كرنيليوس: كان ضابطاً فصار جندياً للمسيح
أع 10: 1-48
في مدينة قيصريّة، التي شيّدها هيرودس، وفي بيت الضابط الروماني كرنيليوس الذي ينحدر من عائلةٍ رومانية شريفة، عُقد اجتماع تبشيري قلّ أتن يكون مثله. وبطرس، صيّاد السّمك، كان في ذلك الاجتماع صيّاداً للناس. فبارك الربّ الاجتماع بصورة مدهشة لدرجة أنّ كلّ الحاضرين. مئة بالمئة، قبلوا يسوع بالإيمان ونالوا غفراناً لخطاياهم. لكنّ البركة لم تكن بنت ساعتها بل سبقتها أشياء عدّة. ومع أنّ الربّ يمتّعنا أحياناُ كثيرة ببركاتٍ شتى دون سؤال أو استعداد، فهناك بركات لا يمكن الحصول عليها إلاّ إذا أعددنا نفوسنا وهيّأنا قلوبنا لتقبّلها. فللبركة شروط يجب القيام بها ـ كما فعل كرنيليوس ـ وهي كما يلي:
1- الصلاة قبل الاجتماع:
كان كرنيليوس رجل صلاة "يصلّي إلى الله في كلّ حين". وبالإضافة كان يصرف أوقاتاً طويلةً في الصوم والتأمّلات. فكان في حالة صلاةٍ مستمرّة. وبعبارة أخرى كان يصلي بدافع الحاجة والرغبة الملحّة. كان يجد لذّةً في الاقتراب إلى الله والشركة معه. ومما لا ريبَ فيه أنه كان يُصلّي لأجل نفسه ولأجل الآخرين أيضاً ـ على الأقل أفراد عائلته. هذا من جهة كرنيليوس المستمع. أما الواعظ بطرس فكان بدوره قبل الاجتماع في خلوةٍ ممتعة مع الحبيب على السطح. "فوقعت عليه غيبة ورأى السماء مفتوحة" وكان الربّ يكلّمه. وعلى إثر ذلك توجّه إلى قيصرية وألقى هناك رسالةً اهتزّت لا قلوب جميع السامعين فخرّوا عند قدمي "ربّ الكلّ".
2- دعوة الآخرين إلى الاجتماع:
"وأما كرنيليوس فكان ينتظرهم وقد دعا أنسباءه وأصدقاءه الأقربين". هذه بادرة حتمية لكلّ نفس متعطّشة إلى خلاص النفوس. فهذا الرجل لم يكن يفكّر بخير نفسه فقط بل بخير نفوس الآخرين أيضاً. يقول الكتاب: "رابح النفوس حكيم".
وما كان أحكم كرنيليوس حين دعا أحبّاءه ومعارفه إلى الاجتماع إذ أنّه ربح جميعهم إلى المسيح.
أولم يفعل أندراوس ما فعله هذا القائد حين دعا اخاه بطرس؟
أولم يفعل فيلبّس ما فعله هذا القائد حين دعا نثنائيل؟
أولم تفعل السامرية ما فعله هذا القائد حين دعت سكان المدينة؟
هل أنتَ تدعو غيركَ إلى الاجتماعات؟ وكم نفساً ربحت حتى الآن؟
3- التأكّد من الحضور الإلهيّ في الاجتماع:
"والآن نحن جميعاً حاضرون أمام الله". لقد آمن هذا القائد العظيم بوجود الله وبقدرة الله، وازداد إيمانه قوةً وشدة حين كلّمه الله بواسطة الملاك الرسول. وها هو الآن يعبّر عن إيمانه وشعوره بحضرة الله في بيته بناءً على كلام الله له إذ حسب أنّ الذي وعد كان صادقاً.
حضور الربّ هو الذي يصنع الفرق
كلّ كنيسةٍ لا يحضر فيها الربّ هي نادٍ للتسلية
كلّ اجتماعٍ لا يحلّ فيه الربّ هو ندوةٌ اجتماعية
والعكس بالعكس.حيثما حلّ الربّ حلّت معه البركة ـ حضوره هو البركة بعينها.
وحيثما حلّ الربّ حلّ معه السرور ـ "فرح التلاميذ إذ رأوا الربّ".
وحيثما حلّ الربّ ولّى الشيطان هارباً ـ "أي شركة للنور مع الظلمة.. وللمسيح مع بليعال؟".
فكان كرنيليوس ماثلاً أمام حضرة الله في تلك الساعة،
كما يمثل العبد أمام سيّده
وكما يمثل الجنديّ أمام قائده
وكما يمثل الحقير أمام مليكه
وكما يمثل التلميذ أمام معلّمه
4- الاستعداد للاستماع في الاجتماع:
"والآن نحن جميعاً حاضرون.. لنسمع جميع ما أمرك به الله". قال الربّ في مثله عن الزارع أنّ قلوب البشر بالنسبة لكلمة الله أشبه بالتربة بالنسبة للزرع. وق قسم الناس إلى أربع فئات:
الذين يسمعون ولا يفهمون
الذين يسمعون وحالاً يعثرون
الذين يسمعون ولا يثمرون
الذين يسمعون ويفهمون ويثمرون
كان كرنيليوس وجماعته من الصنف الرابع إذ كانوا على استعداد للإصغاء إلى جميع كلمات الله والعمل بها. إنّ الاستماع وحده أمرٌ سهل جداً لكنّ البطولة هي في الطاعة والتنفيذ. قال يسوع: "من يسمع كلامي ويعمل به أشبّهه برجلٍ عاقل (حكيم).. وأما من يسمع كلامي ولا يعمل به أشبّهه برجل جاهل (غشيم)..".
5- النظر إلى الربّ لا إلى المتكلّم:
"... نسمع جميع ما أمرك به الله". وكأنّ كرنيليوس يقول "تكلّم يا ربّ لأنّ عبدكَ سامع". قال أحدهم: إنّ الذين يحضرون الاجتماعات هم أربعة أنواع:
الذين يأتون ليتفرّجوا
الذين يأتون لينتقدوا
الذين يأتون ليسمعوا إنساناً يتكلّم
الذين يأتون ليسمعوا يسوع يتكلّم
كان كرنيليوس من النوع الأخير فهو لم ينظر إلى بطرس بل إلى يسوع الذي "له يشهد جميع الأنبياء أنّ كلّ من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا". فالمتكلّم ليس شيئاً. هو واسطة يستخدمها الربّ لإيصال الحقّ الإلهي إلى قلوب السامعين.وبطرس نفسه كان يدرك هذه الحقيقة وقد عبّر عنها في أعمال الرسل 3: 13 إذ قال: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوّتنا وتقوانا هذا يمشي؟". فيسوع هو الكلّ في الكلّ. والواعظ الناجح هو الذي يعرف كيف يوجّه الأنظار إلى شخص ربّنا المعبود.
وأخيراً نجد النتيجة المباركة التي حصدها كلّ من بطرس وكرنيليوس وهي تتلخّص بثلاث كلماتٍ قصيرة:
تجديد: "حلّ الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة".
تمجيد: "كانوا يسمعونهم.. يعظّمون الله".
تعميد: "وأمر أن يعتمدوا باسم الربّ".
هذه هي طريق البركة، وما عليك أيها القارئ العزيز إلاّ أن تسلك فيها لتبلغ هدفك المنشود. فهلمّ...
منقوووول للاماااانةةة