شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
صموئيل الاول 28 - تفسير سفر صموئيل أول
الآيات (1-6):- و كان في تلك الأيام أن الفلسطينيين جمعوا جيوشهم لكي يحاربوا إسرائيل فقال اخيش لداود اعلم يقينا أنك ستخرج معي في الجيش أنت ورجالك.فقال داود لاخيش لذلك أنت ستعلم ما يفعل عبدك فقال اخيش لداود لذلك اجعلك حارسا لراسي كل الأيام. ومات صموئيل وندبه كل إسرائيل ودفنوه في الرامة في مدينته وكان شاول قد نفى أصحاب الجان والتوابع من الأرض. فاجتمع الفلسطينيون وجاءوا و نزلوا في شونم وجمع شاول جميع إسرائيل ونزل فيجلبوع. ولما راى شاول جيش الفلسطينيين خاف و اضطرب قلبه جدًا. فسال شاول من الرب فلم يجبه الرب لا بالاحلام ولا بالاوريم ولا بالانبياء.
← الجان: تفسير لقداسة البابا شنودة الثالث لكلمة "الجن" (من كتاب قداسته عن الأرواح بين الدين وعلماء الروح):
كلمة الجان لا توجد إلا في الترجمات العربية. ولعلها تأثرت بالفلسفة الإسلامية في الترجمة. ففي ترجمة King James تترجم بـ familiar spirits وفي ترجمات أخرى ترجمت spirits.
ويقول قداسة البابا أنه سأل بعض أساتذة اللغة العبرية فقالوا إن معناها مجرد أرواح تحت الأرض، وما يسمونه الجان في الترجمات العربية للكتاب المقدس هم شياطين.
وكان في تلك الأيام = أيام وجود داود في صقلغ. ونجد هنا أخيش متيقنًا جدًا من ولاء داود لهُ في الحرب ضد شاول. وفي (2) نجد إجابة داود عائمة يشوبها اللبس تحتمل معنيين على الأقل. فداود لم يعط وعدًا صريحاُ وإنما قال أنت ستعلم ما يفعل عبدك فأخيش اعتبر موضوع اشتراك داود معهُ ضد شاول أمرًا أكيدًا بل هو كرامة لهُ أن يحارب مع الفلسطينيين ضد عدوه. ولذلك عين أخيش داود حارسًا خاصًا أو قائد حرسه الخاص وفي (3) يكرر حادثة موت صموئيل مقدمة للأحداث التالية. وكان شاول قد نفى كل من يعمل بالسحر والشعوذة من البلاد وغالبًا كان هذا بإرشاد صموئيل. أصحاب الجان = أصل الكلمة الذين يتكلمون من بطونهم ويتظاهرون بجان حال فيهم وهو الذي يخبرهم بالأمور الخفية والمستقبل والتوابع = أي توابع الجان يتبعونه حيثما يذهب كعبيد لسيدهم وهو يكشف لهم أمور لا يدركها أو ينظرها البشر ويقدم لهم إمكانيات فوق طاقات البشر مثل استدعاء أرواح الموتى. ولقد حرم الكتاب المقدس السحر والشعوذة بكل أنواعها لأنها تعني التجاء الإنسان إلى الشر وإلى الشيطان كمرشد له وسند يعينه عوض الالتجاء إلى الله والاتكال عليه.
وفي (4) شونم مدينة في أرض يساكر. وجلبوعمقابل شونم وفى (5) سر خوف شاول الحقيقي هو تخلى الله (عكس داود النبي الذي يقول مز 1:27) وفي (6) كيف يجيب الرب رجل قتل كل الكهنة ورئيس الكهنة وطرد الرجل الذي كان يحارب ببسالة وهو داود. ويبدو أن شاول أقام كاهنًا بطريقة ما ليسأل لهُ الله ولكن كان الكاهن الشرعي المتبقي أبياثار وهذا كان محتميًا بداود. لا بالأحلام (راجع عد 6:12) فالله قد يكلم الأنبياء بالأحلام ولكن بسبب شر شاول إنصرف عنهُ الأنبياء وكل إنسان صالح والله رفضه وأصبح في أسوأ حال. ولنلاحظ بعد ذلك أي انحدار وصل لهُ شاول عوضًا عن أن يقدم توبة ويصلى نجده يلجأ لأسوأ أسلوب يمكن اللجوء إليه. ولنلاحظ كيف قضى شاول الليلة الأخيرة من عمره.
