منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 21 - 02 - 2013, 07:53 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

الاختبار الأرثوذكسي للخلاص

م. فؤاد فريد

القراءة: الرسالة الأولى إلى كورنثوس 10: 1 – 22

تقوم الحياة الأرثوذكسية في الخلاص على سر الإيمان. لأن الإيمان هو سرّ يزرعه الله في قلب الإنسان. ويعيش الإنسان بهذا السرّ أو بهذا الإيمان حياة صادقة أمينة بحسب ما يُعطيه الله .

أولاً – معنى كلمة سرّ:

(1) استُخدمت هذه الكلمة أولاً للتعبير عن سرّ الخلاص. أي أن الخلاص الذي يُعطيه الله للإنسان، يُعطيه بشكل سري في قلبه وفي أعماقه قبل أن يكون في شكل خارجي. فالسرّ هو سرّ خلاص الله للإنسان. هذا هو المعنى الأول لكلمة سرّ.

(2) المعنى الثاني للسرّ هو عمل الروح القدس في الممارسات التي تُمارسها الكنيسة لأجل انضمام الإنسان إلى الكنيسة جسد المسيح وثباته فيها كعضو حي مثل المعمودية ومسحة الميرون والإفخارستيا والتوبة وبقية الأسرار الكنسية.

كلمة سرّ تحمل معنى عمل نعمة الله في داخل قلب الإنسان في الخفاء ولذلك تُسمى النعمة الخفية. وهي التي تظهر في الأعمال المنظورة، ولذلك فكلمة سرّ تعني العمل الخفي، أي أنها قوة خفية تعمل في داخل الإنسان ولا يشعر بها إلا الإنسان الذي أخذ هذه النعمة. وفي اللغة اللاتينية تعني [ العمل المقدس ]. وقد سمت الكنيسة هذه المُمارسات التي تتم بالنعمة للإنسان: أسراراً.

+ أسرار الكنيسة كلها تدور حول ثلاث أسرار رئيسية وباقي الأسرار مرتبطة بهذه الأسرار الرئيسية:

1 – المعمودية: وهو سرّ يتم بتغطيس الإنسان في الماء وقيامته وخروجه منه ويتم هذا السرّ بعمل الروح القدس في الماء وفي الإنسان المُعمد. وتُسمى النعمة المرتبطة بهذا السرّ: [ نعمة المعمودية ]. وفيها يأخذ الإنسان نعمة تغيير القلب باشتراكه في موت المسيح وقيامته.

2 – مسحة الميرون: وفي هذا السرّ يسكن الروح القدس داخل الإنسان ليوجه حياته وقلبه في حياته مع الله. ويفيض فيه ويُثمر فيه ويملأه بصفات الله ويُدفق فيه حياة المسيح باستمرار.

3 – الإفخارستيا: وهي سرّ التناول من جسد الرب ودمه وهو لتثبيت المؤمن في المسيح بغفران خطاياه لكي يحيا الإنسان دائماً مُطهراً وثابتاً في المسيح بأكله الحياة الأبدية التي أعطاها لنا المسيح بتجسده.

وهذه الأسرار الثلاثة (وكل الأسرار) مرتبطة أساساً بالإيمان. فليس هُناك سرّ بدون إيماننا. مستحيل يتم السرّ بدون إيمان. والمؤمن بنواله السرّ يتقوى وتثبت علاقته بالمسيح. وبالتالي يتحول الإيمان الذي ربما كان فكرياً أو نظرياً إلى حياة عملية شاهدة بالمسيح. فالسرّ يقوي الإيمان ويجعله شهادة للمسيح بالروح القدس. ويصير الإيمان واضحاً في السلوك والعمل والحياة. هذه الأسرار الثلاث قائمات أساساً على عمل الفداء الذي أكمله المسيح ونابعة منه. ففي المعمودية أموت وأقوم مع المسيح، وفي الميرون أُمسح لكي ينسكب عليَّ موعد الآب والابن أي الروح القدس، ويملأني وينقل إليَّ خلاص المسيح وفداءه. وفي الإفخارستيا آكل المسيح وأشربه وهذا يُصنع لذكره، ذكر فداءه وخلاصه العامل في حياتي. وبقية الأسرار ترتبط بهذا المعنى.

