رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفريسيون يشتق اسم الفريسيين من العبري أي المغرور ومن المحتمل أن يكون آخرون هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم لابتعادهم عن الآخرين كجماعة مقدسة خوفاً من الوقوع في النجاسة الشرعية. انتشر الاسم وشاع لأنه بالفعل ينطبق على طريقة حياتهم ولم يكن الفريسيون، أكثر من غيرهم من الجماعات اليهودية، مدرسة فلسفية، كما يوحي بذلك يوسيفوس. تعود بداية حركة الفريسيين إلى زمن المكابيين عندما تصدى البعض للدفاع عن نقاء الإيمان والعبادة تجاه محاولة تهلينهما. ونقرأ في 1مك 2 :42 وجود جماعة يهود أتقياء أقوياء ومتحمسين للشريعة. ومن جماعة ال هذه التي كانت تساق المكابيين في نضالهم، نشأ الفريسيون، أي جماعة اليهود المحافظين على الشريعة والذين لم تكن لهم أية أهداف سياسية. كل هدفهم هو المحافظة على الشريعة كما يجب (راجع 1مك 7: 13). وعندما استقرت العبادة والحياة حسب الشريعة، انفصل الفريسيون عن الحشمنايين، لأن لهؤلاء كانت أهداف سياسية. ولم يقتصر الأمر على القطيعة، بل امتد إلى العداء ومن العداء إلى الصدام المسلح الذي كان أيام ألكسندروس يانيوس. وفي هذا الصدام انتصر رئيس الكهنة وسيطر على الموقف بالإرهاب وإعدام المعارضين وكف الفريسيون عن التدخل في الأمور السياسية بالقوة واكتفوا بالاستعداد بالصلاة والتقوى والصوم للانقلاب الذي سيجريه الله. لذلك رفضوا فيما بعد التحالف مع الغيورين الذين أرادوا إسراع حلول الأزمنة المسيانية بمحاربة الوطنية وخططوا للانقلاب ضد المحتل الروماني. كون الفريسيون جماعات صغيرة قوية استطاعوا فيها المحافظة على ترتيبات الشريعة وكان كل أعضاء هذه الجماعات مطالبين بالمحافظة على سنن الطهارة الشرعية والعشور. فسنن الطهارة الشرعية لم تكن مطلوبة فقط من الكهنة واللاويين لكن من كل الفريسيين حتى في حياتهم اليومية. ومن لامس أشياء نجسة ميت أو حيوان نافق مثلاً أو الذي سال فيه يفقد بذات الفعل الطهارة الشرعية وللحصول عليه كان يجب إجراء طقوس التطهير والغسولات الشرعية وفي بعض الحالات كان يجب مرور فترة معينة من الزمن قبل اعتباره طاهراً شرعياً. وكان الفريسيون يغسلون أيديهم قبل الأكل (راجع مر 7: 3) حتى يستطيعوا أن يرفعوا أيديهم نظيفة أثناء الصلاة قبل الأكل. ولم يعتنوا فقط بطهارة الإنسان بل اهتم أيضاً بطهارة الأدوات التي يستعملونها. فإذا مر فأر على طبق، أو وقعت قطعة عظم في كوب كانا يتنجسان. فكانت الأكواب دائماً تطهر دائماً (راجع مت 23: 25.. لو 11: 39). لم يكن جميع المعاصرين لهم يحافظون على شريعة العشور أي إعطاء العشر من كل المحاصيل والدخل لقبيلة لاوي التي لم تأخذ نصيباً في الأرض بل كانت متفرغة لأعمال العبادة في الهيكل (أح 27: 30-33؛ عد 18: 21-24). لم يهتم السكان غير اليهود بذلك (العشور) لا بل بعض اليهود كانوا يحاولون التهرب من ذلك. وبذلك لم يكن مؤكداً أن البضاعة التي يشتروها مشرعة (مدفوع عنها العشور) كان الفريسيون يعشرون منتجاتهم ومشترياتهم لا بل العطور والأعشاب غير مهملين أي شيء يمكن أن يوقعهم في مخالفة الشريعة (راجع مت 23: 23، لو 11 :42 ). بالإضافة إلى هذه الواجبات الأساسية كانت هناك أعمال أخرى من المستحسن أن يتمها الفريسي: مثل الصوم الاختياري يومي الاثنين والخميس بهدف التوبة والصلاة لأجل إسرائيل ولأجل خلاصه. لذلك تقول إن الفريسي لا يبالغ عندما يعلن في صلاته أصوم يومين في الأسبوع وأدفع العشور عن كل مل أربح (لو 