رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جغرافية فلسطين الأرض الممتدة "من دان إلى بئر سبع"، على حد تعبير الكتاب المقدس، صغيرة جداً. فهي بالطول أقل من 230كلمً. والطرف الشمالي من البحر الميت لا يبعد عن الساحل إلا 80كلمً (وإن كان ينخفض عن مستوى سطح البحر نحو 400 متر). فالأرض في الواقع تشبه سقف المنزل. إذ ترتفع تدريجياً عن ساحل البحر المتوسط حتى تبلغ ارتفاعاً يقارب 1000 متر فوق سطح البحر، ثم تنحدر بشدة نحو شق وادي الأردن العميق. فإن سطح الأرض هناك قد تصدع وانخفض مشكلاً خندقاً ضخماً يمكن أن تتبع أثره إلى داخل أفريقيا الشرقية. وإلى الشرق من الأردن والشمال من الجليل ترتفع الجبال إلى علو أعظم، إذ تبلغ نحو 2000 متر في أدوم فوق المنطقة الصحراوية الشرقية، وأكثر من 3000 متر في جبل حرمون إلى الشمال. وهكذا بدا العبرانيون في أنظار الشعوب المحيطة بهم أشبه بقبائل تسكن الجبال. وقد قال قادة جيش بنهدد ملك أرام عن العبرانيين: "إن آلهتهم ألهة جبال". ذلك أن قلب بلادهم يقع على السلسلة الجبلية بين الساحل ووادي الأردن. فتحصنوا في تلك الجبال واستطاعوا رد هجمات الفلسطيين المقيمين على الساحل. إلا أنهم بالفعل لم يسيطروا قط على السواحل. كانوا من حين إلى آخر (ولا سيما في أثناء مُلك داود) يتمددون شمالاً نحو أرام أو شرقاً إلى ما وراء الأردن، حيث استولوا غير مرة على موآب وأدوم. إلا أن جبال اليهودية كانت قاعدتهم الأولى، والأخيرة. جيولوجية البلد: من الناحية الجيولوجية، معظم المواد التي تتكون منها هذه الأراضي هي حديثة العهد. فالكلس والطبشور يُغطيان قسماً كبيراً من الطبقة الخارجية. وتكوين الأرض مهم لمساعدتنا على فهم الكتاب المقدس. حيث الصخور الكلسية، تتميز طبيعة الأرض بملامح معينة. فالماء يغور بين هذه الصخور المنُفِذة، ويحدث تصريف سطحي قليل. ولكن هذه الصخور تؤدي إلى أن تكون مجارٍ جوفية عادةً، بحيث يسهل استخراج الماء بحفر آبار. والأرض الكلسية فيها تجاويف كثيرة، وعلى سطحهما غالباً طبقة حجرية تجعل الحراثة صعبة، بحيث لا يصلح للزراعة إلا رِقاعٌ قليلة. جميع هذه الملامح موجودة في تلال فلسطين، وتبرز كلها في قصص الكتاب المقدس. وللمناخ الصحراوي أيضاً تأثيراته في طبيعة الأرض وتكوينها. ففي الصحراء دائماً، بغضِّ النظر عن نوع الصخر، طبقةٌ سطحية من الرمل أو الملح أو الصوان. وقسمٌ كبير من أراضي المنطقة الجنوبية مغطى بهذه المواد المُجدبة. ومعروفٌ أن الريح والماء هما القوتان اللتان تشكلان صخور الصحراء. فالريح تصقل هذه الصخور فتُصبح ذات أشكال رائعة. أما قوة الماء- وقد زادتها ندرتها قدرةً وتأثيراً- فهي تحفر أودية منحدرة الجوانب وأجرافاً عمودية. ومن الممكن أن تؤدي الفيضانات العرضية المفاجئة إلى ملء وادٍ جافٍّ بالماء إلى علو بضعة أمتار في دقائق قليلة. الغور: إن غور الأردن- هذا الشقّ المستقيم الطويل الذي يبلغ عمقه عند البحر الميت- هو