ثانياً – النظرة الأرثوذكسية لاختبار الخلاص:

بواسطة الصلاة والأسرار تحدُث علاقة وثيقة بين الإنسان والله بالتبادل. فالإنسان يُعطي حياته لله في الصلاة والسرّ، والله يُعطي حياته للإنسان في الصلاة والسرّ. فالصلاة فعل عطاء وأخذ. أُعطي ذاتي لله والله يُعطيني ذاته وحياته. والإنسان العتيق الذي أُريد أن أتخلص من، أُسلمه لله في الصلاة ليُعطيني الله حياته لتتدفق فيَّ وتملأني. المبادرة في الصلاة من الله، والمبادرة في الأسرار من الله. الله هو الذي يُعطي الإنسان حياة في الصلاة ويعطيه أسراره الإلهية. فالله هو الذي يبدأ بتحريك قلب الإنسان ليُصلي كما يقول الرسول بولس: [ الروح أيضاً يُعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نُصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها ] (رو8: 26)، واضح هُنا أن العطية هي بأنات الروح القدس. المبادرة من روح الله، يُحرك قلبي بنطق لكي أُعبِّر عن احتياجاتي وأُعلنها أمام الله، كما يتفق مع مشيئة الله وليس بحسب قصدي أنا، وذلك لكي يسكب الله غناه في داخلي، بل لا يستطيع الإنسان أن يُكون علاقة مع المسيح كرب له ومُخلص وإله وسيد وملك على حياته إلا بالروح القدس [ ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس ] (1كو12: 3).

من هُنا فأن حياتنا المسيحية كلها آتية من عند الله. فمنه تُعطى حياة التقوى والبرّ والخلاص. فالله يعلن للإنسان أن يتلقف عطايا الله ومبادراته.

الله يُعلن والإنسان يقبل الإعلان ويعيه: الله مستعد أن يُعلن للإنسان كل ما يلزم لحياته معه هُنا وفي الدهر الآتي، وعلى الإنسان أن يقبل إعلانات الله ويعيها. فالله مستعد أن يُعلن حتى [ ما لم تره عين وما لم تسمع به أُذن وما لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ] (1كو2: 9، 10). إعلانات الله هذه تتم بالصلاة والأسرار وهي نابعة من عمل الفداء.

السرّ في الكنيسة ليس عمل إنسان يحاول – الإنسان – أن يُقدمه لله لكي يستعطفه أو يُرضيه أو لكي ينال قبولاً أمام الله، هذه النظرة هي نظرة غير مسيحية. فالقبول أمام الله ورضا الله على الإنسان في المسيحية قائم أساساً على عمل المسيح الفدائي إذ قدم نفسه ذبيحة بلا عيب لله أبيه من أجلنا، وبهذه الذبيحة رَضِيَ الله عنا وقبلنا في المسيح. لذلك فالسرّ في الكنيسة يقوم على عمل الله الذي عمله لأجلنا في المسيح وليس على عملنا نحن. فأسرار العهد الجديد كلها تقوم على تقدمة المسيح لنفسه من أجلنا. فعندما أنال من جسد لمسيح ودمه فأنا آخذ حياة المسيح المُخلِّص. واعترف لكي أدخل بالتطهير بدم المسيح وحياته العاملة فينا لكي اتحد بالمسيح. وفي سرّ مسحة المرضى آخذ قوة الشفاء والخلاص التي يُعطيها المسيح للإنسان.

فهُناك تفاعل بين الله والإنسان، فالفعل يبدأ من الله إلى الإنسان، ويرُد عليه الإنسان بأمانة قلب فتتحقق فاعلية الخلاص في قلب الإنسان من خلال الأسرار المقدسة. ويُمكن القول أن الأسرار هي احتفال أو هي فرح لقاء الإنسان مع المسيح الحي القائم من بين الأموات.

ثلاثة أمثلة من الكتاب المقدس توضح هذا المعنى:

(1) ظهور المسيح لتلميذي عمواس: (لو24). فالمسيح يلتقي بالإنسان وسط حياته وآلامه الكثيرة التي يحياها. فأنا أذهب للكنيسة ليس فقط لكي آخذ السرّ، ولكني أذهب للكنيسة لأن الله أعدني لتقبُل السرّ، فالسرّ مُبادرة من الله نحو الإنسان. فهو يتلاقى مع الإنسان في السرّ وفي وسط همومه وأحزانه كما كان تلميذا عمواس يتطارحان بكلام خاص بالرب يسوع المسيح ولم يكونا يفهمان الهدف من موت المسيح، وأن كان قد قام أم لا وأنه ظهر للنسوة، وبينما هما هكذا جاء المسيح وتدخل وسار معهما. أذن هُناك اهتمامات في قلب الإنسان ثم يتقابل المسيح مع الإنسان من خلال اهتماماته كما فعل مع تلميذي عمواس في تدخله معهما أثناء حيرتهما وانشغالهما وبدأ يُفسر لهما الكُتب. وهكذا في السرّ في الكنيسة يبدأ بقراءة الإنجيل وتفسيره. وبعد ذلك يأتي ليُتمم السرّ الذي يقود إلى تقوية الإيمان كما فعل المسيح مع التلميذين بعد أن كانا بطيئين في الإيمان، وأخيراً عرفاه عند كسر الخبز. وهكذا فأن الوصول إلى إدراك قوة السرّ الذي يُعطى لنا في الكنيسة يتم عن طريق الإصغاء لكلمة الله، فأن المسيح يبدأ يتكلم معهما وكانا يسمعاه فالتهب قلبهما، فهُنا مبادرة من الله أعلنها بواسطة كلامه داخل قلب التلميذين، فهُناك أولاً إصغاء لصوت الله ثم انفتاح القلب لكلام الله، وبعد ذلك يأتي التماس حضور الله. كانا يُريدانه معهما فالزماه قائلين ” أمكث معنا… فدخل ليمكث معهما ” (لو24: 29). في هذا اللقاء يوجد عُنصران أساسيان كما يوجدان في كل سرهما: الكلمة والمادة. الكلمة هي أنه فسرّ لهما الكُتب، والمادة هي الخبز الذي كسره. فاستوعبا سرّ عمل المسيح وقيامته بعد أن أصغوا لكلمة الله وانفتح قلبهما لإدراك مقاصد الله، ثم رغبة مُلحة في حضور المسيح معهما وأخيراً نوال قوة السرّ من خلال المادة. بعد ذلك رجع التلميذان إلى جماعة الرسل لكي يخبرانهم بما حدث معهما، فقد حدث لقاء مع يسوع الحي الذي قام فأخذا قوة حياة في داخلهما وبعد ذلك رجعا لى الكنيسة بأورشليم. إذن فدور الجماعة أساسي في سرّ الخلاص. فنوالنا من أسرار الكنيسة لا ينبغي أن يكون بإحساس فردي، بان يأخذ الإنسان نعمة لذاته وبعد ذلك يعيش بمفرده. لذلك فأن اختبار الخلاص في الأسرار يحدث بالشركة مع الجماعة جسد المسيح وهذه غاية الأسرار.

(2) إيمان الخصي الحبشي: (أع8: 29 – 40). في لقاء فيلبس مع الخصي نجد العناصر الآتية: (أ) الله يُبادر بملاقاة الخصي بواسطة فيلبس لينال سرّ الخلاص بالمعمودية. (ب) الخصي الحبشي له اهتمام بأمور الله لأنه جاء ليسجد، وهكذا يلتقي الله بالإنسان من خلال اهتمام الإنسان بالله. (جـ) الكلمة تقود إلى الإيمان. فبعد أن شرح فيلبس للخصي ما قرأه في أشعياء قال الخصي [ أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله ] فحدث إيمان. (د) وبعد ذلك طلب أن يعتمد فعمده فيلبس. وهنا نجد أيضاً عنصرا كل سر: الكلمة – المادة، والمادة هُنا هي ماء المعمودية.

(3) اهتداء بولس الرسول: (أع9). نفس الخطوات. المسيح يلتقي مع شاول ثم يؤمن، يعتمد وينضم للكنيسة، ثم يصير مُبشراً. والمسيح الذي ظهر لبولس أرسله لى الجماعة أي الكنيسة لكي يعتمد ويمتلئ من الروح القدس بواسطة حنانيا وكان الرب يستطيع لو أراد أن يُتمم كل شيء مع بولس دون أن يرسله إلى حنانيا ولكنه أرسله إليه لكي يتضح لنا أهمية الكنيسة في عمل الله الخلاصي (أع9: 6 – 18).