18 :12) ويحفظ لنا التلمود (صلاة) صيغت في القرن الأول الميلادي، كان على الفريسي أن يتلوها. تشبه هذه الصلاة صلاة الفريسي في مثل الفريسي والعشار: "أشكرك أيها الري إلهي لأنك جعلت نصيبي بين الذين يجلسون في بيت التعليم وليس بين الذين يجلسون على رؤوس الشوارع، لأني أقوم مبكراً كما يقومون هم أيضاً: أنا أقوم لأردد كلمات الشريعة وهم يقولون من أجل أعمال تافهة باطلة" أنا أتعب وأنال جزائي وهم يتعبون ولا ينالون جزاءً أنا أجري كما يجرون: أنا أجري تجاه حياة العالم الآتي وهم يجرون تجاه هاوية الموت. يعود الفريسي في صلاة الشكر كل ما يقوم به من أعمال وفي ذات الوقت يفصل نفسه عن الآخرين الذين بخلافه لا يعيشون بمقتضى الشريعة. وكانت جماعة الفريسيين تتكون من كهنة ومن علمانيين: حرفيين، مزارعين وتجار. وكانوا يعيشون سواء في المدن أو القرى، في اليهودية أو الجليل. وكانوا يجتمعون للأكل معاً لأنهم يستطيعون المحافظة أكثر على شريعة الطهارة وكانوا بقدر ما تسمح الظروف، يتعاملون فقط مع الفريسيين في تجارتهم لكي يضمنوا شرعية البضاعة (عشرها مدفوع). ويخبرنا يوسيفوس فلافيوس أن جماعة الفريسيين كانت تتكون من أكثر من 6000 عضواً. ولا يعتبر هذا الرقم مرتفعاً قياساً إلى عدد الشعب ومع ذلك كان تأثير الفريسيين ملحوظاً. ويرجع تأثيرهم الشديد بلا شك إلى الكتبة = رجال الكتب الذين كانوا يقودون الجماعات، فهم الذين كانوا يدرسون الكتب المقدسة ويتولون تفسيرها وشرحها، وكانوا يحفظون التقليد الشفهي ويعرفون مكانها الصحيح بالنسبة للشريعة المكتوبة. وكانوا يعتبرون المثال الذي يحتذي به التلميذ وكانوا يتمتعون بمكانة واحترام عاليين بين أفراد الشعب. كانوا يكرمون ويزورون قبور الأنبياء ومدافن الصديقين (مت 23: 29) وبذلك كانوا يجمعون بين التقوى الشعبية واحترام التقليد. اعتزل الفريسيون أولئك الذين كانوا يجهلون الشريعة أو لم يريدوا إتباعها. وكانوا يشيرون باحتقار بعبارة "أهل الأرض" (2مل 11: 14و19؛ 15: 5) الغوغاء التي تجهل الشريعة قارن أر 1: 18، 34: 19 ) ويبتعدون عنهم. وكانوا يبتعدون بنوع خاص عن العشارين والخطاة. ولم يكن من المعتاد أن يجلس يهودي تقي على مائدة واحدة معهم (راجع 2: 14-17؛ لو 15 :2 ) وذلك لأن العشارين كانوا في خدمة سلطة الاحتلال الوثنية، التي كانت تفضل في معاملاتها من يدفع أكثر للحاكم وكانوا يجمعون أكثر من اللازم ويحتفظون بالباقي لذواتهم. ولأن الخاطئ الذي يريد التوبة عليه أن يصلح ما أفسد ويرد ما أخذ بدون وجه حق، فإن العشار لا يستطيع التوبة لأنه لا يعرف عدد الذين خدعهم وختلهم. كذلك كان الفريسيون يعتبرون خاطئاً كل من مارس عملاً أو وظيفة تحرمها الشريعة وتحرم بعض نتائجها: المفسدون والمرتشون والعشارون ذوو الاتصال بالوثنيين. كان الفريسيون يحاولون كجماعة بني إسرائيل الحقيقي، المحافظة على شريعة الله في حياتهم وفي تصرفاتهم. وكانت أهم كتب العهد القديم لديهم "الشريعة". وتعاليم الشريعة لا توجد فقط في النص المكتوب إنما أيضاً في الشرائع التي تناقلتها الأجيال شفهياً: وهكذا كان لديهم، بجوار النص المكتوب تقليد الأقدمين (راجع مر7: 3) ويعلن كل منهما إرادة الله. وبرع الفريسيون في تطبيق وتفسير وملائمة الوصايا الإلهية على الظروف الراهنة . فكانوا يحاولون صياغة وصية السبت بطريقة تجعلها ملائمة للعصر وذلك ببعض التقسيمات المخففة: يمكن كسر وصية السبت لمساعدة إنسان في خطر الموت. والمسافة التي يمكن يمشيها الإنسان في السبت كانت توسع