واحدة من بضع علاماتٍ تدل على أن سطح الأرض غير مستقر. فالنشاط البركاني والتغييرات التكوينية ما تزال جارية. ذلك أن غور الأردن حدث من جراء انزلاق الأرض بين صدعين متوازيين، فتكون أعمق منخفض طبيعي في العالم. وينخفض شط بحر الجليل عن سطح البحر مئتي متر. ويبلغ البحر الميت أكثر من 800 متر تحت سطح البحر في أعمق نقطةٍ منه، رغم الرواسب التي حملها نهر الأردن إليه على مر آلاف السنين. ومما يُثبت أن المنطقة ما تزال ناشطة جيولوجياً وجود الينابيع الحارة والصخور ذات البقع المعدنية. المناخ: للأراضي الواقعة على ساحل المتوسط مناخٌ وسطٌ بين المعتدل والاستوائي. فالشتاء كثير المطر إجمالاً. أما الصيف فحارٌّ وجاف، بتأثيرٍ من الصحارى الاستوائية الواقعة على حافة البحر الجنوبية. وبفضل هذا التباين الموسمي، يغطي الثلج الجبال الساحلية بينما تنضج الأثمار الاستوائية في السهل. يتنوع المناخ كثيراً في مختلف مناطق الشرق الأوسط. لكن لذلك بضعة عوامل عامة. الأمطار: تتعلق كمية الأمطار الهاطلة عموماً بالارتفاع عن مستوى سطح البحر. فالجبال تجتذب مطراً أكثر من الأراضي المنخفضة. وكثيراً ما تصد الجبال الرياح الحاملة للأمطار وتمنع وصولها إلى الداخل. فينتج من ذلك سقوطُ أمطار على الجبال العالية إلى الشمال من الجليل (من 750 إلى 1500 ملم سنوياً) أكثر مِما يسقط على تلال اليهودية (من 500 إلى 750 ملم). ويقل إجمالي المطر سريعاً كلما تقدمنا نحو الجنوب. حتى إذا وصلنا إلى بئر سبع تكون أقل من 200 ملم. وباتجاه الجنوب أيضاً يسود المناخ الصحراوي على شبه جزيرة سيناء كلها. ويتزايد بأكثر سرعةٍ نقص المطر كلما توغلنا في الداخل، وكلما انحدرنا صوب وادي الأردن. فمعدل المطر في أورشليم يبلغ 500 ملم تقريباً؛ أما في أريحا، وتبعد عنها نحو 25 كلم إلى الشرق لكنها تخفض أكثر منها بألف متر، وفلا يكاد يبلغ 100 ملم. ثم يرتفع المعدل من جديد إلى الجهة الشرقية من الأردن، بحيث يمتد لسانٌ صحراوي شمالاً على طول وادي الأردن من البحر الميت، بينما يمتد لسانٌ ريفيٌ مرويٌّ جيداً جنوباً على ضفة الأردن الشرقية يشمل الأراضي الجبلية بين لبنان وأدوم. فلا عجب إذا رأى سبطان ونصف من الاثني عشر سبطاً أن الأرض الواقعة في الجانب الشرقي من وادي الأردن كانت جيدةً لمواشيهم كالأرض الواقعة في الجانب الغربي، وطلبوا الإقامة هناك قبل عبور النهر إلى الأرض الموعودة (عدد 32). وبعد ذلك بعدّة سنين صارت هذه الأرض، أي أرض جلعاد، مشهورة بخصبها. فقد اجتذبت تلالها من الأمطار ما يوازي أمطار تلال اليهودية الأقربِ منت الساحل لكن الأقل ارتفاعاً. ومع أن القسم الشمالي من فلسطين ينال، على ما يبدو، كميةً لا بأس بها من المطر، فإن المعدل العام مضلل للغاية. فإجماليُّ المطر يشهد في الواقع اختلافاً كبيراً من سنة إلى سنة. وخلال القرن الماضي، تفاوتت كمية المطر الهاطلة سنوياً في أورشليم- حيث المعدل 500 ملم- ما بين 250 ملم كحدٍّ أدنى في بعض السنين و 1075 ملم كحدٍ أقصى في سنين أخرى. ويعني هذا أن حد الصحراء ليس ثابتاً. ففي بعض السنين ينحسر الحد شرقاً وجنوباً. وفي سنين أخرى يجتاح المنطقة فيعم القحط والجوع. ولمثل هذه السنين، الكثيرة المطر عاماً والشديدة الجفاف عاماً آخر، دورٌ بارز في قصص الكتاب المقدس. فهي تذكر الشعب دائماً بأنهم عِيالٌ على الله. الندى: حيث يقل المطر، قد يؤدي الندى دوراً مهماً في ري الأرض. ومعظم المناطق ذات الندى الكثير هي على الساحل. فالرطوبة تأتي من البحر المتوسط خلال أيام الصيف ثم تسقط على الأرض بشكل ندى عندما تبرد ليلاً. وقد تشهد بعض المناطق الساحلية 200 ليلٍ ذي ندى كل سنة، مما يوفر لها ربع ما تحتاج إليه من ريٍّ تقريباً. لذلك لا يصعب علينا أن ندرك أهمية الدور الذي يؤديه الندى في حياة الناس الذين يأتي الكتاب المقدس على ذكرهم. فالنبي إيليا مثلاً تنبأ بحدوث قحطٍ قائلاً: "إنه لا يكون طلٌّ ولا مطر" (1 ملوك 17: 1). الأمطار الشتويّة: في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يهطل معظم مطر السنة في فصل الشتاء. ولا يرجح سقوط المطر بين حزيران وأيلول (يونيو وسبتمبر). وأحوال الطقس إجمالاً ثابتة ويمكن التنبؤ بها؛ إذ يسيطر عليها تيار هوائي من الشرق . فعلى مدى ثلاثين سنة مثلاً لم يُسجل سقوط مطر قط في تل أبيب على الساحل خلال حزيران وتموز وآب (يونيو ويوليو وأوغسطس). فبعد صيفٍ كهذا، يكون هطول المطر مهماً جداً، عند الفلاح خصوصاً. ومع أنه يتوقع بعد منتصف أيلول (سبتمبر)، فإن موسم المطر يتأخر أحياناً. وهذا يقصر فترة الحراثة ويؤخر امتلاء الآبار من جديد بعد استعمالها في الصيف. من هنا تصوير الكتاب المقدس للفلاح وهو ينتظر مطر الخريف ليبدأ عمله (راجع يعقوب 5: 7). وما إن يبدأ المطر فعلاً، حتى يأخذ بالتزايد خلال أشهر الشتاء. وأغنى شهرين بالمطر هما كانون الأول وكانون الثاني (ديسمبر ويناير). وغالباً ما يهطل المطر أتياً من فوق المتوسط طيلة ثلاثة أيام أو أربعة دفعةً واحدة، ثم يعقب ذلك انفراج وصحو. وتستمر الحال هكذا إلى أن يميل الطقس إلى الثبات على الصحو في أواخر آذار (مارس) وأوائل نيسان (أبريل). ولكن هذه الفترة مهمة جداً عند الفلاح. فالغروس تبدأ تنمو بعد برد الشتاء. ومن المهم أن تدوم الأمطار خلال الربيع مدة تكفي لري المزروعات خلال فترة نموها. لذلك يترجى الفلاح حصول المطر المتأخر في نيسان (أبريل) كما المطر المبكر في تشرين الأول (أكتوبر). الحرارة: غالباً ما تتفاوت درجات الحرارة كثيراً في البلدان ذات الأمطار الموسمية. فهنالك مفارقاتٌ بينة مثلاً بين يوم صيفي قرب البحر الميت حيث تبلغ درجة الحرارة 40 درجة مئوية، كما هو متوقع، ويومٍ شتويٍّ على بعد 160 كلمً في الجليل الأعلى حيث يسقط مطر جليدي. وربما كان الطقس الشتوي في الجبال مزعجاً جداً. فإن أورشليم تشهد ما بين 45 يومَ مطرٍ و60، وغالباً ما يسقط الثلج فيها شتاءً. كذلك يمكن