هذه الأمثلة الثلاث توضح التقاء مبادرة الله مع قبول الإنسان لعطية الله بواسطة الكنيسة؛ والآن نذكر عُنصر آخر في هذا التلاقي بين الله والإنسان وهو:

ثالثاً – الأسرار تعبير عن تلاقي عمل الله مع حرية الإنسان:

فالكنيسة في عمل الخلاص لا تفرض نفسها على الإنسان، ولكن الإنسان يأتي إلى السرّ بحريته. فالخلاص ليس فرضاً من الله على الإنسان ولكنه عطية محبة يُبادر بها الله الإنسان لكي ينال الخلاص. والإنسان يتذوق ويتقدم بحريته لينال الخلاص في الكنيسة بالأسرار. فهو يذهب إلى الكنيسة لكي يتلاقى مع خلاص الله الذي في السرّ وهو يفعل هذا بحريته الكاملة. ووجود الإنسان مع الكنيسة يحفظه من أن يكون تحت سيطرة مشاعر ذاتية أو اتجاهات نفسية لا تتفق مع الحياة حسب الروح وشركة الجماعة. إذن فالأسرار في الكنيسة ليست فقط هي عمل الله في مبادرته نحو الإنسان بل هي أيضاً في نفس الوقت عمل الإنسان في القبول بحريته. وهكذا فكل تلاقي بين الله والإنسان في الأسرار على أساس الحُرية ينتهي بقوة متجددة.

رابعاً – اختبار الأسرار مع الصلاة والسلوك:

في الصلاة يعطي الإنسان كيانه لله، والله يُعطي حياته للإنسان بالروح القدس. ويتم اتصال حقيقي بين الإنسان والله في الصلاة. أما السلوك فهو هام جداً لكي تتحول الخبرة الروحية التي أخذها الإنسان في الصلاة إلى حياة فعلية في واقع الإنسان اليومي. ولابدَّ من تلازم الصلاة مع طاعة الوصية [ فليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل من يعمل مشيئة الآب ] (مت7: 21). أي يلزم مع الصلاة أن يسلك الإنسان بحسب مشيئة الله في حياته اليومية. ولكن لا يصلح أن يكتفي الإنسان بالصلاة وبالسلوك الفردي دون أن يربط حياته مع الكنيسة بالأسرار. فالحياة الروحية الفردية هي اكتفاء بالذات.

الأسرار وسيلة ملموسة تُساعد الإنسان على أن يخرج من ذاته ليكون في شركة مع الجماعة. يخرج من نفسه إلى الجماعة، إلى المادة، إلى الكون، إلى كل شيء، لا لكي يُحقق ذاته، بل لكي يعطي ذاته وكيانه كله للمسيح من خلال الكنيسة والآخرين. فالأسرار علاقة كيانيه لا تربط الإنسان بذاته، بل تربط الإنسان مع الله ومع الكنيسة فيخرج من ذاته إلى الكنيسة، إلى الحياة وسط الجماعة. وهذا يُعتبر اختباراً عملياً للخلاص ببذل الذات. ولذلك فالكنيسة تؤمن بالأسرار لأنها تضمن خلاص الإنسان بعمل الله في الكنيسة.

الأسرار تجمع في داخلها عدة أمور؛ رموز الجسد: اللغة البشرية – الكون – المادة (خبز – زيت – ماء – خمر…) والجماعة الإنسانية. كل هذه تتجمع معاً. لذلك فالإنسان داخل السرّ لا يرى ذاته فقط بل يرى كل الخليقة تُقدم معه لله. فهو يدخل لتقديم حياته إلى الله من خلال كل شيء حوله، الكون والمادة واللغة البشرية. فعندما أقف لأُصلي في القداس بلغة ليست هي لغتي أنا فقط بل هي لغة خبرات آباء، خبرات الكنيسة. خبرات حياة انتقلت من جيل إلى جيل، ولذلك تُصلي الكنيسة [ هكذا يكون من جيلٍ إلى جيل وإلى دهر الدهور آمين ].

فعمل الله في السرّ: أن الجماعة كلها تتجمع لنوال حياة الله في داخلها من خلال السرّ. ولذلك فالكنيسة تحتفل في عبادتها بعمل الله المنحدر إليها، فينتقل تاريخ الخلاص كله إلى قلب الإنسان. منذ أن تجسد المسيح من العذراء إلى أن مات وقام وصعد وسكب الروح القدس واختبرت الكنيسة هذه الحياة مُعاشة عبر الأجيال، أتلاقى مع هذا كله في السرّ أي مع خبرة تاريخ الخلاص وليس مجرد خبرتي الذاتية الفردية التي يُمكن أن تختلط على الإنسان إذا اكتفى فقط بالصلاة والسلوك الفردي بدون شركة مع الكنيسة في الأسرار؛ فالصلاة هامة جداً ولكن يلزم أن تكون معها الأسرار والسلوك في الحياة.

