس بعيداً عن البحر الميت منادياً بالمعمودية بالتوبة (راجع مر 1: 4) كانت جماعة قمران تعرف أن الغسولات الخارجية لا تكفي وحدها لمنح الإنسان الطهارة، بل عليه أن يتوب لينال طهارة القلب . الفارق أن جماعة قمران اعتزلت الناس محافظة بدقة على الشريعة في حين أن يوحنا لم يؤسس جماعة تعيش حسب قوانين ، إنما دعا الجميع للتوبة والاستعداد لاستقبال الآتي . رسالة موجهة لإعلان مجيء الأقوى منه ولذلك لا يطلب غسولات تتكرر مراراً: التطهير والاستعداد لمجيء المسيا يتمان بالعماد. ويدعو يسوع في بشارته إلى التوبة ويعلم بضرورة وجذرية وصية الله، فالإنسان لا يستطيع أن يتوارى عنها (مت 5: 21-41) ولكن مفهوم التوبة في بشارة يسوع يختلف تماماً عنه عند جماعة قمران لأن ملكوت الله قريب، ولأن إرادة الله ورحمته اللامتناهية يصلان إلى الإنسان مباشرة، فعلى الإنسان أن يتوب ويؤمن (راجع مر 1: 15؛ لو 11: 32؛ 13: 1-5؛ 15: 7و10) فمن ناحية هناك وصية الله المطلقة ومن ناحية أخرى رحمته اللامتناهية التي تمنح الإنسان مغفرة الخطايا وتدفعه لتتميم شريعة الله. تقدم الأناجيل الإزائية عشاء يسوع الأخير مع تلاميذه قبل موته في إطار العشاء الفصحي (مر14: 22-25//) في حين يقدمه إنجيل يوحنا (18: 28؛ 19: 14و36) في اليوم السابق للفصح، ففكر البعض أن يسوع اتبع للاحتفال بالفصح تقويم جماعة قمران إلا أن هذا الاحتفال صعب الإثبات لأن التقويم المتبع في أورشليم هو التقويم الرسمي الذي لأقره كهنة الهيكل. لم يقدم يسوع إلى قمران إنما إلى أورشليم، ولم يعبأ بمشاكل التقويم التي كانت تشغل العديدين من اليهود. لم يكن ملماً بفتاوى قمران التي تحدد طريقة التصرف في كل حالة (فيما يخص السبت) ولكنه كان يعلن أن إرادة الله هي عطية ثمينة تفتح الإنسان على الحب وعلى الإنسان أن يتقبلها بشكر (كلام عن السبت في مر 2: 27؛ مت 12: 11؛ لو 14: 5). لم يتضمن تعليم يسوع أولويات في الشريعة ولا يرد ذكر أبناء النور وأبناء الظلام والتمييز بينهما، ولا الابتعاد عن العالم واعتزال الناس، إنه يتوجه للجميع ويصادق العشارين والخطأة، تطالب جماعة قمران بمحبة أبناء النور وكراهية أبناء الظلام في حين يأمر يسوع تلاميذه بمحبة الأعداء والصلاة لأجل المضطهدين (قارن مت 5: 43) وذلك لأن رحمة الله وحبه لا حد لهما. شعرت الكنيسة الأولى مثلما فعلت جماعة قمران أنه شعب الله وأنها تمثل القديسين الذين تنطبق عليهم وعود الكتاب المقدس. تسمي جماعة قمران نفسها مختاري رضا الله. أبناء رضائه وأبناء رضا الله اقتربت النهاية لذلك أصبح من الممكن فهم معنى ما أراد الله إعلانه على فم نبيه (قارن 1كو 10 : 11) الفرق بين الكنيسة وقمران أن جماعة قمران كانت تنظر الخلاص الآتي، في حين أن الكنيسة اعتبرت أن الخلاص قد تم. فهي تؤمن أن يسوع الناصري الذي صلب وقام هو المسيح، وطبقت عليه كل الصفات والألقاب التي صكتها اليهودية للتعبير عن رجائها المسيحاني. كانت جماعة قمران تنتظر النبي والمسيح الكاهن والمسيح الملك في حين أن المسيحية تقبل مسيحاً واحداً نبياً وكاهناً وملكاً. لم يظهر هذا المسيح في مجد وطهارة شرعية، إنما معذب، متألم محتقر ومرذول وسمر على خشبة العار ومات ميتة الملعونين لأجل خطايانا (راجع 1كو 15: 3-5). ولا تحتفل الجماعة المسيحية بالعشاء الرباني كإرادة كهنوتية إنما كمواصلة