أن تكون التغيرات اليومية أيضاً مرهقة في المناطق المنخفضة جداً. فمعدل الحرارة في أريحا خلال كانون الثاني (يناير) 15 درجة مئوية. ولكن هذا المعدل يجمع بين حرارة النهار المرتفعة وصقيع الليل. وخلال الصيف يراوح معدل الحرارة على الساحل وفوق المرتفعات ما بين 22 و25 درجة مئوية، وهو معدل لطيف. وتتأثر درجات الحرارة عموماً بالارتفاع عن سطح البحر، وبالرياح من حين لآخر. ففي النهار صيفاً تهب نسمات باردة من المتوسط فتلطف حدة الحرارة. غير أن أثر الرياح الخمسينية أقل إنعاشاً. فهذه الريح الحارة والجافة والشديدة تهب من الجنوب آتيةً من الصحراء العربية، حاملةً هواءً ساخناً يمكن الشعور به أحياناً حتى قرب الساحل. وهي معروفة جيداً عند أهل فلسطين. وقد قال المسيح: "إذا رأيتم ريح الجنوب تهب تقولون إنه سيكون حرٌّ، فيكون" (لوقا 12، 55). ولا يبدو أن المناخ اليوم قد تغير كثيراً عما كان عليه لما دخل بنو إسرائيل الأرض، أو لما عاش المسيح في فلسطين. طبعاً، تغيرت ملامح طبيعة الأرض، ولكن هذا التغير ليس ناتجاً من تغير المناخ. النبات: في منطقة هذا مناخها نتوقع وجود أنواع النبات التالية، انطلاقاً من قلب الصحراء حتى السواحل والجبال: الأشجار الصحراوية، الشجيرات والأعشاب المشرورة فوق المنحدرات الجرداء، المروج، الغابات المتفرقة، الأحراج المنتشرة على الجبال العالية. ونتوقع أيضاً وجود نباتاتٍ مكيفة خصيصاً لخزن الماء من مواسم المطر إلى موسم الجفاف، نباتاتٍ براقة ناعمة ضابطة للماء ومانعة للتبخير. وفي الواقع أن جميع أنواع هذه النباتات موجودة في الأراضي التي يصفها الكتاب المقدس وما حولها: غابات لبنان إلى الشمال وأشجار الصحراء إلى الجنوب. أما السهول والأراضي المعشبة فتشكل فقط حزاماً ضيقاً حول مرتفعات اليهودية وشرق الأردن على المستويات المتوسطة. ولكن معظم الأراضي المعشبة أصلاً على المنحدرات الساحلية حرثت وزرعت منذ أقدم الأزمنة. كما أن قسماً من الصحراء استُصلِح للزراعة بواسطة أساليب الري الرومانية، كما هي الحال اليوم. التغيُّرات: ولكن حصلت تغيرات كبيرة على مر العصور. فلما دخل بنو إسرائيل الأرض، كان القسم الأكبر من المرتفعات مكسواً بالغابات. حتى أنه في زمن المسيح، كما يبدو، كان ينتشر مقدارٌ كبير من الأشجار. وفي العهد القديم يُشار إلى عدة أنواع من الشجر والنبت، وقد زرع الرومان أحراجاً كبيرة. أما اليوم فقد تغيرت ملامح طبيعة الأرض، وزالت الغابات والأحراج بصورة شبه نهائية. وقد انجرفت التربة من جراء قطع الأشجار للبناء والوقود وإعداد الأرض للحراثة؛ مِما منع نمو أشجار جديدة. وبالتدريج حلت محل الغابات الشجيرات الشائكة التي يكثر وجودها في الأراضي المأهولة منذ زمن طويل على ساحل المتوسط. هذه النباتات البرية المتراكمة تعطل الأرض وليست بصالحة لأغراضٍ نافعة، كالبناء مثلاً. أما الأشجار، مهما كان حجمها، فقليلةٌ بينها؛ وهي عرضةٌ لخطر الحريق الخطر صيفاً. ولعلها