في الأسرار يلتقي الإنسان مع فعل التجسد الإلهي العظيم؛ ففي المعمودية مثلاً يتحقق في المُعمَّد الخلاص الآتي من الله الذي أعطى الخلاص، يلبس الإنسان المسيح. وعندما يُمارس حياته مع المسيح ينمو في المسيح ويزداد في حياته يوماً بعد يوماً. ومن خلال الماء تنتقل حياة الله القائم من بين الأموات إلى قلبه فيصير إنساناً مسيحياً فيه صورة المسيح الحي داخل قلبه.

إذن السرّ ينتهي دائماً بنقل حياة الله وقوته إلى قلب الإنسان، فيقبل الإنسان بسهولة ويُسر:الموت مع المسيح؛ يستطيع أن يترك كل شيء ليعيش لملكوت الله.

باختصار: فالمسيح حاضر في كل سرّ بحضوره، والمسيح بحضوره ينقل الإنسان ويجذبه لكي يحيا مع الله.

خامساً – الأسرار والإيمان في العهد الجديد:

لا يُمكن فصل الإيمان عن الأسرار في العهد الجديد. لا إيمان بدون سرّ ولا سرّ بدون إيمان، فالإيمان نفسه يُحرك الإنسان إلى مُمارسة السرّ، وعندما يُمارس الإنسان السرّ يُعطيه قوة – يقوي إيمانه – ويعيش الإنسان بإيمان حي، كما قال الرب [ اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خلُص ] (مر16: 15، 16). إذن الخلاص بالإيمان والسرّ معاً [ ومن لم يؤمن يُدن ] (مر16: 16). ويقول الرسول بطرس [ توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس، فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس ] (أع2: 38، 41)؛ وهكذا أهل السامرة [ لما صدقوا فيلبس وهو يُبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساءً ] (أع8: 12)، وهكذا بولس مع سجان فيلبي [ الذي اعتمد في الحال هو والذين له أجمعون ] (أع16: 33)؛ وهكذا كثير من الكورنثيين [ كثيرون من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا ] (أع18: 8). فالمعمودية تعبير عن نوال قوة الخلاص في حياة الإنسان.

سادساً – الأسرار تعبير عن الإيمان:

(1) الأسرار تعبير عن إيمان الكنيسة الجماعي: ليس هُناك خلاص فردي بشكل مطلق بل هُناك إيمان جماعي للكنيسة. النعمة يمنحها الله في الأسرار وهي مرتبطة بالإيمان ومرتبطة بجسد المسيح. يُمكن أن يقول الإنسان: أنا مؤمن وأُمارس السرّ بمفردي. بل أن مُمارسة الأسرار مرتبطة بجسد المسيح، الكنيسة. فالله يمنح الأسرار من خلال الكنيسة. وهذا يُساعد الإنسان على الخروج خارج ذاته لكي يعيش في الكنيسة وليس منحصراً في ذاته.

(2) الأسرار تُنمي الإيمان الشخصي: فهي تجعل حياة الإنسان تنمو وتتغذى وتقوى بقوة عمل المسيح في حياته، فكما يتقوى جسد الإنسان بالأكل الطبيعي، هكذا يتقوى المؤمن بالأسرار ويحيا مع الله وينمو في النعمة.

(3) الأسرار والحياة اليومية: الأسرار تجعل الإنسان يعيش حياته في الله. فهو مثلاً يتناول من الإفخارستيا فيأخذ حياة الله داخله ويتأله لأنه ينال قوة الله في داخله فيبتدئ يحيا في المجتمع وهو حامل الله، وهو حي في الله. فالمجتمع بالنسبة له هو مجال لإظهار الله وليس لإظهار ذاته.

فهناك زمنان للأسرار: الزمن الأول هو زمن نوال السرّ، أي وقت التناول؛ الزمن الثاني هو وقت إظهار حياة الله وسط الناس؛ وهكذا في كل سرّ يأخذ الإنسان حياة المسيح وقت حدوث السرّ وينقلها إلى الناس عندما يتعامل معهم سواء في الكهنوت أو في الزواج أو مسحة المرضى… الخ.

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
بعد الاختبار
قاعة الاختبار
اختبار زى الاختبار الغريب....
إجابة قداسة البابا بخصوص المفهوم الأرثوذكسي لأهمية المعمودية للخلاص
آساف وقمة الاختبار


الساعة الآن 11:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024