أيه (7):- فقال شاول لعبيده فتشوا لي على امراة صاحبة جان فاذهب اليها واسالها فقال له عبيده هوذا امراة صاحبة جان في عين دور.
لجأ شاول لسؤال امرأة صاحبة جان فأهان الله إذ أقام هذه المرأة الكاذبة مكان الله. هكذا انحرف شاول من ضعف إلى آخر حتى ارتكب هذا الشر العظيم.
صورة: لوحة شاول وعرافة عين دور، 1977 (العرافة مع الروح التي ظهرت، وشاول يسجد - الظن خطأ أن هذه هي روح صموئيل صموئيل النبي) - رسم الفنان بنيامين ويست (1738-1820)
الآيات (8-20):- فتنكر شاول ولبس ثيابًا أخرى وذهب هو ورجلان معه وجاءوا إلى المراة ليلا و قال اعرفي لي بالجان واصعدي لي من أقول لك. فقالت له المراة هوذا أنت تعلم ما فعل شاول كيف قطع أصحاب الجان والتوابع من الأرض فلماذا تضع شركا لنفسي لتميتها. فحلف لها شاول بالرب قائلًا حي هو الرب أنه لا يلحقك اثم في هذا الامر. فقالت المراة من اصعد لك فقال اصعدي لي صموئيل. فلما رات المراة صموئيل صرخت بصوت عظيم وكلمت المراة شاول قائلة لماذا خدعتني وانت شاول. فقال لها الملك لا تخافي فماذا رأيت فقالت المراة لشاول رأيت آلهة يصعدون من الأرض. فقال لها ما هي صورته فقالت رجل شيخ صاعد وهو مغطي بجبة فعلم شاول أنه صموئيل فخر على وجهه إلى الأرض وسجد. فقال صموئيل لشاول لماذا اقلقتني باصعادك اياي فقال شاول قد ضاق بي الأمر جدًا الفلسطينيون يحاربونني و الرب فارقني ولم يعد يجيبني لا بالانبياء ولا بالاحلام فدعوتك لكي تعلمني ماذا اصنع. فقال صموئيل ولماذا تسالني والرب قد فارقك وصار عدوك. و قد فعل الرب لنفسه كما تكلم عن يدي وقد شق الرب المملكة من يدك وأعطاها لقريبك داود. لانك لم تسمع لصوت الرب ولم تفعل حمو غضبه في عماليق لذلك قد فعل الرب بك هذا الأمر اليوم. ويدفع الرب إسرائيل أيضًا معك ليد الفلسطينيين وغدا أنت وبنوك تكونون معي ويدفع الرب جيش إسرائيل أيضًا ليد الفلسطينيين. فاسرع شاول وسقط على طوله إلى الأرض وخاف جدًا من كلام صموئيل وأيضًا لم تكن فيه قوة لانه لم ياكل طعاما النهار كله والليل.
هناك رأيان في هذه القصة أي ظهور صموئيل بعد موته لشاول:- أولًا: أن الذي ظهر هو روح صموئيل فعلًا. وقطعًا لم يأتي بأوامر صاحبة الجان بل بسماح من الله ليعطى درسًا أخيرًا لشاول لعله يتوب وليوبخه على ما صنعه إذ لجأ للجان عوضًا عن اللجوء لله بالتوبة. وأصحاب هذا الرأي يدللون على ذلك بالأتى:
1-يشوع بن سيراخ يشهد بذلك فيقول "ومن بعد رُقادِه تنبأ وأخبر الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة لمحو إثم الشعب (23:46).
2-صراخ المرأة بصوت عظيم يدل على أنها رأت شيئًا لم تتعوده فهي تعودت على شياطينها.