اليوم تمثل ما تبقى من الغابات التي كانت كثيفة في ما مضى. كذلك تقلصت الأحراج كثيراً بسبب إزالتها عمداً في الحروب الكثيرة التي شهدتها تلك الأرض، فضلاً عن رعي المعزى المبيد لها. ذلك أيضاً ما حدث لتلال موآب شرقي الأردن، وهي الآن جرداء بعدما كانت منطقة غاباتٍ كثيفة. ولم تبدأ عملية إزالة الأحراج هذه تشهد الوقف والعكس إلا في نصف القرن الماضي. وقد كان ذلك في وقته، لإنقاذ العدد القليل الباقي من أرز لبنان الشهير وبعض الغابات الجبلية في الشمال. بل إن التغييرات في طبيعة الأرض، خلال الفترة الزمنية عينها، كانت أكثر درامية، لأنها حدثت على نحوٍ أسرع كثيراً جداً من تلك التي حصلت خلال فترة الإبادة الرهيبة. فالمستنقعات جففت وزُرعت. وبساتين الفاكهة غرست محل غابات السنديان القديمة. والري امتد إلى الصحراء، وفي بعض الحالات إلى المناطق التي أصلحت للزراعة تحت حكم الرومان في أيام المسيح. ومعلومٌ جيداً أن بعض أنواع التربة الصحراوية مخصِبة إذا سُقيت. ثم إن القطاع الجنوبي، فضلاً عن أسفل وادي الأردن، هو منطقة زراعية كثيرة الواحات، كأريحا وعين جدي مثلاً. ثروات البلد: وعد الله الشعب بأراضٍ خصبة. ثم إنها "أرضٌ حجارتها حديد، ومن جبالها تحفر نحاساً" (تثنية 8: 9). وقد حفر النحاس منذ أزمنة مبكرة جداً، ثم حصل التنقيب عن الحديد في ما بعد، بعدما اكتشف الحثيون كيف يصهرونه. وجاء الفلسطيون ومعهم سر ذلك. غير أن العبرانيين لم يتمكنوا من صنع أدواتهم الحديدية الخاصة قبل زمن داود وسليمان. وفي زمن سليمان كانت مناجم النحاس شمالي خليج العقبة تعمل بكل طاقتها الإنتاجية. أما ثروات البلد الرئيسية الأخرى فهي حجارة البناء، والزفت والرمل والطين، ومجموعة متنوعة من الأملاح الكيماوية في منطقة البحر الميت، حيث أدى التبخير إلى ترسبها في طبقاتٍ كثيفة. واليوم يجري العمل بكل جدٍّ لاستخراج حجارة الفوسفات، كما أن مياه البحر الميت بالذات يُستخرج منها البوتاس والبروم والمغنيزيوم. أقاليم البلد: كانت لدى اليهود في أيام المسيح فكرةٌ دقيقة جداً عما هو داخل نطاق "الأرض" وعما هو خارجه. فقد كانت "جغرافيتهم الإقليمية" مؤسسة على مقياسٍ جرى التدرج فيه من المنطقة الأقدس إلى الأقل قدسية. في رأس هذا المقياس قدس الأقداس في أورشليم. أما من الجهة الأخرى، فحتى مسُّ التراب في المناطق الواقعة خارج "الأرض" كان يعتبر منجساً. وكان قلب البلد يتألف من اليهودية والجليل، في الجانب الغربي من الأردن، تفصل بينهما السامرة (وهي لا تخص البلد) ولكن تصل ما بينهما بيرية على الضفة الشرقية. والطريق المشروع بين الشمال والجنوب دون مغادرة "الأرض" (مع تجنب السامرة) اشتمل عبور الأردن مرتين. وحوالي منطقة القلب هذه شبه حزامٍ داخليٍّ من الأراضي التي كانت بأيدي العبرانيين سابقاً. ولم تكن هذه الأراضي تعتبر معادلة في التنجيس للأراضي الواقعة كلياً خارج الحدود. على أن التقسيم الجغرافي الإقليمي الأكثر مألوفية