رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل الله يفكر؟ للإجابة علي هذا التساؤل لا بد من معرفة أولاً ما هو التفكير: أن عملية التفكير ما هي الا التوصل من أجل معرفة أو حقيقة ما، فما الذي لا يعرفه الله لكي يفكر فيه فمن صفات الله المطلقة إنه كلي المعرفة والعلم والحكمة!!!؟. *علم الله وحكمته: العلم هو صورة الحقائق عند العقل، والعلم بالنسبة للإنسان منه الضروري بالفطرة كالغرائز التي يكتسبها بالطبيعة، أو الضمير الأدبي الذي يُميز به الحلال والحرام، ومنه المكتسب كالذي يتعلمه من الخارج بالتعليم والاختيار. الإدراك لا يحتاج إلي مكان جسمي، ولا حجم ملموس ولا إلي صورة جسمية، ولا إلي لون ول إلي أي شيء قط مما يختص بالجسم والمادة. الله كائن روحاني عاقل، فهو مبدء ومصدر لكل عقل وإدراك، فهو ذات له معرفة عالم بكل شيء، ومعرفته مطلقة غير محدودة، له معرفة تامة كاملة بذاته، فالله ليس مجرد قوة بسيطة عمياء، أو قانون أو حياة أو كائن عديم الضمير (مجرد من المبادئ الأخلاقية).. أن الله يدرك ملء وجوده وجوهره في أعماق ضميره، وهكذا يعرف نفسه، لأنه كيف يكون الله كائناً ذاتياً كاملاً وفي نفس الوقت لا تكون له معرفة كاملة. معرفة الإنسان محدودة، وهذا ما يقوله معلمنا القديس بولس الرسول: "الآن أعرف بعض المعرفة" فنحن لنا بعض المعرفة أما عن الله فيقول: "يا لعمق غني الله وحمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أومن صار له مشيراً؟" ويرجع ذلك إلي أن: 1- معرفة الله كاملة وذاتية غير مكتسبة: الله يعرف ذاته معرفة تامة، ويعرف ما هو خارج عن ذاته، فلأن الله روح منزه عن المادة، لذا فعلمه غير محدود، فالجماد والنبات والحيوانات ليس لها قوة المعرفة، والإنسان لأنه يتركب من روح متحدة بجسد، فالروح تعطيه قوة علي المعرفة لكنها قوة محدودة. 2- معرفة الله ليست مقترنة بالزمن: علمه غير محدود وغير مقيد، فهو يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، ويري كل شيء معاً، خلافاً للإنسان الذي يعرف الحاضر معرفة غير كاملة، ويعرف الماضي معرفة أقل، ولا يعرف المستقبل مطلقاً، فيقول ابن سراخ عن الله" يفحص البحر وأعماق القلب ويحيط بكل أسرارهما لأن العلي يعلم كل علم ويتبين علامات الأزمنة، يُخبر بالماضي وبالمستقبل ويكشف حتي أخفي الآثار، لا تغيب عنه خاطرة ولا يخفي عليه كلام روائعه ينظمها بحكمته، وثابت هو منذ الأزل إلي الأبد لا يزيد ولا ينقص ولا يحتاج إلي المشير" (سيراخ42: 18-21)، كذلك يقول معلمنا القديس يعقوب الرسول "معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله" (أع18:15)، فعلمه مستقل لا يتوقف علي المخلوقات ولا أعمالها، لأن الله يعلم منذ الأزل كل ما سيحدث. 3- علم الله يشمل كل الأمور في وقت واحد: فهو لم يعلم كل الحوادث والأشياء علي التتابع، بل كانت جميعها في ذهنه منذ الأزل، سواء كانت نسبة بعضها إلي بعض نسبة التتابع أو نسبة العلة إلي المعلول. فالله يتصف بالحكمة، وكثير من البشر يوصفون بأنهم حكماء، ولكن حكمة الله مطلقة وغير محدودة، بينما حكمة البشر محدودة، وهي حكمة نسبية، نسبة لما وهبهم الله من ذكاء، ومن حسن التصرف. وما نقوله عن الحكمة في هذا المجال، نقوله أيضاً عن الرحمة والجمال والمعرفة، وما شابه ذلك من الصفات. علم الله غير مقتصر علي الحوادث الكبيرة فقط، بل أصغرها: فعلمه يحيط بصفات الاشياء وجوهرها، فلا يقتصر علي الأشياء الخارجية من الصفات والظواهر كعلم الإنسان، فقد ذكر الكتاب المقدس لنا عن الله أنه "ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (عب13:4)، "عظيم هو ربنا وعظيم القوة. لفهمه لا إحصاء" (مز5:147)، "لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها" (مز4:139)، "فحتي شعور رؤوسكم جميعاً محصاة" (مت30:10)، "أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب" (رؤ23:2)، رغم أن معرفة الله مدركة منذ الأزل والحاضرة إلي الأبد كائنة أمام عينيه، إلا أنه يتكلم عن نفسه بحسب عادات البشر من التفتيش والفحص، ولكنه فاحص الأعماق الداخلية التي لا يستطيع الإنسان أن يعرفها. ومن صفات الله المطلقة أيضاً أنه غير متغير: فالمتغير يتغير لعدم معرفته بكل جوانب الأمور، وعندما يتضح له جانب لم يكن يعرفه يتغير تبعاً لهذا المعرفة الجديدة، فإذا كان هو كلي المعرفة فكيف يتغير؟! وبالتالي الله لا يفكر. |
|