الشركة مع يسوع. تتذكر الجماعة موت يسوع وتعترف بقيامته وتقبل غفران خطاياها منه (راجع 1كو 11: 23-26؛ مر 14: 22-25). لقد استعانت كنيسة فلسطين بنظام جماعة قمران لتنظيم حياة المؤمنين التابعين لها. ويبدو أن شركة الممتلكات كانت معروفة ومقبولة في كنيسة فلسطين (راجع أع 2: 44؛ 4: 34؛ 5: 1-11) وكانت مثل جماعة قمران تؤنب الأخوة الضالين. والذي يرفض التحذير كان يؤدي الحساب أمام شاهدين ثم أمام الجماعة كلها (راجع مت 18: 15-17 و ) الفارق أن الجماعة المسيحية لم تنعزل عن العالم ولكنها حملت الإنجيل. ويستعمل بولس الرسول في حديثه عن الصراع ضد الشيطان وقوات الظلام عبارات مشابهة لتلك التي استعملتها جماعة قمران. فيجب أن يلبس الإنسان أسلحة البر (رو 6: 12، 13: 12-14) والحرب ليست فقط ضد قوات ملموسة من لحم ودم ولكنها داخل الإنسان حيث يريد الجسد السيطرة على الروح (راجع غل 5: 16-24). يتصارع الروحان، روح الحق وروح الضلال داخل الإنسان ويجب على الإنسان أن يختار إلى أي روح ينحاز. هكذا تعلم جماعة قمران. عند بولس لا يتصارع روحان بل الجسد والروح من ناحية الإنسان الذي يتكل على ذاته وقواه ومن ناحية أخرى الإنسان الذي يعيش فقط بالله. هناك إذاً نقاط تشابه بين تعليم جماعة قمران وتعليم بولس الرسول . ففي الحالتين هناك مواجهة بين مجالين من مجالات الوجود الإنساني يتحدد مرة لمن تكون الغلبة. يكون الإنسان في الجانب الصحيح إذا قبل حكم الله وعاش بعدله. يمنح الله هذا لمن يجعل رجاءه فيه وحده. تعلم جماعة قمران كذلك بولس أن التبرير يتم بنعمة الله فقط. الفرق أن جماعة قمران ترى أن هذا التبرير يمكن الإنسان من فهم وممارسة الشريعة، بينما يرى بولس أن التبرير يحرر الإنسان من الشريعة ويجعله عبداً للمسيح. وفرق آخر ترى جماعة قمران أن التبرير بالنعمة يلزم الإنسان بالمحافظة على الشريعة بالكامل لأنه لا خلاص بدون الشريعة، بينما بولس أن الشريعة انتهت بصلب المسيح (رو 10: 4)، لذلك ينال الإنسان بر الله بالإيمان فقط. وهناك نقاط تشابه بين تعاليم قمران وإنجيل يوحنا ورسائله: النور والظلام، الحق والباطل. الحق ليس مجرد موضوع معرفة بل ممارسة الذي يؤمن بالله هو ابن النور. عند جماعة قمران أبناء النور هم أعضاء جماعة العهد الذين يعيشون الحق بطاعة الشريعة، في حين أنهم في إنجيل يوحنا المؤمنون فقط ؛(قارن يو 8: 12؛ 9: 5؛ 14: 6) ولا يرد في تعاليم قمران إطلاقاً الكلام عن مرسل الله النازل من السماء. كانت نصوص قمران تبرز الأفكار والمفاهيم التي تغذي فكر إيمان ورجاء بني إسرائيل الأتقياء المحافظين على الشريعة، في زمن يسوع وتلاميذه استعمل أحياناً يسوع ورسله الأفكار المصاغة في قمران ليبرهنوا على أن البشارة بالإنجيل هي الإجابة الصحيحة على الأسئلة التي تتردد في أوساط اليهود والأتقياء الذين كانوا يعيشون على رجاء الخلاص. وهذه الإجابة كانت مختلفة في بعض الأوجه والجوانب عما كان الناس ينتظرون هكذا تلقي نصوص قمران الأضواء على خلفية البشارة المسيحية. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سفر المكابيين ومخطوطات قمران | نشأة جماعة الأسينيين |
مخطوطات قمران (15) |
مخطوطات قمران:جماعة قمران والأسينيون (9) |
مخطوطات قمران:إيمان وتعليم جماعة قمران (10) |
مخطوطات قمران: إيمان وتعليم جماعة قمران (11) |