يلحظ سبعة أقسام طبيعية كبرى في البلد. المرتفعات الداخلية: يقع قلب الإقليم في الريف الجبلي على طول ما يشبه حاجزاً مائياً، حيث تنحدر الأرض من جهةٍ إلى الساحل ومن الجهة الأخرى إلى وادي الأردن. هذه المرتفعات تعلو إلى ما يزيد عن ألف متر في أعلى نقطةٍ قرب حبرون. أما المنحدر الغربي فغير شديد، وأما الشرقي فشبه عمودي. وقد زال الغطاء الحرجي منذ زمن بعيد، فصارت المنطقة رقاعاً كلسيةً جرداء ذات تربة فقيرة. لذا تُزرع جِلالٌ قليلة وحقول صغيرة، وتستعمل أقسام كبيرة من المنطقة لتربية المواشي. وقد يسرت المدن المحصنة في هذه المنطقة الجبلية وجود نقاط دفاعٍ قوية. وكانت عاصمتا المملكتين الجنوبية والشمالية (يهوذا وإسرائيل) كلتاهما في هذه المنطقة. وقد استخدم ملوك الشمال بضعة معاقل مختلفة قبل بناء عاصمتهم في السامرة. عند الطرف الشمالي من هذا الإقليم عددٌ من التلال المعزولة تشرف على المنطقة المجاورة، سهل يزرعيل أو مرج ابن عامر. ولكن المنطقة الجبلية تمتد باتجاه الشمال الغربي حتى الساحل حيث يدخل نتوء جبل الكرمل في البحر. والسلسلة التي ترتفع 600 متر تقسم السهل الساحلي قسمين، مغيرةً النمط العام للمناطق الممتدة بين الشمال والجنوب. وعند الطرف الشمالي من الكرمل تقع مدينة حيفا ومرفأها. وحتى في أيامنا لا يوجد في المنطقة الجبلية إلا طرقٌ قليلة عدا الطريق الرئيسي من حبرون إلى نابلس (شكيم قديماً) مروراً بأورشليم. ويلاحظ أن الطرقات الرئيسية، قديماً وحديثاً على السواء، تمر إلى الشمال من التلال أو تمتد بمحاذاتها على طول الساحل. وعليه، فمع أن هذه المنطقة تتضمن أورشليم، فقد كانت كل حين منعزلة قليلاً عن الماجريات في طول البلاد وعرضها. سهل يرزعيل : على بعدٍ قليل من ساحل المتوسط، تمتد سلاسل الجبال من لبنان إلى سيناء على نحوٍ متواصل تقريباً. فإن هنالك منخفضاً لافتاً من جراء صدعٍ جيولوجي في الصخور الجوفية، ويبلغ ارتفاعه نحو مئة متر أو أقل. هذا المنخفض يفصل المرتفعات الداخلية عن الجليل والجبال الشمالية، وهو يمتد من خليج حيفا، إلى الشمال من جبل الكرمل، إلى وادي الحَرود الواقع في الأردن. وهذا الحاجز المائي يخترقه سهل يرزعيل. يكون السهل المركزي شبه مثلث، طول كل ضلعٍ منه نحو 24 كلمً. وكانت أرض السهل مستنقعية أصلاً- فهنا خسر سيسرا مركباته وكان عليه أن يفر سيراً على قدميه (قضاة 4: 15). لكن السهل جف، وهو اليوم أخصب منطقة زراعية في الدولة العبرية الحديثة. ومع أن السهل ظل غير خصبٍ على مدى عدة قرون، قبل أن يبدأ المستوطنون اليهود باستصلاحه عام 1911، فقد كان له دائماً أهميةٌ إستراتيجية عظيمة. وتخترقه من مصر إلى دمشق وما بين النهرين الطريق الرئيسية الممتدة بين الشمال والجنوب في العالم القديم (وقد دعاها الرومان (فياماريس" أي طريق البحر). وكانت هذه طريقاً سهلة، سواءٌ للتجارة أو للغزو. وربما كان في هذا ما يفسر تطاول لائحة المعارك التي خيضت في الطرف