3-معرفة المرأة لشاول وهو متنكر. ثم قولها آلهة على صموئيل فما رأتهُ كان عجيب عليها.
4-قول صموئيل لشاول لماذا أقلقتنى بإصعادك إياى = توبيخ لشاول على فعلته الأثمة.
5-كل ما قاله صموئيل كنبوة قد حدث (الآيات 16-19). وواضح أنه إنذار أخير لشاول لعلّه يتوب.
ثانيًا: أن الذي ظهر شيطان وإدّعى أنه صموئيل وأصحاب هذا الرأي يدللون على ذلك:-
1-هو خداع شيطاني فالشيطان "يغير شكله إلى ملاك نور" (2كو 11: 14+2تس 4:2) حيث نفهم أنه سيظهر نفسه على أنه الله نفسه + (مت 24:24) لنعلم خداعاته.
2-نبوات الروح الذي ظهر لا يحتاج لذكاء فهو يعرف قوة جيش الفلسطينيين وضعف جيش شاول وأنها معركة خاسرة وأن الفلسطينيين لن يهدأوا إلاّ لو تخلصوا من شاول.
3-كلمات الروح لشاول ليست فيها دعوة للتوبة والتصالح مع الله بل هو وضع شاول في حالة يأس خطيرة بلا أي رجاء.
4-رُعب المرأة هو تمثيلية متقنة منها ومعرفتها لاسم شاول قد دلها عليه شياطينها.
وفي آية(10) فحلف لها شاول بالرب = مازال لهُ مظهر الدين وهو فاقد لجوهره. وكيف يحلف لها بالله ليحميها ضد الناموس الذي يطلب رجم الساحرات (لا 27:20). وفي (9) نجد المرأة خائفة على حياتها أي من أن يقتلها شاول ولكنها خائفة على خلاص نفسها. ثم نجد شاول يقول لها لا يلحقك إثم في هذا الأمر = فهل شاول يضع ناموسًا جديدًا أو يحميها من غضب الله.
وهذا الذي إدّعى أنه سيحمى المرأة صاحبة الجان سرعان ما انهار وسقط على وجهه مرعوبًا فهو أولًا ارتعب من الفلسطينيين ثم انهار أمام عبيده الذين يعلمون أنه سبق ونفى كل أصحاب الجان وها هو يرجع ويعلن احتياجه لهم ممّا اضطر للتنكر حتى يكتشف أحد شخصيته.
آية(21):- ثم جاءت المراة إلى شاول ورات أنه مرتاع جدًا فقالت له هوذا قد سمعت جاريتك لصوتك فوضعت نفسي في كفي وسمعت لكلامك الذي كلمتني به. وضعت نفسي في كفى = أي جازفت بحياتي لأجلك وأنا أعلم أن هذا الأمر ممنوع.
آية(22-24):- و الآن اسمع أنت أيضًا لصوت جاريتك فاضع قدامك كسرة خبز وكل فتكون فيك قوة اذ تسير في الطريق. فابى وقال لا اكل فالح عليه عبداه والمراة أيضًا فسمع لصوتهم وقام عن الأرض وجلس على السرير. وكان للمراة عجل مسمن في البيت فاسرعت وذبحته واخذت دقيقا وعجنته وخبزت فطيرا.
هنا المرأة تشفق على شاول بسبب انهياره وقدمت لهُ أفخر أطعمتها.
آية(25):- ثم قدمته أمام شاول وامام عبديه فاكلوا وقاموا وذهبوا في تلك الليلة.
هي نهاية محزنة مخزية لملك كانت بداياته مشجعة جدًا. هذا يمثل من يمنحه الله مواهب كثيرة فيدخله الغرور والكبرياء. والإنسان الفاسد داخليًا يجمع لنفسه مرارة من يوم إلى يوم حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وأمّا الإنسان الروحي فيخزن في أعماقه أمجادًا متلاحقة تملأ أعماقه فرحًا حتى نهاية حياته على الأرض.