إكسب قلوب الناس و محبتهم
الإنسان الحكيم هو الذي يعمل باستمرار على زيادة عدد محبيه, وتقليل عدد من يعاديه. يبذل جهده – على قدر طاقته – في أن تحيط باستمرار قلوب تحبه. ولا يفسح مجالًا لتكوين عداوة مع أحد, واضعًا أمامه قول سليمان الحكيم "رابح النفوس حكيم"...
وفى علاقاته مع الآخرين, يتذكر تلك النصيحة الغالية:
"من لا توافقك صداقته, لا تتخذه لك عدوًّا"
ذلك لأن العداوة نار ربما تحرق الطرفين, أو على الأقل طرفًا واحدًا منهما. فهى إذن خسارة ينبغى أن يتفاداها كل حريص...
والذى يعمل على ربح النفوس, فليس يعمل ذلك لمجرد صالحه, وإنما لصالحهم أيضًا. ولأجل تنفيذ وصية الله في أن يسود السلام بين الجميع, وأن تتنقى القلوب من كل ضغينة وحقد, ويتفرغ الناس للعمل الإيجابى البنّاء, بدلًا من إضاعة الوقت و تبديد الطاقات في السلبيات وفي الصراع. وكذلك لفائدة المجتمع كله حتى يكون بناءً راسخًا يشد بعضه بعضًا... ويتعاون فيه الكل على عمل الخير, وإعطاء صورة جميلة للقيم, وإعطاء صورة جميلة للقيم و للأخلاقيات المعاشة.
إن ربح النفوس هو مبدأ رعوى واجتماعى. وهو مبدأ روحى وإدارى في نفس الوقت...
فهو لازم جدًا لحفظ كيان الجماعة, سواء على مستوى الأسرة أو الدراسة, أو الإدارة والنظام, أو العلاقة مع الله ومع سلام الإنسان داخل نفسه...
ففى الأسرة, على الزوجين أن يربح كل منهما الآخر, فيعيشان في سلام, لا يختلفان ولا ينفصلان, بل يراعى كل منهما نفسية الآخر, ويعمل على حفظ المودة مهما اختلفت وجهات النظر إلى الأمور أحيانًا. ويجتهد الإثنان في كسب محبة أبنائهما باستمرار, لا عن طريق التدليل الخاطئ, ولا بأسلوب الحزم القاسى, وإنما بالرعاية والعناية. وهكذا تكون الأسرة مترابطة.
ولذلك فالأم التي تشكو من متاعب أبنائها, ومن عصيانهم لها أو تمردهم عليها, إنما تعترف ضمنًا أنها لم تكسب محبتهم منذ طفولتهم, ولم تكوّن صداقة معهم تحفظهم تحت إرشادها...
كذلك ربح النفوس لازم في محيط المدارس والمعاهد العلمية.
والمدرس الناجح يتميز بمحبة تلاميذه له, وإلتفافهم حوله ناظرين إليه كأب ومرشد وصديق, يحترمونه ويثقون برأيه ونصائحه كما يثقون بعلمه وثقافته. وهذا المدرس الناجح- في ربحه لقلوب تلاميذه – لا يقتصر عمله على التدريس, وإنما يشمل أيضًا التربية والتهذيب, وإعداد جيل نافع لخدمة الوطن ومنتج في محيط المجتمع.
ربح النفوس يلزم أيضًا في مجال العمل والادارة.
فكل من يريد عملًا, عليه أن يجمع العاملين معه, في رابطة قوية من الإخلاص له والأمانة في العمل. وذلك بما يظهره لهم في كل مناسبة من الاهتمام بهم, وحسن معاملتهم, ورعايتهم ماديًا وصحيًا. فلا يكون مجرد رئيس يأمر وينهى, ويحاسب ويعاقب, وفي حزم يحرص على سلامة العمل, إنما يكون أيضًا قلبًا شفوقًا على العمال, تربطهم به محبة وولاء إلى جوار الطاعة والأحترام..
إن ربح نفوس العاملين والموظفين، هو الضمان الأساسى لسير العمل ونجاحه، وهو ضمان لاستمرار العمل وحفظه من التظاهر والاعتصام والاحتجاج والمطالبة بحقوق يرون أنها غير متوفرة!!
ورابح النفوس، يتصف بأنه يهتم بالكل ويكسب الكل.
يفهم نفسية الآخرين، ويعاملهم بما يناسبهم. يهتم بالتعابى ويعمل على إراحتهم. ويربح الضعفاء وصغار النفوس ويشجعهم ويتأنى عليهم ولا يطالبهم بما هو أكثر من قدراتهم.
يحاول أن يكسب المقاومين، فلا يكون سريع الغضب أو ميالًا إلى المجازة والانتقام. بل يتصف بالتسامح والصبر والإحتمال .
أيضًا يحاول أن يحتفظ بكسب الأصدقاء. ولا يخسرهم بكثرة العتاب وشدته. إنما يذكر باستمرار مودتهم، ويغمض العين عن ضعفاتهم أحيانًا, ولا يركزّ عليها.
وبالنسبة إلى عموم الناس, يربحهم بالقدوة الحسنة وبالمعاملة الطيبة وبالجواب اللين الذي يصرف الغضب.
ورابح النفوس يحترم الكل, ولا يستهزئ بأحد أو يتهكم عليه.
ولا يكون نقّادًا ينظر باستمرار إلى النقط السوداء متجاهلًا فضائل الأخرين. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
ورابح النفوس لا يراهم الناس في طريق الحياة, إنما يحب الكل, ويرجو الخير ( للكل, ويفرح بنجاح غيره, دون أن يعتبر أحدًا منافسًا له أو معطلًا.
ويكون مجاملًا في شتى المناسبات. يشارك الناس في مشاعرهم ويكون خدومًا, يساعد من يحتاج إلى مساعدة, ويأخذ بيد الساقط حتى يقوم, ويتعاون في كل عمل خيرّ...
ورابح النفوس ينبغى أن يكون دمث الخلق, عفّ اللسان, وبشوشًا, ورقيقًا في معاملته. ويكون سمح الملامح.
بهذا يكسب الناس. يكسب محبتهم وثقتهم, ويعيش مع الكل في سلام بقدر إمكانه.