الغربي من السهل. من هنا اعتبارُ جبل مجدو، أو "هرمجدون"، ساحةً للمعركة الكبرى في رؤيا 16. الجليل: إلى الشمال من سهل يرزعيل، تبدأ السلاسل الجبلية من جديد. وهي تمتد بعيداً نحو الشمال مرتفعةً بالتدريج عندما تصل قرب جبال لبنان الشامخة. ويتخذ الارتفاع شكل سلسلة من الدرجات لها أطراف شديدة الانحدار مقابل الجنوب أو الجنوب الشرقي إجمالاً. والدرجات السفلى في هذا "السلم" كانت وما تزال أراضي خصبة حوضية الشكل، يفصل إحداها عن الأخرى تلك الحافات الكلسية الجرداء. وفي أيام المسيح اشتُهرت هذه الجلال الحوضية بحنطتها وفاكهتها وزيتونها. وقد يسر ذلك ازدهار المنطقة وكثرة أهلها. إلا أن الدرجات العليا هي مرتفعات جرداء تكنسها الريح. هذه المرتفعات معزولة وقاحلة، تفتقر إلى الغابات التي تكسو سفوح الجبال في أقصى الشمال. تلك المنطقة كلها تكون إقليم الجليل، ويُقسم أحياناً إلى الجليل الأسفل والجليل الأعلى. وبينما ترتسم بوضوحٍ حدود المنطقة الجنوبية والشرقية، تتداخل حدودها الشمالية والجبال. وقد كانت هذه المنطقة الحدودية الشمالية في ما مضى هي دائماً ذلك الجزء من "الأرض" حيث المؤثرات الأجنبية هي الأقوى. ونادراً ما كانت المنطقة تحت سيطرة بني إسرائيل الفعلية. والطرق التجارية الكبيرة التي اخترقتها ساقت إليها كثيراً من الغرباء. في هذه المنطقة قضى المسيح سني طفولته وصباه. وكانت منطقة دائمة الحركة يكثر فيها الذاهبون والآتون ويسكنها خليطٌ من الناس. وبواسطة طرقها التجارية، كانت على اتصال بالعالم الخارجي وتيسر لها الاطلاع على الأفكار غير اليهودية. وقد وفرت لها حقولها الخصبة ومراكز صيد السمك في بحيرتها رخاءً نسبياً. كما كانت أكثر تنبهاً لماجريات الحياة في الإمبراطورية الرومانية من اليهود المترفعين في أورشليم، والذين احتقروا مواطنيهم الشماليين باعتبارهم ريفيين أجلافاً، ولا سيما لأنهم خليطٌ من الأقوام. السهل الساحلي: لما دخل بنو إسرائيل الأرض، استولوا على المرتفعات الداخلية، ومن ثم قاموا بمحاولات متقطعة لمد سيطرتهم إلى الساحل المتوسطي. غير أن هذه المنطقة كانت تحتلها الأمة الفلسطية القوية. ومع أن بني إسرائيل تمكنوا على عهد داود من السيطرة على هذه المنطقة، فإن الفلسطيين كانوا في أغلب الأحيان يشكلون ضغطاً كبيراً على الجبال انطلاقاً من مدنهم الساحلية الخمس. ولم تكن الأراضي الساحلية آنذاك ذات جاذبية خاصة. فهي مكونة من حزام كثبانٍ رملية خلفها غابات وبُحيرات ومستنقعات. ولم تكن إلى الجنوب من الكرمل موانئ طبيعية كبيرة. فالفلسطيّون لم يخوضوا البحار، وأول مرفإٍ كبير على هذا الساحل كان المرفأ المصنوع في قيصرية والذي أنشأه الملك هيرودس الكبير قبل ولادة المسيح بزمن غير طويل. وقد عرف السهل الواقع جنوبي الكرمل بسهل فلسطيا وسهل شارون. وشمالي الكرمل، دُعي السهل سهل أشير. حتى إذا اتجهت شمالاً، وجدت السهل يضيق، ولكن تكثر فيه الموانئ الطبيعية. ومن هناك نشطت تجترة الفينيقيين البحريين. "الشفلَية" أو السفوح: بين السواحل والمرتفعات منطقةُ سفوح كانت تغطيها في الماضي أشجار الجميز. ولمّا كان الفلسطيون يحاربون بني إسرائيل كانت التلال تشكل شبه أرض مشاع شهدت مناوشاتٍ دائمة. فلكي يهاجم أي الفريقين الآخر كان ينبغي له أن يعبر "الشفيلة"، ولذلك كانت معظم طرقها محصنة أو محروسة. واليوم يُستغلُّ قسمٌ كبيرٌ منها في الزراعة. وادي الأردن: ينبع نهر الأردن قرب جبل حرمون ويجري جنوباً عبر بحيرة الحولة (وقد جفف الآن القسم الأكبر منها) إلى بحيرة الجليل. وعند الطرف الجنوبي من هذه البحيرة يجري النهر في وادٍ عميق يدعى الغور. وليس الوادي وحده ذا جانبين شديدي الانحدار، بل إن النهر أيضاً قد شق الأرض مكوناً "وادياً ضمن وادٍ" متعرجاً تحف به الصخور وتكسوه خُضرة كثيفة كالأدغال. وقد جعل ذلك عبور الأردنِّ صعباً قبل بناء أول جسور حديثة فوقه. إن وادي الأردن هو صدع جيولوجي. وضفتاه توازيان انخفاضين في قشرة الأرض. هذان الانخفاضان يوصلان الوادي إلى البحر الميت وما بعده عبر المنخفض المعروف بالعربة والذي يفضي أخيراً إلى خليج العقبة. ويعود عمق الوادي السحيق إلى هذين الانخفاضين. فإن شط البحر الميت ينخفض عن سطح البحر 388 متراً. والمسافة بين الحافة الجبلية على أحد جانبي الوادي والحافة المقابلة له تراوح ما بين 15 و20 كلمً. ولكن ليس من طريق يجري على طول هذا الوادي. وأحد أسباب ذلك هي الأرض كثيرة الصدوع العقبات والتي كونها نهر الأردن وروافده. وسببٌ ثانٍ هو أن درجات الحرارة داخل الغور ترتفع كثيراً في الصيف بحيث يفضل المسافرون أن يعبروا بأسرع ما يمكن من المرتفعات الجبلية على إحدى الضفتين إلى تلك المقابلة لها. شرق الأردنّ (عبر الأردنّ): هنا مرتفعات كتلك الواقعة غرباً لكن أعلى منها. وهي مروية جيداً، وقد وفرت مرعى جيداً للقطعان الضخمة من الغنم وسائر المواشي التي كانت تربى في موآب قديماً. وقد ذُكر أن ملك موآب أدى لملك إسرائيل مئة ألف خروف ومئة ألف كبشٍ بصوفها (2 ملوك 3: 4). والجبال هنا ترتفع مما بين 600 و700 متر شرقي الجليل إلى نحو 2000م جنوبي البحر الميت وشرقيه. وهي تجتذب أمطاراً تتزايد مع أعاليها وتجعلها حزاماً خضيباً بين الوادي الجاف من جهة والصحراء العربية من الجهة الأخرى. ومما جعل هذه المنطقة منافسة خطرة لتلك الواقعة غربي الأردن: خصب أراضيها كباشان وجلعاد، وازدهار تربية الماشية في موآب، ونجاح تجار أدوم. وربما كان خيراً على بني إسرائيل أن وادي الأردن شكل عقبة صعبة في وجه أولئك الأقوام حالت دون عبورهم من الشرق إلى الغرب. ويكاد هذا الوادي يفصل كلياً بين منطقتين متماثلتين تقعان على كلا جانبيه ضمن مدى النظر. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جغرافية كتاب مقدس ( إيْقُونِيَة ) |
جغرافية كتاب مقدس ( مقاطعة عدن ) |
جغرافية كاغاوا |
معلومات جغرافية وتاريخية عن بيرو |
جغرافية الصحراء الكبرى |