بإضافة الفسحات أمام البيوت واعتبارها جزءاً من البيت. أما بالنسبة للاعتقاد بقيامة الموتى فإننا نقول إن بعض نصوص العهد القديم المتأخرة (راجع أش 24-27؛ دا 12: 1-3) تمثل نوعا من الإشارات الواضحة إلى ذلك، بالإضافة إلى ذلك اعتمد الفريسيون على تفسير الكتاب المقدس ككل وعلى التقليد الشفهي. إمكانية إقامة ميت لم تكن شديدة الغرابة آنذاك (قارن مر 6: 16 و لو 9: 9). أعطى الفريسيون لانتظار قيامة الموتى شكل العقيدة الراسخة وبها كانوا يتميزون عن الصادوقيين (راجع أع 23: 8) وكان رجاؤهم المسياني راسخاً جداً. إذا استعد الشعب جيداً بالطهارة والقداسة لمجيء المسيا فإنه يأتي ويجمع أسباط بني إسرائيل المشتتين ويقيم ملكه. بقدر ما كان رفضه للحشمانيين باتاً قاطعاً، بقدر ما كان انتظارهم قوياً راسخاً لمسيح من بيت داود، يظهر أورشليم من الوثنيين ويقضي على الأشرار ويستولي على مملكته. كان الفريسيون ينتظرون الأزمنة المسينية الآتية وكانوا يتممون البر والصدق كما تقضي الشريعة ذلك ولذلك كانوا حريصين جداً لئلا يقعوا في مخالفة ما. فكانوا يحيطون الشريعة بسياج مثلاً يرتكبون دون أن يدروا أي خطأ. لذلك كانت راحة السبت تبدأ لديهم قبل ميعادها بمدة لكي يكون اليوم السابع كله مكرساً وبعناية لإله إسرائيل. وكانوا يقومون بأعمال صالحة كثيرة غير مطلوبة من الشريعة (صلوات إضافية) ليكفروا عن الأخطاء التي قد يرتكبها الصديقون دون أن يدروا. بذلك يضمنون حكماً لصالحهم في نهاية الأزمنة. كانوا يحاولون أن تكون حياتهم وصلاتهم مطابقة لإرادة الله وكانوا يقدمون صدقات للفقراء (مت 6: 2) لكي تكون حياتهم مرضية لله. ولقيت حياة يسوع ورسالته مقاومة شديدة من الفريسيين. كانت تعاليمه تلتقي في بعض النقاط مع معتقداتهم- مثل انتظار قيامة الموتى ودعوته للتوبة- إلا أنه كان يخالط الخطاة والعشارين (مر 2: 15؛ لو 7: 36-50؛ 15: 1) وكان يضع ذاته فوق شريعة السبت (مر 2: 23-3: 6). ولم يكن يهتم كثيراً بشريعة الطهارة (مر 7: 1-5). وكان يسوع بدوره يلوم الفريسيين لريائهم في الغيرة على البر؛ لقد كانوا مهتمين بالمحافظة على حرف الشريعة (لو 11: 39-43؛ تث 23: 23-26) ولكنهم كانوا منتمين بكليتهم إلى الله . كانوا متكلين على حياتهم الصالحة وكانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبرروا ذواتهم أمام الله (لو 18: 9-14) فقرر الفريسيون مقاومة يسوع، لا بل أزالوه من الوجود لأنه يخالف الشريعة. ووصل الفريسيون إلى هذا القرار بعد دخول يسوع أورشليم. وبالرغم من اختلاف الرأي القائم بين الفريسيين والصادوقيين، إلا أنهم اتفقوا في الحكم على يسوع بالخطأ وتسليمه للسلطة الرومانية كزعيم سياسي خطر على الأمن. ظل تأثير الفريسيين حتى سقوط أورشليم (70 سنة) قوماً في السنهدرين (أع 5: 34-40؛ 23: 6-8). وعندما بلغ حقد الشعب ونقمته على المستعمر الروماني ذروته وقاد إلى الثورة المسلحة لم يستطع إلا الفريسيون بتأثيرهم الشديد ان يحولوا دون الكارثة. لقد انضم عدد كبير منهم إلى صفوف المتمردين بينما رفض آخرون ومات منهم عدد لا بأس به أثناء الكارثة. ولكن نجا آخرون كثيرون وكان لهم تأثيرهم الملحوظ على تنظيم المجامع بعد سنة 70م وفرض تعليمهم كتعليم رسمي لليهود. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ظنَّ الفريسيون وعلماء الشريعة |
ما أظهره الفريسيون تجاه المسيح |
الفريسيون والحرمان من الفرح |
كبرياء الفريسيون |
ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون |